داعش ليست خوارج بل انعكاس للسلفية المعاصرة
أحد النقاط التي جعلت من السلفي يؤمن بأنه على الحق هو نجاح شيوخه في الفصل بين مذهبه ومذهب داعش من ناحية العنوان، ودعوا لذلك في كل مناسبة..على الفضائيات وفي الكتب حتى على المنابر، فقالوا أن داعش خوارج بينما السلفية على السنة، والإنسان غالبا ينزع للعناوين ويتأثر بها، وعليها يُبرمج أفكاره حتى يتعايش معها ولو كانت متناقضة أو غير واقعية أو حتى كاذبة..
هنا سنعرف صدق هذه الدعوة أم لا
ومحور هذا البحث هو طرح الاختلافات بين داعش والخوارج أولا، ثم إثبات أن السلفية المعاصرة هي في الحقيقة مذهب داعش في كل شئ
الاختلافات بين الخوارج وداعش
أولا: في اختيار الخليفة، فالخوارج يقولون أن مبايعته تكون بالاختيار الحر بين المسلمين (1)، أي لا رابط ديني ولا عائلي ، بينما داعش لا تقول بذلك وأعلنت أن أبي بكر البغدادي تحققت فيه شروط الخلافة (السنية) ومنها انتسابه لقريش..
ثانيا: في السنة، فالخوارج يؤمنون فقط بالقرآن وعلى عهدهم لم يكن عهد التدوين قد حلّ بعد، وأكثرهم كان على قطيعة مع رواة الحديث، بينما داعش تؤمن بالسنة وأهمها أحاديث البخاري ومسلم.
ثالثا: في علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، فالخوارج يقولون بكفر معاوية والإمام علي (2)، بينما داعش لا تراهم كذلك ، بل تراهم صحابة .
رابعا: في الكبيرة، فالخوارج يقولون بكُفر مرتكب الكبيرة إلا النجدات منهم (3) ، بينما داعش لا ترى ذلك وتقول أن الكافر هو من رضي بالطاغوت وحارب الإسلام وإن ادعى أنه من المسلمين..وسبب تكفير الخوارج لمرتكب الكبيرة أنهم يرون فاعلها منكر لأوامر الله في القرآن، بينما المعتزلة يرونه في منزلة بين المنزلتين أي لا مؤمن ولا كافر، بينما السنة يقولون مؤمن ناقص يزيد إيمانه بالطاعة وينقص بالمعصية..
خامسا: في القدر، فبعض فرق الخوارج تقول بالقدر (4) وهو نفس قول المعتزلة كما يتهمهم أهل السنة، بينما داعش جبرية على المذهب السني وتؤمن بأن مبايعة البغدادي قدرُ من الله لا يمكن رده، وهو نفس اعتقاد الأمويين قديما.
سادسا: في الرجم، فالخوارج لا يقولون برجم الزناه (5) بينما داعش ترجم، وفيديوهات الرجم شاهدها المليارات على مستوى العالَم..وسبب عدم قول الخوارج بالرجم أنهم لا يصدقون خبر الواحد، بينما داعش سنية تؤمن بحجية خبر الواحد حتى في العقائد والدماء..
سابعا: في السُلطة، فالخوارج لا يقولون بلزوم الخلافة وأن الله هو الحاكم بلا أمير..وحُرمة تحكيم الرجال في دين الله، وتشهد على ذلك ردود الإمام علي وابن عباس عليهم (لابد للناس من أمير) لكن داعش غير ذلك..فهم يرون فرضية الخلافة فرض كفاية، وهو نفس حكمها في المذهب السني..
هذا لا يعني عدم وجود تشابه، فالتشابه موجود بين كل فرق المسلمين، وما يجمع داعش بالخوارج يجمعهم أيضاً بأهل السنة كعقيدة الإثبات في الصفات الخبرية، وفي ذلك يختلف السنة منهم على إثبات وتفويض ومنهم على تأويل، لكن هذه الاختلافات السبعة هي صميم عمل داعش، أي ما جعل الدواعش كذلك هو تميزهم بتلك الأشياء السبعة ورواج أمرها في مجتمعات السنة..
مثال
هل لو كان الدواعش يكفرون الإمام علي بن أبي طالب كالخوارج ..هل سيكون لهم شأن بين السنة؟..هل سينضم أحد إليهم من المسلمين؟..هل لو كفّروا معاوية بن أبي سفيان سينضم إليهم سلفي واحد؟
السبب الأصيل الذي دفع شيوخ السلفية لنعت داعش بالخوارج هو إزاحة عبء جرائمها عنهم أولا، ثم استعادة نظرة المسلمين للصحابة الخلفاء وإسقاطها في الواقع المعاصر وتعميمها بحيث كل كل حاكم وولي أمر هو في ذاته خليفة يحرم الخروج عليه، وأزعم أنهم يقصدون آل سعود في المقام الأول، لأن أول توصيف لداعش بالخوارج ظهر في أرض الحرمين، وبالتالي أصبح الملك سلمان بن عبدالعزيز كعلي بن أبي طالب، وإبنه محمد بن سلمان كالحسن والحسين، وهو تشبيه معنوي ينسحب أيضا على معاوية ويزيد، ويمكن أن يطال ذلك التوصيف حتى حكام مصر والأردن والمغرب وبقية دول الخليج المتحالفة معهم..
والدليل على ذلك أن توصيفهم لداعش بالخوارج لم يفارق حدود تلك الدول، فهو توصيف مصلحة ليس أكثر، فالسوريون يعانون من داعش قبل السعودية ومع ذلك فداعش في سوريا عند شيوخ السلفية مجاهدون، وبالتالي تصبح المعادلة كالتالي (داعش في السعودية = خوارج) بينما (داعش في سوريا = مجاهدين وثوار) راجع حملة الكويت والسعودية منذ سنوات لتجنيد آلاف المجاهدين لإسقاط الأسد، حيث حازت الحملة على قبول شعبي ورسمي لم يسبق له مثيل..وظهر مؤخرا-بشهادة فضيحة سيارات تويوتا اليابانية- أن تمويل داعش في سوريا اشتركت فيه أربعة دول، ثلاثة منهم بالمال والسلاح (السعودية والإمارات والكويت) والأخيرة منهم بالتنسيق وفتح الحدود وهي تركيا.
هذه المفارقة هي التي أقصدها، أن داعش في الحقيقة ممثلة لمذهب هؤلاء السلفي، وهي انعكاس للتراث السني على حقيقته بدلالة اختلاف الدواعش مع الخوارج في الأمور السبعة-سالفة الذكر.
فالسلفية تؤمن بفرضية الخلافة وكذلك داعش، وتؤمن بالرجم وكذلك داعش، وقتل المرتد وكذلك داعش، وقدسية الصحابة وكذلك داعش، وقدسية البخاري ومسلم وكذلك داعش، ونشر الإسلام بالغزوات وكذلك داعش..تؤمن كذلك السلفية بالناسخ والمنسوخ وكذلك داعش، والفرقة الناجية وكذلك داعش، والولاء والبراء وكذلك داعش، وكفر العلمانية والتشيع وكذلك داعش..تؤمن كذلك السلفية بأن الخليفة يجب أن يكون من قريش وكذلك داعش، وفرضية النقاب وكذلك داعش، وحرمة حلق اللحية وكذلك داعش، وقتل الشواذ جنسيا وكذلك داعش..تؤمن كذلك السلفية بحُرمة الاجتهاد والخروج عن أقوال الأئمة وكذلك داعش، وكفر المثقفين والفلاسفة وكذلك داعش، وفرض الجزية على أهل الكتاب وكذلك داعش، وحرمة بناء الكنائس والمعابد لغير المسلمين وكذلك داعش....إلخ
ما الذي بقي إذا لم يجمع بين داعش والسلفية المعاصرة؟
لكي نفهم ما يحدث يجب أن ننظر إلى الجانب التطبيقي لدولة داعش في الموصل والرقة ومقارنته بالجانب النظري للسلفية المعاصرة، سنرى بوضوح أن داعش هي التطبيق للنظرية السلفية في الشريعة، أما وقد خرجت بهذا القُبح فالتطبيق أصبح محل شك عند كثير من شيوخ السلفية الذي اعترف بعضهم أن داعش منتوج سلفي كالشيخ.."عادل الكلباني"..إمام الحرم المكي سابقا، وهو شيخ متسق مع نفسه بدرجة كبيرة وكثير المراجعات الفقهية مع أنه سلفي، وطالب بمراجعة جريئة وشجاعة للتراث السني كي يكون المتدين السلفي أكثر تسامح وواقعية..
الحل باختصار: هو عدم الاكتفاء بالخيار الأمني مع داعش، لأن مصنعهم السلفي موجود وترعاه بعض الدول والحكومات، ولديهم طاقة بشرية ومادية وإعلامية هائلة ، ومورد دائم للشباب الراغب في الجنة والحور العين، وأن المواجهة الفكرية مع السلفية المعاصرة والتراث السني بالعموم هي فرض عين للقضاء على الإرهاب
المصادر
1- تاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة صـ 267
2،3،4- مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري صـ 22،24
5- مجلة المنار للشيخ محمد رشيد رضا، باب التعريف بمنهج المجلة
اجمالي القراءات
7227