صفقة منجم ذهب السكري... هل تفرط مصر في ثرواتها؟
أثار استحواذ رابع أكبر شركة لإنتاج الذهب في العالم، أنغلو غولد أشانتي، على سنتامين الأسترالية صاحبة امتياز استغلال منجم ذهب السكري جنوب مصر، زوبعة في الرأي العام المصري، حول عدم استفادة الدولة من الصفقة بين شركتين أجنبيتين، بدون وجود طرف مصري داخلها.
عبر المصريون عن غضبهم مع ظهور أخبار الصفقة، على وسائل الإعلام الدولية، من دون معلومات مسبقة من الجهات المعنية في الدولة.
وساد اعتقاد لدى الجمهور أن صفقة شراء الأسهم التي دفعتها أنغلو غولد أشانتي بنحو 2.5 مليار دولار، لشركة سنتامين، تمت مقابل حق الملكية في منجم السكري.
وأنغلو غولد أشانتي هي شركة تعدين للذهب من جنوب أفريقيا، تأسَّست سنة 2004 من اندماج شركتي أنغلوغولد ومؤسسة أشانتي غولدفيلدز.
اتهامات بالتفريط في الثروات
اتهم النشطاء المسؤولين بالتفريط في ثروات الشعب، بالسماح لشركات أجنبية بالسيطرة على أكبر منجم ذهب في البلاد، لتصبح الشركة الأولى عالمياً بإنتاج الذهب، بينما خرجت مصر خالية الوفاض، مما اضطر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وقيادات وزارة البترول، إلى التصدي لتلك الحملات، حيث رأوا في الصفقة شهادة دولية على قدرة الاقتصاد على جذب استثمارات أجنبية مباشرة في صناعات تعدينية رفيعة، تمكن الدولة من زيادة مواردها من النقد الأجنبي.
اجترت الصفقة ذكريات مؤلمة، لدى المواطنين حول شبهات الفساد التي شابت منح الفرعونية للذهب وخليفتها سنتامين مصر امتياز التشغيل والإدارة لمنجم السكري، الذي يعد الأكبر من نوعه على مستوى العالم لإنتاج الذهب من منجم مفتوح فوق سطح الأرض.
أشعل رئيس مجلس الوزراء نيران وسائل التواصل، عقب ظهوره نهاية الأسبوع الماضي في مؤتمر صحافي، قائلاً فيه إن صحت الأخبار المتداولة بشأن الاستحواذ من شركة أخرى على أسهم سنتامين، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من حصة مصر من الأرباح، مما أعطى انطباعاً لدى المواطنين بأن الصفقة تمت من وراء الحكومة، بينما نشرت وكالات الأنباء تفاصيل تظهر أن المباحثات استغرقت 3 أشهر بين الطرفين، أُجري بعضها في القاهرة، بحضور مسؤولين بوزارة البترول.
أضاف مدبولي مساء الأربعاء الماضي، أن العقد المبرم مع سنتامين الخاص بمنجم السكري يشمل بنوداً واضحة وصريحة، لا جدال فيها، مشدداً على أنه يتضمن حقوق الدولة المصرية، ويحتفظ بحصتها في أسهم الشركة والأرباح، حتى لو حدث استحواذ من شركة أخرى على سنتامين.
جاءت تصريحات مدبولي بعد يوم من إصدار الرئيس التنفيذي لشركة أنغلو غولد أشانتي ألبرتو كالديرن بياناً أعلن فيه أن شركته استحوذت على أصول عالية القيمة، بعد موافقة مجلس الإدارة على شراء المنافس الأصغر سنتامين، المشغلة لمنجم السكري أحد أكبر مناجم الذهب في مصر، بصفقة أسهم ودفع نقدي قيمتها 2.5 مليار دولار.
بلغ إنتاج الذهب في شركة أنغلو غولد 2.6 مليون أوقية عام 2023، متوقع أن يصل إلى 3 ملايين أوقية، مع إضافة إنتاج منجم السكري في نهاية العام الجاري، بالإضافة إلى خفض التكاليف النقدية وتكاليف الاستدامة الشاملة، ورفع أصولها من الفئة الأولى، وفقاً لبيان الشركة لبورصة نيويورك.
أكدت وزارة البترول أن شركة السكري لمناجم الذهب ستظل مشتركة بين الشركة المستحوذة على سنتامين بنسبة 50% وهيئة الثروة المعدنية التي تمتلك 50% من حصة الشركة.
صفقة غير مفيدة للدولة
قالت خبيرة سوق المال حنان رمسيس لـ،" العربي الجديد" إن منجم السكري مملوك للدولة، بينما الاستحواذ قاصر على حق إدارة وتشغيل المنجم، وفقاً لامتياز خاص مدته 30 عاماً، مؤكدة أن حصص الأرباح من عوائد البيع بعد حساب تكاليف التشغيل والإدارة، ستظل ثابتة مناصفة بنسبة 50% للطرف الحكومي و50% للشريك الأجنبي، مع دفع 3% إتاوة سيادية، على العائد، لصالح الدولة.
أشارت رمسيس إلى أن الدولة غير مستفيدة مادياً من إتمام الصفقة، إلا إذا التزم الشريك الجديد بزيادة الإتاوة السنوية، إلى 5% المستهدفة من جانب الحكومة منذ عامين، وتمكين السلطات الرقابية من مراجعة حسابات التكاليف والمرتبات الهائلة التي تدفع للأجانب اقتطاعاً من قيمة الأرباح، بما يحرم الدولة من زيادة عوائد الإنتاج والأرباح المقدرة، خاصة مع الزيادة الهائلة في سعر الذهب بالبورصات العالمية.
أكدت رمسيس أن إجراءات الاستحواذ على الأسهم التي تجري بين الشركات في البورصات الدولية لا تحتاج إلى موافقة من الحكومة، مما يجعل بنودها المالية والفنية سرية، وبعيدة عن الأجهزة الرسمية في الدولة، منوهة إلى أن اتفاقية الشراكة بين هيئة الثروة المعدنية وسنتامين تشترط على أنه في حالة تنازلها عن أسهمها لأي شركة أخرى اعتماد وزارة البترول نيابة عن الحكومة لإجراءات البيع، مع إخطار جهاز حماية المنافسة التابع لوزارة الصناعة لقيد الإجراء والتأكد من عدم وجود أخطار احتكارية من عملية الاستحواذ.
ضجة بسبب عدم الشفافية
أوضحت أن اللغظ الذي واكب إتمام الصفقة يرجع إلى عدم الشفافية في إتمامها من جانب الأجهزة الرسمية، وخلط البعض بين حق ملكية الدولة للمنجم وحق الإدارة والتشغيل الذي يعتمد بمدد قابلة للتجديد، مع شعور المواطنين بأنهم يمتلكون ثروات قومية هائلة، لا يمكنهم التمتع بعوائدها، وسط أزمة اقتصادية خانقة للمصريين.
تمنح الصفقة أنغلو غولد حق وإدارة وتشغيل منجم السكري، مستفيدة من قيام شركة سنتامين بتجديد المعدات وإعادة تصنيف المنجم باعتباره أحد أفضل الأصول لإنتاج الذهب المكشوف على مستوى العالم، مع توظيف إدراج اسمها في بورصة نيويورك، في دعم محفظتها، مستفيدة من ضمها المنجم وآخر تابعاً للشركة الأسترالية بدولة ساحل العاج، وسط ارتفاع سعر الذهب لتحقيق عوائد هائلة.
قصة منجم السكري وشبهات الفساد
يعود استخراج الذهب من منجم السكري إلى عهد الفراعنة الذين برعوا في استخلاصه ومعالجته، وإنتاج كميات هائلة من المعدن الأصفر، سجلت أعمالها على منذ 4 آلاف عام على جدران المعابد، وتظهر تشكيلاتها في الكنوز الثمينة بالمتاحف، كما سجلت إنتاجاً ضخماً في العهد الملكي، مكن الدولة من امتلاك غطاء ذهبي قوي للجنيه.أعادت الدولة توظيف المنجم للإنتاج، في تسعينيات القرن الماضي، وسرعان ما باع مسؤولون في هيئة الثروة المعدنية التابعة لوزارة البترول، خرائط الاستكشاف الأولية بثمن بخس بقيمة 500 ألف دولار للشركة الفرعونية لمناجم الذهب التي أصبحت شريكاً بالمناصفة مع الهيئة العامة للثروة المعدنية، عام 1994، بملكية حق التشغيل والإدارة، بفترة امتياز تصل إلى 30 عاماً، من تاريخ الإنتاج.
أثارت الصفقة، زوبعة داخل مجلس النواب والصحف الحزبية والمعارضة، في حينه، إذ أشارت إلى وجود فساد في عمليات الإسناد إلى الشركة الفرعونية واعتماد صرفها ملايين الدولارات على عمليات استكشاف نفذتها الجهات الحكومية، واستفادت الدولة منها لعدة قرون.
خلفت سنتامين مصر محل الفرعونية لمناجم الذهب، عام 2005، بموجب اتفاقية تمنح هيئة الثروة المعدنية، وسنتامين مصر امتياز حق التنقيب عن الذهب والمعادن واستغلالها مناصفة، على مساحة 160 كيلومتراً مربعا في الصحراء الشرقية على مسافة 30 كيلومتراً جنوب ميناء مرسى علم على البحر الأحمر، بما فيها منجم السكري، مع إطالة فترة الامتياز بجعلها تبدأ من أول إنتاج تجاري، واسترداد تكاليف الإنتاج وبدء توزيع الأرباح مع إمكانية التمديد للعقد بناء على طلب الشركة.
تظهر وزارة البترول أرقاماً متضاربة حول موعد بداية الإنتاج للذهب، فتارة تظهر أنها دشنته عام 2009 وعلى موقعها تعلن أن الإنتاج التجاري بدأ في مارس/ آذار 2010، بينما تؤكد بياناتها الرسمية أن تقاسم الأرباح عن الإنتاج التجاري، مع الحكومة بدأ في عام 2016، بعد استرداد سنتامين تكاليف التشغيل.
تشير البيانات إلى اكتفاء وزارة البترول بتحصيل 3% من إجمالي إيرادات منجم السكري، منذ عام 2010، وفقاً للاتفاق مع سنتامين تمثل حق الدولة باعتبار ذلك إتاوةً سياديةً على الشركة، بينما شرعت الحكومة في تحصيل 40% من الأرباح عامي 2016 و2017، و45% في عامي 2018 و2019، و50% اعتباراً من عام 2020، بالإضافة إلى الإتاوة السيادية التي تعد جزءاً من العقد الأولي للمشروع.
حملة أسهم إسرائيليون
يبدي خبراء دهشتهم من عدم سعي الحكومة للاستحواذ على الصفقة، لصالح 3 شركات عامة جديدة أقامتها في مارس 2019، من بين 11 شركة حصلت على امتياز التنقيب عن الذهب في جبال البحر الأحمر، ومنها "شلاتين" التابعة لوزارة البترول، والشركة الوطنية المملوكة للجيش، مشيرين إلى أن احتياطات المنجم التي تبلغ نحو 6 ملايين أوقية، تعد من أكبر احتياطيات المناجم على مستوى العالم.
يشير خبراء إلى أن استحواذ أنغلو غولد التي تقع إدارتها بمدينة دنفر بولاية كولورادو الأميركية على سنتامين مصر سيضعها ضمن محفظة مالية كبيرة للشركة الجديدة، التي تمتلك 10% من شركة "بلاك روك" التي يساهم فيها حملة أسهم من جنسيات عديدة، من بينها إسرائيل، بالإضافة إلى ارتباطها بشركات تعدين أخرى في دبي تهيمن على إدارة المناجم والبحث عن الذهب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من بينها مناطق الصراع العسكري بين الجيش والمتمردين بالسودان.
توقعت سنتامين التي يقع مركزها الرئيسي في أستراليا والمسجلة في بورصة لندن، بأن يصل متوسط تكلفة إنتاج الأونصة نحو 922 دولاراً، مما يجعل المنجم في النصف الأدنى من مستويات التكلفة عالمياً.
نظمت سنتامين حملة ترويجية للمنجم منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تظهر انخفاض تكاليف التشغيل، لحصول المنجم على الكهرباء والوقود بأسعار مدعومة من الحكومة، هي الأقل في المشروعات المماثلة عالمياً، مع تمتعه بانبعاثات كربونية مخفضة، وقدرته على تشغيل الإنتاج من محطة طاقة شمسية، بقدرة 36 ميغا وات، مما يجعله من أفضل المشروعات التي تحافظ على البيئة المستخدمة للطاقة الخضراء. وضعت سنتامين خطة تستهدف زيادة إنتاج المنجم، إلى 506 آلاف أونصة، خلال الفترة من 2024 إلى 2032.
فصح المدير التنفيذي لسنتامين مصر مارتن هورغان، أمام المشاركين في منتدى التعدين الذي نظمته وزارة البترول في يوليو/ تموز 2024، عن حصول الحكومة المصرية على أكثر من مليار دولار، من عوائد إنتاج 5.8 ملايين أونصة ذهب، منذ بدء الإنتاج التجاري.
أوضح هورغان إنفاق سنتامين 450 مليون دولار العام الماضي على مشروعات تطوير المعدات لزيادة عمر الإنتاج من المنجم، وإدخال تقنيات حديثة تساهم في رفع الإنتاج، ومعدلات الاستكشاف للمعدن الأصفر. أشار بيان للشركة إلى أن أسعار الذهب المرتفعة مكنتها من الحصول على تدفقات بالدولار، خلال يوليو وأغسطس/ آب 2024، بقيمة 75.5 مليون دولار، مقارنة بنحو 43 مليون دولار حققها في النصف الأول من العام الجاري.
تصريحات متناقضة
تأتي تصريحات هورغان متناقضة مع ما تظهره الشركة للجانب المصري، من تراجع في عوائد إنتاج الذهب المسجلة خلال الربع الأول من العام الجاري. وبمراجعة الميزانية المعلنة من جانب الشركة رصدت "العربي الجديد"، تسجيل إيرادات بقيمة 733 مليون دولار من عوائد مبيعات بلغت 407 آلاف و252 أونصة ذهب بمتوسط سعر ذهب محقق عام 2021 بنحو ألف و797 دولاراً للأونصة، وزيادة الأرباح المعدلة قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بقيمة 329 مليون دولار بزيادة 45% عن عام 2020، وأرباح قبل الضرائب بقيمة 154 مليون دولار، وربحية أساسية بقيمة 8.8 سنتات للسهم.
يشير التقرير المقدم لبورصة لندن إلى توفير الشركة 71 مليون دولار من التكاليف عام 2021، مع استهداف زيادتها إلى 150 مليون دولار في 2024، بينما تراجعت حصة مصر من أرباح مبيعات ذهب منجم السكري إلى 75.2 مليون دولار عام 2021، مقابل 174.2 مليون دولار عام 2020، مع انخفاض الإتاوة السيادية التي تحصل عليها الدولة من سنتامين عن عوائد بيع الذهب في المنجم إلى 21.67 مليون دولار، مقابل 24 مليون دولار خلال الفترة نفسها.
يرجع خبراء التناقض بين أرقام الميزانية الرسمية للشركة التي تطرحها على المساهمين وتفصح عنها في بورصة لندن، إلى وجود نصوص فضفاضة في اتفاقية الامتياز، التي تمنحها الحكومة لمشروعات التعدين وإنتاج النفط والغاز، لا تسمح للجهات الرقابية بمراجعة مصروفات الشريك الأجنبي على تكلفة المعدات والإنتاج والمرتبات، حيث تكتفي الأطراف المحلية بتسلّم كشوف النفقات الموجهة من الشركات الأجنبية، واعتماد ما تحصل عليه من عوائد من دون القدرة على الولوج إلى كلّ المعلومات التي يمكن على أساسها الحصول على حقوق الدولة، بطريقة دقيقة ومحاسبية سليمة.
وسبق أن تقدم رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بعرض لإدارة منجم السكري وتشغيله، عام 2020، ولم تبت الحكومة في العرض، مما دفعه إلى المساهمة في مشروعات بديلة بجنوب أفريقيا.
اجمالي القراءات
217