صلاح عيسى يكتب . خطاب مفتوح إلى مولانا الإمام الأكبر

اضيف الخبر في يوم السبت ١١ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: المصرى اليوم


صلاح عيسى يكتب . خطاب مفتوح إلى مولانا الإمام الأكبر

تمنيت لو أن فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، كان قد راجع بنفسه - أو عبر مستشارين قانونيين ثقات ومختلفين - نص البلاغ الذى قدم باسم الهيئة التى يرأسها، إلى النيابة العامة، ضد الباحث الإسلامى المجتهد إسلام بحيرى، لكى يتأكد بنفسه من أن ما ورد فيه يليق بمكانة الأزهر، أو بالاحترام الواجب للجهة التى قدم إليها البلاغ، إذ لو كان فضيلته قد فعل لقال له هؤلاء إن ما ورد فى البلاغ هو مجرد لغو قانونى ودستورى لا صلة له بالمهام التى يحددها كل من الدستور والقانون للأزهر، وإن التهم الجزافية التى انهال بها الذين صاغوا البلاغ على رأس المشكو فى حقه لا صلة لها بأى مادة فى قانون العقوبات أو فى أى قانون آخر، بل إن صياغة البلاغ نفسه تنطوى على مخالفة للقانون، تجيز لإسلام بحيرى أن يقاضى الذين صاغوه، إذ هى تنطوى على اتهام صريح له بالكفر، وهو ما يشكل مخالفة للمادة 20 من القانون 96 لسنة 1996، التى تحظر الطعن فى إيمان الآخرين، والمادة 22 من القانون ذاته التى تعاقب على ذلك بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة تتراوح بين خمسة وعشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ما لفت نظرى أن نص البلاغ الثانى الذى قدم باسم الأزهر للنيابة العامة، لم يدَّع أن الدستور ينص فى مادته السابعة على أنه «المرجع الوحيد فى الشأن الإسلامى» كما فعل فى بلاغه الأول الذى تقدم به إلى هيئة الاستثمار طالباً وقف برنامجه، بعد أن نبهنا إلى أن النص الصحيح لهذه المادة من الدستور يقول إن الأزهر هو المرجع الأساسى - وليس الوحيد - فى العلوم الدينية والشأن الإسلامى، بل ولم يشر الذين صاغوا البلاغ الجديد إلى هذه المادة من الأصل، بعد أن تبين لهم فيما يبدو أن نصها الكامل لا يدعم حقهم المزعوم فى تقديم مثل هذه البلاغات!

وكان هذا هو ما دفعهم للبحث عن أى مادة فى الدستور، تصوروا أنها تدعم حقهم فى تقديم البلاغ، فاستندوا إلى مواد لا صلة لها بالموضوع، بل هى كلها فى صالح المبلغ ضده إسلام بحيرى، منها المادة 53 التى تحظر التمييز بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل، وتعتبر الحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون.. والمادة 59 التى تعتبر الحياة الآمنة حقاً لكل إنسان، وتلزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أرضها.. ويصل هذا اللغو الدستورى إلى ذروته باستشهاد البلاغ بالمادة 67 من الدستور، التى تنص على حرية الإبداع الأدبى والفنى والفكرى وتحظر تحريك الدعوى العمومية لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، وتحظر توقيع عقوبة سالبة للحرية بسبب علانية المنتج الأدبى والفكرى.

وهى كلها مواد دستورية لن تجد سلطة الاتهام فيما أذاعه إسلام بحيرى ما يدل على أنه خالفها، إذ لم يسمعه أحد يوماً يدعو للتمييز أو يحض على الكراهية، أو يدعو المسلمين للإخلال بالأمن، بل إن كل جهده مركز على أن يثبت العكس، وعلى أن يبرهن للناس أن الإسلام ينكر كل دعوة للعنف أو استخدام القوة ضد المختلفين فى الدين أو المذهب، ولم يسمعه أحد يوماً يشرح لمتابعى برنامجه الطريقة الإسلامية فى صنع زجاجات المولوتوف لتفخيخ السيارات، أو ينسب للرسول أحاديث تحلل قتل رجال الشرطة والجيش وتفجير محطات الكهرباء ومسارات القطارات، وتشرح لهم الطريقة الشرعية فى ذبح المسالمين.

تلك مهمة كان ينبغى، يا فضيلة الإمام الأكبر، أن يتصدى لها الأزهر، بدلاً من أن يلوم إسلام بحيرى وغيره من المجتهدين، وبينهم أساتذة أجلاء من شيوخ الأزهر نفسه، لأنهم يقومون بها كفرض كفاية حِسْـبَةً لله، ودفاعاً عن أديانه، فيجابهه ويجابههم بهذا العدوان الذى لا مبرر له، بأن يتسقط ما قد يقوده الحماس من فلتات لسان ليست هى أصل الموضوع، الذى يستطيع كل من قرأ البيانات والبلاغات التى قدمها الأزهر أن يكتشف بين سطورها، أن غضبه لنفسه أكثر من غضبه للإسلام الذى لم يمسسه إسلام بحيرى بشىء، وإلا فلتأذن يا صاحب الفضيلة لأحد معاونيك بأن يدلنى على كتاب واحد أصدره الأزهر يرد به على فقه الإرهاب الذى يتفجر تحت أقدامنا ومن حولنا، وتتبناه القاعدة وداعش وأجناد مصر وأكناف بيت المقدس.

وهل يستطيع الأزهر أن يفسر لنا كيف تحولت جامعته من جامعة لتعليم العلوم الإسلامية وإبراز وسطية الإسلام، إلى مصدر رئيسى للعنف بين صفوف الحركة الطلابية المعاصرة، حتى وصل الأمر ببعض طالباتها إلى الاعتداء على أستاذاتهن فى بيوتهن ومحاولة تعرية إحداهن فى مكتبها.. وحتى أصبحن يستخدمن زجاجات المولوتوف والشماريخ فى إحراق مبانى الدراسة، وكأنهن طالبات فى «جامعة المعلمة شطة فتوة الحتة» وليس فى جامعة تعلم الدين الذى قال رسوله إنه بُعث لكى يتمم مكارم الأخلاق؟

إننا لنذكر لك يا مولانا بالشكر والتقدير، أنك منذ توليت المشيخة حرصت على أن تنأى بالأزهر عن الدخول فى معارك تدخله فيما لا يليق به ولا يتوافق مع دوره، كأكاديمية علمية للدراسات الإسلامية فلم نعد نسمع عن بلاغات تقدمها إدارة البحوث الإسلامية تطلب مصادرة كتب أو الحيلولة دون عرض أفلام، أو ترسل مفتشيها للتنقيب بين رفوف المكتبات وأجنحة معرض الكتاب بحثاً عن كتب تطلب منعها من التداول، وأنك ألزمت هذه الإدارة وغيرها بألا تتجاوز حدود اختصاصاتها التى ينص عليها قانون الأزهر، وكل ما نتمناه ألا يُقحِم الأزهر نفسه فى الجدل السائد الآن، بين إسلام بحيرى وغيره من المجتهدين، وبين التيارات المتطرفة والداعمة للإرهاب، التى تبتز الأزهر من داخله ومن خارجه، فى محاولة لدفعه لكى يكون طرفاً مسانداً لها فى هذه المعركة، وهو ما ننزهك يا مولانا عنه.

اجمالي القراءات 3902
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق