نادين البدير تكتب :ماذا تعنى الحرية؟

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٩ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً.


 

ماذا تعنى الحرية؟

  بقلم   نادين البدير    29/ 4/ 2011

لنطرح السؤال: ماذا تعنى لكم الحرية؟

خلال مقالاتى الأخيرة حول الليبرالية تأكد لى أن مفهوم الحرية صار له أعداء كثيرون. ففى زمن عربى سابق كانت الحرية مرتبطة بنطاق سياسى عريض وبمعان واسعة كالثورة والتمرد على الظلم وإنهاء الاستعباد وتحقيق العدالة.. إلى آخر تلك المفاهيم التى تداولتها أجيال عالمية اعتبرت أن الحصول على صك الحرية مطمعاً يستحق التضحية. لكن حدث أن انقلبت الأمور فى الزوايا العربية المحافظة وصارت للحرية معان ضيقة مرتبطة بانحلال الأخلاق، بالبنات، بالتربية، بالصياعة.

تكتب عن الحرية فتصلك مخاوف الناس من الأمر الذى تقود إليه الحرية، يذكرونك بآيات القرآن، بتقاليد مجتمعك العريق وأعرافه الثابتة، يذكرونك بأنك مسلم فلا تنس تعاليم نبيك.

أيام تظاهرات مصر، وفيما كنا نتابع ما يحدث عبر التلفاز، فاجأتنى قريبة شابة بقولها: تعلمون أن كل الذى نراه كفر، الخروج عن الحاكم أياً كانت سلوكياته خروج عن طاعة الله.

أعداء الحرية هم الذين لا يعرفونها. الذين تعلموا أنها شرك أكبر، أنها عبث مخجل، تلقنوا تعاليم دراسية أسسها وكتبها ونشرها المسيطرون على التعريف. فنشأت أجيال (خاصة بين النساء) تفهم الحرية فهماً باطلاً يُقرن الحرية بالخوف وانعدام الأمان وخسارة كل ضمانات الحياة الرغيدة، هذا هو الفهم الراهن بعدد من الدول الخليجية وللأسف منتشر بشكل لا يصدق فى السعودية.

 البلد الذى أفتى كبار رجال الدين به أن التظاهرات حرام وشرك، وفهم العدد الأكبر من الناس به أن الانحراف عن التقليد عيب، والخروج عن ولاة الأمر وشيوخ الدين وعدد من الأقارب والمسؤولين وخط لا نهاية له من الأشخاص كفر.

وعلى العكس فى البلدان العربية التى تسودها الثورات، فإن نسبة من الناس بها ترى الحرية بإطارها السياسى فقط. ويتغاضى الناس عن حقيقة ارتباط الحريات السياسية بحرية الفرد داخل بيئته الاجتماعية الصغيرة، تغاضوا عن أن العدالة السياسية لا تنفصل عن العدالة الاجتماعية، وأن الحريات العامة جزء مكمل للحريات الخاصة. تغاضوا عن أن مطلب الحرية الاجتماعية ليس برفاهية ولا هو بترف. إنما شرط أساسى لنيل الحرية السياسية.

الذين يطالبون بحرية سياسية وديمقراطية وعدالة ولا يؤمنون فى ذات الوقت بضرورة أن يتمتع الفرد بحريته الخاصة جداً التى تتوقف عند حدود حريات الآخرين، هؤلاء ليسوا سوى أبناء الفكر السياسى العربى التقليدى الذى يعلم تماماً أن حرية الفرد الخاصة تؤدى لتقليص حرية الحاكم العامة وتحديد حدود صلاحياته.

كما يعلم ذاك الفكر أن حرية الفرد تعنى وجود قانون يحمى تلك الحرية من أن يخدشها أحد ولو كان مسؤولاً كبيراً. هذا بالطبع يتعارض مع مطامحهم التى لا تتحقق إلا إذا ما تم حبس الأفراد فى خندق وهمى اسمه حماية الشرف والأخلاق والعفة ليتفرغ أصحاب المطامح الكبار للشؤون السياسية الكبيرة.

يريدون حريات سياسية بالقدر الذى يوصلهم للسلطة فقط وعدا ذلك فلا شىء يفرقهم عن أى نظام راحل أو حال.

أهم فعل ثورى يقوم به ثوار اليوم هو تغيير مناهج التعليم التى خلت لعقود من تعاريف حقيقية للحريات واحتوت طرحاً مزيفاً عن الإبداع. على التعليم أن يُرجع للكلمة تعريفها الصحيح، أن ينفض عنها الخديعة التى أحلت بها وحولتها لرمز الإثم حتى غدا التعريف: أن تكون حراً يعنى أن تصبح منحلاً. وأن تتحررى يعنى أن تخسرى شرفك وتحلى ضيفة ليلية على البارات.

مهم أن تحتوى مناهج التعليم قصصاً عن العبيد القدامى، عن حكاية الإنسان مع الحرية، عن تضحيات الشعوب لأجل الحرية، عن مناضلات الحركات النسوية القديمة.

مهم أن يفهم الطالب أن الاحترام مقترن بالحرية، وأن تفهم الطالبة بأن احترام المرأة لا يكون بالالتزام بالتقليد فقط أو بحفظها فى معلب وكأنها غير مكتملة النمو، بل يكون باحترامها ومنحها حرية تقرير مصيرها. هكذا يغدو منطقياً أن يفكر كلا الجنسين بالمشاركة السياسية فى بلد تتحول الحرية به إلى ثقافة وحياة، وليس مجرد مطلب تافه يطرحه المعارضون والمنفيون كطقس خطابى متوارث فى ساحة المعارضة لبلوغ غايتهم رغم رأيهم الواضح المستنكر للحريات الاجتماعية ورغم اعتبارهم مسألة تحييد دور المرأة وخنقها جزءاً من تقاليد العرب اللاحياد عنها.

كيف تمنح الحق فى انتخاب حاكم وليس من حقك اختيار مستقبلك؟

ومنذ متى كانت للحرية معايير ورؤى سياسية وجنس يتمتع بها دون الآخر؟

اجمالي القراءات 3275
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق