تداعي نظام الأسد يُسقط معه فرضيات عمرها عقود عن الشرق الأوسط

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٤ - يوليو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ايلاف


تداعي نظام الأسد يُسقط معه فرضيات عمرها عقود عن الشرق الأوسط

 

يرى مراقبون للأحداث السياسية أن بقاء سوريا كدولة بدأ ينهار، خاصة بعد تبادل السيطرة على المعابر الحدودية إلى تركيا والعراق بين المعارضة المسلحة وقوات النظام، ويبدو أن جميع الأطراف الدولية ذات العلاقة، تُدرك أن انهيار النظام سيضعها أمام وضع محفوف بالمخاطر.


ما كتبه المفكر اليساري الايطالي انطونيو غرامشي في سجون موسوليني إبان الثلاثينات، يبدو وكأنه يصف الوضع في سوريا اليوم، عندما لاحظ أن الأزمات الثورية لحظات "يموت فيها القديم، ولكن الجديد لا يستطيع أن يولد"، وأنها لحظات تتسم بتنوع شديد من "أعراض الاحتضار". ومن أعراض احتضار النظام في سوريا أن يوم الأحد كان اليوم الثامن على التوالي من الحرب في شوارع دمشق وحلب.
ومع تبادل السيطرة على المعابر الحدودية إلى تركيا والعراق بين المعارضة المسلحة وقوات النظام، يرى مراقبون أن بقاء سوريا كدولة بدأ ينهار، ومعه إمكانية انهيار الأواصر الهشة لهوية وطنية حديثة النشأة نسبيا.

والقديم الذي يموت في سوريا قد يكون أكثر من حكم أسرة الأسد الجاثم على البلد منذ 42 عاما. فإن فشل الغرب في نيل دعم روسيا والصين لتغيير النظام تغييرا موجَّها دفن ايضا الفرضية الجيوسياسية القائلة منذ نهاية الحرب الباردة إن روسيا والصين سترضخان في نهاية المطاف، وإن على مضض، للتدخلات الغربية في بؤر الفوضى الساخنة. وجاء البعد الطائفي للنزاع تذكيرا بالهشاشة المتزايدة لمنظومة الدول القومية - سوريا، لبنان، العراق، الاردن وفلسطين/إسرائيل- التي اقتطعها الفرنسيون والبريطانيون المنتصرون من أقاليم الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
ويبدو أن جميع الأطراف الدولية ذات العلاقة، تُدرك أن انهيار النظام السوري سيضعها أمام وضع محفوف بالمخاطر والمجاهيل، بدلا من السيناريو التقليدي لإسقاط الحاكم المستبد واستقدام المستشارين ، وفق بعض النصوص الأكاديمية.

ورغم حمّى التكهنات التي ذهبت إلى أن مكاسب المقاتلين السوريين غير المسبوقة في الأيام الماضية دفعت الأسد إلى الفرار للاحتماء بالموطن الساحلي لطائفته العلوية، فإن صورة أكثر واقعية انبثقت من هذه الأحداث.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوم الأحد "ان الجيش السوري ما زال مواليا للأسد رغم الموجة الكبيرة جدا من الانشقاقات وانه ما زال في دمشق مع عائلته".
ولعل ما هو غير منطوق، ارتياح اسرائيل إلى أن عدوها اللدود ولكنه عدو يمكن التنبؤ بأفعاله، لم يستسلم بصورة مفاجئة نظرا لخوف اسرائيل ممن يأتي لملء الفراغ الذي يتركه رحيل مفاجئ، والأهم من ذلك ما يعنيه مثل هذا السيناريو لمصير ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيمياوية.

وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في حديث لإحدى القنوات التلفزيونية الأميركية يوم الأحد إن اسرائيل ستفكر في التدخل المباشر لمنع وقوع هذه الأسلحة بأيدي أعدائها. ولكن هذا ليس بالخيار المفضل لاسرائيل ولا للولايات المتحدة.
كما أخذت اسرائيل علماً بإعلان الثوار يوم الأحد سيطرتهم على قرية رويحينة في هضبة الجولان على بعد 1400 متر فقط من مواقع القوات الاسرائيلية. فان حركة مسلحة بقيادة سنية وهوية اسلامية واضحة قد تكون أشد إصرارا من الأسد على المطالبة بهضبة الجولان السورية التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967، كما تلاحظ مجلة تايم.
ويذهب الاعتقاد السائد بين ناشطي المعارضة ودبلوماسيين أجانب إلى أن الأسد بدلا من التنازل والفرار سيتقهقر إلى عمق المنطقة العلوية ويقيم معقلا دفاعيا على الأرض يواصل منه القتال وبذلك تقسيم سوريا على غرار ما حدث في يوغسلافيا.

وقد لا تكون الدويلة العلوية قادرة على البقاء بالطبع، ولكن انهيار الدولة السورية يمكن أن ينسخ حرب لبنان الأهلية التي دامت 16 عاما، حيث استمرت الدولة في البقاء بالاسم ولكن أراضيها الاقليمية وحتى عاصمتها قُسمت بين أطراف النزاع المسلحة.
ولعل مثل هذا السيناريو هو ما يجري الآن في سوريا حيث تتحدث التقارير عن حملات "تطهير" تقوم بها ميليشيات النظام، لتنظيف مناطق معينة من سكانها السنة. ولكن هذا ايضا قد لا يكون مستداما على المدى البعيد. فان من أسباب الاستقرار النسبي الذي تحقق في لبنان حتى خلال الحرب الأهلية، هو دور سوريا الكبير في ضبط الوضع. وقد يكون هذا مرحلة يمر بها النزاع السوري حيث قلة من المراقبين يتوقعون انتهاء التناحر الطائفي حتى إذا تراجع الأسد أو لاذ بالفرار، بحسب مجلة تايم.

ويبدو ان اهتمام الأسد لا ينصب الآن على التقهقر إلى المنطقة العلوية بقدر ما يتركز على شن هجمات مضادة لاستعادة اكبر قدر ممكن من السيطرة على العاصمة، مستثمرا تفوق النظام الساحق بالأسلحة الثقيلة، لإجبار مقاتلي المعارضة على الانسحاب من مواقعهم حتى وإن كان الثمن التنازل عن مناطق طرفية وخاصة على امتداد الحدود، إلى مقاتلي المعارضة المسلحة.
وبحلول مساء الأحد، أسفرت الهجمات المضادة التي قادها ماهر شقيق الأسد، كما أفادت تقارير، عن إخراج مقاتلي المعارضة من الأحياء التي سيطروا عليها اواخر الاسبوع الماضي. وكان مقاتلو المعارضة الذين لا يضاهي تسليحهم أسلحة النظام، حذروا من أنهم قد يضطرون إلى الانسحاب مشيرين إلى أن هذا ليس الهجوم الأخير على العاصمة. ولكن من الواضح أن القتال العنيف الذي شهدته العاصمة، أدخل الحرب الأهلية السورية في مرحلة جديدة قد تكون قدرة النظام على بسط سيطرته على سائر أنحاء البلاد انتهت فيها إلى غير رجعة.

من مشاهد الدمار في حمص

ولكن اسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي تزداد قلقا بين جيران سوريا، فالنظام الملكي الضعيف سياسيا في الأردن يخشى تقويض الاستقرار بانتصار الحركة السنية المسلحة في سوريا وكذلك حكومة المالكي الشيعية المتحالفة مع إيران في العراق، على حد تعبير مجلة تايم، مشيرة إلى ان العشائر السنية تنتشر على جانبي الحدود السورية العراقية وكانت منذ زمن طويل تساعد مسلحي بعضها البعض. وأنه من المؤكد ان يشجع انتصار الثورة في سوريا اولئك المسلحين العراقيين أنفسهم الذين خسروا الحرب الأهلية العراقية لكنهم لم يسلِّموا قط بسلطة الشيعة في بغداد، كما ترى مجلة تايم.
وهناك بوادر متزايدة على امتداد النزاع السوري إلى لبنان الذي ترتبط انقساماته الطائفية ارتباطا وثيقا بنسختها السورية عبر الحدود. وحتى تركيا التي تدعم المعارضة المسلحة بصراحة، ستنظر بقلق إلى التقارير التي تتحدث عن عودة مئات المقاتلين الكرد السوريين الذين درّبهم نظراؤهم في منطقة الحكم الذاتي الكردية شمال العراق، إلى سوريا وشروعهم في إقامة كيان يتمتع بحكم ذاتي مماثل لكردستان العراق.

وبعد أن فشلت إدارة اوباما في ضمان دعم مجلس الأمن الدولي لحمل الأسد على تنفيذ خطة سلام تسفر عن إسقاط نظامه بهدوء، فانها نفضت يدها الآن من الحل الدبلوماسي، وأخذت تركز على المساعدة في إسقاط الأسد. ولكن استبعاد الخيار الدبلوماسي بسبب مقاومة روسيا والصين لأي خطوات دولية، تؤدي إلى تنحي الأسد لا يعني أن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى على وشك التدخل عسكريا في سوريا أو حتى تقديم السلاح علنا إلى المعارضة التي ما زال قوامها ومشاريعها تتسم بالابهام وبلا قيادة سياسية موحدة، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها قوى غربية وعربية طيلة أكثر من عام لإيجاد مثل هذه القيادة، كما تلاحظ مجلة تايم.

ويقول محللون إن قدرة الولايات المتحدة أو أي قوة خارجية على إدارة مآل حرب فوضوية، قدرة محدودة بالضرورة. وان تصريحات كتلك التي أدلى بها مسؤول اميركي لم يكشف عن اسمه لصحيفة نيويورك تايمز قائلا "إنه علينا التأكد من تمثيل العلويين في ما يأتي لاحقا"، تؤكد الصعوبة السياسية التي ينطوي عليها الوضع، فان "تمثيل" العلويين قد لا يعني الكثير لأن نظام الأسد يضم تمثيلا سنيا دون أن يقنع غالبية السنة بشرعيته.
كما أن القوى السياسية التي يعمل معها الزعماء الغربيون والعرب مثل المجلس الوطني السوري، تبدو منخورة بالانقسامات التي تعطل فاعليتها، وهي تبقى ذات نفوذ محدود بين معارضي الداخل الذين يخوضون القتال الفعلي. وعلى الأرض فمن المؤسف ان ينظر كثير أو غالبية من السوريين على اختلاف انتماءاتهم المذهبية، إلى الحرب الأهلية المستعرة بمنظار طائفي، بحسب مجلة تايم.

وكان فشل مجلس الأمن الدولي مؤخرا في فرض عقوبات ضد نظام الأسد ايذانا بحدوث تحول له تداعيات تتعدى سوريا. وحمل دبلوماسيون غربيون بشدة على فيتو موسكو وبكين بوصفه عملا لا يمكن تبريره أو الدفاع عنه، ولكن بقدر تعلق الأمر بروسيا والصين فانهما بكل بساطة تمنعان محاولة أخرى لتغيير نظام آخر، وان عملية حلف الأطلسي في ليبيا بتفويض من الأمم المتحدة، أتاحه امتناع موسكو وبكين عن استخدام الفيتو، ليست العملية الأولى من نوعها، ولكنها قد تكون الأخيرة لبعض الوقت. فان تضافر الصراع الجيوسياسي والاحتقانات الطائفية الاقليمية وإمكانية وقوع حمام دم متواصل في حرب اهلية سورية مديدة تُخاض بصورة متزايدة على أساس طائفي، تشير كلها إلى ان تدخلا حاسما ليس وشيكا وأن فترة الاحتضار في سوريا قد تطول، كما تتوقع مجلة تايم.

اجمالي القراءات 3316
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق