تحقيق لـ”عربي بوست” يكشف تورط ضباط في حرس الحدود الليبي في تسهيل تهريب المهاجرين لأوروبا
على مدار الأيام الماضية، شهدت سواحل مصر الشمالية وبالأخص في مناطق السلوم ومطروح، ظهور جثامين لمصريين وسوريين وكذلك على امتداد السواحل حتى طبرق وبنغازي في ليبيا، جراء غرق أحد القوارب التي كانت متجهة إلى إيطاليا في البحر المتوسط، وقد تسبب غرق القارب في وفاة العشرات من الذين كانوا يحاولون الهجرة، وذلك وسط تكتم رسمي من جانب ليبيا وكذلك مصر حول ما يحدث.
انتعاش سوق الهجرة غير الشرعية داخل ليبيا، رغم محاولات من جانب طرابلس لإيجاد حلول عملية لهذه الظاهرة، بات يهدد البلد الذي يعاني من التفكك جراء حرب أهلية منذ سنوات، وقد سعى "عربي بوست" في هذا التحقيق أن يتوصل إلى العناصر الفاعلة في انتعاش هذه التجارة داخل ليبيا وكيف يدير السماسرة اتفاقاتهم مع الراغبين في الهجرة وكذلك دور حرس الحدود الليبي في تسهيل عمليات التهريب وحجم الأموال التي يتم دفعها في هذه العملية.بداية الخيط
كانت بداية الخيط من منطقة طبرق الليبية، وذلك بعد أن نشر أحد النشطاء الحقوقيين، وهو الناشط الحقوقي نور خليل، خبراً عن العثور على جثامين لمصريين وسوريين على الساحل الشمالي المصري في منطقتي السلوم ومطروح وذلك بعد غرق القارب الذي كان يقلهم في البحر المتوسط من منطقة طبرق وهم يحاولون الهروب عبر البحر إلى إيطاليا.
رحلات الهجرة تنطلق من طبرق في ليبيا- عربي بوست
تتبعنا مصير الجثامين التي تم العثور عليها في السلوم وفي مطروح، فوجدنا أن قوات حرس الحدود المصرية قامت بنقل بعض الجثامين، منهم جثمان شخص إلى مستشفى السلوم، وجثمانين لشخصين آخرين تم العثور عليهما في منطقة براني، تم نقلهما إلى مستشفى مطروح، في حين تم العثور على أربع جثامين أخرى لم يتم التعرف على هويتهم بعد.
لكن الناشط الحقوقي المصري نور خليل تحدث عن مصير القارب الذي خرج من سواحل ليبيا متجهًا في البحر المتوسط ناحية إيطاليا وقال إن القارب قد غرق وكشف عن مصير الذين كانوا على متنه، وأشار إلى أنه تم انتشال ٩ ناجين وذكر أن ثمانية منهم مصريون ومعهم شخص سوري.
وقال إن الجثامين التي تم العثور عليها في شاطئ مدينة براني في محافظة مطروح شمالي مصر كانوا أربعة جثامين وقد تم التعرف على ثلاثة منهم وهم بدر الدين عبد الله عبد الله، سوداني الجنسية، ونور الهدى خالد إدريس، سورية الجنسية، وجثمان يرتدي تيشيرت أصفر عليه رقم ٨ تعرف عليه الناجون على أنه عاطف عاطف مصري الجنسية، وجثمان متحلل، لم يتم التعرف على هويته بعد).
كما قال إنه ما زال هناك ما لا يقل عن ٢٢ مفقود/ة من بينهم أطفال – بحسب شهادات الناجين – لم يظهروا، وقال إن السلطات المصرية لمُ تعلن بشكل رسمي حتى الآن عن مصير هؤلاء الأشخاص ولم تقم بأي مهمة بحث واستطلاع في المياه المصرية للبحث عن المفقودين أو جثامينهمالرحلة الصعبة
إذا نحن أمام واقعة حديثة لغرق قارب على شواطئ مدينة طبرق الليبية قرب حدود مصر، هذه الواقعة دفعتنا للبحث عن بداية قصة التهريب وكيف يتم الترتيب لها ونرصد حجم الأموال التي يتم دفعها من أجل الوصول إلى الشاطئ الشمالي من البحر المتوسط حيث إيطاليا.
كانت البداية من جروبات الفيسبوك، حيث دخلنا في بعض الجروبات التي ترتب عملية التهريب من منطقتي طبرق وطرابلس في ليبيا، لمتابعة ما يحدث من نقاشات واتفاقات حول عملية التهريب.
دخلنا إلى جروبات التهريب الليبية والتي ينشئها ويشرف عليها سماسرة ليبيون يستقبلون رسائل الأشخاص ويجيبون عليها ويوفرون وسائل تواصل متعددة لتسهيل عملية التفاعل معهم.
"عالم موازي"، هكذا وصف أحد المصريين الذين يعيشون في طرابلس وتواصل معهم محرر "عربي بوست" بخصوص جروبات التهريب في ليبيا، إذ قال إن هذه الجروبات تعمل بكل حرية وبسلاسة دون أي تدخل من جانب السلطات الليبية كما لو كانوا في عالم موازي، إذ يتبادلون الهواتف ويرتبون مواعيد التحرك وكذلك يصورون تحرك القوارب داخل المياه، وينشرونها على الجروب وكل ذلك من باب الدعاية وطمأنة "الضحية الجديدة للتهريب".
في جروبات الفيسبوك، التي أنشأها الليبيون، لاستقبال الراغبين في الهرب إلى إيطاليا، وجدنا أحد الأشخاص وهو "الريس علاء علاء"، هكذا يطلق على نفسه في حسابه في الفيسبوك، وقد نشر العديد من صور القوارب أثناء عملية صناعتها في أحد الأماكن المهجورة وقد أحاط القوارب بحواجز بلاستيكية لإخفائها عن الأعين. هذه القوارب يتم صناعتها وتجهيزها للتحرك بها في المياه نحو أوروبا.
رحلات هجرة غير شرعية من ليبيا إلى إيطاليا واليونان-عربي بوست
الموقف الأوروبي
ورغم ما يحدث على سواحل ليبيا من اتجار بالبشر ورواج لتهريب المهاجرين عبر البحر المتوسط، كانت هناك إجراءات "عقابية" ومشددة في الجانب الأوروبي، تسعى رئيسة الحكومة الإيطالية جورجا ميلوني أن تقوم بها لوقف هذه التدفقات من البشر القادمين من ليبيا ومن تونس.
إذ إن ميلوني قد تعهدت باتخاذ إجراءات صارمة. وقد أقرت تدابير لتمديد المدة التي يمكن احتجاز الأشخاص فيها في مراكز الاحتجاز إلى 18 شهرًا وأمرت ببناء مراكز جديدة.
وقد سبق أن وقعت ميلوني اتفاقًا في يوليو/تموز 2023 بين الاتحاد الأوروبي وتونس، وتضمن دفع ملايين اليورو للدولة الواقعة في شمال إفريقيا لمنع قوارب المهاجرين من المغادرة، فضلاً عن الاستثمار في الأعمال والتعليم، وكل ذلك بهدف ردع الهجرة.
لكن لم تسفر هذه السياسة عن نتائج ملموسة في مراحلها الأولى، ولكن الآن يُنسب إلى الاتفاق، إلى جانب اتفاق آخر ــ أبرمته إيطاليا لأول مرة في عام 2017 ــ لتجهيز وتدريب خفر السواحل الليبي لمنع الناس من المغادرة، الفضل في الحد من التدفقات.
وفي هذا العام، سافرت ميلوني إلى تونس وليبيا للضغط على قادتهما لتعزيز تلك الاتفاقيات والحد من الهجرة غير النظامية بشكل أكثر دراماتيكي.
كما أبرمت إيطاليا اتفاقاً مع ألبانيا يقضي بنقل الرجال الواصلين على متن قوارب من شمال أفريقيا إلى مراكز في الدولة المجاورة لمعالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم. ولكن لم يحدث أي تقدم ملموس في هذا المخطط المعقد، والذي إذا دخل حيز التنفيذ، فسوف يكلف إيطاليا 670 مليون يورو (560 مليون جنيه إسترليني) على مدى خمس سنوات.
كما طبقت حكومة ميلوني سياسات صارمة ضد سفن الجمعيات الخيرية في البحر الأبيض المتوسط، حيث يواجه القباطنة غرامات ضخمة إذا قاموا بأكثر من عملية إنقاذ واحدة في وقت واحد.
رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني/ رويترز
لكن المثير للغرابة أنه خلال العام الأول لميلوني في السلطة، ارتفع عدد الأشخاص الذين وصلوا إلى إيطاليا بالقوارب بشكل حاد، حيث وصل الإجمالي إلى 125806 في عام 2023، أي ما يقرب من ضعف عدد عام 2022. لكن عدد الوافدين حتى الآن هذا العام انخفض إلى 44465، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية الإيطالية، وهي إحصائية نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية في السادس عشر من سبتمبر/أيلول 2024.
تنسيق الرحلات
أردنا أن نبحث عن الحسابات الإلكترونية وصفحات الفيس التي توفر المعلومات التي يحتاج إليها الراغبون في الهجرة إلى إيطاليا، وقد وجدنا حسابًا على "فيسبوك" تحت عنوان "ولادك حوران"، وهو حساب يهتم بتقديم النصائح للراغبين في السفر إلى إيطاليا من ليبيا، وكذلك يعطي إرشادات تخص حركة البحر والعواصف، وكذلك آخر أخبار السفن التي انطلقت تجاه إيطاليا، وما إذا كانت قد وصلت أو غرقت أو تم القبض عليها.
وقد فوجئنا أن الصفحة قد نشرت نصائح لكل الراغبين في الهجرة عبر البحر من ليبيا إلى إيطاليا لكي يحافظوا على أنفسهم وينقذوا أنفسهم حال تطبيق هذه النصائح، فضلًا عن ذلك وضعت الصفحة في المنشور الخاص بالنصائح، أرقام هواتف الشرطة الإيطالية واليونانية والمالطية للاتصال بها حين وصول السفينة إلى مسافة قريبة من هذه الشواطئ.
وقالت الصفحة في منشورها:" نصائح مهمة جداً جداً لمن يريد الهجرة عبر البحر، أولًا الطريقة الصحيحة لاستعمال جهاز الثرية في الفيديو المرفق، وقد قاموا بنشر فيديو يشرح كيفية استعمال الثريا".
أضافت الصفحة في منشورها:" ثانيًا سترة نجاة لا تصلح في بعض الأحيان، ولكن ننصح باستخدام الدولاب فهو الأفضل".
كما قالت الصفحة :" ننصح من لديه أطفال بشراء دولاب لكل طفل، ثالثًا وهو الأهم كمية الوقود الكافية، رابعًا أرقام خفر السواحل المتاحة 24 ساعة". وقامت الصفحة بنشر أرقام خفر السواحل الإيطالي وكذلك خفر السواحل المالطي وكذلك خفر السواحل اليوناني، ويحتفظ عربي بوست بهذه الأرقام.
جثامين مهاجرين في طبرق-عربي بوست
الاتصال بخفر السواحل الإيطالي واليوناني
للتأكد من صحة الأرقام التي نشرتها صفحة "ولادك حوران"، قمت في البداية بالاتصال برقم خفر السواحل الإيطالية، وقد رد بالفعل وقال إنه موظف الطوارئ في خفر السواحل الإيطالية، وقد كان الموظف يتحدث الإنجليزية والإيطالية، وقد قدمت له نفسي باعتباري صحفيًا أعمل على تحقيق يخص الهجرة غير الشرعية من ليبيا، فطلب معرفة هدف الاتصال، فسألته حول عدد السفن الأسبوعية أو القوارب التي تقل مهاجرين من ليبيا وتأتي إلى السواحل الإيطالية وما هي آليات تعاملكم معها؟.
رد الموظف الإيطالي بضرورة التواصل مع قسم العلاقات العامة في الخارجية الإيطالية من أجل الاطلاع على هذه التفاصيل ورفض الاسترسال في المكالمة وقال إنه لا يستطيع كشف أي تفاصيل تتعلق بعدد الرحلات القادمة من ليبيا أو حتى من تونس.
ثم قمنا بعدها بالاتصال بالرقم الذي وضعته صفحة "ولادك حوران" الخاص بخفر السواحل اليونانية، وفي البداية رد أحد الموظفين وعرف نفسه لي باعتباره موظفًا في مكتب خفر السواحل، وقال إنه غير مخول بالرد على تساؤلات الصحفيين.
ثم أحالني الموظف اليوناني إلى موظف آخر وقال لي إنه سوف يكون لديه كافة البيانات الخاصة بالسفن والقوارب القادمة من ليبيا، وحين اتصلت بالرقم الثاني الذي أعطاني إياه موظف خفر السواحل، رد موظف آخر وبعد أن عرف أني صحفي قال لي إن وزارة الخارجية اليونانية قد خصصت إيميلاً رسميًا للرد على تساؤلات الصحفيين بخصوص الهجرة غير الشرعية.
وبالفعل قمت بإرسال إيميل رسمي إلى الخارجية اليونانية وضمنت به كل الأسئلة التي أريد معرفة تفاصيلها من الجانب اليوناني، وحتى كتابة التقرير ونشره لم يصلني أي رد بعد من الخارجية اليونانية.
خفر السواحل الأوروبي يتدخل في كثير من الأحيان لانقاذ المهاجرين من الغرق-عربي بوست
لم تكتفِ صفحة "ولادك حوران"، بكتابة "إرشادات وتعليمات" لمن يرغب في السفر إلى إيطاليا عبر البحر، لكنها كانت تنشر بيانات وتفاصيل القوارب التي غرقت في البحر وتكشف عن هوية الشخص الذي قام بتنظيم الرحلة التي غرقت وفي إحدى المرات نشرت الصفحة: " طلع القارب يوم الأحد ليلاً في تاريخ 9/1 عدد الركاب 28 اثنان سودانيان وسائق القارب سوداني واثنان من الشام والباقي من درعا؛ الشباب كانوا متفقين مع المهرب أنه (فايبر) سريع محركان اثنان / ركبهم المهرب بقارب محرك واحد بقياس صغير وقارب صيد وسلبوا الجوالات كلها منهم وانكسر القارب وغرق بعد 5 ساعات من الإبحار في يوم الاثنين؛ غرق القارب حسب ما حدثني أحد الناجين كنا ننادي على سفن قريبة منا لم يسمعونا لأنهم لم يرونا ليلاً."
وقالت الصفحة إن من قام بتنظيم هذه الرحلة هو :" هو المهرب عمار الحمصي أبو أحمد. قام الحمصي بإرسال القارب في ظروف غير آمنة للإبحار ما أدى إلى غرق المهاجرين تدريجيًا بفعل الأمواج العاتية".
وفي بوست آخر نشرت الصفحة :" فاجعة جديدة قبالة #السواحل الليبية: غرق 11 مهاجرًا سوريًا (أسماء) تعرض قارب للغرق يقل 11 #مهاجرًا بينهم 9 سوريين، قبالة السواحل الليبية، خلال #محاولتهم الوصول إلى إيطاليا".
وقالت الصفحة:" #انطلق القارب في الرابع من أيلول الجاري من مدينة صبراتة الليبية، لكنه لم يتمكن من إكمال رحلته بعد تعرضه لموجة قوية، مما أدى إلى غرقه بعد أقل من خمس ساعات من #الإبحار".
كما قالت الصفحة :" #سامر الأحمد (اسم مستعار)، أحد الناجين من الحادث، قال "انطلقنا من #صبراتة على متن قارب طوله خمسة أمتار، يحمل 11 #شخصًا، بينهم أربعة من محافظة درعا وآخرون من دمشق. بعد خمس ساعات في البحر، ضربتنا موجة عالية #قلبت القارب وأدت إلى غرقه #بالكامل".
أضافت الصفحة :" #ويضيف سامر "حاولنا النجاة، لكن القارب انقلب بنا جميعًا. تمكنت أنا #وثلاثة آخرون من السباحة لمدة يومين متتاليين حتى تم إنقاذنا من قبل خفر #السواحل الليبي في #السادس من أيلول"، مشيرًا إلى أنّ اثنين من ركاب القارب من جنسيات غير سورية. تم نقلنا إلى أحد السواحل الليبية بحالة صحية متدهورة، نعاني من حروق شمسية وفقدان #للتواصل مع سبعة آخرين كانوا معنا، بينهم طفلة لا #تتجاوز السابعة من🔻 العمر".
قالت الصفحة إن من رتب هذه الرحلة هو :" مهرب ليبي يُدعى أحمد الدباشي، المعروف بـ"العمّو". قام الدباشي بإرسال القارب في ظروف غير آمنة للإبحار، ما أدى إلى غرق المهاجرين تدريجيًا بفعل الأمواج العالية".
تنسيق مع سماسرة
كان من الضروري التواصل مع سماسرة ليبيين يرتبون رحلات إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط، وقد حاولت معرفة من هم الأشخاص الذين يقومون بذلك من خلال تفحص مجموعات الفيسبوك التي أنشأها بعض الليبيين لاستقطاب ضحايا الهجرة غير الشرعية من كل الجنسيات.
وبالفعل كان الناس يتكلمون عن شخصيتين محوريتين في رحلات الهجرة غير الشرعية ويتحدثون عن " أمانتهم وإخلاصهم" في هذه الرحلات، الحساب الأول كان لشخص باسم " خالد الزاوية" ، وهو من منطقة الزاوية في ليبيا، التي تقع في الساحل الغربي لليبيا غرب العاصمة طرابلس بحوالي 48 كم، وتطل على البحر المتوسط. وتعرف رسميًا باسم الزاوية الغربية لتمييزها عن الزاوية البيضاء(مدينة البيضاء)شرق ليبيا.
المهاجر يدفع ما لا يقل عن ثلاثة آلاف دولار للسمسار لكي يذهب في رحلة عبر البحر-عربي بوست
يغلق " خالد الزاوية" حسابه على فيسبوك ولا يوجد أي معلومة تخصه أو أي تفاصيل على صفحته، أرسلت له رسالة استفسرت منه عن رحلات السفر إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط.
لم تمر ساعات حتى وجدته يرد علي، وبسؤاله في البداية عن تكلفة الرحلة قال لي أنها تتكلف ثلاثة آلاف دولار وأن دفع الأموال يكون قبل الانطلاق في الرحلة إلى " المجهول"، ورفض النقاش حول ذلك، اشترط أن يحصل على كافة أمواله قبل بدء رحلة السفر إلى إيطاليا وأخبرني أن الأمر لن يطول أكثر من أسبوع بدءًا من ترتيب العدد وتجهيز القارب ومن ثم السفر عبر البحر المتوسط.
شرحت له أني لست في طرابلس ، قال لي أن أسافر سريعًا إلى ليبيا في أقرب وقت ثم أتصل به بعدها حين أصل إلى منطقة الزاوية قرب العاصمة الليبية طرابلس وعندها سوف يرسل لي سيارة تصطحبني إلى مكانه حيث يحتجز كل الأشخاص الراغبين في السفر حتى يكتمل العدد النهائي.
تساءلت وأنا أتناقش معه، كيف تتم رحلة السفر؟ قال إنه في بداية الأمر يرتب مع " أصدقائه في حرس الحدود " الذين يعملون معه في تهريب البشر، لكي يخبروه بالتوقيت المناسب الذي يجب عليه أن ينطلق بالقارب في البحر وهو الوقت الذي تكون فيه الرقابة الأمنية ضعيفة أو مختفية تمامًا. أو أن يخبروه أصدقاؤه بموعد عملهم في حراسة الشواطئ، فيتم ترتيب القارب للتحرك في توقيت عمل أصدقائه حتى يتغاضوا عن تحرك المهاجرين وعادة ما يكون ذلك بعد منتصف الليل.
فقلت له في حال أن التنسيق مع أصدقائه فشل واستطاعت قوات الأمن الليبية القبض على القارب واعتقال من فيه، فماذا سيفعل في هذه الحالة؟ قال بكل وضوح أن الشرطة تقوم باصطحاب المهاجرين إلى سجون وأماكن احتجاز، **وعليه يقوم هو بالتدخل لدى أصدقائه في الشرطة وإخراج هؤلاء المحتجزين من المهاجرين لكي يبدأوا رحلة الهجرة من جديد؟!.
بطبيعة الحال دارت هذه النقاشات عبر رسائل الفيسبوك واحتفظ بها كوثيقة دالة على " اعترافات " السمسار الليبي حول علاقته بحرس الحدود الليبي ومدى مشاركتهم في تهريب المهاجرين عبر البحر المتوسط.
مهاجرين -عربي بوست
أما الشخصية الثانية محل " الثناء " على جروبات الفيس فهو حساب تحت اسم " الحاج علاء الزواري"، وقد عرفه الناس باعتباره أحد السماسرة " الذين يثقون فيهم" وأنه ينظم رحلات كثيرة منذ سنوات. قدمت له نفسي باعتباري أحد الراغبين في السفر إلى ليبيا من أجل الهجرة إلى إيطاليا وحين سألته في رسائل فيسبوك حول تكلفة الرحلة قال إن التكلفة لا تزيد عن 2300 دولار وبذلك يكون سعر رحلته أقل تكلفة من سعر رحلة خالد الزاوية التي أخبرني أنها تتكلف 3 آلاف دولار.
طلب مني وصول العاصمة طرابلس والانتظار في الميدان المعروف في قلب العاصمة ثم الاتصال به حتى يرسل لي سيارة من أجل أن تصطحبني إليه في المكان الذي يعمل منه وهو منطقة صبراتة، وهي مدينة ليبية تقع في شعبية الزاوية في ليبيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط وعلى بعد حوالي 70 كم غرب مدينة طرابلس.
قال لي إن الرحلة من سواحل ليبيا إلى إيطاليا سوف تستغرق ثماني ساعات وأنه يستخدم زوارق سريعة متطورة في نقل الأفراد وأشار لي إلى أن عدد كل رحلة لا يزيد عن 35 شخصًا في كل زورق سريع، وقال إن الترتيب للرحلة يستغرق يومين فقط لا أكثر، حتى يتم تحريك الزورق في المياه نحو إيطاليا.
سألته حول التنسيق مع الأمن الليبي قال لي " أنا أصلا ضابط في حرس الحدود الليبي"، وأنه ينسق مع الحرس من أجل تسهيل عملية تحريك الزوارق بالمهاجرين في البحر المتوسط.
أما بخصوص دفع تكاليف الرحلة قال لي إنه من الممكن أن يكون هناك طرف ثالث ذو ثقة يحتفظ بالأموال وإذا ما تحرك الزورق في البحر المتوسط يقوم هذا الطرف الثالث بدفع الأموال للسمسار.
وقد كان السمسار " حنونًا!" حين أخبرني أنه سوف يشتري لي ملابس أعبر بها البحر المتوسط ونصحني بعدم اصطحاب أي ملابس معي لأنه سوف يوفر لي ما أحتاجه من ملابس حتى الوصول إلى إيطاليا!.
مصير مجهول يواجه المهاجرين عبر البحر المتوسط-عربي بوست
مخازن المهربين
مما رصدناه كذلك في التحقيق حول الاتجار بالبشر في ليبيا أن المهربين يقومون بـ" تخزين " الراغبين في الهجرة إلى أوروبا في أماكن غير آدمية سواء ناحية طبرق أو ناحية العاصمة طرابلس وكثيرًا ما تقوم الشرطة الليبية بتتبع هذه الأوكار وتحرير المهاجرين منها.
وفي الأيام القليلة الماضية تم تحرير عدد من المهاجرين داخل مخزن أحد المهربين في منطقة باب الزيتون شرق طبرق بـ 15 كيلو متر وقد كان المخزن يضم عشرات المصريين والسوريين والباكستانيين.
التواصل مع الداخلية الليبية
كنا حريصين على السماع إلى رواية وزارة الداخلية الليبية لمعرفة إجراءات مناهضة التهريب والموقف من ضباط حرس الحدود الذين يشاركون في تسهيل عملية التهريب إلى أوروبا، وقد تواصلنا مع القسم الإعلامي في وزارة الداخلية الليبية في العاصمة طرابلس لكن لم نصل لنتيجة.
إذ تعلل موظف الإعلام أنهم غير مخولين بالرد على تساؤلات الصحفيين حول دور الداخلية في هذه القضية وأنه يجب التواصل مع وزارة الخارجية الليبية للحصول على الموافقات اللازمة من أجل القدرة على الحصول على أي تصريح سواء من الداخلية أو الخارجية.
ضباط في ليبيا يشاركون في عملية التهريب-عربي بوست
في المقابل طرحنا على العميد عادل عبدالكافي المستشار العسكري الليبي بعض التساؤلات حول قدرة الحكومة الليبية على مواجهة قضية تهريب البشر، لكنه قال إن هذه القضية أكبر من قدرات ليبيا وأنها باتت قضية دولية.
كشف كذلك في تصريحاته لـ" عربي بوست" أن هناك فسادًا كبيرًا في وزارة الداخلية الليبية بخصوص تهريب المهاجرين وأن هناك ضباط كبارًا في وزارة الداخلية يتكسبون من عملية تهريب المهاجرين إلى أوروبا.
يجب الإشارة إلى أن ليبيا سبق أن عقدت في يوليو/ تموز 2024، مؤتمرًا دوليًا تحت إشراف حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بحضور ما يزيد على عشرين دولة، وعلى رأسهم إيطاليا، لمناقشة أزمة الهجرة غير الشرعية، وكيفية مواجهتها في ظل تزايد تدفق الأشخاص الراغبين في الهجرة من ليبيا إلى أوروبا في الشهور الماضية.
حتى أن ليبيا شهدت تدفق ما يزيد على 170 ألف شخص شهريًا في شكل مهاجرين غير شرعيين من دول أفريقية كثيرة من أجل الوصول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وهي الإحصائية التي ذكرها وزير الداخلية الليبي عماد الطرابلسي في تصريحات على هامش المؤتمر في العاصمة طرابلس.
مهاجرين في البحر-عربي بوست
إيطاليا وعلى لسان رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، قالت في المؤتمر إن معالجة تدفقات الهجرة تحتاج إلى "نهج شامل"، قادر على معالجة القضية بطريقة شاملة، وأنه يجب وضع حد نهائي لذلك.
تضمن منتدى الهجرة عبر البحر المتوسط، التأكيد على ضرورة محاربة الهجرة غير الشرعية، والحديث عن تعاون أوروبي أفريقي في مسار منع الهجرة من جنوب المتوسط إلى شماله.
كانت وكالة الأنباء الإيطالية "نوفا"، قد قالت في وقت سابق إن ليبيا احتلت المرتبة الأولى في عدد المهاجرين المتجهين إلى إيطاليا منذ بداية عام 2024 حتى 5 يوليو/تموز 2024، بحوالي 14,755 مهاجرًا، ما يمثل انخفاضًا بنحو 60% مقارنة بعام 2023.
اجمالي القراءات
389