الخليج لم يعد كما كان.. تحديات متزايدة تواجه العمالة الأجنبية

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠١ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


الخليج لم يعد كما كان.. تحديات متزايدة تواجه العمالة الأجنبية

الخليج لم يعد كما كان.. تحديات متزايدة تواجه العمالة الأجنبية

 

  • يقول محمود عبدالرزاق، وهو طبيب بيطري مصري عاد لتوّه من السعودية بشكل نهائي، إن الخليج “لم يعد كما كان للوافدين”، وهي عبارة يرددها اليوم الكثيرون من أمثال عبدالرزاق من العمالة الأجنبية العائدة من دول خليجية لأسباب عديدة منها السياسات الجديدة التي بدأت تتبعها دول الخليج العربي لمواكبة تغييرات كثيرة أدت إلى وضع خطط التوطين وتقنين أوضاع العمالة إلى جانب فرض ضريبتي القيمة المضافة والانتقائية، ناهيك عن نفقات المعيشة المرتفعة.

الحاجة إلى العمالة الوافدة باقية لكن بشروط وقوانين منظمة

دبي – رافق تدفق النفط، قبل أكثر من 60 عاما في دول الخليج العربي، تدفق متواز للملايين من الأيدي العاملة الأجنبية، ولعدد كبير من الشركات النشطة في العديد من المجالات الاقتصادية والاستثمارات. وأضحت دول الخليج العربي ولا سيما بعد طفرتي النفط الأولى والثانية في منتصف السبعينات وبداية الثمانينات البديل الرئيسي لأوروبا بالنسبة إلى الكثير من اليد العاملة العربية والأجنبية.

وعلى امتداد عقود، شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تحولات كبرى. ومع تطوير قطاعاتها الاقتصادية من النفط والغاز عرفت نموا هائلا في دخلها من العملة الصعبة وفي عدد سكانها إلى حد أنها غدت أكبر دول مستوردة للعمال الأجانب في العالم، حيث يعيش فيها اليوم حوالي 17 مليون أجنبي ويرتفع العدد إلى 23 مليونا أو أكثر بعد إضافة عائلاتهم، أي قرابة نصف سكان الخليج وعددهم 48.8 مليون شخص، بحسب أرقام رسمية.

مع الوقت، وتغيّر الكثير من المعطيات، بدأ الخليج يتغير، وبدأت تظهر سياسات جديدة تقلص من الاعتماد الكلي على اليد العاملة الأجنبية، بعضها مرتبط بالجانب الاقتصادي، حيث يرى فخري الفقي، المستشار السابق في صندوق النقد الدولي، أن “تباطؤ معدلات النمو يدفع للمزيد من الإجراءات”، لافتا، في تصريحات نقلتها عنه وكالة أنباء الأناضول، إلى أن “إقرار نظم ضريبية ورفع أسعار المحروقات، هي أبرز الحلول التي وضعها صندوق النقد الدولي للخفض من آثار الأعباء الاقتصادية”.

ورسميا، أعلنت السعودية عن البدء بتطبيق فرض رسوم على العمالة الأجنبية، ومرافقيها اعتبارا من يوليو الجاري، بواقع 100 ريال سعودي (26.6 دولارا) عن كل مرافق. ويرتفع الرسم الشهري عن كل مرافق، إلى 200 ريال (53.3 دولارا) العام المقبل، و300 ريال (80 دولارا) في العام اللاحق له، و400 ريال (106.6 دولارات) بحلول 2020.

من الأسباب الأخرى التي أدت إلى رسم خطط جديدة جعلت، وكما يقول البعض من العمالة، “الخليج العربي لم يعد كما كان للوافدين”، سياسات التوطين التي بدأت الدول الخليجية في تطبيقها، لتحقيق التوازن في سوق العمل بين العمال الأجانب واليد العاملة من المواطنين مع ارتفاع مستوى التعليم وتصاعد مطالب التوظيف في صفوف الشباب.

ويذهب الدبلوماسي البريطاني السابق والباحث المتخصص في شؤون المنطقة العربية أوليفر مايلز إلى أبعد من ذلك متحدثا عن دور الذكاء الاصطناعي وعلم الروبوتات وإقبال دول الخليج العربي على التطورات التكنولوجية في تقليص اعتمادها على العمال الأجانب في المستقبل.

محمد العسومي: لا بد من استقطاب الكفاءات الأجنبية مع التقليل من العمالة الفائضة والهامشية

ويرى مايلز أنه قد تكون الإمكانات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي وعلم الروبوتات مغرية حيث ستكون الكثير من الوظائف التي تقوم بها العمالة الوافدة حاليا عرضة للمكننة. وهذا أمر مرجح بأن يحدث في كل أنحاء العالم، لكن بما أن الدول الخليجية تملك الأموال اللازمة لشراء المعدات يمكن أن يحدث ذلك في الخليج في وقت مبكر وأسرع من أماكن أخرى.

وإن ثبتت صحة هذا التخمين عندها يمكن أن تنخفض الحاجة إلى العمالة الوافدة بحدة، ومن ثم سيكون تأثير ذلك على اقتصاديات البلدان المرسلة وكذلك على التركيبة السكانية للخليج تأثيرا كبيرا.

ويرى الخبير الاقتصادي محمد العون، أن تأثر العمالة الأجنبية بالخليج يعتبر أمرا طبيعيا في ظل التطورات والتغيرات المتلاحقة في سوق العمل الخليجي، سواء بفرض رسوم على الوافدين أو خطط إعادة توطين العمالة كحل للقضاء على البطالة.

وبين العون، في تصريحات صحافية، “أن تلك التطورات الأخيرة ستدفع بعض العمالة الوافدة إلى العودة، لعدم القدرة على الاستمرار في العمل أو إعادة عائلاتها لتجنب الرسوم الجديدة”، موضحا أن انسحاب تلك العمالة التي تسيطر على الجانب الأكبر من المهن في منطقة الخليج “بصورة مفاجئة”، قد يؤدي إلى تعطل حركة الاقتصاد.

وبحسب دراسة حول البطالة في الدول العربية، صدرت عن صندوق النقد العربي في العام الماضي، تصل معدلات البطالة (كنسبة من إجمالي القوى العاملة) في عُمان والبحرين والسعودية عند 7.9 بالمئة، و7.4 بالمئة و5.7 بالمئة على التوالي. فيما تصل في الكويت إلى 3.1 بالمئة و0.5 بالمئة في قطر.

تأميم الوظائف

يرصد أوليفر مايلز في دراسة نشرها موقع أراب ديجست، بعض العوامل الاقتصادية والسياسية التي شكلت حركة اليد العاملة وأثرها على الدول العربية الخليجية وعلى البلدان “المرسلة”، وتأثير التحولات الداخلية والخارجية فيها، مشيرا إلى أن العمالة الأجنبية في الخليج العربي تنقسم إلى فريقين جاءا على مرحلتين. امتدت المرحلة الأولى من خمسينات القرن الماضي إلى الثمانينات كان فيها العمال عربا بالأساس.

ويذكر كمثال أن العمال اليمنيين كانوا ممثلين بشكل قوي في المملكة العربية السعودية، وبقوا يمثلون 27 بالمئة من القوة العاملة في 1990. وكان المصريون والأردنيون (غالبا من أصل فلسطيني) واللاجئون الفلسطينيون ممثلين بنسب كبيرة في مجال التعليم (حيث كانت هناك حاجة إلى أعداد كبيرة من المدرسين والأساتذة في وقت قصير)، لكن في مجالات أخرى كذلك.

وفي المرحلة الثانية، انطلاقا من الثمانينات إلى اليوم تم تفضيل العمالة الوافدة من بلدان جنوب آسيا وجنوب شرقها. في الإمارات مثلا يفوق عدد المقيمين من غير العرب عدد العرب من خارج البلاد بنسبة ثلاثة لواحد، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد عدد مهم من العرب في البلدان الخليجية إذ لا يزال يوجد مليون وربع المليون من العرب الأجانب في الإمارات العربية المتحدة.

في تسعينات القرن العشرين شرعت الأنظمة الخليجية في محاولة خفض عدد المهاجرين بصفة عامة عن طريق “تأميم” الوظائف (من خلال السعودة والتقطير، إلخ.).

تأثر العمالة الأجنبية بالخليج يعتبر أمرا طبيعيا في ظل التطورات والتغيرات المتلاحقة في سوق العمل الخليجي

وحدث ذلك بالأخص في القطاع العمومي بما أن المشغلين في القطاع الخاص غالبا ما كانوا يحبذون العمال الأجانب نظرا إلى تفوقهم في التحمس للعمل على المواطنين المحليين، وهذا في ظل شيوع خاصية ضعف العلاقة بين المجهود والمكافأة في الاقتصاديات الريعية مثل اقتصاديات الخليج. ويدل تواصل هذه الحملات لتأميم القوة العاملة على أنها لم تكن ناجحة.

كما اعتمدت الأنظمة الخليجية سياسات لا تشجع على اندماج العمالة الوافدة مهما كانت أصولها. ويقول أوليفر مايلز إنه من الممكن تفهم ذلك نظرا لأعداد الوافدين الذين بإمكانهم في حال استقرارهم بصفة دائمة أن يغيروا التركيبة السكانية للدول الخليجية. ومع ذلك تمكنت جاليات من الوافدين من الاستقرار في بعض الأماكن وذلك بتزايد أعداد المعولين وظهور الجيل الثاني والثالث من المهاجرين.

استراتيجية مختلفة

قال جمال عجيز، الخبير الاقتصادي (مصري مقيم في الإمارات)، إن الصعوبات المتزايدة التي تواجه العمالة الأجنبية في الخليج، جاءت كانعكاس مباشر للتحديات التي تواجه بلدان تلك المنطقة، التي لا تزال تعاني من تداعيات تراجع عائدات النفط.

فيما يشير الخبير الاقتصادي الإماراتي محمد العسومي، في دراسة صدرت عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إلى أن الاهتمام بمسألة التوطين زاد في السنوات الأخيرة بعد تراجع نسبة اليد العاملة من المواطنين، وظهور ملامح تغيير في هوية المجتمعات الخليجية وخصوصيتها.

ويزداد الوضع تعقيدا مع ازدياد الحاجة إلى اليد العاملة الأجنبية لمقابلة التوسع الاقتصادي. فالأسباب الرئيسية التي دفعت دول الخليج العربي إلى تقليص عدد العمالة الأجنبية، لا تعود إلى أزمة اقتصادية، كما يقول بعض الخبراء، بل هي اليوم، وكما يشير العسومي، بحاجة إلى المزيد من اليد العاملة خصوصا في قطاع الخدمات للعبور نحو مرحلة ما بعد اقتصاد النفط، لكنها اليوم تتبع استراتيجية مختلفة عن مرحلة الطفرة النفطية، فبينما كان الاعتماد في تلك المرحلة كليا على العمالة الأجنبية، فإن دول الخليج العربي اليوم تسعى إلى إيجاد صيغة توفيقية بين معدلات النمو المرتفعة والحاجة إلى اليد العاملة الأجنبية من جهة والمحافظة على الهوية الوطنية والخصوصية المجتمعية من جهة أخرى.

اجمالي القراءات 2265
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق