الغفران لا يغير الماضي لكنه يمكن أن يحدد معالم المستقبل

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٤ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


الغفران لا يغير الماضي لكنه يمكن أن يحدد معالم المستقبل

الغفران لا يغير الماضي لكنه يمكن أن يحدد معالم المستقبل

  • الغفران والنسيان؛ كلمتان كثيراً ما سمعناهما من أناس مقربين أو غرباء، وكثيراً ما رددناهما على مسامع أناس آخرين من دون أن نعي بأنهما كلمتان كلما اقتربتا في المظهر كلما تنافرتا في المعنى العميق؛ المعنى الذي يؤكد بأن النسيان ليس بالضرورة أن يعني الغفران كما أن الغفران لا يمكن أن يعبد الدرب للنسيان.

الغفران نهاية لدورة حياة سلبية

بالطبع، الجميع يخطئ والجميع يُرتكب بحقه أخطاء من قبل الآخرين، فيما ترشدنا لغة الاعتذار التلفظ بكلمة “آسف” في كل مناسبة مهما كانت طبيعة الخطأ، كلمات الاعتذار تدربنا على أن نرددها منذ نعومة أظفارنا ومع تعلمنا للكلام، لكننا لم نتعلم معها لغة الغفران، كيف نغفر ذنباً أو خطأً ارتكبه الآخرون في حقنا وسبب لنا جروحاً عميقة، أو غير في حياتنا ومصائرنا.

في مقالها الأخير في مجلة “علم النفس” الأميركية، تؤكد الدكتورة سامانثا بوردمان؛ أستاذة الطب النفسي السريري، في كلية طب وايل كورنيل، تؤكد على أهمية موضوع الغفران وتأثيره على صحتنا النفسية والجسدية.

وترى بأن الغفران موضوع أكثر تعقيداً مما قد نعتقد، الغفران في قاموس اللغة يعني إعفاء كلّي أو جزئي من عقوبة زمنية جرّاء اقتراف خطأ أو ذنب ما، التخلي عن حقنا في الاستياء والمطالبة بالتعويض عمّا تكبده الآخر بحقنا من آلام وجروح نفسية، قد لا تلتئم.

أما الدراسات العلمية التي تناولت موضوع الغفران، فهي أقل تعقيداً من تعريفه؛ إذ أنها تسلط الضوء على فوائد الغفران على الصحة النفسية للأفراد، فيما أن فوائده للصحة الجسدية لا تعدّ وأهمها إسهامه في خفض ضغط الدم والكوليسترول، وكذلك إنخفاض الكورتيزول (الإجهاد الكيميائي في أدمغتنا)، وتقليل احتمالات الإصابة بالأمراض القلبية وأمراض الأوعية الدموية، كما يسهم في انخفاض معدل الوفيات! الغفران، مركّب سحري يمكنه أن يدعم بقوة نظام مناعة أجسادنا.

في ما يتعلق بالحياة النفسية، يرتبط الغفران بالتصالح مع النفس وحياة خالية من الضغوط النفسية والتوتر، بالعلاقات الاجتماعية الناجحة، العلاقات العاطفية التي يطول دوامها والزيجات الناجحة أيضاً.

أما في المجال الروحي، فيخبرنا الدكتور جورج فيلانت؛ أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد الأميركية واختصاصي علم نفس النمو، بأن الغفران نهاية لدورة حياة سلبية تمنحنا الفرصة لتطوير شخصياتنا والشفاء من أمراضها، حيث يصفها بكونها تجربة تحويلية (فجأة، يتم تحويل رغبتنا بالانتقام من الآخر في استجابة متبادلة تبدو بلا نهاية، واستبدالها بخيار التسامح والسلام النفسي)، وهذا من شأنه أن يغلق دائرة الصراع واجترار الخلافات والوصول بالعلاقات إلى مكان آمن ومسالم.

أهمية التعاطف والتسامح مع الآخرين تكمن في تذكر الأوقات السعيدة التي مرت في علاقاتنا، حتى وإن كانت قصيرة

من ناحية أخرى، يبدو أن للغفران من وجهة نظر فيلانت، شروطا وظروفا خاصة؛ فالغفران لا يأتي تنفيذا لطلب أو رغبة من أحد كما أنه لا يأتي بالإكراه، وهو بالطبع لا يتعلق بتقبّل الاعتذار من الشخص المخطئ وأيضاً لا يعني الصفح عن مجرم وقاتل مثلاً.

الأهم من ذلك، فإن الغفران والنسيان لا يلتقيان بالضرورة وهذا على عكس المفهوم الشائع الذي يرى في النسيان كشرط وارد بل واجب لحدوث الغفران، فالغفران قد لا يعني بالضرورة نسيان ما حدث.

ويؤكد فيلانت على أن الوقت عامل آخر لا يقل أهمية في هذا المفهوم؛ فنحن نحتاج إلى وقت قد يطول كثيراً حتى نتمكّن من أن نغفر وأن نسامح الآخرين.

يبحث الكثير من الناس، خاصة من الطرف الذي ينتظر من الآخرين أن يعفوا عنهم، عن وصفة سحرية للغفران، طريقة ما تجعله أمر يسهل تطبيقه والالتزام بخطواته كطريق سهلة مرسومة مسبقاً، إلا أن الأمر ليس كذلك بطبيعة الحال؛ فالغفران أمر شخصي وذاتي إلى حد كبير تختلف صيغته وشكله باختلاف الظروف والأشخاص، فيما تشير بعض الدراسات في هذا الإطار إلى أن العفو والتسامح مرتبطان بطبيعة التعاطف الذاتي للأفراد.

ووفقاً لفيلانت، فإن القدرة على التعاطف وتصوّر مستقبل بديل للعلاقة بين الطرفين ضروري جداً لجعل التسامح أمر ممكن. في نهاية المطاف، الغفران يعني مغادرة الماضي والتوجه إلى المستقبل.

في كتابها “طريق السعادة” ترى سونجا ليوبوميرسكي بأن أهمية التعاطف والتسامح مع الآخرين تكمن في تذكر الأوقات السعيدة التي مرت في علاقاتنا مع الآخرين، حتى وإن كانت قصيرة أو محدودة، أي موقف أو كلمة من الماضي يمكنها أن تزيل عن أعيننا الغشاوة ومن أنفسنا، الرغبة في الانتقام من الآخر ورد الصاع صاعين.

ويرى البعض من الناس في التسامح نوعا من الضعف والانكسار، وهو قد يكون صحيحاً إلى حد ما، لكن الانكسار يكون في الأغلب بسبب الخطأ والظلم الذي وقع على الشخص المعني، يحتاج معه في العادة وقت قد يطول من الصمت والتفكير ووزن الأمور واستعادة الأسباب وظروف الإساءة التي تعرّض لها.

محاولة الغفران والتسامح، ربما تبدأ بخطوة صغيرة تواجهها البعض من العراقيل وأولها التردد في اتخاذ القرار فهي تحدث في داخلنا في المرتبة الأولى وتحتدم مع شعور بجرح الكرامة، لكنها إن تجاوزت هذه المعرقلات فبإمكانها أن تطهّر الروح من ثقل الإحساس بالظلم، إنها نوع من الحرية، الحرية في امتلاك زمام نفسك مرة أخرى ومن الالتفات خلفك، الماضي الذي خذلك وسبب لك جرحاً ظننته لن يندمل.

وتؤكد سانجا بأن التسامح سيصبّ في هدف أهم من الآخر وأهم أيضاً من طبيعة علاقتنا به؛ سيصبّ في نظرتنا عن أنفسنا وشعورنا بالرضا عنها، هذا الاعتداد بالذات وتحسس قوتها وصبرها وبأننا نمتلك أن نعفو وأن نغفر ونتسامى على مشاعر الحقد والغضب، هو الذي يحقق سلامنا النفسي.

الغفران لا يمكنه أن يغيّر الماضي بالطبع، لكنه يمكن أن يحدد معالم المستقبل.

اجمالي القراءات 2005
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق