مستقبل مصر غير مبشر فى ظل نظام يصارع من اجل البقاء:
مستقبل مصر غير مبشر فى ظل نظام يصارع من اجل البقاء

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٧ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إيلاف




موقع "استرا تفور " الإستراتيجي يرصد المشهد :
مستقبل مصر غير مبشر فى ظل نظام يصارع من اجل البقاء
 
توقع موقع استرا تفور" الاستراتيجى الاميركى مشهد غير مبشر وحالة غير مطمئنة لمستقبل مصر بعد اضراب السادس من ابريل و تزايد حالة الاستبداد السياسي سوءا مع ارتفاع حالة التضخم والكثافة السكانية العالية فى ظل نظام يصارع من اجل البقاء على حساب الأحزاب والقوى المناوئة متوقعا أيضا زيادة النفوذ السياسي لجماعة الأخوان المسلمين مع بقاء قدرة النظام على احتواء الجماعة أثناء عملية انتقال السلطة ان انتخابات المحليات التي أجريت في 7 و 8 أبريل الجاري اجتذبت مراقبة أجنبية ضئيلة وعدد ناخبين منخفض للغاية . وخلافا لما حدث في الانتخابات البرلمانية عام 2005 ، عندما حققوا مكاسب هزت الحزب الحاكم فى مصر ، قاطع الأخوان المسلمين هذه الانتخابات في مواجهة موجة القمع و الاعتقالات التي شنتها الحكومة ضدهم . ولكن جهاز آمن الدولة لا يمكن الاعتماد عليه فى كبح حالة الاستياء إلى الأبد ، وهذا يعني استراتيجية صبر الأخوان المسلمين يمكن أن تؤتي ثمارها في نهاية المطاف لقد تراجع العالم بالكاد عندما أجرت مصر الانتخابات المحليات في 7و8 أبريل . وطبقا لتقديرات قناة الجزيرة الفضائية ، 3 % من الناخبين فقط تقدموا لصناديق الاقتراع . اما الغالبية العظمى من المصريين يبدو انهم استسلموا لحقيقة أن الحزب الوطني الحاكم -حزب الرئيس حسني مبارك- سوف يغتال المعارضة ويكتسح ال 50000 مقعد بسهولة.

الحزب الحاكم لم يكن في مزاج المزاح مع الديمقراطية فى هذه الجولة الانتخابية . في عام 2005 جماعة الأخوان المسلمين -اكبر وافضل جماعة معارضة منظمة فى مصر – صدمت الحزب الحاكم بفوزها ب 20 % من المقاعد في البرلمان .و خوفا من أن تعظم الجماعة من مكاسبها ، وتزيد من حدة تهديداها للنظام المستأثر بالسلطة ، تم تأجيل الانتخابات لمدة سنتين في عام 2006. واصبح يلزم على المرشحين المستقلين للرئاسة الحصول على دعم 140 من أعضاء المجالس المحلية و أعضاء البرلمان لخوض الانتخابات .

ومع الوقت حلت الانتخابات المحليات مرة أخرى في عام 2008 ، و أجهزة الأمن المصرية اكثر استعدادا لابقاء المعارضة في وضع حرج. بدأت موجات القمع فى الأيام السابقة الانتخابات بشراسة، وخلالها تم القبض على مئات من عناصر الجماعة والإلقاء بهم فى السجون ومنعهم جسديا من التقدم إلى الترشيح والتصويت. ولم تجد الجماعة فى النهاية خيارا سوى مقاطعة الانتخابات احتجاجا على ذلك.

علاقة شائكة
تاريخ الجماعة مضطرب جدا مع الدولة. عند إنشائها في عام 1928 على أيدي مؤسسها حسن البنا ، وركزت على خدمة الشعب كبديل لحكومة مصر الملكية في ذلك الحين . ومن ثم كرست الجزء الأكبر من جهودها الرامية إلي بناء المدارس والمستشفيات والمصانع ودور الرعاية بهدف بناء قاعدة دعم لنفسها كحركة اجتماعية. وقد وجدت الجماعة قضية مشتركة مع جمال عبد الناصر ، عندما كان عقيدا شابا في الجيش في ذلك الوقت ، وتعاونت معه للإطاحة بالحكم الملكي المصري في انقلاب عسكري في عام 1952.

ولكن أيام التعاون العسكري - الإسلامي انتهت سريعا بعد أن أصبح واضحا أن نظام عبد الناصر لم يعد فى حاجة لدعم الأخوان بمجرد أن احكم قبضته على السلطة. وقد ظهرت التوترات بين الجانبين المختلفين أيديولوجيا فى عام 1954 ، عندما قامت الجماعة بمحاولة دراماتيكية لاغتيال عبد الناصر. تبعها بسرعة موجة اعتقالات شديدة للآلاف من النشطاء الإسلاميين وخلالها تعرض زعيم الإسلاميين سيد قطب ، وفي وقت لاحق ايمن الظواهري نائب زعيم تنظيم القاعدة للتعذيب في السجن. وخلال هذه الفترة زرعت بذور حركة الجهاد لتتوسع لاحقا في جميع أنحاء العالم ووراء العالم الإسلامي.

وفي تلك المرحلة اغلق مصير الجماعة. و أظهرت حكومتا عبد الناصر و انور السادات عدم التسامح مع وجهات نظر الأخوان حول إقامة دولة إسلامية سياسيا ، و أصبح الاختلاف بين الجماعة والجماعات الجهادية المنشقة واضحة بشكل متزايد. ولضمان البقاء الطويل الامد ، بقت الجماعة على مسافة آمنة من حركة الجهاد المتصاعدة ، وتراجعت على المسار السياسي. و بدأت تدريجيا تتغلغل الى البرلمان بمرشحين كمستقلين ، على الرغم من الحظر الرسمي من قبل الحكومة على الجماعة كحركة سياسية.

يجب ان نصبر

حكومة مبارك رسمت الجماعة بفاعلية كما هي موجودة اليوم في مأزق. منذ تقدمها فى انتخابات عام 2005 ، دفع ذعر النخبة المصرية على بقاء النظام الى تكثيف النظام من مراقبته للحركة. وهم يرتدون الملابس المدنية راحت قوات الأمن المصرية ترصد أنشطه الجماعة , من جامعة الأزهر في قلب القاهرة الى الأحياء الفقيرة في الدلتا.. جغرافيا مصر تجعل من الصعب على الجماعات المنشقة الهرب من مراقبة الحكومة في المناطق الداخلية. السكان يتزاحمون على طول نهر النيل ، وهو ما يسهل من قدرة الدولة على البقاء خطوتين إلى الأمام من نشاطات المعارضة. والنتيجة يتم إخماد المظاهرات المنظمة بسرعة ، و منع المرشحين والناخبين من الوصول الى صناديق الاقتراع واعتقال أعضاء الجماعة جماعيا بانتظام في لحظة بدون تهم.

وفي كل نقاش مع قادة الجماعة يكون الرد على تصرفات الدولة نفسه : " يجب علينا ان نتحلى بالصبر."

الصبر على ماذا بالضبط؟ الكثير يشير إلى ما يبدو وشيكا "زوال حكم الرئيس مبارك" الذي منعته حالته الصحية من الخروج عن الأضواء في السنوات الأخيرة وهو ما يفتح الباب للمعارضة السياسية في مصر. والواقع أن ليس هناك ما يضمن استسلام الحزب الوطني الحاكم الى الاقتتال الداخلي ، او الفشل فى الإمساك بمقاليد الامور. ولكن النظام مستعد لابقاء الغطاء على الجماعة أثناء عملية الانتقال السياسي ، وخلالها من المتوقع أن يسلم مبارك مقاليد السلطة إما لابنه جمال ، أو إلى رئيس المخابرات العامة المصرية عمر سليمان . وعلى الرغم من التعهدات لرفع حالة الطوارئ التي فرضت فى عام 1981 فى أعقاب اغتيال الرئيس السادات ، الا ان النظام ليس لديها نية على الإطلاق لرفع قانون الطوارئ او إتاحة الفرصة للجماعات المنشقة لتهديد النظام حتى ولو من على عن بعد. حتى ان الجماعة نفسها باتت تؤمن سرا بحقيقة ان انتقال القيادة لن يعطى المعارضة الانفتاح السياسي المتخيل.

وبدلا من ذلك فإن الجماعة تسير بحذر في كيفيه إدارة علاقتها الشائكة مع الدولة.. قادة الجماعة حذرين فى توجيه انتقاداتهم للحكومة فيما يتعلق بأفعالها وممارساتها مثل انتهاكات حقوق الانسان في السجون ولكن بدلا من ذلك النظام نفسه. وذلك لطمأنة الحكومة ان اجندة الجماعة السياسية لا تهدف بالضرورة الى تغيير النظام ، خصوصا ان الجماعة ترغب من الحكومة ان تفتح يديها بما فيه الكفاية لأعضائها للمشاركة في هذا النظام.

والجماعة تقوم بوعي واضح بإبعاد نفسها عن الجماعات الجهادية المنشقة لتجنب إعطاء المبررات للنظام لسحقها كما فعلت القاهرة مع غيرها من الجماعات الإسلامية. وتواجه الجماعة تهديدا محتملا من بعض هذه الجماعات الإسلامية المنافسة ، مع تواصل الحكومة فى إحراز الصفقات من خلف الأبواب مع أعضاء هذه الجماعات , مثل تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية , لنبذ العنف والدخول في التيار السياسي الرئيسي. وهذه الجماعات السلفية التقليدية أدانت الاخوان المسلمين على نهجها الإسلامي المعدل ، الذي بحسبهم -أي جماعات الجهاد- ينحرف عن المبادئ الأساسية للإسلام. وان كانت هذه الجماعات لا تشكل تهديدا كبيرا على احتكار الجماعة للإسلام ، والقاهرة لديها اهتمام بتكثيف هذه المنافسة الإسلامية الداخلية لتبقى الرقابة على أداء و نمو الجماعة.

كما ان الجماعة أيضا لا تغفل حقيقة ذعر النظام بصعود موجة حماس في قطاع غزة - حماس أنشأت كفرع للإخوان المسلمين في فلسطين عام 1987 وحافظت على علاقاتها بالإخوان المسلمين فى مصر أم التنظيم . وعندما اضطرت القوات المصرية الى اتخاذ إجراءات حيال حماس بعد خرق الحدود في أواخر يناير ،قام العشرات من عناصر الجماعة بتنظيم المظاهرات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء مصر. هذه المظاهرات في عيون الجماعة كان القصد منها الإعلان عن تضامن الجماعة مع محنة الفلسطينيين ، في حين ان الحكومة أدارت ظهرها ألي معاناة سكان غزة. وهذا الآمر في عيون حكومة مبارك كان بادرة تضامن إسلامية خطيرة. التهديد بانتفاضة إسلامية فى مصر من جانب حماس كان اقرب ان يكون واقعا ، مقويا من اعتقاد النظام انه ليس بوسعه إعطاء أي فرص لتمكين أو تقوية الأخوان سياسيا .


ويجدر القول أن جهاز آمن الدولة يحكم بقبضه من حديد على الحركة ، ما ان تتحرك الجماعة يتم التحقق منها في كل منعطف. القاهرة فى هذا الصدد مسيطرة بإحكام على مصير حكومة مبارك. لكن هناك عوامل اجتماعية واقتصادية أخرى اعمق تحت السطح ليس لدي الدولة ما يكفي للسيطرة عليها -- وهذا هو ما يعطى فهما جيدا للصبر الاستثنائي للجماعة.

الإضرابات وأعمال الشغب
ان الحكومة المصرية بذلت كل ما في وسعها لمنع الأخبار من التسرب ،لكن مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية شهدت مصر أعمال شغب فتاكة لمدة يومين على خلفية انخفاض الأجور وارتفاع أسعار المواد الغذائية. في مدينة المحله الكبرى اشتبك المتظاهرون مع الشرطة في ما وصف بأنه أسوأ اضطرابات شهدتها البلاد منذ أعمال الشغب التي وقعت في مصر عام 1977 بسبب ارتفاع أسعار الخبز.

فمع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة على الصعيد العالمي بسبب التضخم ,اكتسبت أعمال الشغب بسبب الخبز أهمية خاصة فى مصر بالنظر الى أن جزء كبير من السكان حوالي 40 % تحت خط الفقر ويعيشون على الخبز المدعوم. فقد قفز معدل التضخم فى مصر الى 12،1 % ، وزادت أسعار ألاغذيه والمشروبات بنسبة16،8 % وارتفع سعر الخبز غير المدعوم والحبوب 27 % الشهر الماضي ، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ولان الجماعة تستمد معظم دعمها من الفقراء ، فان نقص الخبز يقوى من النفوذ السياسي للجماعة . حتى عندما أمر الرئيس مبارك الجيش ووزارة الداخلية بزيادة إنتاج وتوزيع الخبز من خلال مخابزهم الخاصة ، كان أعضاء الجماعة فى الشوارع يسلمون الخبز الى الفقراء ، مغتنمين الفرصة لإظهار عجز النظام.

في مصر من المألوف لقاء محامين وأطباء ومهندسين يعملون سائقي التاكسي لمواجهة تدنى الأجور وارتفاع التضخم. البطالة فى طريقها الى الارتفاع الى مستويات حرجة ، التقديرات غير الرسمية تشير الى انها تتراوح ما بين 17 و 25 %. الفئة العميره 20-24 هى الأشد تأثرا بهذا الاتجاه. ومع قلة فرص العمل في السوق ، يتحول المزيد والمزيد من الشباب المصري الى التدين ، يبدو ذلك ظاهرا من جانب العدد المتزايد من الفتيات نحو الحجاب فى جميع أنحاء البلاد على مدى السنوات العديدة الماضية. ويصب تزايد نفوذ الاسلاميين في مصر في صالح الجماعة ,لكن هذا يعني أيضا أن الشباب الساخط يمكن أن يتورط في أيديولوجيات جهادية.

ورغم من بعض المحاولات الرامية الى الخصخصة والتي تحققت في مجالات معينة ، إلا أن الاقتصاد المصري -المركزي الى حد كبير- هو إرث من عهد عبد الناصر ، و لا يزال مستمرا فى اصطياد الاستثمار الأجنبي لبث الحياة فيه. وتواجه مصر أيضا حالة غير مطمئنة من انخفاض إنتاج النفط وارتفاع استهلاك الطاقة ، مما يجعل من الضروري بالنسبة للدولة أن تقوم بتعويض الخسارة المتزايدة في الإيرادات.

هذه الآفاق الاقتصادية القاتمة دفعت العديد من افضل واذكي الأبناء لمغادرة البلاد بحثا عن فرص العمل ، وبالتالي الحد من قدرة الدولة على تنويع وتنمية السوق. ومع الحاجة إلى التأييد الشعبي وإزالة التوترات الاجتماعية ، و تقليص الإعانات الغذائية التي تثقل كاهل الموازنة العامة للدولة يصبح الأمر اكثر خطورة بالنسبة للحكومة و المجتمع على السواء اقتصاديا .

هذه المصاعب الاقتصادية أيضا تؤدى إلى ظاهرة اقل ملاحظة وهى تنامي أعداد غير المتزوجين في مصر. فقد اصبح المزيد من الشباب المصري غير قادرا على الاحتفاظ بدخل مستقر بما فيه الكفاية لدعم زوجه ، ناهيك عن أسرة. وفي المجتمع الإسلامي تلحق الوصمة الاجتماعية بالنساء غير المتزوجات وهي قضية تنتقد الجماعة من خلالها النظام لعدم إتاحة المزيد من الفرص للشباب في مصر. ومع تزايد عدد الشباب الذي يصبح اكثر تأثرا بالإسلام والناقم على الدولة ، يصبح للجماعة بنك أصوات لاستخدامه ضد الدولة فى الوقت المناسب. ويعمل في صالح الأخوان المسلمين اجتذاب جيل الشباب الى "عالم المدونات " فيه يستخدم وينشر الكلمات وينظم المظاهرات ومخططات المعارضة ضد النظام .

مستقبل مجهول

المعارضة المصرية ليست بالضبط مجموعة مثيرة للإعجاب من النظرة الأولى. فحركة كفاية العلمانية المعارضة ، التي اشتهرت بتنظيم لاحتجاجات الواسعة فى عام 2005 ، أصبحت مجموعة صغيرة وغير فعالة بسبب الاقتتال الداخلي ، وعمليات مداهمه الدولة ، والإحباط وفقدان عنصر القيادة بين قادة الحركة. لتبقى جماعة الأخوان اقوى مجموعة معارضة على الساحة ، ولكنهه مشغولة جدا بتجنب الاعتقالات اكثر من تهديدها للنظام. وبينما القبضة الحديدية للنظام من المرجح أن تستمر لفترة طويلة ، فان الحكومة لا يمكن ان تتجاهل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الكامنة التي تكتسب قوة عام بعد عام

الإضراب الواسع النطاق الذي حدث قبل الانتخابات المحلية . والذي نجح فيه ضباط يرتدون الملابس المدنية فى إجهاضه باحتلال المصانع مما اضطر العمال الى إلغاء الإضراب ..اندلاع أحداث الشغب فى مدينة المحلة دفعت السلطات المصرية إلى الاجتماع مع العاملين وعرضوا مكافأة 30 يوم بالإضافة الى وعود بمعالجة مطالبهم وتحسين الأجور والرعاية الصحية . وكان رد الحكومة السريع يمثل دلالة واضحة على قلق النظام من انتشار أعمال الشغب في جميع أنحاء البلاد بدلا من تناول هذه المشاكل الاقتصادية من جذورها أساسا .والنتيجة ان تزايد انخفاض الوضع المالي والكثافة السكانية العالية فى مصر ينسج مستقبل من الاستبداد السياسي المتزايد.
ومع انكشاف مواطن الضعف هذه ، فان قبضة الحديد من جانب جهاز امن الدولة لا يمكن الاعتماد عليها كليا طول الطريق لوقف هذا الارتفاع من موجة السخط. ومن منظور الأخوان المسلمين ، هذا هو الصبر الذي يمكن جدا أن يؤتى ثماره.

اجمالي القراءات 3393
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق