آحمد صبحي منصور Ýí 2016-01-28
هذا الكتاب
سأل الاستاذ ( احمد فتحى ) عن ( المكّى ) و ( المدنى ) فى القرآن الكريم ، ونعطى هنا لمحة فى هذا الكتاب ( المكى والمدنى فى التنزيل القرآنى ) نرجو أن يتابعها أبناؤنا الباحثون القرآنيون فى كتابات بحثية لاحقة.
فصل تمهيدى أول : لمحة عامة عن المكى والمدنى فى التنزيل القرآنى
( أولا : لماذا هناك ( مكى ) و( مدنى ) فى القرآن الكريم ـ ثانيا : كيف نتعرف على المكى والمدنى ــ ثالثا : موضوعات التنزيل المكى ، والتنزيل المدنى )
أولا : لماذا هناك ( مكى ) و( مدنى ) فى القرآن الكريم :
1 ـ التسليم بوجود مكى ومدنى فى القرآن ليس لأنه مقولة متوارثة ، ولكنه أيضا بناء على تحليل مضمون للسياق القرآنى نفسه .
2 ـ على أنه من المهم التنبيه على حقيقة قرآنية فيما يخص المتوارث أو ( المتواتر ) أو ( التواتر ) او ( الثوابت )،وهى أنها ليست كلها باطلة وليست كلها صحيحة، بدليل الاحتكام بشأنها للقرآن الكريم لأنه الميزان الذى نتعرف به على الحق وسط أكوام الباطل ، لذا يرتبط وصف الكتاب بالحق والميزان، يقول جل وعلا:( اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) الشورى 17 ) . ومن مراجعة آيات القرآن الكريم فى هذا الشأن نجد التكرار على إتباع ما أنزل الله جل وعلا فى كتابه إذا تعارض هذا المتوارث معه كما فى موضوع الطعام : ( البقرة 168 : 173 ،) والنذر للأولياء : ( المائدة 103 : 104 ) وتقديس البشر والحجر خروجا عن ملة ابراهيم عليه :( لقمان 21 : 23 ) وتقديس الملائكة : ( الزخرف 15 : 22 ) .
لقد توارث العرب وأهل الكتاب ملة ابراهيم فوقعوا فى تقديس البشر والحجر وحرّفوا ما فيها من عبادات ( صلاة وصيام وحج وزكاة مالية ). والتحريف ليس الالغاء التام ، ولكن خلط الباطل بالحق . لذا نزل القرآن الكريم يدعو الى إتباع مله ابراهيم حنيفا ، ( ليس ملة ابراهيم ) ولكن ( حنيفا ) بمعنى أنه كان إتباعا شكليا لملة ابراهيم مع تقديس البشر والحجر ، وكان إتباعا شكليا فى العبادات مع عبادة القبور والأوثان والأولياء ، بمثل ما يفعل المحمديون اليوم . هو تحريف هائل ينسف ملة ابراهيم ، فأنزل رب العزة القرآن الكريم بالتصحيح والاصلاح لما قاموا به من تحريف ، لذا أوجب جل وعلا الاحتكام الى كتابه العزيز فى هذا المتوارث ، ولنرفض ما يخالف القرآن الكريم لأنه الإتّباع هو لرب العزة جل وعلا فى كتابه الكريم .
أن الله جل وعلا قد ضمن حفظ القرآن الكريم الميزان الذى يجب أن نحتكم اليه فى أى متوارث وأى مستحدث يدخل فى إطار التدين، ولأن الشيطان لم ولن بقدم إستقالته ، ولأنه لا ييأس من إضلال بنى آدم فقد تلاعب بالمحمديين . عجزوا عن تحريف نصوص القرآن فإتخذوه مهجورا ، وتعاملوا معه بالنسخ بمعنى إلغاء إحكامه ، وبتأويل مفاهيمه وبإختراع وحى نسبوه للنبى عليه السلام ، وأقاموا بهذا أديانهم الأرضية من سنة وتشيع وتصوف . ثم ظهر أهل القرآن يحتكمون الى القرآن الكريم ويعيدون إستجلاء أنواره يدمرون بها خرافات التراث التى لم يكن يجرؤ أحد قبلنا على الاقتراب منها إلا بالتقديس . عملنا شجع الكثيرون على ( إنتقاد ) أساطير الأديان المحمدية والتراث وأئمتها وشيوخها ، وشجع كثيرين على قراءة القرآن الكريم بدون الرجوع الى التفاسير ، ولكن الشيطان الذى لا ييأس نجح فى إغواء بعضهم ، فمنهم من ينكر العبادات الاسلامية والصلاة خصوصا ، ومنهم من يبيح الزنا ، ومنهم من يقوم بإختلاق دين على مقاسه الشخصى بتأويل الآيات حسب هواه وبما يتمتع به من جهل بالقرآن الكريم ومفاهيمه ومنهج التدبر فيه .
وجميعهم يرفضون كل التراث جملة وتفصيلا ، لأنهم لا علم لهم به ، وهم ينسون أن القرآن الكريم لم ينزل فى فراغ ، ولم ينزل لإلغاء كل شىء وتقديم جديد فى كل شىء. القرآن الكريم لم يذكر الأشياء المعروفة حتى فى ما يدخل منها فى هوامش التشريعات . مثلا ذكر رب العزة أن عدة الشهور 12 شهرا ، ولم يذكر أسماء الشهور ، ذكر يومين فقط من أيام الأسبوع ( الجمعة والسبت ) ، اشار الى الشهر المعلومات والأيام المعدودات ( أى المعروفات ) وأمثلة كثيرة تؤكد أن القرآن نزل وسط ثقافة وهيكل معرفى وتراث من ملة ابراهيم يختلط فيه الحق والباطل ، لذا نزل ( ميزانا ) نحتكم اليه فى المتوارث ، فما يخالفه نرفضه لأن الإتباع هو لهذا الميزان فقط . وجميعهم ينسون أن من يتصدى للتبر القرآنى لا بد أن يتعمق فى فهم اللسان العربى واللسان القرآنى العربى الخاص بمثل تعمقه فى دراسة تاريخ ( المسلمين ) وتراثهم وأديانهم الأرضية وأسفارهم المقدسة ، وليس لكل من هبّ ودبّ أن يجادل فى كتاب الله جل وعلا بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير .
3 ـ وبالاحتكام للميزان الالهى ، للقرآن الكريم فإن المقولة التراثية بوجود المكى والمدنى تتفق مع التدبر القرآنى . وهنا ننصح بقراءة ما كتبناه فى كتاب( ليلة القدرهى ليلة الاسراء ) المنشور هنا،وفى بحث عن (كيفية نزول وحي القرآن علي خاتم النبيين عليهم السلام ).
قلنا إن القرآن الكريم نزل مرة واحدة ( كتابا ) ( مكتوبا ) بمعانيه فى قلب الرسول عليه السلام فى ليلة القدر حين إلتقى جبريل عليه السلام ، ثم بعدها كان ينزل القرآن مقروءا على لسانه باللسان العربى مفرّقا حسب الأحداث . ورب العزة هو الذى أنزله كتابا ثم أنزله ( قرآنا ) مقروءا فيما بعد ، وهو الذى يعلم غيب المستقبل وما سيأتى فيه من أحداث ، وهو جل وعلا الذى أحاط بكل شىء علما ، وهو الذى يستوى عنده العلم بالغيب والعلم بالشهادة . وفى بحث آخر منشور هنا أيضا أثبتنا بالقرآن الكريم أن النبى محمدا عليه السلام هو الذى كتب القرآن بنفسه ومعه بعض أصحابه يُملون عليه ، وأن للقرآن الكريم نوعية خاصة فى الكتابة تختلف عن الكتابة العادية للسان العربى ، وأن هذه الكتابة القرآنية الخاصة التى كتبها الرسول بنفسه مرتبطة بما اصبح معروفا اليوم بالاعجاز الرقمى العددى للقرآن الكريم . وهو مجال جديد أصبح له فرسانه من أهل القرآن ، كالاستاذ مراد الخولى والاستاذ محمد صادق والاستاذ جلغوم . اكرمهم الله جل وعلا .
من هنا نفهم قوله جل وعلا:( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ )( القيامة 17 : 19 ). ذلك إن ( جمع القرآن ) بسوره وآياته هو عمل قام به الرسول فى حياته بوحى الاهى ، فالله جل وعلا هو الذى ضمن حفظ القرآن وهو الذى ضمن جمعه بسوره وآياته سواء ما نزل منها فى مكة أو المدينة ، ثم هو الذى ضمن بيانه وتوضيحه من داخله ، وهذا البيان ميسور لمن آمن بالقرآن وحده حديثا ، أى مجاله مفتوح للمؤمنين بالقرآن الكريم فقط ، يقول جل وعلا عن تفصيلات كتابه الكريم : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الاعراف 52 ).
4 ـ وأوجه الإعجاز القرآنى متشعبة ، ليس فقط فى فصاحته وأنه مٌيسّر للذكر والهداية وأنه فى نفس الوقت يعطى مجالا لانهائيا للتدبر والتعمق ، وليس فقط فى إعجازه فى إشاراته العلمية والاجتماعية والقصصية والتشريعية ، ولكن أيضا فى أنه لا تناقض ولا عوج فيه ، مع التكرار والتداخل فى الموضوعات التشريعية والقصصية ، ومع نزول آياته وسوره فى مكة والمدينة وما يعنى هذا من إختلاف الظروف . أى أن التنزيل القرآنى المكى منه والمدنى يحوى إعجازا فيما يتكرر فى موضوعاته .
ثانيا : كيف نتعرف على المكى والمدنى :
نعيد القول بأن تدبر القرآن له منهج عرضنا له كثيرا ، وأن الذى يقوم بتدبر القرآن لا بد أن يكون مؤهلا لهذا العلم ، مؤهلا بالهداية الايمانية وبالهداية العلمية معا . ولنا مقال سبق نشره هنا . ونعطى لمحة قرآنية :
1 ـ القرآن الكريم هو ( علم الاهى )، وبهذا جاء وصف القرآن بالعلم فى مواضع كثيرة ، يقول جل وعلا عن المعاندين من أهل الكتاب ( وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) ( وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (145) البقرة ) (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61 ) آل عمران ) ( وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ (37) الرعد ). ( من بعد ما جاءه من العلم ) يعنى القرآن الكريم . وحين كان يتنزل القرآن مقروءا على لسانه ، وقد نزل من قبل كتابا مطبوعا فى قلبه ، فكان حين تتنزل الآية على لسانه يتذكرها فى قلبه فيسبق بها اللسان ، فقال له ربه جل وعلا :( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) طه ). هذه أمثلة لوصف القرآن الكريم بالعلم الالهى .
2 ـ هذا القرآن ( العلم الالهى ) يستلزم هداية إيمانية ، بالايمان به وحده حديثا ، فمن يؤمن بحديث آخر معه لا يمكن أن يهتدى ولا يمكن أن يصلح للتدبر القرآنى ، بل يظل فى قلبه هوى ، ويستعمل ذكاءه ومهارته فى تحريف معانى القرآن الكريم ، وقد يتلاعب بالمتشابه والمحكم من الآيات ، هذا ، بينما يؤمن الراسخون فى العلم القرآنى بالكتاب كله ويتتبعون التدبر القرآنى ، بتجميع كل الآيات الخاصة بالموضوع وبحثها معا طلبا للمعرفة والهداية ، وقد يكون هناك مؤمن بالقرآن وحده ، لكن ليس مؤهلا للتدبر القرآنى ولا عيب فى هذا . هنا نتذكر أن الله جل وعلا جعل القرآن الكريم يجمع بين التعمق الذى يستلزم التدبر والمؤهلين له وبين التيسير فى الهداية لتكون فى متناول من يريد الهداية ، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) القمر ).
و الهداية العلمية ليست علما لدنيا الاهيا للبشر ، لأن العلم اللدنى يأتى للأنبياء فقط ،الهداية العلمية مُتاحة لكل من أرد واستعد لها بالايمان بالقرآن الكريم وحده حديثا وبالتبحر العلمى فى القرآن الكريم نفسه وموضوعاته القرآن الكريم متعددة؛ تاريخية وعلمية ووعظية . بهذا التبحر العلمى والهداية الايمانية ومعايشة القرآن يمكن التعرف على التنزيل المكى والمدنى فى القرآن الكريم .
3 ـ ومن التدبر القرآنى معرفة التنزيل المكى والمدنى ، ليس فقط على مستوى السُّور بل الآية المدنية داخل السورة المكية . ففى بعض السور المكية توجد آية أو أكثر يؤدى التدبر فيها الى أنها نزلت فى المدينة ، وتم إلحاقها بسورتها المكية فى مرحلة ( جمع القرآن ) الأخيرة بما فيها ترتيب الآيات والسُّور ، والتى قام بها الرسول عليه السلام . وقلنا من قبل إن رب العزة هو الذى ضمن حفظ القرآن وهو الذى ضمن جمعه وقراءته أو ( قرآنه ):( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ )( القيامة 17 : 19 ).
ونستشهد بسورة المزمل . وبدايتها تدل على أنها من أوائل التنزيل المكى ، يقول جل وعلا خطابا مباشرا للرسول بأنه سيُلقى عليه قولا ثقيلا:( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) المزمل 1 : 5 ). الآية الأخيرة فى السورة نزل فيها تخفيف فى قيام الليل وتلاوة القرآن لأن الحال إختلف بسبب فرضية القتال الدفاعى ، يقول جل وعلا موجها خطابا مباشرا للرسول عليه السلام نستدل منه أن قام بتطبيق الأمر الذى ورد فى أوائل السورة، هو وطائفة من المؤمنين معه :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) المزمل 20 ) هى الآية الوحيد المذكور فيها القتال فى سورة مكية ، وبها يستدل الباحث القرآنى على أنها آية مدنية فى سورة مكية .
4 ـ لقد جاء التنزيل المدنى بمصطلحات جديدة وموضوعات جديدة وتشريعات جديدة لم تكن فى التنزيل المكى ، مثل ( المنافقون ) والقتال والأسرى والغنائم ، و( أزواج النبى / سورة الأحزاب ، التحريم ) و ( اليهود ، والنصارى والمجوس ، والأحبار والرهبان والربانيون والقسيسون ) ، و المسجد الحرام والصد عنه : (7 مرات. البقرة ، المائدة ، الأنفال ، التوبة ، الحج ، الفتح ، ) الشهر الحرام والأشهر الحرم ( البقرة والمائدة ، التوبة ) . ونعطى عنها لمحة .
ثالثا : لمحة عن موضوعات ( التنزيل ) المكى ، والتنزيل ( المدنى )
1 ـ نظرة عامة أُفُقية نرى تركيز التنزيل المكى على ( لا إله إلا الله ) و ( الأخلاق ) . بينما يتركز التنزيل المدنى على التشريعات ومواكبة معاصرة لمجريات الأمور فى دولة النبى الاسلامية فى المدينة .
2 ـ التركيز فى التنزيل المكى على تصحيح العقيدة الايمانية والأخلاق يأتى تحقيقا لدور القرآن الكريم فى الأمر ب (إتّباع ) ملة ابراهيم ( حنيفا ) منزها من تقديس غير الله جل وعلا، وتكرر هذا فى التنزيل المكى : ( الانعام 79 ، 161 ( يونس 105) ( النحل 120 ، 123) والمدنى :( البقرة 135 )(آل عمران 67 ، 95 ) ( النساء 125 ) ، لكى يكون الدين لرب العزة خالصا والعبادة فيه خالصة لوجهه جل وعلا : ( الزمر 2 : 3 ، 11 ، 14 )، فقد كان العرب يؤدون الصلاة ولا يقيمون الصلاة ، وكانوا يحجون مع تقديس الأوثان وتحريف فى الحج وكانوا يصومون بلا تقوى وكانوا يقدمون الصدقة دون أن تتزكى اى تتطهر نفوسهم ، وكانوا ساقطين فى وحل الفواحش والمظالم يزعمون ان الله جل وعلا امرهم بها ( الاعراف 28 ). كان لا بد من إصلاح القلب بالتركيز على ( التقوى ) التقوى الايمانية : ( لا إله إلا الله ) والتقوى السلوكية بالحث على الخلاق السامية . وهذا رائع لأنه لا بد من البدء بتنقية القلب وإصلاح السلوكيات قبل الدخول فى التفصيلات التشريعية، وهو نفس المنهج فى التحول الديمقراطى الذى لا بد فيه من تعميق الثقافة الديمقراطية قبل تفعيل الديمقراطية، وإلا فإن الديمقراطية لا تنجح فى مجتمع تسوده ثقافة العبيد أو ثقافة القطيع . .
3 ــ ونلاحظ هنا إن إصلاح العقيدة الايمانية والسلوك الأخلاقى جاءت بهما معا الوصايا فى السور المكية ( الانعام 151 : 153 )( الرعد 19 : 25 ) (النحل 90 : 97 ) ( الاسراء 22 : 39 ) ( المؤمنون 1 : 11 )( الفرقان 63 : ــ ) ( لقمان 12 : 19 ) .
نقول ( التركيز ) لأن السور المدنية جاء فى بعضها تفصيلات أخلاقية إيمانية ( البقرة 261 : 274 ) ( النساء 36 : 38 )، كما أن تفصيلات التشريع فى التنزيل المدنى كانت تربطه بالتذكير وعظا بالتقوى ، وعلى سبيل المثال يقول جل وعلا فى تفصيلة جُزئية عن معاملة الزوجة المُطلّقة : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة 231 ) (فإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ) الطلاق 2 )
4 ـ وفى تركيز التنزيل المكى على ( لا إله إلا الله ) إستعمل رب العزة أساليب مختلفة، منها :
4 / 1 : الحوار ، ونرى نماذج من هذا الحوار فى ( المؤمنون 84 : 91 ) (العنكبوت 61 : 63 )( لقمان 25 ) ( الرعد 16 )( الزمر 38 : 41 ) ( الزخرف 9 : 23، 87 : 89 ) ( ( الروم 17 : 27 )( سبأ 24 : 37 ).
4 / 2 : الحُجة والبرهان ( الاسراء 40 : 43 ) ( المؤمنون 91 : 92 ) والتذكير بنعم الخالق جل وعلا : ( النحل 3 : 26 ) ( لقمان 10 : 11 ) والنظر فى ملكوت السماوات والأرض والسير فى الأرض (يونس 101 ) (يوسف 105 : 109 ) ( العنكبوت 19 : 20 ) ( الروم 9 ، 42 ) ( غافر 21 ، 82 ).
4 / 3 ـ القصص القرآنى : للأنبياء نوح وهود وصالح وشعيب وابرهيم ولوط وموسى وفرعون فى سور مكية كثيرة مثل ( الأعراف ، هود ، يونس ، ابراهيم ، الكهف ، طه ، المؤمنون ، الشعراء ، النمل ، القصص ، العنكبوت ، سبأ ، الصافات ، ص ، غافر ، الزخرف ، الدخان ، الاحقاف ،الذاريات ، ق ، القمر ، الحاقة ، نوح ، النبأ ، الفجر ، الشمس ). وقصص بعض الأمم السابقة ( الكهف ، يس ، سبأ ).
4 / 4 : الوعظ باليوم الآخر : ( اهوال الساعة ، والبعث والحشر والحساب والخلود فى الجنة أو النار ) ، واحيانا يتزاوج التذكير بإقتراب الساعة مع قصص الأنبياء السابقين كما فى سورة الأنبياء التى تبدا وتنتهى بالحديث عن اليوم الآخر وبين هذا وذاك يأتى قصص الأنبياء . ونحو ذلك تقريبا فى سورة ( المؤمنون ) هذا مع تركيز فى قصار السور المكية على قيام الساعة ومظاهر اليوم الآخر فى سور مثل ( الواقعة ، الرحمن ، المرسلات ، النبأ ، النازعات ، التكوير ، عبس ، المطففين ،الانشقاق ، الانفطار ، الفجر ، الغاشية ، الزلزلة ، القارعة ، التكاثر ، الهمزة )
5 ـ ينقسم التاريخ الى تاريخ للماضى ، وتسجيل للتاريخ المعاصر . وفى التنزيل المكى تركيز على التاريخ الماضى من خلال قصص الأنبياء والأمم السابقة . ويختلف الوضع فى التنزيل المدنى ، حيث نرى قصصا معاصرا للنبى وتعاملاته مع كفار مكة حربيا ( معركة بدر فى سورتى الأنفال وآل عمران ) ( معركة أحد فى سورة آل عمران ) ( معركة الأحزاب فى سورة الأحزاب ) ( معركة حنين وذات العسرة فى سورة التوبة ) وبينما لم ترد أى إشارة الى المنافقين فى التنزيل المكى فإن التنزيل المدنى حفل بأخبارهم.
5 ـ ولم يرد قصص الأنبياء بنفس التركيز والتفصيل والتكرار فى التنزيل المدنى ، بل تعرض لها فى سياقات مختلفة تتسق مع نوعية جديدة جاء بها الوضع فى المدينة . فالحوار مع أهل الكتاب تكرر فى التنزيل المدنى ، وفي تفصيلاته جاءت الاشارة الى ابراهيم عليه السلام وملة ابراهيم وأنبياء بنى إسرائيل خصوصا موسى ـ عليهم جميعا السلام ، كما فى سور : ( البقرة 40 : 147 ، 211) ( آل عمران 18 : 25 ،61 : 101 ، 110 : 115 ، 181 : 184 ، 186 : 188 ، 199) ( النساء 44 : 55 ، 153 : 163 ، 171 : 175 ) ( المائدة 12 : 26 ، 41 : 53 ، 57 : 86 ، 110 : 120 ) (التوبة29 : 35 ).أى خفُت الحوار مع كفار العرب فى التنزيل المدنى وحل محله الحوار مع أهل الكتاب .
6 ـ ولم يأت فى التنزيل المدنى وصف القرآن الكريم بالحديث سوى مرة واحدة : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) النساء 87 ). بينما تكرر فى التنزيل المكى وصف القرآن الكريم بالحديث فى سياقات مختلفة : فى التأكيد على كُفر من يؤمن بحديث آخر غير حديث القرآن ( الأعراف ، المرسلات ) وفى مواجهة إختراع كفار العرب أحاديث أسماها رب العزة ( لهو الحديث ) مع كراهيتهم لحديث رب العزة فى القرآن الكريم ( الجاثية 6 : 8 )( لقمان 6 ـ ) وكفرهم بحديث القرآن ( الكهف 6 ) وعجبهم منه ومداهنتهم له وتكذيبهم به لأسباب إقتصادية ( الواقعة 81 : 82 ) ( النجم 59 ) وتهديد رب العزة من يكذب بحديث القرآن ( القلم 44 ) وتحديهم بأن يأتوا بحديث مثله ( الطور 34 )، ووصف القرآن الكريم بأنه ما كان حديثا يُفترى ( يوسف 111) وأنه أحسن الحديث. ( الزمر 23 ). هذا التركيز فى التنزيل المكى على ( الحديث القرآنى ) كان مواجهة لتكذيب للقرآن الكريم كله رفضا له ، وارتبط هذا بإفترائهم وحيا شيطانيا يضاهئون به القرآن الكريم ، أى إفتروا على الله جل وعلا وكذبوا بآياته ، وتكرر التركيز فى التنزيل المكى على أن هؤلاء هم الأظلم من بين البشر : ( الانعام 21 ، 93 ، 144 ، 157 )، ( الأعراف 37 ) ( يونس 16 : 17 ) ( هود 18 ) ( الكهف 15 ، 57 ) ( العنكبوت 68 ) ( السجدة 22 ) ( الزمر 32 ). ومن أسف أن الشيطان أعاد المحمديين الى ما كان عليه كُفار العرب وقت التنزيل المكّى .
7 ـ وجاءت التشريعات الاسلامية فى التنزيل المكى فى صورة عامة دون تفصيلات ، وجاءت أحيانا بين الوصايا الأخلاقية والايمانية ، ثم كان التفصيل فى التنزيل المدنى .
الفصل الثانى :
مواكبة التنزيل القرآنى للأحداث : ( لمحات عن مواكبة التنزيل القرآنى للمتغيرات : فى المصطلحات ـ التذكير بوحى سابق . فى القصص المعاصر للنبى عليه السلام . على مستوى السور : سورة النور ــ سورة الممتحنة . مواكبة التنزيل القرآنى فى العلاقات بين المؤمنين والكافرين . مواكبة التنزيل القرآنى لحركة المنافقين : البداية ـ الوسط ـ فى أواخر التنزيل المدنى )
نبدأ بعدة ملاحظات :
1 ــ مواكبة التنزيل القرآنى المكى والمدنى للأحداث دليل هام على ( مُعاصرته ) لتاريخ النبى عليه السلام من مكة الى المدينة وتاريخ هذه الفترة الفريدة فى تاريخ الاسلام والمسلمين ، والتى بعدها بدأ تاريخ المسلمين فى عهد الخلفاء يتناقض مع عصر النبى عليه السلام ودولته الاسلامية الحقيقية ، ويظل ما أورده القرآن الكريم حُجة على ما كتبه محمد بن إسحاق فى ( السيرة النبوية ) وهو الذى رسم شخصية للنبى تماثل الصورة النمطية للخلفاء الفاسقين ، وتتابعت بعده كتب السيرة والأحاديث تنفخ فى هذه الصورة المغلوطة للنبى عليه السلام ، وتتناقض فيها بين التاليه والتحقير .
2 ــ يظل المنهج القرآنى للقصص عموما مختلفا عن المنهج التاريخى. الحدث التاريخى له أضلاع ثلاثة : المكان والزمان والانسان ، مثلا الآن فى التفجيرات الارهابية التى حدثت مؤخرا فى باريس يذكر المؤرخ الزمان : ( 13 نوفمبر 2015 ) ، واماكن التفجيرات ( المسرح ، الاستاد ، المطعم ، وبقية الأماكن )، والانسان ، أى أبطال الحدث التاريخى ( الارهابيون ، الضحايا ، الرئيس الفرنسى وقادة فرنسا المعنيون بالأمر ) .
القصص القرآنى يركّز على العبرة من الحدث ، ولا يهتم كثيرا بالزمان والمكان وأسماء الأشخاص . أى يقطع الحدث مما يربطه بالزمان والمكان ليتحول الى عبرة وعظة للبشر فى كل زمان ومكان . ونأخذ قصة أصحاب الكهف مثالا ، فليس معروفا الزمان والمكان وأسماء الأشخاص ولا حتى عددهم . ونفس الحال فى القصص القرآنى المُعاصر لتاريخ النبى محمد عليه السلام فى مكة والمدينة ، قليل أن تأتى كلمتا ( مكة والمدينة ) ويأتى التعبير عن أبطال الأحداث بدون أسماء بل بالاسم الموصول والوصف ( الذين كفروا ، الذين آمنوا ، الظالمون ، الفاسقون ،الكافرون ، المشركون ، المنافقون ، مردوا على النفاق ، السابقون ، خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، الذين فى قلوبهم مرض ، المرجفون فى المدينة ..الخ ) . وحتى فيما يفعلون من أفعال وفيما يقولون من أقوال محددة لا يذكر رب العزة أسماءهم إكتفاءا بالوصف : ( يقُولُونَ لَئِن َّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) المنافقون 8 )( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ۚ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) التوبة 74 ). (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )الاحزاب 23 ) . هذا يحوى إعجازا الاهيا ، لأن هذه الأوصاف تنطبق على من يفعلها بعد إنتهاء القرآن الكريم نزولا ، ونرى الآن المحمديين يكررون نفس الأقوال والأفعال للكفار ، كما أن البشر فيهم من يكرر أقوال وأفعال المؤمنين .
3 ـ الأحداث التاريخية ليست كثيرة فى التنزيل المكى ، لأنه لم تكن هناك أحداث كثيرة فى مكة ، فالحدث الهام والرئيس هو الدعوة الى الاسلام وإضطهاد النبى والمستضعفين معه ، وانتهى هذا بالهجرة الى المدينة ، وفيها تتابعت الأحداث ، بل أصبحت ( يثرب / المدينة ) أول و ( آخر ) دولة اسلامية ، تلك الدولة التى إجتذبت إهتمام الإمبراطوريتين العُظميين وقتها ( الفُرس والروم ). هذا الزخم فى الأحداث قام التنزيل القرآنى المدنى بتأريخه وفق منهج القصص القرآنى المُشار اليه .
ونبدأ بلمحات عن مواكبة التنزيل القرآنى للمتغيرات :
فى المصطلحات :
1 ـ فى مواكبة المستجدات جاء التنزيل المدنى بمصطلحات جديدة مثل ( المنافقون ) والقتال والأسرى والغنائم ، و( أزواج النبى / سورة الأحزاب ، التحريم ) و ( اليهود ، والنصارى والمجوس ، والأحبار والرهبان والربانيون والقسيسون ) ، و المسجد الحرام والصد عنه : (7 مرات. البقرة ، المائدة ، الأنفال ، التوبة ، الحج ، الفتح ، ) الشهر الحرام والأشهر الحرم ( البقرة والمائدة ، التوبة ) .
2 ــ وهناك ألفاظ جاءت فى التنزيل المكى ، ثم جاءت فى التنزيل المدنى بمعنى جديد ، مثل ( المدينة : جاءت 14 مرة ، ومنها اربع مرات فقط عن المدينة يثرب ، فى سور : التوبة و الأحزاب و المنافقون ) وتكرر إسم فرعون كثيرا ، ولكن جاء فى موضعين فقط عن (دأب فرعون ) فى سورتين مدنيتين ( آل عمران ، الأنفال )، بما يعنى أن كفار قريش فى كفرهم السلوكى بالاعتداء والاكراه فى الدين يسيرون على ( داب فرعون ) أو سُنّة فرعون ). وتكررت كلمة ( يسألونك ) فى مكة والمدينة مع إختلاف فى نوعية الأسئلة فأغلبها فى المدينة عن تفصيلات تشريعية ، أما فى مكة فكانت أسئلة عن الساعة وما يتصل بها . .
3 ــ وسيأتى تفصيل عن هذه السياقات القرآنية ، ولكنها لمحة عن أن التنزيل المدنى أتى بمصطلحات جديدة ، واضاف معانى وتفصيلات لمصطلحات سبق نزولها فى التنزيل المكى .
التذكير بوحى سابق :
1 ـ فى حرصه عليه السلام على هداية الملأ الكافرين كان يتجاهل المؤمنين المستضعفين . بدأ هذا فى قوله جل وعلا :( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ )عبس 1 ـ ). ومع هذه التذكرة فلم يتذكر ، فكان يضيق بتجمع المستضعفين المؤمنين حوله ويطيع الملأ الكافر فقال له ربه جل : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) الكهف ). ولم يطع قول الله جل وعلا بل كان يطرد المستضعفين فقال له ربه جل وعلا : (وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ (52) الانعام ). هذا الانذار مترتب على وحى سابق فى نفس الموضوع .
2 ـ وحرصا منه على التقرب اليهم كان يحضر مجالسهم التى يخوضون فيها فى القرآن الكريم لهوا ولعبا ، وتكرر له النهى ، قال له جل وعلا : ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) المعارج )( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) الزخرف ) ( ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) الأنعام ). ومع التكرار لم يُطع ، فقال له ربه جل وعلا : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) الانعام ) هنا تذكير بما سبق (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) . ( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) الانعام ). بعد هذه اللهجة الحاسمة أطاع النبى بينما ظل بعض المؤمنين فى المدينة يحضرون مجالس الخوض هذه فقال جل وعلا لهم محذرا ومهددا ومذكرا بما سبق من نهى :( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) النساء ).
3 ـ ونزلت سورة المسد تتوعد أبا لهب وزوجه بنار ذات لهب . وبهذا تبين للنبى أنه من أصحاب الجحيم ، ومع ذلك كان يستغفر له . ونزل النهى عن موالاة الكافرين المعتدين والأمر بالتبرؤ منهم ، وهذا فى أوائل إستقرار المهاجرين فى المدينة ومعاناتهم من الغُربة. قال جل وعلا لهم : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . ) ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) الممتحنة 4 ، 6 ) . ومع ذلك ظل النبى يستغفر لأبى لهب ، فقال جل وعلا يذكّره بموقف ابراهيم السابق بالتبرؤ من أبيه حين كفّ عن الاستغفار للأبيه حين تبين له أنه عدو لرب العزة جل وعلا: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ )التوبة 113 ـ ) .
4 ـ ونزل معظم القصص القرآنى فى مكة ليستفيد منه خاتم النبيين فى جهاده ، يقول جل وعلا فى خطاب مباشر له عليه السلام : (كُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ) هود 120 ). وفى أمر النبى خاتم النبيين بالتاسى بصبر أولى العزم من الرسل السابقين طبقا لما جاء عنهم فى القصص القرآنى يقول جل وعلا :( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ) الأحقاف 35 ). وكان عليه السلام يحزن لأن كُفار قريش كانوا يطلبون منه آية حسية ، ولا سبيل لذلك إكتفاءا بالقرآن الكريم آية وإعجازا عقليا للبشر الى قيام الساعة . ردا على حُزن النبى خاطبه ربه جل وعلا إنهم فى حقيقة الأمر لا يكذبونه ولكنهم يجحدون الحق القرآنى ، وأن الرسل السابقين صبروا على الأذى حتى آتاهم نصر الله ، ولقد سبق إنزال أنبائهم ، يقول جل وعلا : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِالْمُرْسَلِينَ الانعام 33 : 34 ).
5 ـ وفى التأسى بصبر المؤمنين السابقين فى القصص القرآنى ، يخاطب جل وعلا المؤمنين فيقول : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) البقرة 214 )، وفى التذكير بوحى سابق جاء ايضا فى موضوع التقوى :( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ ) النساء 131 ).
6 ـ المنافقون بالذات كانوا يرتعبون من نزول القرآن الكريم يفضحهم ، ولذا تكررت آيات القرآن تُذكّر بمواقفهم وتتابع ردود أفعالهم بل وأحيانا ملامح وجوههم وحركاتهم . ونقرأ قوله جل وعلا : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ) التوبة 64 )( وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ ) التوبة 86 ) ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) ( التوبة 124 ) ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ) ( التوبة 127 ) (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ ) ( محمد 20 ).
7 ـ وكل الايات السابقة تستلزم تدبرا ، ننتظره من أبنائنا الباحثين القُرآنيين .
مواكبة التنزيل القرآنى فى القصص المعاصر للنبى عليه السلام على مستوى السور
بالتدبر القرآنى يتضح أن أوائل سور التنزيل المكى هو قصار السور ( العلق ) ( الضحى ) ( القلم ) ( المدثر ) ( المزمل ) ( القيامة ) . وأن أوائل مانزل فى المدينة سور ( النور ) ( الممتحنة ) ( الحج ) والأنفال ، ثم البقرة وآل عمران ، ثم الأحزاب ، وأن آخر التنزيل هى ( المائدة ) ( التوبة ) ( النصر ) . كما يتضح ــ من وجهة نظرنا ــ خطأ التراثيين فى جعل هذه السور مدنية ، وهى (الرعد ، الانسان ، الرحمن ، الزلزلة ) . ويتضح بالتدبر القرآنى أن هناك آيات مدنية فى بعض السور المكية ، أى نزلت فى المدينة ثم فى الجمع الأخير للقرآن الكريم بيد الرسول عليه السلام وتوجيه من رب العزة تم إلحاق هذه الآيات بسور مكية ، ومثلا : هناك آيات مدنية فى سورة العنكبوت : 1 : 11 ، ، 46 : 49 ، 56 : 59 ، وآيات مدنية فى سورة الانعام : 91 : 92 ، 118 : 121 ، 136 : 147 ، وآية مدنية فى سورة الزمر : 10 .
ونعرض لسورتى النور والممتحنة تأكيدا على كونهما من أوائل السور المدنية :
سورة النور
1 ـ فى سورة النور نرى ملامح تشكل مجتمع جديد فى المدينة قوامه المهاجرون والأنصار ، وما نجم عن هذا التشكل من مشاكل ، نزل بشأنها تشريعات . إستقرار المهاجرين والمهاجرات وحاجتهم الى عون أوجد موقفين متعارضين : أنصار غاية فى النبل والعطاء كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان فيهم خصاصة ، ومنافقون كارهون للوضع الجديد ومن مزاحمة المهاجرين لهم فى بلدهم . المنافقون إستغلوا عطف المؤمنين الأنصار ( رجالا ونساءا ) على المهاجرين والمهاجرات فى قذف المحصنات العفيفات من المهاجرات والأنصاريات ، وإشاعات بالزنا عن رغبة فى أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا. نزل التشريع فى سورة (النور) بعقوبات الزنا وقذف المحصنات ، والملاعنة ، وبالتحذير من ( حديث الإفك ) ، ثم وضع قواعد للإستئذان وتشريعات أخلاقية فى غض البصر و فى زى المرأة وزينتها ، وفى تشجيع زواج ( الأيامى ) أى الارامل والمطلقات ، والفقراء والفقيرات ، والمآدب والتزاور : ( النور : 1 : 33 ، 58 : 61 ) .
2 ـ ونرى فى نفس السورة ( النور ) أول إشارة للمنافقين دون إطلاق لفب المنافقين عليهم ، بل مجرد وصفهم بالعصيان وعدم الاحتكام الى السُّلطة الجديدة إلا إذا كان معهم الحق ويريدون العدل ، أما إذا كانوا ظالمين فيرفضون الاحتكام للقضاء الاسلامى الذى يقوده النبى محمد عليه السلام ، هذا مع انهم يقسمون بالله جل وعلا جهد أيمانهم بالطاعة حتى لو قيل لهم أُخرجوا من المدينة ليخرجُنّ. ( االنور 47 : 54 ). وفيما بعد أصبح من أهم ملامح النفاق أنهم إتخذوا ( أيمانهم ) جُنّة ووقاية ، كما جاء فى سورتى ( المنافقون ) و( التوبة ).
3 ـ ونرى في سورة ( النور ) ها وعدا للمؤمنين الذين كانوا وقتها فى مرحلة خوف وضعف أن التمكين آت لهم إذا صدقوا فى إيمانهم ( النور 55 ) .
4 ـ وكانت الشورى أو الديمقراطية المباشرة مأمورا بها فى مكة فى توصيف للمجتمع المسلم في سورة الشورى ، حيث تم فرض الشورى فريضة تالية للصلاة ( 36 : 40 ). تفعيل الشورى أو الديمقراطية المباشرة بدأ مع إستقرار المهاجرين فى المدينة وبدأية تأسيس الدولة الاسلامية . وهذا بآلية تجمع المواطنين كلهم فيما يشبه الجمعية العمومية ، أو بالتعبير القرآنى ( امر جامع ) . وحدث أن كان يتخلف بعضهم دون إذن أو يتسلل من الاجتماع فنزل الأمر بالحضور والنهى عن التخلف والتسلل والتحذير فى أواخر سورة النور ( 62 : 64 ).
5 ـ ونلاحظ فى سورة ( النور ) إستمرار للخطاب الدّعوى الى ( لا إله إلا الله ) والحديث الى آلاء الله جل وعلا ونوره ، وإحباط أعمال الكافرين ، وإقامة بيوت يرتفع فيها إسم الله جل وعلا ، يتخلل الموضوعات السابقة ، ويأتى فاصل بين الموضوعات بآيتين بنفس المعنى : ( وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) ( السور 34 )، ( لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) النور 46 )
سورة الممتحنة :
1 ـ واضح أنها نزلت تأنيبا للمهاجرين فى أول إستقرارهم فى المدينة ، كانوا ـ مع يعانون من الحنين الى مكة ، الى درجة نسيانهم أن قريش أخرجتهم من ديارهم وأموالهم ظلما وعدوانا . لذا فإن الله جل وعلا وجّه لهم خطابا مباشرا للمؤمنين المهاجرين ينهى عن مناصرة وموالاة أقاربهم الكافرين ، واصفا أولئك الكافرين بأنهم أعداء الله وأعداء المؤمنين، وإذن لا يصح أن يعاملوهم بالمودة، فأولئك الكافرون جمعوا بين الكفر العقيدى ـ وهو الكفر بالقرآن الكريم ـ والكفر السلوكى وهو الاعتداء على المؤمنين والنبى محمد واخراجهم من بيوتهم بسبب أنهم آمنوا بالله تعالى وحده. وعليه فاذا كان المؤمنون قد فارقوا أوطانهم جهادا فى سبيل الله وابتغاء مرضاة الله تعالى فلا يصح أن يحتفظوا سرا بعلاقات المودة مع أولئك الظالمين. والله تعالى يعلم السرائر ويعلم الظواهر، ومن يوالى أؤلئك الظالمين فقد أصبح من الضالين عن الطريق المستقيم.وأنّ واقع الأمرأن أولئك الظالمين الكافرين سيظهرون أكثر على حقيقتهم العدوانية اذا اشتبكوا مع المؤمنين فى قتال، ولن يقتصروا على المواجهة الحربية بل ستنطلق أيديهم وألسنتهم بالسوء للمؤمنين. هذا فى الدنيا.أما فى الآخرة فإن قرابتهم لأولئك المشركين الكافرين لن تنفع المؤمنين يوم القيامة، وأن عليهم الإقتداء والتأسى بالنبى ابراهيم والمؤمنين معه حين تبرءوا من أهلهم ومن الآلهة التى يعبدها قومهم . ثم يبشر الله تعالى المؤمنين مقدما بأنه عسى أن يأتى اليوم الذى تنتهى فيه العداوة ويحل فيه الوئام .
2 ــ وتأتى فى سورة الممتحنة مبكرا قواعد الموالاة مع القوم المخالفين فى الدين ، فلا بد من التعامل بالبر والمودة والعدل والقسط مع المخالفين للمؤمنين فى العقيدة والدين طالما لم يعتدوا على المؤمنين ولم يقاتلوهم بسبب اختيارهم الدينى ولم يقوموا باخراجهم من بيوتهم وأوطانهم. هذا لأن الله تعالى يحب المقسطين القائمين على تحقيق العدل . أما هؤلاء الكافرون المعتدون فيجب عدم موالاتهم .. ويلاحظ هنا أن الله تعالى أتى بوصف الاسلام الظاهرى بمعنى عدم الاعتداء، فكل من لم يقم بالاعتداء عليك فهو مؤمن مسلم ، وعليك أن تعامله بالبر والقسط والعدل. يسرى ذلك على الأفراد كما يسرى على الدول.أما الذين اعتدوا على المؤمنين بالقتال بسبب خيارهم الدينى ، وأخرجوهم من ديارهم أو ساعدوا الظالمين فى طرد المؤمنين من ديارهم ـ فانهم الكافرون الذين ينهى الله تعالى عن التحالف معهم وينهى عن موالاتهم. ومن يتحالف معهم وينصرهم ويؤيدهم فى عدوانهم الظالم على المؤمنين فهو شريك لهم فى الظلم.
3 ــ بعدها انتقلت الآيات الكريمة لتضع تشريعات اجتماعية فى مشاكل الزواج والطلاق التى حدثت بعد الهجرة من مكة الى المدينة وما حدث من انقطاع تام بين أهل المدينة وأهل مكة، وترتب على هذه القطيعة تفكك بعض الأسر بين زوج كافر استمر فى مكة وزوجة مؤمنة تركت زوجها لتلحق بجماعة المؤمنين ، أو العكس ؛ زوجة تمسكت بدين أهلها المتوارث وظلت فى مكة رافضة أن تتبع زوجها الذى أسلم وهاجر. ثم هناك مشكلة أخرى ، فقد تأتى احداهن تزعم الايمان وهى فى حقيقة الأمر أتت لتتجسس على المؤمنين وتساعد المشركين فى اعتداء يعدون له ، حيث عزموا على ملاحقة المؤمنين الفارين بالقتال فى موطنهم الجديد الذى لجأوا اليه. وبالتالى لا بد أن يرسلوا جواسيس للتمهيد للعدوان. والنساء أفضل من يقوم بهذه المهمة. ومن السهل أن تأتى نساء كثيرات كل منهن تزعم الايمان ، ولا يعلم حقيقة ما فى القلب الا الله تعالى. لذا نزلت الآيات مقدما تطرح الموضوع وتضع له التشريع المناسب فى الآيات 10 ، 11 ، 12.هذه الآيات تخاطب المؤمنين أنه إذا جاءتهم إمرأة مهاجرة فعليهم امتحانها ،أى سؤالها عن سبب مجيئها واختبار حالها حتى لا تكون عينا للعدو، وحتى يتأكدوا حسب الظاهر من حالها ، أما حقيقة ما فى القلب فمرجعه الى الله. وإذا عرفوا صدقها فلا يجوز ارجاعها الى الكفار الذين هربت منهم. إذ لا يحل لها أن تتزوج من كافر ولا يصح لكافر أن يتزوجها. وبالهجرة تحدد من اختار الايمان ومن اختار الكفر. واذا كانت المرأة المهاجرة زوجة تركت زوجها الكافر ولجأت للمؤمنين فعلى المؤمنين دفع المهر الذى دفعه من قبل الزوج الكافر تعويضا له ، ويمكن لها أن تتزوج مؤمنا فى موطنها الجديد ، وعليه أن يدفع لها مهرها. وبالعكس ، إذا اختارت الزوجة الكفر والبقاء فى مكة رافضة أن تصحب زوجها الى المدينة فعلى زوجها المؤمن فى المدينة أن يطلقها تماما ويفارقها حتى تتزوج من كافر مثلها مقيم فى نفس الموطن، وعلي الكفاردفع المهر الذى دفعه المؤمن من قبل. وبعد استجواب المرأة المهاجرة واختبارها والتأكد من صدقها عليها أن تقوم بمبايعة النبى على الايمان والتمسك بالاخلاق الحميدة والطاعة فى المعروف. وتختتم السورة بآية اخيرة تؤكد على المؤمنين ألا يناصروا أو يتحالفوا أو يوالوا قوما قد غضب الله عليهم ، وقد كفروا باليوم الآخر ، ويئسوا منه بالضبط كما سييأس الكفار يوم القيامة من الأولياء المقبورين الذين يطلبون فى الدنيا شفاعتهم ثم يفاجأون يوم القيامة بأنهم لا يملكون نفعا ولا ضرا.
4 ـ تدبر سورة الممتحنة يؤكد أنها من أوائل ما نزل فى المدينة حيث معاناة المهاجرين من الغربة ، وإستمرار الهجرة المتقطعة للافراد ومنهم أزواج وزوجات ونزول التشريع المناسب لحل هذا الانفصال بين الأزواج بين مكة والمدينة ، والحذر من مجىء جواسيس من النساء ، وبيعة النساء فى الدخول للدولة الجديدة ، وقواعد الموالاة التى لم تتضمن إشارة للقتال ، لأن السورة نزلت قبل نزول تشريع ( الإذن بالقتال ) الذى جاء لاحقا فى سورة ( الحج ) ، ثم توالت بعدها تشريعات القتال التفصيلية مرتبطة بعلاقات معقدة بحروب عسكرية وحروب فكرية مع المشركين المعتدين واليهود والمنافقين ، وجاء هذا فى سور ( الأنفال والبقرة والنساء وآل عمران والأحزاب والصّف والحشر والمجادلة والحديد والمنافقون والجمعة والفتح والحجرات ومحمد والبينة) ، الى سور ( المائدة والتوبة وسورة النصر )، وهن من أواخر ما نزل من القرآن الكريم .
مواكبة التنزيل القرآنى فى العلاقات بين المؤمنين والكافرين
1 ـ نبدأ بتحديد ماهية ( الذين آمنوا ) هنا . والواضح أن التنزيل القرآنى يتعامل معهم بما هو كائن وموجود وعلى أساس الاصلاح .
وقد كررنا كثيرا ـ الى حدّ الملل ـ أن الاسلام ظاهريا وسلوكيا هو السلام ، وأن المسلم هو المسالم ، وأن لنا المرجعية فى الحكم على هذا السلوك الظاهرى ، وأن التشريعات الاسلامية تعطى السُّلطة الاسلامية التعامل على هذا السلوك الظاهرى على أساس العدل والسلام وحرية الدين . وأن الاسلام القلبى المقبول عند الله جل وعلا هو الاستسلام والانقياد طاعة له ، وهذا مرجعه لرب العزة ليحكم فيه وحده يوم القيامة . وأن الايمان القلبى هو الايمان بالله جل وعلا وملائكته وكتبه ورسله دون تفريق بين الرسل ، ومرجع هذا الايمان لرب العزة يحكم فيه يوم القيامة .
أما الايمان السلوكى الذى للبشر الحكم عليه فهو الايمان من ( الأمن ) ، أى من يؤثر الأمن والأمان ويكون مأمونا يأمن الناس اليه ويقون به لأنه لا يعتدى على أحد . وبالتالى فالايمان والاسلام يتفقان فى المعنى السلوكى والقلبى . وبالتالى فإن الشرك والكفر هما معا النقيض ، أى سلوكيا ( الاعتداء والإكراه فى الدين ) وقلبيا ( تقديس المخلوقات من بشر وحجر ) . ولنا الحكم على الكفر والشرك من حيث السلوك القولى والفعلى ، لذا يترادف وصف المشركين الكافرين بالظلم والفسق والاعتداء والاجرام . اما من حيث الاعتقاد القلبى فمرجعه لرب العزة يوم الدين . إنطلاقا من هذا فإن الخطاب القرآنى للمؤمنين كان على حسب واقعهم السلوكى لاصلاحهم .
2 ـ وفى التنزيل المكى كان واضحا أن النبى محمدا عليه السلام فى تقربه للملأ المستكبر من قريش كان يتحرج من إلتفاف المؤمنين الفقراء المستضعفين حوله ، ووصل الأمر الى أنه كان يطردهم فعوتب فى ذلك ( عبس 1 ـ ، الكهف 28 ، الانعام 52 ). وبالتالى نفهم أن معظم المؤمنين فى مكة كانوا مؤمنين ظاهريا وسلوكيا ممّن كان وضعهم الاجتماعى والإقتصادى يجعلهم يدخلون فى الاسلام الداعى للحرية والعدل والرحمة خلافا للدين القُرشى العملى القائم على الظلم والسيطرة ، كانوا مستضعفين فى الأرض يريدون التحرر من تلك القرية الظالم أهلها ، لذا جاء فى بعض مسوغات التشريع للقتال الدفاعى فى الاسلام إنقاذ هؤلاء الضحايا المستضعفين فى الأرض ( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ) النساء 75 ). هذا هو المفهوم فى تحديد المؤمنين فى التنزيل المكى ( سلوكيا )
3 ـ هذا التحديد للمؤمنين ( حسب السلوك الظاهرى من الأمن وألمان وليس الايمان القلبى بدين الاسلام ) هو الذى نفهم من خلاله نوعى الخطاب الالهى لهم فى التنزيل المدنى ، فى إصلاحهم ، وفى علاقتهم بسادتهم السابقين من الملأ القرشى .
4 ـ الخطاب الاصلاحى لهم فى التنزيل المدنى كان يدعوهم الى الايمان القلبى إضافة الى إيمانهم السلوكى المُسالم، يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا )النساء 136 ): قوله جل وعلا لهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) أى آمنوا سلوكيا بإيثار الأمن والأمان والسلام ،( آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ ) أى عليهم أن يؤمنوا قلبيا بالله جل وعلا ورسوله وكتبه . أى كان معهم الايمان السلوكى دون الايمان بدين الاسلام فى ( لا إله إلا الله ) ، أى كانوا مشركين فى عقيدتهم بما إستلزم إصلاحهم قلبيا ليجمعوا الايمان القلبى مع إيمانهم السلوكى ، وكما يفوزون بالأمن فى الدنيا فى الدولة الاسلامية التى تضمن الحرية المطلقة فى العقيدة يفوزون أيضا بالجنة فى الآخرة أو بالأمن والسلام فى الآخرة ،وحيث يقال لهم على أعتاب الجنة (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ) الحجر 46 ).
ونفس المعنى يأمر رب العزة الذين آمنوا ( سلوكيا ) بالتقوى القلبية ليستحقوا الرحمة والغفران يوم الدين ، يقول جل وعلا لهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الحديد 28 )، ونفس المعنى فى أمرهم بالتوبة القلبية الصادقة ليكفر رب العزة جل وعلا عنهم سيئاتهم ويدخلهم مع النبى عليه السلام فى الجنة ، يقول جل وعلا : (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التحريم 8 ).
ولم ينفع هذا الخطاب الاصلاحى معهم فظلوا فى المدينة يعكفون على أوثانهم متمتعين بالحرية المُطلقة فى الدين لكل إنسان مُسالم ( مسلم سلوكيا ) مأمون الجانب ( مُؤمن سلوكيا ) . فى التنزيل المدنى أمرهم رب العزة بإجتناب الأوثان وإجتناب قول الزور عن خرافاتها ، قال لهم جل وعلا فى خطاب مباشر : ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِوَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) الحج 30 ). لم يجتنبوا الأوثان ولم يجتنبوا قول الزور ، فكان من أواخر ما نزل فى المدينة قوله جل وعلا للذين ( آمنوا ) سلوكيا فقط : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.) هنا أمر للذين ( آمنوا ) بإجتناب الخمر واليسر والأنصاب أى القبور المقدسة والأزلام أى مزاعم الزور فى علم الغيب للالهة المصنوعة ، لعلهم يفلحون فى الآخرة ، وفى الآية التالية يقول جل وعلا لهم بنفس الخطاب المباشر : ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ. ) ، أى أن الشيطان هو الصانع لهذه الأباطيل ليوقع بينهم العداوة والبغضاء وليصدهم عن ذكر الله جل وعن الصلاة، أى كانوا يشربون الخمر ويعكفون على الأنصاب ولا يذكرون الله جل وعلا ولا يؤدون الصلاة. ويأتى الخطاب الالهى لهم بتساؤل شديد الدلالة : (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) .!!. ثم يأتيهم فى الآية التالية تحذير إن لم يطيعوا الله جل وعلا ورسوله ، وإن لم ينتهوا فليس على الرسول سوى البلاغ وليتحملوا هم عاقبة أمرهم يوم القيامة ، يقول لهم جل وعلا : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) المائدة ).
5 ــ وفى علاقتهم بسادتهم السابقين من الملأ القرشى وعلاقتهم بالنبى عليه السلام تنوع الخطاب الاصلاحى للمؤمنين المهاجرين على النحو التالى :
5 / 1 : ـ غلب عليهم حنينهم الى مكة موطنهم السابق ، وموالاتهم لسادتهم الملأ القرشى وأهاليهم الكافرين المعتدين الظالمين برغم ما نالهم من إضطهاد . وهذا كان مألوفا فى الثقافة العربية التى كان يسودها الانتماء للقبيلة والأهل والعشيرة . وفى الموازنة بين الانتماء الى الاسلام وما يعنيه من قيم عليا وتقوى لرب العزة جل وعلا والانتماء للقبيلة تغلب الانتماء للقبيلة لدى الذين ( أمنوا ) من المهاجرين . وهذا واضح فى التنزيل المدنى . وقد سبق التعرض لسورة الممتحنة فى التأنيب الالهى للذين ( أمنوا ) الذين كانوا يُسرُّن المودة للكافرين المعتدين الذين أخرجوا النبى والمؤمنين . ولقد إستمر هذا التأنيب لهم فى التنزيل المدنى فى قوله جل وعلا لهم تهديدا لهم : (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) المجادلة 22 )، أى فهم آمنوا سلوكيا ولكنهم فى موادتهم للكافرين من أقاربهم لا يمكن أن يكونوا مؤمنين قلبيا برب العزة واليوم الآخر . والموالاة لا تقتصر على المودة القلبية بل الانحياز قلبيا الى عدو فى حالة الحرب .
ولقد إستمر هذا التأنيب للذين آمنوا من المهاجرين ــ بسبب موالاتهم الكفار المعتدين ــ الى سورة التوبة وهى من أواخر ما نزل من القرآن الكريم . يقول جل وعلا لهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) التوبة 23 )، وفى الآية التالية نعرف أسبابا جديدة غير التعصٌّب القبلى لقريش ، وهو عوامل إقتصادية ودنيوية من تجارة مع الكفار ومساكن للذين آمنوا فى مكة ، وبسببها توارى حُبُّهم لله جل وعلا ورسوله والجهاد فى سبيله .يقول جل وعلا يحذرهم : ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) التوبة 24 ).
5 / 2 : إنعكس هذا فى تكاسلهم عن القتال الدفاعى لأنه قتال ضد ( الأهل والعشيرة ) الذين يُسرٌّون اليهم بالمودة ويوالونهم . كانت قريش قد دأبت على الهجوم على المدينة وقت أن كان القتال الدفاعى ممنوعا والأمر بكفّ اليد سائدا ، فلما نزل الإذن بالقتال الدفاعى للمؤمنين الذين ( يُقاتلون ) اى يقع عليهم القتال ( الحج 38 : 41 ) ضجّ بعض الذين آمنوا إحتجاجا يطلبون التأجيل ، وردّ عليهم رب العزة فقال : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) النساء 77 ). ومع هذا ظلوا يكرهون فرض القتال الدفاعى ع أنه خير لهم ، لأنه بدونه سيستأصلهم الكافرون المعتدون ، يقول جل وعلا لهم يعظهم فى رفق : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة 216 ).
وكانت موقعة ( بدر ) إختبارا حقيقيا لهم ، أسماها رب العزة ( يوم الفرقان يوم التقى الجمعان )( الأنفال 41 ) . الاختبار ليس فقط فى أن المؤمنين خرجوا ليأخذوا حقهم من القافلة ، حيث صادر الملأ القرشى أموال المهاجرين وبيوتهم وإسهاماتهم فى القوافل التجارية ، وليس فقط فى أنه تحتم عليهم أن يواجهوا جيشا يفوق عددهم ، ولكن السبب الأكبر أنه يواجهون قريش بكل ما تعنيه قريش من سطوة . لذا حين تحتمت عليه المواجهة الحربية كرهوها وأخذوا يجادلون النبى فى الحق الذى تبين ،كأنما يُساقون الى الموت وهم ينظرون ، وإستلزم الأمر تثبيتهم بالملائكة لينتصروا ، ولترتفع ( روحهم المعنوية ) بتعبير عصرنا ( الأنفال 5 : 12 ) .
ولازمهم هذا التثاقل عن القتال الدفاعى الى آواخر التنزيل المدنى فى سورة التوبة ، يقول جل وعلا للذين ( آمنوا ) : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ) التوبة 38 ) لاحظ هنا ( الثقل ) فى التعبير القرآنى المُعجز فى تعبيره ودلالته : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ )، ولاحظ التأنيب القاسى : (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ )، ثم يقول جل وعلا لهم مهددا بعذاب أليم وأن يستبدلهم بقوم آخرين : (إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التوبة 39 ) .
5 / 3 : أى وصل التهديد الى ( إستبدالهم بقوم آخرين ) ، وهذا يعنى إهلاكهم. وقد تكرر هذا التهديد للذين ( آمنوا ) فى سورة ( المائدة ) فى موضوع موالاة أولئك الذين آمنوا ــ سلوكيا وليس قلبيا ــ للكفار، حين وصل الأمر الى إحتمال ردتهم عن الاسلام سلوكيا ، فقال جل وعلا يهددهم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) المائدة 54 ) ولأنه فى موضوع الموالاة للكافرين المعتدين قال جل وعلا ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) المائدة : 55 :56 ) . ونفهم هنا أن الاختيار هو بين حزب الله جل وعلا أوحزب الشيطان كما جاء من قبل فى سورة ( المجادلة 22 ) وأن هذا التهديد الذى جاء لاحقا فى سورة المائدة كان تحذيرا من تحول الموالاة القلبية الى موالاة بالسلاح للكافرين المعتدين ، أى أن يفقد ( الذين آمنوا ) بمعنى المُسالمة والأمن صفة المسالمة والأمن فيصبحوا كافرين بالسلوك العدوانى .
5 / 4 : ومن الطبيعى أن يبخل أولئك ( الذين آمنوا ) عن الانفاق الحربى فى سبيل الله جل وعلا . وهذا البُخل عن الانفاق فى سبيل يعنى التهلكة ، لذا قال جل وعلا بعد تشريع القتال الدفاعى يأمر بالاتفاق فى سبيل الله : (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة 195 ) ، وتالت الأوامر بالانفاق فى سبيل الله ( المنافقون 9 : 11 ) ( النساء 37 )، ثم نزل التحذير بأن يستبدل الله جل وعلا قوما غيرهم لاستمرار بخلهم ، يقول جل وعلا محذرا : ( هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) محمد 38 ).
6 ـ وهذا التهديد بالاهلاك ( الجزئى ) حدث فى عصر الخلفاء الراشدين ، بالفتوحات والفتنة الكبرى. وهنا نضع بعض الملاحظات :
6 / 1 : ( الذين آمنوا ) من المهاجرين لم يكونوا كلهم من المستضعفين ، كان منهم بعض المنتمين للملأ ، ومنهم من ( مرد على النفاق ) وحافظ على موقع الصدارة ، وعلى العكس كان منهم السابقون إيمانا وعملا ( التوبة 100 : 101 ) وهذا ضمن التقسيم الأخير لأهل المدينة قبيل موت النبى عليه السلام .
6 / 2 : ولكن الأغلبية من قوم النبى ( قريش ) كذبوا بالحق القرآنى ، يقول جل وعلا فى التنزيل المكى يحذرهم مقدما بالعذاب الدنيوى وبتقسيمهم الى شيع متقاتلة يذيق بعضهم باس بعض : (قل هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )الأنعام 65 )، والسبب هو تكذيبهم للقرآن الكريم ، يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ) الانعام 66) ، ويؤكد أن هذا سيحدث وسوف يعلمونه فى أوانه : ( لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) الانعام 67 ) . وفعلا فإن الملأ القرشى هو الذى قام بالفتوحات منتهكا شريعة الاسلام ومنتهكا الأشهر الحرم ومُكذّبا للقرآن الكريم ، ثم بعدها وقعوا فى الفتنة الكبرى بسبب التنازع على غنائم وثروات الأمم المفتوحة .
6 / 3 : ومن العجيب أن هذا هو الذى حذّر منه رب العزة مسبقا فى سورة ( الأنفال ) والأنفال تعنى ( الغنائم ) . القافلة التى سار النبى واصحابه للإستيلاء عليها كانت من أموالهم ، وهم أصحاب حق فيها . وتنازع المؤمنون حول الغنائم ، فليس كل من حارب كانت له حقوق ضائعة لدى قريش ، ولذا بدأت سورة الأنفال بالتأكيد على أن الانفال لله جل وعلا ورسوله والأمر باصلاح الخلاف بينهم وتقوى الله ، ثم جاء توزيع تلك الغنائم والأكل منها حلالا طيبا ( الأنفال 1 ـ ، 41 ، 69 ). ومعنى وصف رب العزة الأكل من هذه الغنائم (حلالا طيبا) أنها كانت حقا للمؤمنين الذين أخرجتهم قريش من ديارهم وأموالهم (الحج 40 ) ، وبدليل تحريم أخذ الفداء المالى من أسرى بدر ( الأنفال 67 : 71 ) . الغنائم الحلال هنا مرتبطة بوضع خاص ، لايجوز تعيميمه إلا فيما يشابهه فقط فى قتال دفاعى ضد عدو معتد قام بالسلب والنهب .
فى نفس السورة نتعرف على صفات سلبية للذين آمنوا ، فقد كانوا لا يستجيبون طاعة لله جل وعلا ورسوله وكانوا يخونون الله جل وعلا ورسوله فحذرهم رب العزة من فتنة لا تصيب الذين ظلموا منهم فقط ، وأعلمهم أن أموالهم وأولادهم فتنة وأن الله جل وعلا عنده الأجر العظيم، يقول جل وعلا فى سورة ( الأنفال 24 : 29): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ واعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ).
الذين آمنوا ظاهريا وكذبوا بالحق القرآنى ما لبث أن تناسوا هذا فقرنوا الكفر القلبى بالكفر السلوكى ووقعوا فى جريمة الفتوحات ، فحاقت بهم الفتنة التى قال عنها رب العزة فى سورة الأنفال:(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ). والتفصيل فى كتابنا عن ( المسكوت عنه فى تاريخ الخلفاء الراشدين ).
مواكبة التنزيل القرآنى لحركة المنافقين : البداية
مقدمة :
1 ـ فى التنزيل المكى لم يكن فيه إى حديث عن المنافقين . كانت هناك إشارة للسماح لمن يتعرض للإكراه فى الدين أن يقول كفرا ، ويغفر الله جل وعلا له طالما كان قلبه مطمئنا بالايمان . يقول جل وعلا : (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل 106 ) وفى التنزيل المدنى كان هناك إشارة ( للتقية ) للمؤمن فى مجتمع معاد للاسلام ويجبر ذلك المؤمن على أن يوالى ذلك المجتمع فى عدائه وعدوانه على المسلمين المسالمين ، يقول جل وعلا : (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗوَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) آل عمران ). فى الحالتين نحن أمام مجتمع تنعدم فيه الحرية الدينية . وهذا يخالف الدولة الاسلامية التى أرساها الرسول عليه السلام ، وتمتع فيها الجميع بالحرية الدينية بلا حد أقصى ، وبحرية المعارضة السلمية ، أيضا بلا حد اقصى . هذا المناخ الحُرُّ أتاح للملأ فى يثرب أن يمارس حريته الدينية والسياسية بلا حدود ، وأطلق عليهم رب العزة لقب ( المنافقون ) .
أولئك المنافقون كانوا ( الملأ ) ، من أثرى سكان يثرب ( المدينة ) وحين تحول معظم أهلها الى الاسلام وهاجر اليها النبى عليه السلام والمهاجرون من مكة وغيرها جرفته الأحداث الجديدة ، فقدوا مكانتهم وسيادتهم وجاههم وتساووا فى المواطنة مع غيرهم من الأنصار بل من الغرباء ( المهاجرين القادمين ) ( لمدينتهم ) .! وفى نفس الوقت كانوا لا يملكون الهجرة من المدينة وهى وطنهم ومقر ثروتهم وفيها أهلهم وذووهم ، ثم مغادرتهم المدينة سيجعلهم تحت رحمة قبيلة أو قبائل أخرى تابعين لهم بلا مكانة بل فى أقل مكانة . أضطروا الى البقاء فى المدينة حيث كانوا ينعمون فيها فى ظل الدولة الاسلامية بحريتهم الدينية والسياسية مع تآمرهم بكل ما يستطيعون ، وهذا ما كانوا يفعلون . وكل ما كان يلزمهم هو القسم بالله جل وعلا كذبا ، أى كما قال رب العزة (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) المجادلة 16 ) ( المنافقون 2 ).
2 ـ وروعة التنزيل المدنى هنا هو التسجيل لما كان يحدث من بداية حركة النفاق الى إشتدادها قبيل موت النبى عليه السلام . وانتهى العلم بهم بموت النبى وإنتهاء الوحى نزولا . وهذا لا يعنى أن حركة النفاق إنتهت وتم إستئصالها مرة واحدة ، ولكن يعنى العكس ، وهو بلوغها الذروة بعد غياب الوحى فلم يعودوا يخشون من نزوله يفضح ما يفعلون . بل إن البحث التاريخى للمسلمين فى الفتوحات يؤكد أن هذه الفتوحات وما تلاها من حروب أهلية قد قادها اولئك الذين مردوا على النفاق ولم يكن النبى عليه السلام يعرفهم وهم الى جانبه ، يقول جل وعلا :( و مِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ) التوبة 101 ) هم يختلفون عمّن ذكرهم رب العزة فى الآية التالية ، وهم عُصاة إعترفوا بذنوبهم وعسى ان تكون توبتهم صادقة فيغفر الله جل وعلا لهم : ( و آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) التوبة 102 ). كلا .. هؤلاء الذين مردوا على النفاق لم يعترفوا ولم يتوبوا ، بل حافظوا على كراهيتهم للإسلام ، وأمسكوا ألسنتهم وضبطوا حركاتهم حتى لا يفضحهم الوحى ، وبعد موت النبى عليه السلام وإنقطاع الوحى نزولا تصدروا المشهد ( من أبى بكر وعمر وعثمان والزبير وطلحة وسعد وابن عوف ..الخ ) . أولئك الذين مردوا على النفاق حققوا لزملائهم المنافقين المفضوحين ( من الأوس والخزرج والأعراب ) ما كانوا يتمنونه . كان يجمع هؤلاء المنافقين العلنيين وهؤلاء المنافقين ( المردة ) كراهية شديدة للإسلام ، ولكن الفارق أن المنافقين القرشيين الذين هاجروا الى المدينة كانوا الأكثر دهاء ، وكانت التعليمات عندهم أن يلتصقوا بالنبى ، ولو نجح فى دعوته فتكسب قريش وتجنى الثمرة. هذا التخطيط الجهنمى الذى وصفه رب العزة بانه مكر تزول منه الجبال ( ابراهيم 46 ) أسفر عن تغيير هائل فى التاريخ العالمى ، إذ حكمت قريش بعد موت النبى وإستغلت الاسلام فى الفتوحات ، وبه ظلت تحكم قريش معظم العالم المعروف من خلافة ( الراشدين ) الى خلافة الأمويين والعباسيين والفاطميين . والتفاصيل فى كتابنا ( المسكوت عنه فى تاريخ الخلفاء الراشدين ) وهو منشور هنا . ولكن الذى يهمنا هنا أن التنزيل القرآنى المدنى حفل بتفصيلات عن المنافقين العلنيين فى المدينة ، مع إشارة الى منافقين مجهولين أخطر ، لم يكونوا وقتها قد إرتكبوا أعمالا عدائية حتى ينزل القرآن يفضحهم ، بل قدموا طاعة وإلتزاما ، وليس معقولا أن يفضحهم التنزيل بأفعال لم يرتكبوها بعد . لذا كان المناسب الإشارة الى أنهم من أهل المدينة وأنهم مردوا على النفاق وأنه النبى لا يعلمهم وأنهم سيرتكبون أعمالا فيما بعد يعذبهم بسببها رب العزة مرتين فى الدنيا ثم يموتون بكفرهم ليلاقوا فى الآخرة العذاب العظيم .
3 ـ ونتتبع حركة النفاق ( العلنية ) من خلال رصد التنزيل المدنى لها .
البداية : الكلام عنهم بما يعملون دون وصف ( المنافقين )
1 ـ جاء هذا فى سورة النور ضمن موضوع ( حديث الإفك ) والذى ( تولى كبره منهم ) و( الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا ) و( الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ) . نزل التأنيب والتحذير لأولئك ( المنافقين ) بدون كلمة ( المنافقين ) .( النور 11 : 26 )
2 ـ بدأ المنافقون يرفعون لواء الايمان خداعا بينما بعقدون إجتماعات سرية لهم يتندرون فيها على المؤمنين ، ونزل آيات سورة البقرة تفضحهم ( البقرة 8 : 20 ) ولكن دون وصفهم بالمنافقين .
ذكرهم بالاسم ( المنافقون )
سورة الأنفال :
أول وصف لهم بالمنافقين نزل فى سورة الأنفال فى الإشارة الى حقدهم على انتصار المؤمنين فى موقعة ، يقول رب العزة : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) الانفال 49 ).
سورة ( آل عمران ): سجلت تعاظم دورهم فى موقعة ( أحُد )
1 ــ فى بداية الحديث عنهم جاء الحديث عنهم بوصفهم ( بطانة ) ، ونزل التحذير للمؤمنين من إتخاذ بطانة من غيرهم كارهة لهم تبدو الكراهية على وجوههم وما تخفى صدورهم أكبر ، يفرحون إذا أصاب المؤمنين سيئة ، ويحزنون إذا حدث للمؤمنين خير ، ولا يتوانون فى الكيد للمؤمنين ، ولو تمسك المؤمنون بالصبر والتقوى لن تضرهم مكائد اولئك الكارهين (آل عمران 118 : 120 ).
2 ــ وفى سياق الحديث عن موقعة ( أحُد )، ( آل عمران 138 : 180 ) تعرض التنزيل المدنى فى السورة الى مواقف وأقوال المنافقين والرد عليها ، إذ وجدوا فى هزيمة المؤمنين فرصة لهم . حين تحرك جيش قريش للإنتقام قاصدا المدينة إستشار النبى أهل المدينة فرأى المنافقون البقاء فى المدينة وإنتظار الكافرين بينما تحمس شباب المؤمنين الى الخروج لملاقاتهم فى الطريق لدرء خطرهم عن المدينة . وهو الرأى الأصح . وأخذ به النبى ، وصدقهم الله جل وعلا وعده فانتصر المؤمنون فى البداية وكشفوا جيش قريش عن مكانه ، ولكن حدثت الهزيمة لأن فريقا من المؤمنين كان ( يريد الدنيا ) أى الغنائم ، وحدثت الفوضى ولم يسمعوا تحذير الرسول لهم ( آل عمران 152 : 153 ). وبعد الهزيمة وجدها المنافقون فرصة يلومون فيها النبى يقولون لو أطعتم رأينا ما حدثت الهزيمة وما قُتل أولئك الناس ، ويقولون : ( ليس لنا من الأمر شىء )( لو أطاعونا ما قُتلوا ) ونزل الرد عليهم بأن كل نفس مقدر لها موعد ومكان موتها . وأن أولئك الذين قتلوا فى أحد لو ظلوا فى بيوتهم سيذهبون الى مكان المحدد لموتهم ، وأن الخير ينتظرهم عند ربهم ، وأنهم ليسوا موتى بل أحياء عند ربهم يُرزقون : ( آل عمران 154 ، 156 : 158 ،168 ، 169 : 171 ). ويفضح التنزيل المدنى موقف المنافقين فى رفضهم الدفاع عن المدينة بحجة انهم لا يعرفون القتال ( آل عمران 167 ) ، وكان من يسارع منهم الى الكفر وكان النبى يحزن لكفرهم ولا داعى لأن يحزن بشأنهم فليس لهم حظ فى الآخرة ،( ملاحظة : لم يكن هناك ما يُعرف بحد الردة لمعاقبة أولئك الذين كانوا يسارعون بإعلان الكفر فى وجود البنى الى درجة أن يحزن بسبب ردتهم ) ومنهم من يبخل وسيتم تطويقه بما يبخل به يوم القيامة ، وان محنة موقعة ( أحد ) كانت إختبارا يتميز فيه الطيب من الخبيث ، خصوصا أولئك المؤمنين الصادقين الجرحى فى المعركة والذين صمموا رغم جروحهم على مطاردة جيش القرشيين الذين بادروا بالفرار بعد ان خطفوا نصرهم السريع . أولئك المؤمنون الأبطال رفضوا تخويف المنافقين بأن جيش الكفار قد جهز لهم وجمع لهم كمينا ، لم يترددوا فى متابعة جيش قريش ، بينما تقاعس المنافقون وقعدوا عن حراسة المدينة بعد خروج جيش النبى منها لمواجهة جيش قريش : ( آل عمران: 167 : 168 ، 172 : 180).
المنافقون فى اواسط وأواخر التنزيل المدنى
فى سورة ( النساء ) ملامح أخرى عن المنافقين :
1 ـ رفضهم الاعتراف بالنظام القضائى لدولة المدينة ، ورفضهم الاحتكام للرسول ، والله جل وعلا يأمر النبى عليه السلام بالاعراض عنهم ووعظهم : ( النساء 60 : 70 ).
2 ــ وكانوا يدخلون على النبى يقدمون له فروض الطاعة ثم يخرجون من عنده يكذبون عليه ما لم يقل ، ويأمر الله جل وعلا النبى ان يعرض عنهم متوكلا على ربه جل وعلا ، ويعظهم رب العزة بتدبر القرآن ( النساء 81 : 82 )
3 ـ وكان هناك نوع من التنسيق بين بعض المنافقين داخل المدينة ومنافقين معتدين من الأعراب ، كانوا يدخلون المدينة على أنهم إعتنقوا الاسلام ، ويتصلون بالمنافقين داخل المدينة ، ويتعرفون على مواقع الضعف والقوة فى تحصينات المدينة ، ثم يهاجمون المدينة .
وقبلها وفى تأسيس دولة المدينة ولأن الدولة هى ( أرض وشعب ونظام حكم ) ، فقد نزل التشريع المدنى مبكرا يجعل المواطنة لأهل المدينة ومن يهاجر اليها ، حتى لو كان على غير عقيدة الاسلام ، وحتى لو كان منافقا كارها للإسلام . الشرط هو الاقامة فى المدينة أو الهجرة اليها وله ان يتمتع بحريته المطلقة الدينية والسياسية طالما كان مُسالما ( مسلما بالسلوك لا يرفع سلاحا ضد الدولة ومواطنيها ). وفى نفس الوقت فليست لدولة الاسلام ولاية على المسلمين المؤمنين الذين يعيشون خارجها ويرفضون الهجرة اليها ، وإن إستنصروهم وطلبوا عونهم لانقاذهم من الاضطهاد فعلى دولة الاسلام نصرتهم إلّا إذا كان أولئك المسلمون المضطهدون يعيشون فى دولة بينهم وبين دولة الاسلام عهد وميثاق ، يقول جل وعلا :( إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الانفال 72) .
فى حالة أولئك المنافقين الأعراب المخادعين للنبى عليه السلام ودولته كان لا بد من تفعيل هذا الشرط ، بانهم لو كانوا فعلا مؤمنين فلا بد أن يهاجروا وأن يستقروا فى المدينة مُسالمين يتمتعون بحريتهم المطلقة فى الدين والمعارضة السياسية . إن رفضوا وإستمروا فى خداعهم فلا بد من قتالهم إذا جاءوا للمدينة . ووضعت الآيات ( 88 : 91 ) من سورة النساء التفصيلات التشريعية فى هذا الموضوع . وهناك إشارة الى المنافقين المحليين داخل المدينة وعملهم كطابور خامس لأولئك المنافقين الأعراب المحاربين المعتدين ، فكان المنافقون المحليون يشيعون أخبارا مُغرضة تتصل بالأمن لإرعاب المؤمنين . وكان لدولة النبى جهاز للمخابرات فيه ( أولو الأمر ) أى اصحاب الشأن الذين يقومون باستقبال الأنباء وتحليلها ، ومفروض على المؤمنين الرجوع اليهم فى هذا ( الأمر / الشأن ) لأنهم أصحاب ( الأمر / الشأن ) . يقول جل وعلا : ( وإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ ) النساء 83 ). ووردت فى نفس السورة ( النساء 59 ) الأمر بطاعة الله جل وعلا ورسوله وأولى الأمر ( اى أصحاب الاختصاص فى الأمر أو الشأن الذى هو محل تخصصهم ) . ونفهم من سورة التوبة ان بعض الاعراب اقام حول المدينة تابعا لدولة المدينة ، وكان منهم مؤمنون وكان منهم منافقون . ونعرف من سورة الفتح وجود أعراب تابعين للدولة إستقروا حولها ، وتقاعسوا عن الدفاع عن المدينة . أى نفهم أنه بعد نزول آيات سورة النساء ( 88 : 91 ) قام النبى والمؤمون بتنفيذ هذا التشريع فى حركات عسكرية ضد الأعراب المعتدين ، ولكن السيرة لم تذكر هذا ـ وأن تلك الحملات العسكرية الدفاعية منعت دخول هؤلاء المعتدين الى المدينة بحجة الاسلام خداعا ، وألزمت من يريد الدخول فى الاسلام بأن يعيش فى كنف الدولة الاسلامية متمتعا بميزات المواطنة ، بغض النظر عن عقيدته ورأيه السياسى . ولنتذكر أن دولة المدينة كانت موقعا ثابتا مكشوفا فى صحراء تحيط بها من كل الجهات ، وهذا الموقع الثابت المكشوف يجعلها عُرضة لهجوم باغت من جماعات قليلة أو جيش ضخم ، لذا كان يتحتم على هذه الدولة المُحاطة بأعداء من الأعراب وغيرهم أن يكون لها جهاز أمنى كفء منتشر فى الصحراء بين الأعراب والقبائل وداخل مكة والطائف وغيرهما ، وأن يبادر جيش المدينة الى مواجهة العدو القادم فى الصحراء قبل أن تتعرض المدينة للحصار وإحتمال الاستئصال . لهذا يأتى التعبير عن القتال بكلمة ( أُنفروا ) و بالخروج ، أى بالخروج الى الصحراء .
4 ـ وبعضهم خدع النبى عليه السلام. سرق ابن لهم وشاع أمره ، فكان أن أخفوا الشىء المسروق فى بيت شخص برىء ، وذهبوا للنبى يشكون له كيف إتهم الناس ابنهم ظلما فصدقهم النبى وخطب يدافع عن ابنهم معتقدا انه مظلوم . ونزل القرآن يلوم النبى ويشير الى ما حدث بالمنهج القرآنى فى القصص ( عدم ذكر الأسماء للأشخاص ) لكى تتحول القصة الى موعظة تتحرر من أسر المكان والزمان لتنطبق على عادة سيئة للبشر فى كل زمان ومكان حيث يوضع البرىء فى السجن ويتمتع المجرم بالمكانة المحترمة . ولهذا كان التعليق الالهى على القصة بوضع قواعد حقوقية : أن المذنب الذى يستغفر الله جل وعلا معترفا بذنبه يغفر له رب العزة. والذى يقترف إثما يتحمل هو مسئوليته ، أما الذى يكسب إثما ثم يلفقه لغيره من الأبرياء فهو يتحمل بهتانا وإثما مبينا . ثم إشارة الى وضع النبى كبشر ممكن أن يتعرض للخداع والاضلال ، ولأنه رسول فقد علّمه الله جل وعلا بالوحى ما لم يكن يعلم ( النساء 105 : 113 )
5 ـ وبدأت مبكرا مجالس الشورى بإجتماعات عامة ( امر جامع ) ونزل التشريع بتحريم الغياب عنها بدون عُذر او التسلل منها ، وأضاع هذا على المنافقين موقعهم السابق فى الصدارة التى كانوا عليها قبل مجىء النبى للمدينة . وبدأ ( عوام ) أهل المدينة يتفاعلون ويشاركون فى إدارة وحُكم مدينتهم. وردّ المنافقون بالتشويش على هذا (التحول الديمقراطى ) بتكوين جماعات منهم تحترف التشاور السّرى تنشر الاشاعات ، أو ما سمّاه رب العزة ( النجوى ) . ونزل فضح هذا التناجى فى سورة ( النساء 114 : 115 ) ونزلت تفاصيله فى سورة المجادلة ( 5 : 21 ) .
6 ــ وحفلت سورة النساء بمتفرقات عن انواع من النفاق والمنافقين: ترددهم القلبى بين الايمان والكفر ثم زيادتهم فى الكفر ، وموالاتهم للكافرين المعتدين ضد الدولة التى يعيشون فى كنفها ، وعقدهم مجالس للخوض فى كتاب الله وحضور بعض المؤمنين هذه المجالس متناسين نهى رب العزة عن حضورها فيما سبق من تنزيل مكى ، وبعضهم كان يمُنٌّ على المؤمنين فى حالتى النصر والهزيمة ، وعاب رب العزة على المنافقين تكاسلهم فى الصلاة ورياءهم فيها ، وحكم الله جل وعلا بأنّ المنافقين فى الدرك الأسفل من النار إلّا إذا تابوا واصلحوا واعتصموا بالله جل وعلا واخلصوا له دينهم، فليس رب العزة جل وعلا محتاجا لتعذيب الناس إذا شكروا وآمنوا ( النساء : 137 : 147 ).
سورة الأحزاب :
كان حصار الأحزاب للمدينة محنة قاسية أظهرت معدن المؤمنين الحقيقيين ، كما أظهرت أنواع النفاق والمنافقين . واضح أن الأنباء جاءت للنبى بقدوم الأحزاب فكان حفر الخندق وعقد النبى مع أهل المدينة بيعة وعهدا بالصمود ، وبينما صدق المؤمنون فيما عاهدوا الله جل وعلا عليه فإن المنافقين خانوا العهد ، منهم من سخر من وعد الله جل وعلا بالنصر ، ومنهم من قام بتثبيط المؤمنين عن الدفاع عن المدينة ، ومنهم من ترك موقعه الدفاعى بحجة ان بيته ليس آمنا ، ومنهم المعوقون والمرجفون فى المدينة بالاشاعات ومنهم الذين فى قلوبهم مرض ، وقد أوشكوا على حمل السلاح ضد الدولة الاسلامية فنزل تحذيرهم بشدة : ( الأحزاب: 12 : 20 ، 60 : 63 ) . ونزل فى نفس السورة نهى للنبى ( مرتين ) عن طاعة المنافقين ( الأحزاب 1 ، 48 ).
متفرقات :
( سورة محمد : 16 : 17 ، 21 : 31 ) : فيها تندرهم على القرآن ، وصلتهم بالكافرين ووعظهم بتدبر القرآن بنفس ما سبق فى سورة النساء ، وتحذيرهم من اللجوء للقتال وتقطيع أرحامهم ، كما سبق فى سورة الأحزاب .
( سورة الفتح : 11 : 16 ): عن منافقى الأعراب ، وترددهم بين المشاركة مع المؤمنين فى القتال الدفاعى ، وقعودهم عنه . وأعذارهم الباطلة .
( سورة الحشر 11 : 12 ): عن وعد كاذب من المنافقين للمعتدين اليهود بالتحالف معهم .
( سورة المنافقون : 1 : 8 ) عن خداع المنافقين وكذبهم وإتخاذهم أيمانهم جُنة ووقاية ، ورفضهم الاعتراف بالخطأ وأن يستغفر لهم الرسول ، وإعلانهم عدم تقديم المال للدولة لأنها فى نظرهم إنفاق على أتباع النبى ، وحتى ينفضوا من حوله ، وزعمهم بأنهم سيخرجون النبى والمؤمنين من المدينة .
فى أواخر التنزيل المدنى :
( سورة المائدة : 41 ، 51 : 53 )
1 ـ فى هذه السورة نرى تماثلا وتحالفا بين منافقى المدينة ومنافقى أهل الكتاب . وهى ناحية مسكوت عنها فى التأريخ للنبى فيما يُعرف بالسيرة النبوية . فالآيات فى سورة المائدة تشير الى معارك حربية تحتم فيها الولاء للدولة الاسلامية التى تمارس القتال الدفاعى فقط ، ومحرم عليها أن تعتدى على أحد لأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين. لذا نزل الأمر بعدم موالاة اليهود والنصارى المعتدين ، وأن من يواليهم فى عدوانهم فهو مثلهم فى ظلمهم . هذه العلاقة الحربية شجعت بعض المنافقين على المسارعة بإعلان الكفر العقيدى الذى كانوا يكتمونه.
2 ــ هذا مع وجود منافقين من أهل الكتاب يزعمون الايمان بأفواههم ، يدخلون على النبى يزعمون الايمان ، وقد دخلوا والكفر فى قلوبهم ثم خرجوا والكفر أيضا فى قلوبهم ، وهم يقومون بالتحريف والافتراء ونشر هذا الكذب والافتراء ، ثم هم يأتون للنبى يحتكمون اليه ، وعندهم التوراة فيها حكم الله ، ثم بعد أن يحكم الرسول بالحق يتولون عنه معرضين ، والله جل وعلا يبيح للنبى أن يحكم بينهم بالحق القرآنى الذى نزل مصدقا لما سبقه من الكتب السماوية ومهيمنا عليها ، ويحذره من ألاعيبهم وخداعهم . ويضع رب العزة البديل الاصلاحى للمؤمنين وأهل الكتاب وهو التسابق فى الخيرات ، للفلاح فى الآخرة . وهذه العلاقات بين النبى ومنافقى أهل الكتاب من المسكوت عنه فى ( السيرة النبوية ) .
( سورة التوبة : 42 : 110 )
تنوعت فيها انواع النفاق والمنافقين على النحو التالى :
1 ـ التقاعس عن القتال بحجج واهية ، والتثبيط عن القتال الدفاعى والدعوة للقعود بديلا عن الخروج لملاقاة العدو الزاحف لغزو المدينة . وعقاب أولئك المنافقين هو منعهم مستقبلا من شرف القتال الدفاعى، وألا يصلى النبى عليهم إذا ماتوا ( التوبة 42 : 49 ، 81 : 89 ، 93 : 94 )
2 ـ إدمان القسم كذبا بالله جل وعلا .( التوبة 42، 56 ، 62 ، 95 : 96 )
2 ـ التشفى بأى مصيبة سيئة تحدث للمؤمنين وكراهية أى خير يأتى لهم ( التوبة 50 : 52 )
3ـ التكاسل فى الصلاة ( التوبة 54 )
4 ـ بالنسبة للإنفاق على المجهود الحربى ( الانفاق فى سبيل الله جل وعلا ) تنوعت مواقفهم : منهم من كان ينفق كارها فمنع الله جل وعلا قبولها منهم ، ومنهم من كان يطمع أن يأخذ من الصدقات مع أنه ليس من المستحقين للصدقات ، ومنهم من عاهد الله ونذر إن أصبح غنيا سيتصدق ، فلما أصبح ثريا أخلف وحنث . ومنهم من يتندر على الفقراء المؤمنين المتبرعين بالقليل مما يملكون فى سبيل الله جل وعلا ، وعقابهم أن استغفار النبى لهم غير مقبول من الله جل وعلا ، ومنهم من يمتنع عن الانفاق فى سبيل الله جل وعلا ( التوبة 53 : 54 ، 58 : 60 ، 75 : 78 ، 79 : 80 ، 67 ).
5 ـ إتهام النبى بأنه ( أُذُن ) أى يسمع وينصت لما يُقال له ، والسبب أنهم كانوا من قبل الملأ المسيطر أصحاب الأمر والنهى ، فجاءت الدولة الاسلامية بالشورى والديمقراطية المباشرة التى توجب على القائد أن يسمع من الجميع وأن ينتبه لآراء الجميع فى الاجتماعات العامة المُشار اليها فى أواخر سورة النور . وسكت النبى عن هذا الاتهام ونزل القرآن يدافع عن النبى بأنه أُّذُن خير ورحمة للمؤمنين ( التوبة 61 ) .
6 ـ وقوعهم فى شتى أنواع التآمر حتى ينزل القرآن بالحق يفضحهم ( التوبة 48 ).
7 ـ الاستهزاء بالله جل وعلا ورسوله وكتابه ( التوبة 64 : 66 ).
8 ـ تسيير مظاهرات فى شوارع المدينة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف للرد على أمر المؤمنين بالمعروف ونهيهم عن المنكر ( التوبة 67 : 72 ). وهذا مسموح به فى دولة الاسلام التى تُتاح فيها الحرية الدينية والسياسية بدون حد أقصى طالما كانت سلمية . ( أين هذا من نظم الحكم فى دول المحمديين اليوم ؟!! ).
9 ـ قول الكفر والشروع فى أعمال كفرية عدائية ، وحكم الله جل وعلا عليهم بالكفر ، وعرض التوبة عليهم :( التوبة 74 ) .
10 ـ الذين إتخذوا مسجد الضرار وجعلوه وكرا للتآمر على الدولة الاسلامية ، وإنخدع به النبى ــ الذى لا يعلم الغيب ـ فكان يقيم فيه ، الى أن نزل القرآن يفضح هذا المسجد وأصحابه وينهى النبى عن الاقامة فيه ، وخلافا لتلفيقات كتب السيرة فإن النبى لم يحرقه بل ظل بنيانه موجودا ( لا يزال ): ( التوبة 107 : 110 )
أنواع جديدة من المنافقين داخل المدينة :
1 ـ الأعراب الذين هاجروا للمدينة وأقاموا حولها ، أغلبهم كان الأشد كفرا ونفاقا ، والأبعد عن الالتزام الاسلامى ، وكانوا يتربصون بالمؤمنين ويعتبرون من المغارم إنفاقهم فى سبيل الله جل وعلا ، وهناك أعراب مؤمنون مخلصون ( التوبة 97 : 98 : 99)
2 ــ وهناك من أهل المدينة فى داخلها ( من المهاجرين والأنصار ) طائفة مردت على النفاق وكتمت مشاعرها وكفرها حتى لا يفتضح بالقرآن أمرها ، فظل النبى لا يعرفهم / ومن المنتظر أن يكونوا أقرب الناس اليه ، وهؤلاء هم الذين قاموا بالفتوحات ( صحابة الفتوحات ). ( التوبة 101 ).
فى المقارنة بهؤلاء كان فى المدينة السابقون إيمانا وعملا من المهاجرين والأنصار وهم الذين لا يريدون عُلوا فى الأرض ولا فسادا . وهذه النوعية لا تتصارع على السلطة الثروة والنفوذ ، لذا تمسكت بدينها ، ولم تذكرها كتب التاريخ التى سجلت تاريخ الخلفاء وحروبهم وصراعاتهم . ولكنهم هم الذين رضى الله جل وعلا عليهم ، لأنهم سيأتون يوم القيامة ولم يسفكوا دما ولم ينهبوا مالا ولم يأكلوا سُحتا ، ولم يقهروا شعبا . الخلفاء الفاسقون هم الذين فعلوا هذا فأشاد بهم التاريخ . والتاريخ دائما ينام فى إحضان الظالمين .
الفصل الثالث : الخطاب القرآنى بين المكى والمدنى :
( الفارق فى الخطاب للمؤمنين بين التنزيل المكى والمدنى ـ الخطاب غير المباشر للذين آمنوا بين التنزيل المكى والمدنى ـ التنزيل المدنى فى المدينة : خطاب غير مباشر ( عن الذين آمنوا ). فى المقارنة بين المؤمنين والكافرين ــ الخطاب المباشر للمؤمنين فى التنزيل المدنى :خطاب مباشر للمؤمنين فى الأحداث التاريخية والتعليق عليها . خطاب مباشر بدون ( يا ايها الذين آمنوا ) فى الأحداث التاريخية . الخطاب المباشر فى التشريع فى التنزيل المدنى )
الفارق فى الخطاب للمؤمنين بين التنزيل المكى والمدنى :
الخطاب غير المباشر للذين آمنوا بين التنزيل المكى والمدنى
مقدمة : فى التنزيل المكى : ليس هناك خطاب مباشر للذين آمنوا ، بل عن الذين آمنوا، ولكن فى التنزيل المدنى نجد خطابا مباشرا ( يا ايها الذين آمنوا ) ونحوها ، وأيضا (عن الذين آمنوا ).
كان المؤمنون فى مكة من سكان مكة وحولها . لم يتأسس لهم بعدُ مجتمع ولم تقُم لهم دولة . لذا كان الخطاب فى التنزيل المكى ( عنهم ) أى مخاطبتهم بأسلوب غير مباشر وباسلوب عام . حين تأسست لهم دولة فى المدينة وأصبحت لهم فيها كينونة تغير الخطاب فى التنزيل المدنى فاصبح يتوجه لهم مباشرة ب ( يا أيها الذين آمنوا ) وغيرها من أساليب الخطاب المباشر من رب العزة . ولأن الايمان إنتشر خارج المدينة فقد إستمر ايضا الخطاب بالاسلوب غير المباشر ( عن الذين آمنوا ) فى التنزيل المدنى خصوصا فيما يخص الدعوة الاصلاحية التى تقرن الايمان بعمل الصالحات ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) . هذه ناحية جديدة فى التدبر القرآنى نرجو من الله جل وعلا التوفيق فيها .
ونبدأ بالخطاب غير المباشر للذين آمنوا بين التنزيل المكى والمدنى
أولا : التنزيل المكى فى مكة : خطاب غير مباشر ( عن الذين آمنوا )
1 ـ يأتى هذا فى سياق أمر النبى بالتواضع مع المؤمنين ، وإن عصوه فليتبرأ من عصيانهم وليس من ذواتهم وأشخاصهم ، يقول جل وعلا فى سورة الشعراء - الآية 215: 216 : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ). وهذا يتناقض مع تغيير المنكر فى الدين السُّنّى .
2 ـ فى الحديث عن القرآن مثبتا للذين آمنوا وهدى وبشرى وطمأنينة لهم ودعوة للتفكر فى آلاء الرحمن وبديع خلقه : يقول جل وعلا فى سورة ابراهيم – الآية27 : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ )، وفى سورة النحل - الآية 102: ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ )، والرعد - الآية 28: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ، وفى سورة النمل - الآية 2: ( هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ) والآية 77 : ( وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ )وفى سورة الجاثية – الآية3 3: ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ ).
3 ـ فى الرد على الكافرين :
3 / 1 : فى سخرية الكافرين القرشيين بالمؤمنين يقول جل وعلا فى سورة المطففين - الآية 29 : 65 ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَوَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ). ويتحدث رب العزة عن مكانة المؤمنين فى الجنة : ( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )
3 / 2 : فى رفض الكافرين التصدق وقولهم للمؤمنين : لن نطعم من لو يشاء الله لأطعمه ، يقول جل وعلا فى سورة يس - الآية 47: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ).
3 / 3 : فى قول الكافرين أن القرآن لو كان خيرا لكانوا أسبق الى إتباعه من المؤمنين ، يقول جل وعلا فى سورة الأحقاف - الآية 11 ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ).
3 / 4 : فى وصفهم الرسول بأنه ساحر ، يقول جل وعلا فى سورة يونس - الآية 2 ( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ )
3 / 5 : فى قول الكافرين للمؤمنين أن يتبعوا سبيلهم وأن يتحملوا عنهم خطاياهم ، يقول جل وعلا فى سورة العنكبوت - الآية 12 : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )
3 / 6 : فى قول الكافرين للمؤمنين أنهم أحسن من المؤمنين ، يقول جل وعلا فى سورة مريم - الآية 73: ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا )
3 / 7 : بعد هزيمة الروم أمام الفرس فى فترة التنزيل المكى وكان المؤمنون يرجون إنتصار الروم بينما كان الكافرون مبتهجين بانتصار الفرس ، نزل إنباء بغيب مستقبلى بأن الروم سينتصرون فى بضع سنين ، وحينها سيفرح المؤمنون ، يقول جل وعلا فى سورةالروم - الآية 4 : ( فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ).
ما سبق كان خطاب رب العزة ( عن المؤمنين ) فى مكة وليس خطابا مباشرا للمؤمنين فى مكة .
ثانيا : التنزيل المدنى فى المدينة : خطاب غير مباشر ( عن الذين آمنوا )
1 ـ فى المقارنة بين المؤمنين والكافرين:
1 / 1 : ، يقول جل وعلا فى سورة محمد – الآية 2 ، 3 : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ) الايمان هنا ليس الايمان بمحمد ولكن بالرسالة أو القرآن أو الكتاب الذى نُزّل على محمد . وغير ذلك هو الباطل ، ويقول جل وعلا فى الآية التالية يؤكد الفارق بين المؤمنين متبعى الحق من ربهم والكافرين متبعى الباطل : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ) ويقول جل وعلا فى سورة محمد – الآية 11 ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ).
والآية 12 من نفس السورة تعقد مقارنة بين مصير الفريقين : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ). وهذه المقارنة ترد كثيرا بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات والذين كفروا . ومنها قول الله جل وعلا فى سورة الحج : 19 : 23 : ( هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ )
1 / 2 : ولا يخلو الكافر من عمل صالح ، ولكنه إذا مات على كفره فإن الله جل وعلا يُحبط أعماله الصالحة فيكون مصيره النار . وبعض المشركين الكافرين يقومون بتشييد المساجد وزخرفتها وتعميرها هندسيا وجماليا ، وهكذا كان تفعل قريش فى مكة، وكانت أيضا تقوم على ( خدمة ) الحجاج وسقايتهم ، وهكذا يفعل ( خادم الحرمين السعودى ) ، وفى نفس الوقت هم يصدون عن سبيل الله جل وعلا . وكل عملهم هذا مصيره الضياع أو ( الحبط ) أى لا ثمرة له فى الآخرة . ويعقد جل وعلا مقارنة فى هذا الخصوص بين التعمير الحقيقى فى القلب المؤمن وزخرفة المساجد ، ومقارنة بين خدمة الحجاج بالمؤمنين المهاجرين المجاهدين ، يقول جل وعلا فى سورة التوبة – الآية 17 : 20 :( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ).
1 / 3 : وفى المقارنة بين المؤمنين المجاهدين فى سبيله وبين الكافرين المعتدين الخوّانين يقول جل وعلا فى سورة الحج - الآية 38: ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )
1 / 4 : فى المقارنة بين المؤمنين والكافرين فى الايمان بالقرآن الكريم يقول جل وعلا فى سورة البقرة - الآية 26: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ )
1 / 5 : فى المقارنة بين المؤمنين والمنافقين فى الايمان بالقرآن الكريم يقول جل وعلا فى سورة التوبة - الآية 124 : 125 : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ )
2 ـ وفى مرجعية الحكم بين الناس يوم القيامة يقول جل وعلا فى سورة الحج – الآية17 : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ).
3 ـ وفى التعامل فى المدينة مع المنافقين ،وفى التعليق على كيد المنافقين يقول جل وعلا فى سورة البقرة – الآية9 : ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) والبقرة – الآية 14 : ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ). يقول جل وعلا فى سورة محمد - الآية 20 : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ )
4 ـ وعن موقعة الأحزاب يقول جل وعلا يصف حال المؤمنين فى سورة الأحزاب – الآية11 : ( هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) ( الآية 22 : ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) والآية 23 : (من َ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) و الآية 25 : ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ). وعن حال المؤمنين بعد صلح الحديبية ويقول جل وعلا فى سورة الفتح – الآية 4 : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ). وفى أواخر حياته عليه السلام نزلت له البشرى هو ومن جاهد معه ، يقول جل وعلا فى سورة التوبة – الآية 88 ( لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).
5 ـ وعن صفات المؤمنين الحقيقيين :
5 / 1 : يقول جل وعلا عن المؤمنين رجالا ونساءا ، فى الأحزاب – الآية 35 : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) .
5 / 2 : وردا على تقاعس بعض المؤمنين من أهل المدينة عن حضور مجالس الشورى يقول جل وعلا فى سورة النور الاية 62 : عن فرضية حضور مجالس الشورى وعدم التخلف عنها ويربط ذلك بالايمان الحق :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
5 / 3 : وزعم الأعراب أنهم آمنوا إيمانا كاملا فردّ عليهم رب العزة بأنهم لم يؤمنوا الايمان الكامل ولكن أسلموا إسلاما ظاهريا بمعنى الركون الى السلام ، ثم قال جل وعلا يوضح معنى الايمان الحقيقى أو المؤمنين الحقيقيين فى سورة الحجرات :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) 15 ).
5 / 4 : وفى إتباع ملة ابراهيم الحنيفية وموالاة ابراهيم عليه السلام وأن النبى والمؤمنين إيمانا حقيقيا بالقرآن الكريم هم الأولى بابراهيم، يقول جل وعلا فى سورة آل عمران – 5 / 4 الآية 68 : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ). وجدير بالذكر أن التوراة المحرفة تتهم ابراهيم عليه بالكذب ، ونقل هذا البخارى ، بينما يصف رب العزة جل وعلا ابراهيم بأنه إتخذه خليلا ، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا )( النساء 125 ) فهل يتخذ رب العزة خليلا كاذبا ، والله جل وعلا يؤكد ان خليله ابراهيم عليه السلام كان صديقا نبيا ، يقول جل وعلا : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ) مريم 41 ). فهل تؤمن بكلام رب العزة وتكفر بالبخارى أم تؤمن بالبخارى وتكفر بكلام رب العزة ؟ ليس هنا حل وسط .
ما سبق كان خطاب رب العزة ( عن المؤمنين ) فى المدينة وليس خطابا مباشرا للمؤمنين فى المدينة .
الخطاب المباشر للمؤمنين فى التنزيل المدنى :
خطاب مباشر للمؤمنين فى الأحداث التاريخية والتعليق عليها
لم يأت هذا الخطاب المباشر فى التنزيل المكى . جاء فى التنزيل المدنى للمؤمنين فى التشريعات وفى القصص التاريخى المعاصر للنبى ودولته الاسلامية فى المدينة وتعليقا على الأحداث . ومع أنه تنزيل مدنى يخاطب أهل المدينة ومن حولها فى فترة تاريخية إلا إنه ــ كالعادة ـ يستعمل صفة الايمان ( الذين آمنوا ) أو ( المؤمنين / المؤمنون ) ليكون التطبيق ممكنا مع توافر نفس الظروف ، وللتاريخ عادة سيئة ، أنه يحلو له دائما أن يكرر نفسه حين تسود ( السلفية ) الماضوية ) .
ويتنوع الخطاب المباشر هنا الى نوعين : نوع ينادى فيه رب العزة الذين آمنوا قائلا : (ياأيها الذين آمنوا )، ونوع فيه خطاب مباشر من رب العزة بدونها . وتتعدد موضوعات الخطاب المباشر فى هذا وذاك . ونعطى أمثلة :
خطاب مباشر :ب( يا أيها الذين آمنوا ) فى الأحداث التاريخية
يُذكّر الله جل وعلا الذين آمنوا بالنصر على الأحزاب يقول الله جل وعلا فى سورة الأحزاب - الآية 9 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) ، وتكرر هذا فى سورة المائدة - الآية 11 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )
خطاب مباشر :ب( يا أيها الذين آمنوا ) فى التعليق على الأحداث
والأكثر فى هذا السياق التعليق الالهى على الأحداث بخطاب مباشر للذين آمنوا :
1 ـ عن عصيان المؤمنين بعد موقعة ( بدر ) نزلت أوامر ونواهى بخطاب مباشر للذين آمنوا فى المدينة ، يقول الله جل وعلا فى سورة الأنفال ، منها : – الآية 20 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ) الآية 24 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) 27 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )
2 ــ وتكررت حالات الردة عن الاسلام بما كان يجعل النبى يحزن . وتكرر نهى النبى عليه السلام (ولا يحزنك ) ( 6 ) مرات فى القرآن الكريم فى التنزيل المكى والمدنى . قال له جل وعلا فى سورة الأنعام – الآية33 : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) و قال له جل وعلا فى سورة يونس – الآية 65 : ( وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) و قال له جل وعلا فى سورة يس - الآية 76 : ( فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) و قال له جل وعلا فى سورة لقمان - الآية 23 : ( وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ ۚ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) .
وتزايدت حالات الكفر بين المؤمنين فى المدينة فأصابت النبى بالحزن فقال له رب جل وعلا فى سورة آل عمران – الآية 176 : ( وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) . وفى أواخر ما نزل فى المدينة قال له جل وعلا فى سورة المائدة – الآية 41 عن حالات ردة مقترنة بنشاط فى التحريف والإضلال : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) . وليس فى الاسلام ما يعرف ب ( حد الردة ) ولم تعرفه دولة الاسلام فى عهد النبوة ، لذا جاء فى نفس السورة تحذير وتهديد مباشر من رب العزة للذين آمنوا ، يقول الله جل وعلا فى سورة المائدة – الآية 54 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).
3 ــ وكانت عادة سيئة للذين آمنوا التحالف والموالاة مع المعتدين ،وليست هنا عقوبة فى تشريع الدولة الاسلامية ، لذا تكرر لهم الخطاب الالهى المباشر ينهى عن هذا : فى أوائل التنزيل المدنى فى بداية سورة الممتحنة : 1 ، قال جل وعلا لهم : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ). وظلت هذه العادة السيئة الى أواخر التنزيل المدنى فقال جل وعلا لهم: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) التوبة 23 ) بل أضافوا موالاة أهل الكتاب المعتدين ، فقال جل وعلا لهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة 51 )
4 ــ ويدخل فى ذلك طاعتهم للكافرين ، وأيضا ليست هنا عقوبة فى تشريع الدولة الاسلامية ، لذا يقول الله جل وعلا فى سورة آل عمران – الآية 149 : يحذرهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) ، وطاعتهم للكافرين من أهل الكتاب يقول الله جل وعلا لهم يحذرهم فى سورة آل عمران – الآية100 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ). العقوبة مؤجلة الى يوم الدين .
5ــ وكان من تحريفات أهل الكتاب دعؤهم رب العزة بقولهم ( راعنا ) وهو ( طعن فى الدين ) ، قال جل وعلا فى سورة النساء آية 46 : ( مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) . وعن تأثر المؤمنين بأهل الكتاب فى دعائهم بقولهم ( راعنا ) يقول الله جل وعلا فى سورة البقرة - الآية 104 ينهاهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
ومن تأثرهم بأهل الكتاب كثرة التساؤلات فى الممنوع مثل ذات الله جل وعلا وطلب آية حسية . فقال لهم الله جل وعلا ينهاهم فى سورة المائدة – الآية 101 : 102 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ).
وكان بعض أهل الكتاب يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم فقال جل وعلا لهم ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) البقرة 44 ). وسار على نفس الطريق بعض المؤمنين فقال لهم الله جل وعلا يؤنبهم فى سورة الصف – الآية 2 : 3 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )
وكان بعض المؤمنين يؤذون الرسول عليه السلام ، وقد توعدهم رب العزة جل وعلا فى سورة الأحزاب 57 ، فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ). وعن تشبههم بكفرة بنى اسرائيل الذين آذوا موسى علي السلام يقول الله جل وعلا محذرا المؤمنين الذين كانوا يؤذون النبى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ) الاحزاب 69 )
6 ــ وتناثرت مواقف على هامش العلاقات بالمنافقين ، ونزلت تعليقات بخطاب مباشر للذين آمنوا ، يقول الله جل وعلا ناهيا ومحذرا فى سورة آل عمران – الآية118 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ).
وفى حديث الإفك الذى تزعمه المنافقون وإنجرف فيه بعض المؤمنين يرددونه ، يقول الله جل وعلا فى سورة النور – الآية 21 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
ونفس الحال فى ترديد أقاويل المنافقين ، ينهى رب العزة المؤمنين من ترديد مزاعم المنافقين ( واصفا اياهم بالكفر ) حين إشتدت دعايتهم السوداء بعد هزيمة ( أُحُد ) ، يقول الله جل وعلا فى سورة آل عمران : الآية 156 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )
وحاول المنافقون إفساد الشورى أو الديمقراطية المباشرة بتكوين مجموعات تتناجى فيما بينها للتشويش وإرباك ( المشهد الديمقراطى ) ونجحوا فى إستقطاب بعض المؤمنين الى حلقات النجوى هذه ، يقول الله جل وعلا فى سورة المجادلة – الآية 9 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ويقول الله جل وعلا فى سورة المجادلة - الآية 12 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ). وعن تزاحم المؤمنين فى قاعة الاجتماعات العامة يقول الله جل وعلا فى سورة المجادلة - الآية 11 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
وبعضهم نقل أخبارا كاذبة للمؤمنين ، يقول الله جل وعلا فى سورة الحجرات – الآية6 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )
7 ـ وردا على دعاية المنافقين يقول الله جل وعلا فى سورة البقرة – الآية 153 : عمّن يُقتل فى سبيل الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ . وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) ، وعن تثاقل المؤمنين عن النهوض للقتال الدفاعى نزل التأنيب لهم فى خطاب مباشر ، يقول الله جل وعلا فى سورة التوبة – الآية 38 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ).
8 ـ وبعضهم كان يزايد على (رسول الله ) فى التشريع ، وبعضهم كان يخاطب ( النبى ) بلا أدب ويرفع صوته فوق صوت النبى ، يقول الله جل وعلا فى سورة الحجرات - الآية 1 :2 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ).
هذه أمثلة من الخطاب المباشر للمؤمنين فى التنزيل المدنى فى السياق التاريخى بإستعمال ( يا أيها الذين آمنوا ).
خطاب مباشر بدون ( يا ايها الذين آمنوا ) فى الأحداث التاريخية
1 ــ عن الوعد الالهى للمؤمنين فى بداية إقامة دولتهم الاسلامية فى المدينة يقول الله جل وعلا فى سورة النور – الآية55 : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
2 ــ وعن وضعهم السىء بعد موقعة ( أُحُد ) يقول الله جل وعلا فى سورة آل عمران – الآية 139 : 140 ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )
3 ـ وعن طاعة بعضهم للمنافقين يقول جل وعلا فى سورة التوبة عن المنافقين والسمّاعين لهم من المؤمنين : ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) التوبة 47 )
4 ـ وعن تقاعسهم عن القتال فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم يقول الله جل وعلا يؤنبهم فى سورة التوبة – الآية 13 : ( أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )، ويذكرهم بأنه جل وعلا الذى حمى النبى وصاحبه فى الغار : ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة 40 ) ، وأنه جل وعلا الذى نصرهم فى موقعة ( حُنين ) يقول الله جل وعلا فى سورة التوبة 25 (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ )
هذه أمثلة من الخطاب المباشر للمؤمنين فى التنزيل المدنى فى السياق التاريخى بدون إستعمال ( يا أيها الذين آمنوا ).
الخطاب المباشر فى التشريع فى التنزيل المدنى
سنتناول التشريع فى تفصيلات أخرى ، ولكن نتوقف هنا فى لمحة عن الخطاب المباشر للمؤمنين بالذين آمنوا وغيرها فى موضوعات التشريع المدنى .
فى ملة ابراهيم :
تكرر فى التنزيل المكى والمدنى التمسك بملة ابراهيم الحنيفية :
فى التنزيل المكى : كان خاتم النبيين مأمورا بها . جاء هذا فى سورة الأنعام – الآية161 : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) وسورة النحل 123 ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) قبله أعلن يوسف عليه السلام إتباعه لها : ( يوسف - الآية 38 : ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ )
وفى التنزيل المدنى :
قال جل وعلا عنها : فى سورة البقرة - الآية 130 : ( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) ( النساء - الآية 125وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا )
وقال جل وعلا فى خطاب مباشر للمؤمنين : فى سورة الحج 78 : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا )
وقال جل وعلا لأهل الكتاب فى سورة البقرة 135 : (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) وفى سورة آل عمران - الآية 95 : ( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
وجاء فى التنزيل المدنى إضافات فى العبادات المتوارثة من ملة ابراهيم. نعطى لمحة عنها :
فى الصلاة نزل تشريع الطهارة ـ وكانت الصلاة تؤدى قبلها بدون هذه الطهارة التى خوطب بها المؤمنون خطابا مباشرا باستعمال ( يا أيها الذين آمنوا ) ، يقول الله جل وعلا فى سورة النساء – الآية43 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) ويقول الله جل وعلا فى سورة المائدة - الآية 6 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )
وبعد فرض الهجرة والقتال الدفاعى فى التنزيل المدنى نزل التخفيف بقصر الصلاة عند الخوف فى القتال والمطاردة ( فى الهجرة ) . بعد الحديث عن فرضية الهجرة ( النساء 97 : 100 ) قال جل وعلا : ( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً (101) وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (102) فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً (103) ) وهذا خطاب مباشر بدون ( يا أيها الذين آمنوا ).
وبدون استعمال ( يا ايها الذين آمنوا ) نزل تخفيف آخر فى الصلاة عند الخوف من فوات وقتها لأنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وبهذا التخفيف يمكن أن تصلى واقفا أو راجلا أو راكبا أو مستلقيا عند الضرورة ، يقول جل وعلا : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) البقرة )
وكانوا يصلون صلاة الجمعة ، وحدث أن إتفضوا عن النبى وهو قائم يخطب فيهم فنزل هذا التشريع فى المدينة باستعمال ( يا أيها الذين آمنوا ) ، يقول الله جل وعلا فى سورة الجمعة - الآية 9 : 11( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )( فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11))
فى الصيام
يقول الله جل وعلا فى سورة البقرة – الآية183 فى خطاب مباشر ب ( يا ايها الذين آمنوا ) : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) أى إن الصيام فى رمضان متوارث من ملة ابراهيم بنفس كيفية الصيام من الامتناع عن الطعام والشراب والعلاقة الجنسية بالزوجة ، ثم نزل تخفيف فى الصيام فى الآيات التالية ( 184 : 187 )
وفى الحج :
الحج من ملة ابراهيم ( الحج 26 : 29 ) . ونزل فيه تشريع باصلاح ما أفسدته قريش ، وفيه جاء الخطاب المباشر بدون ( يا ايها الذين آمنوا ) فى قوله جل وعلا : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) وما بعدها : 203 ). ولكن جاء التشديد فى حُرمة البيت الحرام ، باستعمال ( يا ايها الذين آمنوا ) ، يقول الله جل وعلا فى سورة المائدة – الآية2 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ). وأيضا عن حرمة الصيد فى الحرم والاحرام يقول الله جل وعلا فى سورة المائدة - الآية 94 :95 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ )
حقوق المرأة وتشريعاتها
واعتاد العرب إنتهاك حقوق المرأة ونزلت تشريعات القرآن فى المدينة بالاصلاح ، ومنها الخطاب المباشر بالذين آمنوا . يقول الله جل وعلا فى سورة النساء – الآية19 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) ، ويقول الله جل وعلا فى سورة البقرة - الآية 223 بدون الخطاب المباشر بالذين آمنوا: ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )، وعن معاملة الزوجة والاولاد يقول الله جل وعلا بالخطاب المباشر بالذين آمنوا فى سورة التغابن – الآية14 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
العدة
جاء الخطاب المباشر بدون ( يا أيها الذين آمنوا ) فى عدة المطلقة التي دخل بها زوجها فعليها أن تبقي في العدة ثلاثة قروء أي حيضات يتطهرن منها ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (228) البقرة ) وإذا لم تكن المطلقة تحيض أو يئست من المحيض أو كانت حاملا أو ظهر أنها حامل : يقول تعالي :" وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ( 65/ 4)"، فالعدة ثلاثة اشهر لمن يئست من المحيض أو من لا تحيض أصلا ، أما الحامل فعدتها وضع الحمل. وللأرملة تشريع خاص في العدة ، يقول تعالي : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) (:2/234 )". فالأرملة تعتد بعد وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام.
جاء الخطاب المباشر باستعمال ( يا أيها الذين آمنوا ) للمطلقة غير المدخول بها ، فليس عليها عدة يقول تعالي:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ) (الاحزاب 49)
الاستئذان : ومنه تشريعات الاصلاح الاجتماعى فى الاستئذان ، يقول الله جل وعلا بالخطاب المباشر بالذين آمنوا فى سورة النور – الآية27 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )، ويقول الله جل وعلا فى سورة النور الآية58 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
وفى تشريع خاص لتهذيب بعض الصحابة ( الأجلاف ) يقول الله جل وعلا بالخطاب المباشر بالذين آمنوا فى سورة الأحزاب – الآية53 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا )
وعن إمتحان المؤمنات المهاجرات يقول الله جل وعلا بالخطاب المباشر بالذين آمنوا فى سورة الممتحنة – الآية10 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
وفى القصاص : يقول الله جل وعلا بالخطاب المباشر بالذين آمنوا فى سورة البقرة – الآية178 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
وفى التحذير من الدين الأرضى وكهنوته يقول الله جل وعلا بالخطاب المباشر بالذين آمنوا فى سورة التوبة - الآية 34: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
فى القتال :
فى تشريعات تفصيلية بدون إستعمال ( يا أيها الذين آمنوا ) . يقول جل وعلا :
( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) البقرة ) (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) الانفال ) ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) التوبة )
واوامر بالحث على القتال الدفاعى بإستعمال ( يا أيها الذين آمنوا ).يقول الله جل وعلا فى سورة محمد - الآية 7 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) ويقول الله جل وعلا فى سورة الصف – الآية10 :14 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
واوامر بالحث على القتال الدفاعى ونصائح فى القتال بإستعمال ( يا أيها الذين آمنوا ) يقول جل وعلا فى سورة الأنفال - الآية 15 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ) ويقول الله جل وعلا فى سورة الأنفال – الآية45 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ويقول الله جل وعلا فى سورة النساء – الآية71 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا ) ونفس الحال فى اوامر تشريعية تخضع للقاعدة التشريعية فى القتال الدفاعى ، يقول جل وعلا فى سورة التوبة - الآية 123 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) يقول الله جل وعلا فى سورة التوبة – الآية28 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )يقول الله جل وعلا فى سورة النساء – الآية94 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )
ويرتبط بالجهاد والقتال الانفاق المالى فى سبيل الله جل وعلا . وهو أحد معالم التشريع المدنى .
وجاء الانفاق فى سبيل الله جل وعلا باستعمال ( يا ايها الذين آمنوا ) ، يقول الله جل وعلا فى سورة المنافقون – الآية 9 : 10 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ) ويقول الله جل وعلا فى سورة البقرة – الآية 254 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ). و
وإستعمال تعبير ( إقراض الله جل وعلا قرضا حسنا ) تكرر فى التنزيل المدنى حثا مباشرا من رب العزة للمؤمنين بدون إستعمال ( يا أيها الذين آمنوا ) ، يقول جل وعلا فى سورة البقرة – الآية 245 : ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) وفى سورة الحديد – الآية11 : ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) والآية 18 ( إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ )وسورة التغابن - الآية 17 : ( إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ )
فى الأمر بطاعة الله ورسوله
جاء هذا فى التنزيل المدنى فقط بعد أن اصبح للمسلمين دولة فيها قائد يأتيه الوحى ولا بد من طاعة هذا الوحى القرآنى الذى ينزل من رب العزة على رسوله ، فطاعة الرسول هى طاعة لكلام رب العزة جل وعلا ، أى أن طاعة الرسول هى طاعة للرسالة ، وهى طاعة مستمرة باستمرار القرآن الكريم الرسالة الالهية الخاتمة .
ونزل الأمر الالهى المباشر بطاعة الله جل وعلا ورسوله بدون إستعمال ( يا ايها الذين آمنوا ) ، يقول جل وعلا فى سورة آل عمران – الآية 32 : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) والآية132 : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) والمائدة - الآية 92 : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )والأنفال الآية 1 : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )و الانفال الآية 46 : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )النور - الآية 45 : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )والآية 56 : ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )المجادلة - الآية 13 : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )وفى سورة التغابن - الآية 12 : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) والآية 16 : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
ونزل الأمر الالهى المباشر بطاعة الله جل وعلا ورسوله بإستعمال (يا ايها الذين آمنوا) يقول جل وعلا فى سورة النساء الآية 59 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) و سورة الأنفال – الآية 20 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ) وفى سورة محمد - الآية 33( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ).
الفصل الرابع : أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المكى :
( معنى الإلتفات ـ أمثلة لاسلوب الالتفات فى السور المكية فيما يخص الدعوة الى ( لا إله إلا الله )ـ أمثلة لاسلوب الالتفات فى السور المكية فيما يخص القصص القرآنى ــ إستعراض لخطاب الالتفات فى آيات سورة ( النحل ) المكية ــ فى سورة النور ـ فى سورة الأنفال ــ فى سورة آل عمران ـ فى سورة البقرة ـ فى سورة الاحزاب )
أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المكى
معنى الإلتفات :
1 ــ عند النحويين ينقسم ( الضمير ) الى بارز ومستتر والبارز ينقسم الى متصل ومنفصل . ومن حيث الخطاب تنقسم الضمائر كلها الى ثلاث نوعيات : ضمير المتكلم ( "أنا ": للمفرد المذكر والمؤنث ، " نحن " للجمع المذكر والمؤنث ) ثم ضمير المخاطب : ( "أنت" ( بفتح التاء ) للمفرد المذكر ، و " أنت " بكسر التاء للمفرد المؤنث ، "أنتما ": للمثنى مذكرا ومؤنثا ، "أنتم " للجمع المذكر ، " أنتن " للجمع المؤنث ) ثم ضمير الغائب ( "هو" للمفرد المذكر ، "هى " للمفرد المؤنث ، " هما " للمثنى مذكرا ومؤنثا ، "هم" للجمع المذكر ، "هُنّ" للجمع المؤنث ). فى ( علم البلاغة العربية ) توجد الدرجات الثلاث فى الخطاب : المتكلم والمخاطب والغائب ، ولكنها لا تقتصر على الضمائر السابقة بل تشمل ( الظاهر ) وهو ما يقابل ( الضمير ) أى الكلام العادى ، كقولك ( محمد كان هنا ) فإسم ( محمد ) هنا غائب حسب المفهوم من السياق ، ويساوى ( هو كان هنا ) .
2 ــ حين ينتقل الخطاب من المتكلم الى المخاطب أو الى الغائب ـ مثلا ـ يقال هنا ( إلتفات ) أى إلتفت من المتكلم الى الغائب .أو من المخاطب الى الغائب والعكس ، ومن المتكلم الى الغائب والعكس ..الخ . وهذا هو معنى الالتفات فى علم البلاغة العربية.
3 ـ اسلوب ( الإلتفات ) فى القرآن الكريم يختلف عنه فى التراث العربى والبلاغة العربية ، مثلا :
3 / 1 : كلمة ( هو ) عندهم تفيد الغائب مطلقا . ولكن كلمة ( هو ) وإن كانت تفيد الغيبة بالنسبة للبشر فهى تفيد تأكيد الحضور لرب العزة ، يقول جل وعلا : (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)المجادلة )، ( يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) ) النساء ). والتفاصيل فى القاموس القرآنى عن كلمة ( هو ) .
3 / 2 ـ إن اسلوب الالتفات فى القرآن يعلو ويسمو فى روعته عن أساليب الالتفات فى التراث العربى ( الأدبى ) ، ليس فقط لأنه بالغ التعقيد والتركيب ولكن أيضا لأنه ميسر للذكر ، أى يجمع بين العمق والبساطة . وهذه ناحية تستحق بحثا مستقلا ،لا محل له الآن .
3 / 3 ــ ونعطى مثالا بالفاتحة : فالآيات الأربع الأولى :( بسماللهالرحمنالرحيم (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) لا يُقال عنها إنها تتحدث عن غائب بل عن أسماء رب العزة الحسنى ، وبعدها إنتقال أو إلتفات الى المُخاطب وهو رب العزة : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)) ولكن الالتفات هنا مركب ، لأنه يحوى فى داخله المخاطب والمتكلم معا : المخاطب وهو رب العزة ، نقول له ( إياك ) والمؤمنون المتكلمون هم الذين يقولون ( نعبد )و( نستعين ) ثم إنتقال أو إلتفات للحديث عن الغائب ( الغائبين ) : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)).
3 / 4 : ومن روعة ما دعا به ابراهيم عليه السلام أنه بدأ بقوله عن ربه جل وعلا :( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)) الإلتفات المركب هنا أنه يتحدث عن نفسه وعن ربه جل وعلا . ثم قال عن نفسه باسلوب المتكلم : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) لم يقل وإذا أمرضنى فهو يشفين ) ثم بعدها يتحدث عن رب العزة بنفس الالتفات المركب : ( وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) ثم بعدها يتحدث عن رب العزة داعيا بطريق غير مباشر:( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) ثم يدعو ربه جل وعلا صراحة ومخاطبا إياه عن نفسه ( نفس ابراهيم ) فى إلتفات مركب : ( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) الشعراء )
4 ـ. ونكتفى بلمحة سريعة ومبسطة عن الالتفات فى التنزيل المكى تبعا لأغراضه وموضوعاته :
أمثلة لاسلوب الالتفات فى السور المكية فيما يخص الدعوة الى ( لا إله إلا الله ):
1 ـ فى أول سورة مكية ، نراها تبدأ بالمخاطب وهو الرسول محمد عليه السلام : ( اقْرَأْ ) وبعدها الحديث عن رب العزة ( بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ) ثم العودة للمخاطب مع الحديث عن رب العزة أيضا ( هنا إلتفات مركب ) : ( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ثم إلتفات الى الغائب وهو الانسان ، أى عن الانسان :( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)) ثم توجيه الخطاب للنبى / أى مخاطب : ( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)) ثم إلتفات ( مركب ) للمخاطب وهو النبى : ( أَرَأَيْتَ) وعن الغائب : ( الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْداً إِذَا صَلَّى (10)) ويتكرر المخاطب ثم الغائب بنفس الطريقة : ( أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) ثم إلتفات ( مركب )الى المتكلم وهو رب العزة فى حديث عن الغائب ( كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَه (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)) ثم إلتفات ( مركب ) للمخاطب فى حديث عن الغائب : ( كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19))
2 ـ فى سورة الأعلى يبدا الخطاب للمخاطب : ( سَبِّحْ ) ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا : (( اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)) ثم العودة للمُخاطب : ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى (6) ثم العودة للحديث عن رب العزة : (إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) ثم المخاطب : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى (9) ثم الغائب عن البشر ( سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)) ثم المخاطب من البشر : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) )
3 ـ وفى سورة البلد : يبدأ الخطاب بالمتكلم وهو رب العزة : ( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) ثم المخطاب وهو النبى عليه السلام : ( وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) ثم الغائب :( وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) ثم عن رب العزة جل وعلا الخالق ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) ثم عن الغائب ( أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) ) الى آخر السورة .
4 ـ فى سورة الليل : البداية برب العزة وآلائه : ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (3)ثم المخاطب ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)ثم الغائب : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)) ثم إلتفات الى المتكلم ، فيقول رب العزة عن ذاته : ( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى (13)) ثم إلتفات من المتكلم الى المخاطب : ( فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى (14)) ثم الغائب : ( لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21))
5 ـ تبدأ سورة المُلك بالحديث عن رب العزة :( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) ثم الالتفات الى المخاطب : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ثم العودة للحديث عن رب العزة : ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ) ثم الالتفات الى المخاطب (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك )
6 ـ تبدأ سورة الذاريات بالحديث عن الغائب ( الملائكة ) بصفاتها ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً (1) فَالْحَامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً (4)ثم إلتفات الى المخاطب : ( إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) ) ثم الغائب ( وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)) ثم المخاطب :( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) ثم الغائب ( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) .. الى الآية (20) ثم إلتفات الى المخاطب :( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)). وفى نفس السورة حديث عن الغائب : ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) ثم إلتفات ( مركب ) الى المخاطب فى إشارة للغائب : ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) الذراريات ).
7 : تبدأ سورة الأنعام بحمد رب العزة : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) ثم الالتفات الى الغائب ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)) ثم إلتفات الى المخاطب ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) ( ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2))، ثم العودة للحديث عن رب العزة ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِوَفِي الأَرْضِ ) ثم إلتفات الى المخاطب :( يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)) وهناك أمثلة كثيرة للإلتفات فى سورة الأنعام نكتفى منها بهذا المثال الهام عن الأحاديث الضالة الشيطانية التى يخترعها ويروجها أعداء النبى من شياطين الانس والجن : البداية إلتفات مركب بالمتكلم فى إشارة للغائب : المتكلم هنا قوله جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا ) الغائب هم الأنبياء وأعداؤهم والأتباع الذين يصغون اليهم ويرتضون تلك الأحاديث الضالة :( لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) بعدها الالتفات من الغائب الى المتكلم ، وهو هنا ليس رب العزة بل النبى وكل مؤمن بالقرآن الكريم: ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً ) هنا كلمة ( قل ) محذوفة ومفهومة ضمنا من السياق ، بمعنى ( قل أفغير الله أبتغى حكما ) . وهنا أيضا إلتفات مركب لأنه متكلم يشير الى رب العزة : المتكلم فى كلمة ( أبتغى ) مع الاشارة الى رب العزة بأنه الذى أنزل الكتاب مفصلا ، ثم يزداد التركيب فى الالتفات بإضافة (غائب ) وهم أهل الكتاب : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) ثم إلتفات الى المخاطب ( فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) بعدها الحديث عن رب العزة الذى تمت كلمته صدقا وعلا ، وهو إلتفات مركب لأنه داخله المخاطب ( كاف الخطاب فى ( ربك ) : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)ثم المخاطب فى ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) وهو إلتفات مركب لأنه يشير الآ أكثرية أهل الأرض المُضلة ، ثم حديث عن رب العزة فى إلتفات مركب بكلمة ( ربك ) : مع إشارة الى الضالين وهم (غائب ) ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117))
8 ـ نفس الحال فى الالتفات المركب فى قوله جل وعلا :( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )99) يونس )، بداية الآية حديث عن رب العزة يتضمن كاف الخطاب ( ربك ) وفى إشارة للغائب وهم البشر فى الأرض : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ).و تكملة الآية خطاب مباشر للنبى ينهاه عن الاكراه فى الدين ويتضمن إشارة للناس : ( ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ).
9 ـ ومن سورة الأعراف نتوقف مع قوله جل وعلا : ( إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)) حديث عن آلاء رب العزة جل وعلا ، وفيه إلتفات مركب للمخاطب بكلمة ( ربكم ). الآية التالية: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) خطاب ( مخاطب ) مع الاشارة الى رب العزة الذى لا يحب المعتدين. ثم ( وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) أوامر ونواهى للمخاطب مع إشارة الى رحمة رب العالمين . ثم :( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) الاعراف). عن رحمته جل وعلا وآلائه ثم ختم الآية بإلتفات للمخاطب من البشر يُذكرهم بأن البعث للبشر شبيه بما يحدث للنبات .
أمثلة لاسلوب الالتفات فى السور المكية فيما يخص القصص القرآنى
1 ـ فى سورة الفجر : يأتى الكلام للمخاطب ثم عن الغائب : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)) (أَلَمْ تَرَ ) للمخاطب ، ثم ما بعدها عن الغائب: ( كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) ) ثم عن الغائب : ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) ثم للمخاطب ( كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً (20))
2 ـ فى التعليق على بعض الأحداث التاريخية فى سورة ( عبس ) بدأت السورة بخطاب الغائب (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2)) ثم كان الالتفات المركب من الغائب الى المخاطب وهو النبى ( فى إشارة للغائب ) فى الايات التالية : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10))
3 ــ عن سخرية القرشيين الكفار بالنبى يأتى هذا التعليق الإلهى فى التنزيل المكى: ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) الفرقان )هنا كلام عن الغائب ( الغائبين . يتلوه كلام للمخاطب وهو النبى عليه السلام ( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) ثم عودة الى الغائب ( بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) الفرقان ) .
إستعراض لخطاب الالتفات فى آيات سورة ( النحل )
قلنا إن هناك آيات مدنية داخل بعض السور المكية ، ونتعرف عليها بالقرينة ، أو السياق الموضوعى فى التنزيل القرآنى كله . مثل سورة المزمل المكية ، وفيها الأية الأخيرة وهى مدنية . ونفس الحال مع سور( الأنعام والعنكبوت ) . وسورة النحل تحتوى بعض الآيات المدنية ، أغلبها فى الدعوة الى ( لا إله إلا الله ) وفى الجانب الأخلاقى الإصلاحى . ولكن آياتها المدنية فى نهاية السورة تتحدث عن تشريع الطعام وعن أهل الكتاب وتشريع القتال . وعرضنا للإلتفات فى آياتها المكية ، ونعطى لمحة هنا عن الالتفات فى آياتها المكية والمدنية :
الالتفات فى التنزيل المكي فى سورة النحل
أولا : فى دعوة البشر جميعا الى ( لا إله إلا الله ) جل وعلا :
1 ـ بدايات السورة عن إقتراب الساعة :( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1))الحديث عن أمر يخص رب العزة جل وعلا ، وهو صدور أمره بقيام الساعة : ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ). ثم إلتفات الى المُخاطب وهو البشر : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) . أى لأنه آت وفق الزمن المحدد له بالتوقيت الأرضى . بعدها إلتفات الى رب العزة :( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ).
2 ـ (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ ) خطاب عن رب العزة جل وعلا الذى أنزل جبريل بالكتب السماوية لانذارهم ، ثم إلتفات الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا : ( لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2))
3 ـ الحديث عن رب العزة وآلائه (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا ). إلتفات بعدها للمُخاطب وهم البشر : (لَكُمْ ) ثم إلتفات للغائب وهى الأنعام : ( فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا ) ثم إلتفات للمخاطب: البشر : (تَأْكُلُونَ (5))
4 ـ فى الآية التالية : ( وَلَكُمْ ) مخاطب ( البشر )، ثم إلتفات للغائب ( الانعام ): ( فِيهَا جَمَالٌ حِينَ ) ثم إلتفات للمخاطب ( البشر ) : ( تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6))
5 ـ بعدها : المخاطب ( البشر ) فى : ( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ) ثم الغائب ( إِلَى بَلَدٍ ) ثم المخاطب ( لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ) ثم إلتفات مركب فى الحديث عن الخالق جل وعلا بإضافة ( كاف الخطاب : ربكم ) : ( إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7))
6 ـ الغائب ( الأنعام ) فى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ) ثم إلتفات مركب : مخاطب مع الاشارة للغائب : ( لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ) ثم حديث عن آلاء رب العزة:( وَيَخْلُقُ )ثم المخاطب ( البشر ) :( مَا لا تَعْلَمُونَ (8)).
7 ـ الحديث عن آلاء رب العزة جل وعلا فى توضيح الاسلام وهو السبيل المستقيم أو قصد السبيل فى : ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) والغائب : أنواع الأديان الظالمة : ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) ثم إلتفات مركب الى رب العزة يتضمن المخاطب فى ( كاف )الخطاب ( هداكم ) : ( وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)).
8 ـ الحديث عن آلاء رب العزة جل وعلا : (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ ) ثم إلتفات الى الغائب ( مِنْ السَّمَاءِ مَاءً) ثم إلتفات الى المخاطب أى البشر : ( لَكُمْ ) ثم إلتفات الى الغائب ( مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)).
9 ـ الحديث عن آلاء رب العزة جل وعلا فى : ( يُنْبِتُ ) ثم إلتفات الى المخاطب ( البشر ) ( لَكُمْ ) ثم إلتفات الى الغائب ، وهو متنوع : غائب هو الماء : ( بِهِ ) وغائب هو الثمرات : ( الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) وغائب هو الآيات : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً )وغائب هو القوم الذين يتفكرون : ( لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)) .
10 ـ الحديث عن آلاء رب العزة جل وعلا فى : ( وَسَخَّرَ) ثم إلتفات الى المخاطب ( البشر ) : ( لَكُمْ ) ثم إلتفات الى الغائب ، وهو متنوع : مظاهر الكون : ( اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ) القوم الذين يعقلون ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12))
11 ـ الحديث عن آلاء رب العزة جل وعلا فى : ( وَمَا ذَرَأَ ) ثم إلتفات الى المخاطب ( البشر ) : ( لَكُمْ ) ثم إلتفات الى الغائب ، وهو متنوع :آلاء الله جل وعلا المختلفة فى الأرض ( فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ) والقوم الذين يتذكرون :( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13))
12 ـ الحديث عن آلاء رب العزة جل وعلا فى : ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ) ثم إلتفات الى الغائب وهو البحر : ( الْبَحْرَ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو البشر : ( لِتَأْكُلُوا ) ثم إلتفات الى الغائب ، وهو متنوع : ( البحر ) : ( مِنْهُ ) واللحوم البحرية الطرية المختلفة عن لحوم الحيوانات البرية : ( لَحْماً طَرِيّاً ) ثم إلتفات الى المخاطب : البشر ( وَتَسْتَخْرِجُوا ) ثم الى الغائب وهو متنوع : البحر : ( مِنْهُ ) ومن الغائب ( حِلْيَةً ) أى جواهر البحر المُباح التزين بها مع أنها أغلى وأثمن من الذهب ، والذهب أيضا حلال فى الزينة فى الاسلام بخلاف الدين السُّنّى ، ثم إلتفات الى المخاطب البشر فى ( تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ) ثم الغائب وهو متنوع :السفن أو الفلك ( الْفُلْكَ مَوَاخِرَ) والبحر : ( فِيهِ )ثم إلتفات الى المخاطب البشر : ( وَلِتَبْتَغُوا ) ثم إلتفات الى رب العزة وأفضاله : ( مِنْ فَضْلِهِ ) ثم إلتفات الى المخاطب البشر : ( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14))
13 ـ الحديث عن آلاء رب العزة جل وعلا فى : ( وَأَلْقَى ) ثم إلتفات الى الغائب : الأرض والجبال الرواسى التى تُمسك القشرة الأرضية وتُثبتها وبدونها يسقط البشر فى أتون الحمم الملتهبة تحت هذه القشرة :( فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ ) ثم المخاطب البشر : ( بِكُمْ ) ثم الغائب من النهار والطُّرُق : ( وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً ) ثم المخاطب البشر ( لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) ) ثم الغائب فى ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)).
14 ـ المخاطب (البشر ) فى إلتفات مركب عن نعمة الله جل وعلا فى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ) ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18))
15 ـ الحديث عن آلاء رب العزة جل وعلا فى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ ) ثم إلتفات للمخاطب البشر : ( مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)). ثم إلتفات للغائب المشركين وآلهتهم الموتى فى قبورها المقدسة، وأنها مخلوقة مصنوعة ولا تشعر متى بعثها :( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ثم إلتفات الى المخاطب البشر :(إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) ثم إلتفات الى الغائب المشركين المنكرين المستكبرين :( فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) ثم الحديث عن رب العزة :( لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) )
16 ـ المخاطب وهو النبى محمد عليه السلام فى : ( إِنْ تَحْرِصْ ) ثم إلتفات الى الغائب : المشركين المُضلّين ( عَلَى هُدَاهُمْ )ثم حديث على رب العزة : ( فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي ) ثم الغائب وهم المضلون : (مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)).
17 : الغائب وهم المشركون منكرو البعث فى : ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ) والرد عليهم( بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً ) والغائب ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) وحديث عن رب العزة جل وعلا ( لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) والموضوع المختلف فيه ( الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) ثم إلتفات بالمتكلم وهو رب العزة فى : ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40))
18 ـ الغائب وهم المهاجرون المظلومون فى : ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) ثم إلتفات الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا : ( لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ ) ثم الغائب وهم المهاجرون الصابرون المتوكلون على ربهم جل وعلا : ( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42))
19 ـ المتكلم هو رب العزة فى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا ) ،و المخاطب وهو خاتم المرسلين من رب العالمين فى : ( مِنْ قَبْلِكَ) ثم الغائب وهم الرسل السابقون : ( إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) ثم إلتفات الى مخاطب آخر وهم البشر( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) ثم الى غائب آخر وهو الكتب السماوية السابقة ( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو رب العزة : ( وَأَنزَلْنَا ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو خاتم النبيين ( إِلَيْكَ )، ثم إلتفات الى الغائب وهو الذكر أى القرآن الكريم ( الذِّكْرَ ) ثم التفات الى المخاطب وهو الرسول محمد ( لِتُبَيِّنَ ) ثم إلتفات الى الغائب : أهل الكتاب ( لِلنَّاسِ ) ثم إلتفات مركب الى غائب آخر وهو الكتب السماوية السابقة وأصحابها ( مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ( وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44))
20 ـ القائل هنا هو رب العزة جل وعلا فى : ( وَقَالَ اللَّهُ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهم البشر ( لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) ، ثم إلتفات الى المتكلم رب العزة جل وعلا ( فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) ثم حديث عنه جل وعلا مالك السماوات والأرض وصاحب الدين وحده ( وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً ) ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهم البشر فيه إشارة الى رب العزة ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) . ثم إلتفات الى الغائب البشر الكافرين ( لِيَكْفُرُوا) ثم التفات مركب الى المتكلم وهو رب العزة بإشارة الى الغائب وهم الكافرون ( بِمَا آتَيْنَاهُمْ ) ثم إلتفات الى المخاطب الكافرين ( فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55))
21 : هنا الغائب وهو متنوع :المشركون ،والنذور ،والقبور المقدسة والأوثان فى : ( وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو رب العزة :( مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ )، ثم إلتفات الى المخاطب وهم من يقدمون النذور إفتراءا على رب العزة: ( تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56))
22 ـ الغائب هنا متنوع : المشركون وآلهتهم فى : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنْ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) ، ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهم المشركون مع إشارة الى رب العزة ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ ) ثم حديث عن رب العزة :(إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74))
23 ـ هنا الغائب وهم المشركون المعاندون فى : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا ) ثم إلالتفات للرسول عليه السلام :( فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) ثم إلتفات مركب الى الغائب المشركين منكرى القرآن مع إشارة الى رب العزة ورسالته التى هى النعمة ( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ (83))
24 ـ هنا المتكلم وهو رب العزة فى :( وَيَوْمَ نَبْعَثُ ) ثم إلتفات الى كل البشر والشهداء عليهم :( فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) ثم إلتفات الى المتكلم رب العزة جل وعلا : ( وَجِئْنَا ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو رسول الله عليه السلام : ( بِكَ شَهِيداً )ثم إلتفات الى الغائب وهم قوم الرسول محمد عليه السلام ( عَلَى هَؤُلاء ) ثم إلالتفات الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا : ( وَنَزَّلْنَا ) ثم الى المخاطب وهو الرسول: ( عَلَيْكَ ) ثم إلتفات الى الغائب ، وهو الكتاب ( الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى ) والمسلمين ( لِلْمُسْلِمِينَ (89)).
ثانيا : الاصلاح الأخلاقى
بعد الدعوة الى لا إله إلا الله جل وعلا تأتى الأوامر والنواهى الأخلاقية بأوامر مباشرة منه جل وعلا للبشر جميعا ، ويتخلل هذا الخطاب المباشر ـ كالعادة ـ اسلوب الالتفات :
1 ــ بعد الدعوة الى الايمان بالله جل وعلا وحده يأمر الله جل وعلا البشر بالعدل والاحسان وإيتاء ذى القربى وينهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغى . لم يبدأ جل وعلا باسلوب المتكلم إعدلوا وأحسنوا بل قال : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ) ثم بعدها الالتفات الى المخاطب وهم البشر :( يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو رب العزة : ( وَلَنَجْزِيَنَّ ) ثم الغائب ( الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97))
2 ـ ولأن الشيطان أساس الفساد ولأن القرآن أساس الهدى فقد قال جل وعلا باسلوب المخاطب للنبى ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) ثم إلتفات الى الغائب وهو الشيطان وسلطانه : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100))
3 ـ وعن ( آية ) أو معجزة القرآن الكريمة يقول جل وعلا بأسلوب المتكلم : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ) ثم جملة إعتراضية عنه جل وعلا : ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ) ثم إلالتفات الى الغائب وهم الكافرون : ( قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) ثم إلتفات الى المخاطب وهو الرسول : ( قُلْ ) ثم إلتفات الى الغائب وهو جبريل : ( نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ )ثم المخاطب ( رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) ثم التفات الى الغائب وهو القرآن الكريم :( لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102))
الالتفات فى الآيات المدنية فى سورة النحل :
1 ـ الطعام
يقول جل وعلا : ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) هنا المخاطب المؤمنون فى : ( فَكُلُوا ) و( وَاشْكُرُوا ) مع إشارة الى رب العزة ، ثم نفس الحال فى المخاطب ( المؤمنون ) والاشارة الى رب العزة فى الآية التالية : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) ثم إلتفات الى الغائب : ( فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ ) ، ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا : ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) ثم إلتفات الى المخاطب : ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) ، ثم إلتفات الى الغائب : ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)
2 ـ عن أهل الكتاب :
من الغائب فى ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا ) إلتفات الى المتكلم ( حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا ) الى المخاطب وهو الرسول ( عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) ثم إلتفات مركب المتكلم بإشارة الى الغائب وهم أهل الكتاب : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)) ثم إلتفات الى الغائب ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى عليه السلام بإشارة الى الغائب : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) )
3 ـ ملة ابراهيم
الغائب وهو ابراهيم عليه السلام مع إشارة الى رب العزة جل وعلا فى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) ثم العكس وهو : إلتفات مركب من المتكلم وهو رب العزة بإشارة للغائب وهو ابراهيم عليه السلام : ( وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (122) ثم إلتفات الى المتكلم وهو رب العزة بإشارة الى المخاطب وهو النبى عليه السلام ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) ثم إلتفات الى الغائب : ابراهيم : ( وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (123))
4 ـ عن الدعوة والقتال :
المخاطب وهو الرسول مع إشارة الى رب العزة جل وعلا ، فى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) الى نفس المخاطب وهو النبى مع إشارة للغائب فى ( وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) الى المخاطب وهو النبى ( إِنَّ رَبَّكَ ) الى الحديث عن رب العزة فى إلتفات مركب يشير الى الغائب وهم الضالون والمهتدون: ( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) ثم إلتفات الى المخاطب وهم المؤمنون فى تشريع القتال :( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى مع إشارة الى أعدائه ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) ثم إلتفات مركب الى الحديث عن رب العزة جل وعلا بإشارة الى الغائب وهم المتقون المحسنون : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) ).
الالتفات فى سورة النور
جاءت بتشريعات جديدة لمجتمع المدينة ودولته المدنية الاسلامية ، مع إشارات تاريخية تدخل فى القصص القرآنى المعاصر لوقته . وفى هذا وذاك جاء اسلوب الالتفات :
التشريع :
1 ـ بداية السورة وعقوبة الزنى : يقول جل وعلا : ( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) المتكلم وهو رب العزة الذى أنزل السورة وفرض تشريعها وأنزل آياتها البينات، وهى إفتتاحية الاهية فريدة ووحيدة فى القرآن الكريم كله تعطى إشارة ضمنية معجزة لنفى خرافة الرجم للزانى المحصن . ثم إلتفات من المتكلم رب العزة الى المخاطب وهم المؤمنون فى دولتهم ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) ثم إلتفات مركب الى الغائب وهو :( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي )هو إلتفات مركب لأنه فيه إشارة ضمنية الى الغائب وهو الدولة الاسلامية التى تثبت جريمة الزنا على رجل وإمراة، ثم تثبت رفضهما التوبة فيستحقان الوصف بالزانى والزانية ، ويتعين عقابهما بالجلد . ثم بعدها إلتفات مركب الى المخاطب وهو الدولة الاسلامية لأن فيه إشارة الى الزانى والزانية ( فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2))
2 ـ فى الآداب الاجتماعية ، يقول جل وعلا : ( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) هنا خطاب عن الغائب ، وهم أصحاب الأعذار ، ثم إلتفات للمخاطب : ( وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)).
3 ــ فى الاجتماعات السياسية العامة للشورى أو الديمقراطية المباشرة فى الدولة الاسلامية ، تبدأ القاعدة الايمانية فى تشريع الشورى جزءا من الايمان ،باسلوب القصر :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) والخطاب هنا عن الغائب، ثم الالتفات المركب بعده ، فالمخاطب وهو النبى ، وفيه إشارة للغائب وهم الذين يستأذنون النبى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى فى إشارة الى أولئك المستأذنين : ( فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) ثم مخاطب آخر وهم المؤمنون : ( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً )ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا مع إشارة الى المتسللين : ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) ثم إلتفات مركب بالحديث عن رب العزة جل وعلا وفيه إشارة للمخاطب وهم جماعة المؤمنين : ( أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)).
التاريخ : حديث الإفك :
قلنا فى كتاب ( القرآن وكفى ) إن السيدة عائشة لا شأن لها بحديث الإفك المذكور فى سورة النور لأنه عن علاقات إستجدت مع بداية إستقرار المهاجرين والمهاجرات فى المدينة ــ ومنهم فقراء ــ والمؤاخاة بينهم وبين الأنصار ، وما نتج عن ذلك من عون من الأنصار والأنصاريات للمهاجرين والمهاجرات ، وهذا أحنق المنافقين فإخترعوا أكاذيب عن علاقات فاحشة هى حديث الإفك الذى يتوجه فيه الخطاب للمؤمنين وعن المؤمنين ، ويأتى أسلوب الألتفات موضحا هذا .
يقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) هنا المُخاطب وهم جماعة المؤمنين والاتهام من رب العزة الذى يخاطبهم هو لعصبة من المؤمنين ، بعده إلتفات من المخاطب الى الغائب ، وهم أفراد تلك العصبة وقائدهم : ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) ثم إلتفات بالمخاطب وهم جماعة المؤمنين الذين تناقلوا الاشاعات السّامة ، والخطاب لهم بالتأنيب والوعظ والتهديد من رب العزة ( أى إلتفات مركب ) فى : ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)، ثم إلتفات من المخاطب الى الغائب وهم الذين يحبون بقلوبهم أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) ثم إلتفات الى المخاطب وهم جماعة المؤمنين : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)).
( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المدنى فى سورة الأنفال :
مقدمة
1 ــ أخرجت قريش المؤمنين من ديارهم وصادرت أموالهم . الايلاف القُرشى فى رحلة الشتاء والصيف كان يعنى داخل قريش تكوين رأس المال للقافلة من أفراد القرشيين طبق نظام الأسهم ، ثم توزيع الأرباح لكل سهم . بإخراج النبى والمؤمنين من مكة ومصادرة ديارهم وأموالهم ورثت قريش هذه الأموال والعقارات ومنها أسهم المؤمنين فى القوافل . واستخدمت هذه الأموال والعقارات ليس فقط فى تنمية أرباح الملأ القرشى فى رحلتى الشتاء والصيف بل أيضا فى تمويل حروب خاطفة كانت تُغير على المؤمنين فى بداية إستقرارهم فى المدينة ، حيث كانوا ممنوعين ـ بسبب ضعفهم ـ من رد العدوان ، ومأمورين بكف اليد الى أن يتموا إستعدادهم للمواجهة ، وحيث كانوا فى خوف قائم من أن يتخطفهم الناس . بعد إستكمال جزئى للقتال الدفاعى نزل الإذن بالقتال الدفاعى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) (40)الحج ). وكانت مهاجمة قافلة قرشية يقودها زعيم قريش أبوسفيان . هذه القافلة هى حقُّ للمؤمنين المهاجرين فهى تجارة بأموالهم المسروقة . ونزل لهم الوعد بالفوز إما بالقافلة وإما بالانتصار . وأفلت أبو سفيان بالقافلة وجاء جيش قريش يتيه عجبا وخيلاء بثلاثة أضعاف جيش النبى لابادة جيش النبى ، أى كانت معركة كانت غير متكافئة فى حروب يكون فيها سيف مقابل سيف ورمح مقابل رمح ، أى الأكثر عددا هو الذى يضمن النصر ، إلا إذا كان الأقل عددا هو الأكثر شجاعة وإستماتة فى القتال ، فكيف يتأتى هذا من جيش المؤمنين المرعوبين أصلا من السطوة القرشية . لذا كان لا بد من تثبيت قلوب المؤمنين فى هذه المعركة الفاصلة الحاسمة ، لأن هزيمة المؤمنين تعنى نهايتهم وألا تقوم لهم قائمة ، أما لو إنتصروا فهو الانتصار على الهيبة القرشية داخل القلوب وداخل الجزيرة العربية، وإعلاء شأن الدولة الاسلامية الوليدة.
2 ــ وإنتصر المؤمنون ، وجاء الانتصار على قريش بمستجدات هى الأنفال ( الغنائم ) و الأسرى ، ووفود مؤمنين جدد هاجروا الى المدينة ، ودخول مؤمنين جدد الى الاسلام مع بقائهم فى أماكنهم دون هجرة الى المدينة ، وحتمية الاستعداد العسكرى لجولات قادمة لردع و(ارهاب) العدو المعتدى حتى لا يعتدى، وردع و ( إرهاب ) عدو آخر محتمل ( من شر الدواب ) لا يعلمه المؤمنون ، وأن يصاحب هذا الاستعداد العسكرى ( اللوجيستى ) تحريض على القتال والصبر لرفع ( الروح المعنوية )، وعقد معاهدات ،وهناك من ينكث العهد . كل هذه المستجدات تستدعى تشريعات جديدا ، جاءت بها سورة الأنفال التى إحتوت بجانب التشريع على قصص تاريخى معاصر للنبى والمؤمنين فى هذا الوقت المبكر فى تاريخ الدولة الاسلامية المدنية . وفى داخل التشريع والقصص كان أسلوب الالتفات ، وهو الذى يعطى حيوية فى السرد القصصى وفى الأسلوب التشريعى أيضا .
أولا : التشريع :
فى الغنائم ( الأنفال )
1 ـ بدأت السورة بالاجابة على أسئلة تتعلق بالأنفال أو الغنائم ، من الأحق بها ؟ هل الذين سلبت قريش أموالهم وموّلت بها القافلة ؟ أم المقاتلون فى المعركة . ثار جدل تطور الى خصومة . سألوا النبى ، وهو ليس له أن يجيب لأنه ليس صاحب الشرع ، الله جل وعلا هو صاحب الشرع ، وليس للنبى أن يتكلم فى دين الله أو أن يجتهد أو أن يُفتى أو يتقوّل على الله جل وعلا ، لأنه رسول مُبلّغ عن ربه جل وعلا . لذا عندما سئل عن الأنفال إنتظر النبى حتى نزل الوحى القرآنى يقول للنبى فى خطاب مباشر : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) هنا النبى هو المُخاطب ، وهو يحوى إلتفاتا مركبا بالاشارة الى الغائب وهم الذين يسألون ، ثم الالتفات من المخاطب وهو النبى الى مُخاطب آخر ، وهو المؤمنون الذين جاءهم الخطاب الالهى المباشر يأمرهم بالتقوى وإصلاح ما نشب بينهم من نزاع ، وأن يطيعوا الله ورسوله إن كانوا فعلا مؤمنين : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) ثم إلتفات الى الغائب فى صفات المؤمنين الحقيقيين : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) ثم إلتفات الى المتكلم رب العزة مع إشارة للمؤمنين حقا ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)).
2 ـ ثم نزل تشريع توزيع الغنائم فى خطاب الاهى مباشر للمؤمنين وقتها، يقول جل وعلا لهم:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ) هنا المخاطب وهم المؤمنون ، ثم التوزيع بالإلتفات الى المستحقين : ( فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ )أى أن خُمس الغنام يكون فى الانفاق فى سبيل الله جل وعلا ورسالته ، وفى الصدقات لأقارب المقاتلين واليتامى والمساكين ، وبقية الغنائم للمقاتلين . واستمرار الخطاب للمخاطبين : ( إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو رب العزة مع إشارة الى الغائب وهو الرسول وما أُنزل عليه يوم الفرقان يوم معركة بدر، يوم إلتقى الجمعان ،: ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة : ( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41). وفى الآية التالية نفس المُخاطب وهم المؤمنون ومكانهم مع إشارة الى العدو ومكانه:( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)).
الأسرى :
1 ـ وهى قضية مُلحقةُّ بالغنائم ، وهما من النتائج الإيجابية لانتصار موقعة بدر، ولم يكن للمؤمنين معرفة بهما من قبل . وقد تصرف النبى فأخذ من الأسرى فداءا ماليا .ونزل التأنيب للنبى لأنه ممنوع إفتداء الأسرى بالأموال ، ولكن بالتبادل أو بالمنّ وإطلاق السراح بلا مقابل كما جاء فى قوله جل وعلا : (حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا )(4) محمد ) وكما جاء لاحقا فى سورة التوبة عمّن يستجير وقت الحرب من المشركين المعتدين ويستأسر برغبته : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) ) فى معركة بدر لم يكن هناك تبادل للأسرى ، فأخذ النبى أموالا لاطلاق سراحهم ، فنرل مبكرا فى سورة الأنفال تأنيب للنبى ، يقول جل وعلا : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ) الخطاب هنا للغائب ، ومقصود به النبى محمد ، والمعنى أن النبى لا يمكن أن يكون له أسرى إلا إذا أثخن فى الأرض حربا . ومفهوم أنها حرب دفاعية وليست عدوانية . ثم جاء الإلتفات من الغائب الى المُخاطب وهم المؤمنون بما يشير الى أنهم أصحاب الاقتراح بأخذ الفدية من الأسرى مقابل إطلاق سراحهم ، وربما كان ذلك لتغطية متطلبات ومطالبات من الطامعين فى الغنائم ، قال تعالى لهم : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا بأن الله جل وعلا يريد لهم الفوز فى الآخرة : ( وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ ) ثم إلتفات الى المُخاطب بالتهديد : ( لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) ) ثم استمرار فى المخاطب بتشريع يبيح الأكل من الغنائم حلالا طيبا مع الأمر بتقوى الله جل وعلا : ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69). ووضع أكل الغنائم حلالا طيبا وسط الحديث اللائم عن أخذ فدية مالية من الأسرى يشير الى المقارنة بين الغنائم الحلال و الفدية الحرام من الأسرى ،ثم تأتى الآية التالية بإلتفات الى مُخاطب آخر وهو النبى أن يقول رسالة للأسرى الذين دفعوا الفدية ، وهى إن الله جل وعلا سيعوضهم خيرا عمّا أُخذ منهم إن كان فى قلوبهم خير ، وأن يغفر لهم ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وخطاب آخر للنبى إنهم إن أرادوا خيانته فسينتقم الله جل وعلا منهم : ( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)). معلوم أن السيرة المصنوعة للنبى تتناقض مع هذا جملة وتفصيلا . ولو آمنت بها فقد كفرت بالقرآن الكريم .!
فى التعامل مع المشركين الكافرين سلوكيا بالاعتداء :
1 ـ جاء لهم عرض الاهى لهم بالانتهاء عن العدوان مقابل أن يغفر لهم ما سبق من عدوان ، وإذا رفضوا العرض فالأمر بقتالهم لوضع حد للفتنة أو الإكراه فى الدين ، يقول جل وعلا فى إلتفات مركب ، المُخاطب فيه هو النبى مع إشارة الى الغائب وهم الكافرون : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) ثم إلتفات مركب بمخاطب هو المؤمنون مع إشارة الى غائب وهم الكفار المعتدون الذين يرتكبون الاضطهاد الدينى أو الفتنة فى ( الدين ) الذى ينبغى أن يكون حرا ، المرجعية فيه لرب العزة يوم الدين : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) ثم إلتفات الى المشركين ( فَإِنْ انتَهَوْا ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل علا : ( فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)، وإلتفات فى الآية التالية من الغائب وهم المشركون :( وَإِنْ تَوَلَّوْا ) الى المخاطب وهم المؤمنون : ( فَاعْلَمُوا ) الى الحديث عن رب العزة جل وعلا : ( أَنَّ اللَّهَ ) الى المخاطب وهم المؤمنون :(مَوْلاكُمْ ) الى الحديث عن رب العزة جل وعلا :( نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
فى التعامل مع ( شر الدواب )
1 ـ عبارة (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ ) جاءت مرتين فقط فى القرآن الكريم ، وفى سورة الانفال تحديدا، وصفا لنوعين من الكافرين ( الكفار قلبيا فقط ) أو ( الكفار قلبيا وسلوكيا معا ) . وقلنا أن هناك الكافر بقلبه ولكنه مؤمن سلوكيا مأمون الجانب مسالما فيتمتع بلقب الذين آمنوا حسب الظاهر ، ولكن يظل محتاجا للوعظ حتى يهتدى قلبه ، ويظل أيضا محتاجا الى الوعظ والتهديد والترهيب حتى لا يتحول الى الكفر السلوكى يجمع بينه وبين كفره القلبى .وهذا كان حال بعض الصحابة من المهاجرين والذين ظلوا يعبدون الأنصاب حتى أواخر ما نزل من القرآن الكريم دون أن ينتهوا عن عبادتها ( التوبة 90 : 92 ) .
2 ــ يقول جل وعلا للمؤمنين سلوكيا ( بمعنى الأمن والسلام ) ولكن لا يطيعون الله ورسوله ويخونون الله ورسوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) .
3 ـ ونلاحظ الآتى :
3 / 1 ـ عدم وصفهم صراحة بالكفر بل بأنهم الصُّم البكم الذين لايعقلون الذين يتولون عن الرسول معرضين عنه شأن الذين قالوا سمعنا بالأذُن وهم لا يسمعون أى لا يطيعون . وأنه لا فائدة منهم ولا خير فيهم .
3 / 2 ـ أن هذه الأوصاف جاءت فى سياق خطاب الاهى مباشر للذين آمنوا أو الصحابة المؤمنين سلوكيا ظاهريا ـ دون إيمان قلبى . أى مؤمنون مأمونو الجانب مسالمون سلوكيا ولكن قلوبهم كافرة ترفض سماع الحق،وهم متصفون بنفس صفات الكافرين الذين لا يعقلون ، وأنهم شر الدواب ، والدابة هى كل كائن حى يدبُّ ويتحرك بحركة مقصودة من الحشرة الى الفيل والخيل والبغال والحمير ..
3 / 3 ـ وجرى فى الآيات السابقة أسلوب الالتفات على النحو التالى : المُخاطب هو المؤمنون سلوكيا وليس قلبيا ، وهو إلتفات مركب بإشارة الى الله جل وعلا والرسول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا ) ثم إلتفات من المخاطب الى الغائب، وهم الكفار الصُّرحاء فى ( كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) ( وإستمرار فى وصف هؤلاء الكفار قلبيا : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23). ثم إلتفات من الغيبة الى المخاطب للذين آمنو سلوكيا فقط ، وهو إلتفات مركب لأنه يحوى إشارة لله جل وعلا وللرسول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28).
4 ــ عبارة (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ ) جاءت أيضا فى نفس السورة وصفا للكافرين قلبيا وسلوكيا بالاعتداء ونكث العهود ، يقول جل وعلا : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56)) . كان الحديث عنهم بالغائب ، ثم بعده إلتفات الى المخاطب وهو النبى فى تشريع بالتعامل مع أولئك الكافرين المعتدين ناكثى العهود ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ( 58 )
5 ـ الخطورة هنا أن يتعاون ( شر الدواب ) داخل المدينة مع ( شر الدواب ) خارجها . الصنفان معا يصفهم رب العزة بالخيانة (الأنفال 27 ، 58). ولو تحالف الفريقان الخائنان ( من شر الدواب ) ضد النبى والمؤمنين الحقيقيين لتم تدميرهم المسلمين ودولتهم الاسلامية ، خصوصا وأن شر الدواب خارج المدينة موصوفون بأنهم (يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ ). لذا كان التشريع للنبى عليه السلام فى التعامل مع ( شر الدواب خارج المدينة ) أنهم إذا إعتدوا فليحاربهم بقوة تُرهب من هم خلفهم ، اى شر الدواب فى المدينة : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ). وإنه بسبب تكرار حنثهم ونقضهم للعهود فإذا خاف خيانتهم أعلن لهم وقف العمل بالعهد معهم بكل إستقامة كى لا يعطيهم فرصة الخداع والمكر: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ) .
فى الاستعداد الحربى لردع العدو المعتدى
1 ــ هنا المخاطب هم المؤمنون قلبيا وحقيقيا مع إشارة للغائب وهم الكفار المعتدون ، فى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) أولئك الذين لا يعلمونهم هم ( شر الدواب ) من المؤمنين سلوكيا بينما قلوبهم تطفح بتقديس الأنصاب والقبور المقدسة.
2 ــ قوة الدولة الاسلامية المسالمة هى التى ترهب العدو الظاهر والعدو المحتمل المستتر الذى لا يعلمونه والذى يعلمه رب العزة جل وعلا . الارهاب هنا فى مصطلح القرآن هو لحقن الدماء ، دماء العدو ودماء المسلمين أيضا . الدولة الاسلامية المسالمة التى لا تعتدى على أحد لو كانت ضعيفة فسيتشجع العدو المعتدى على غزوها ، لهذا لا بد أن تتقوى بكل إستطاعتها لتردع أو لترهب هذا العدو المعتدى .
3 ــ وهذا الاستعداد الحربى يتطلب نفقة مالية ، لذا يستمر الخطاب للمؤمنين :( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60).
4 ــ فماذا إذا جنح العدو المعتدى للسلام ، يستمر الخطاب للنبى عليه السلام بالجنوح للسلام متوكلا على ربه جل وعلا فى إلتفات من المؤمنين الى النبى : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) .
5 ــ فماذا إذا كانوا يريدون الخداع فالله جل وعلا هو الذى يكفيه والذى يؤيده بنصره وبالمؤمنين ( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)) فيما سبق إلتفات مركب للمخاطب وهو النبى مع إشارة للمخادعين .
6 ـ ويأتى حديث عن رب العزة ونصره وأنه الذى ألّف بين قلوب المؤمنين الحقيقيين بما لا يستطيعه بشر :( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ )هذا حديث عن رب العزة جل وعلا ، يليه إلتفات الى المخاطب وهو النبى عليه السلام ( إلتفات مركب ) يحوى إشارة الى المؤمنين :( لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) .
7 ـ المؤمنون سلوكيا فقط لا فائدة فيهم فى القتال لأنهم كافرون قلبيا ولأنهم مسالمون يخافون من الحرب لذا كانوا يعصون ولا يسمعون . بإستبعادهم يتبقى المؤمنون الحقيقيون ، وهم أيضا مسالمون ولكن مخلصون لرب العزة دينهم . أى يحتاجون الى التحريض على القتال ، لذا يستمر الخطاب للنبى مع حديث عن رب العزة جل وعلا وإلتفات الى الغائب وهم المؤمنون الحقيقيون فى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) ثم بعدها إلتفات الى مخاطب آخر وهم المؤمنون الحقيقيون ـ ونفهم أنهم وقتها أقلية ضئيلة ضعيفة لذا لا بد من التمسك بالصبر لينالوا النصر ، يخاطبهم رب العزة مباشرة فيقول : ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)).
فى الموالاة والولاء للدولة الاسلامية :
1 ــ إنتماء المسلم الحقيقى والمؤمن الحقيقى هو للقيم العليا ( الحرية والعدل والسلام ) . وإذا تعرض للفتنة فى دينه وجبت عليه الهجرة ، وإذا تخلف عنها مع إستطاعته ومات ، مات كافرا ( النساء 97 : 99 ). وكانت دولة الاسلام المدنية واحة أمن للمستضعفين المؤمنين ( إيمانا سلوكيا بمعنى الأمن ) والمسلمين ( إسلاما ظاهريا بمعنى المسالمة والسلام ) . وفى داخلها تمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار والموالاة بينهم فى إطار دولتهم . وكانت الهجرة اليها مفتوحة لكل من أراد الحرية الدينية ، يمارسها كيف شاء طالما لا يرفع سلاحا ولا يضطهد أحدا فى الدين .
2 ـ وكما جاءت الآيات الأخيرة فى سورة النور عن الشورى والديمقراطية المباشرة ، وجاءت الآيات الأخيرة من سورة الممتحنة عن البيعة الفردية حتى للنساء فى دخول الدولة الجديدة فإن الآيات الأخيرة من سورة الأنفال كانت عن تشريع المواطنة فى هذه الدولة ، والتى هى حق لمن يعيش فيها من المهاجرين والأنصار ، وهى ايضا حق لمن هاجر اليها واستقرّ فيها ، والمؤمنون خارجها ليسوا مواطنين فيها طالما لم يهاجروا ، والمستضعفون لهم حق النُّصرة إلا إذا كان هناك عهد بعدم الحرب بين الدولة الاسلامية وتلك الدولة التى يعيش فيها أولئك المستضعفون . وكما أن الكفار المعتدين يوالى بعضهم بعضا فواجب المؤمنين المسالمين أن يوالى بعضهم بعضا حتى لا يكون فساد فى الأرض وإضطهاد أى فتنة فى الدين الذين .
3 ــ فى هذا يقول جل وعلا فى خطاب للغائب : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) ثم إلتفات الى من الغائب الى المخاطب وهم المؤمنون فى دولتهم الاسلامية : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72). ثم خطاب الغائب عن الكافرين المعتدين وموالاتهم بعضهم البعض : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) ثم إلتفات الى المؤمنين : المخاطب : يقول لهم : ( إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)، وبعده إلتفات الى الغائب : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) ثم إلتفات الى المخاطب أى المؤمنون (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ . ) ثم الغائب فى : ( وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)) .
التاريخ ( القصص المعاصر )
1 ـ فى بداية الحديث عن موقعة بدريقول جل وعلا : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ) هنا خطاب للنبى ، أى الى المخاطب، وبعده إلتفات الى الغائب ، وهم الفريق المعارض للقتال من ( اهل بدر) : ( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6)) ثم حديث عن رب العزة للمخاطب وهم أهل بدر المؤمنين : ( وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11)).
2 ـ وفى حديث عن رب العزة جل وعلا فى خطاب للغائب وهم كفرة قريش وجيشها : ( ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) ثم إلتفات للمخاطب وهم المشركون القرشيون وقد إستفتحوا الحرب بقطع الأرحام فقال جل وعلا لهم بأسلوب السخرية : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْحُ ) ثم إستمرار الخطاب لهم باسلوب الوعظ : ( وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) ثم بالتهديد : التفات مركب للمخاطب مع إشارة للمتكلم : ( وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ) والمخاطب بالتهديد ( وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ) ثم إلتفات بحديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19))
ودائما : صدق الله العظيم .
أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المدنى فى سورة آل عمران
مقدمة : تتركز موضوعات سورة ( آل عمران ) حول أربعة محاور : ( لا إله إلا الله ) والتشريع و التاريخ المعاصر بين موقعتى بدر وأُحُد ، ثم الحوار مع أهل الكتاب . وأسلوب الالتفات يتخلل هذه الموضوعات الأربع يعطيها حيوية فى العرض . ونعطى بعض التفصيلات :
أولا : لاإله إلا الله جل وعلا
1 ـ تبدأ السورة بالحديث عن رب العزة وكتبه السماوية : (الم (1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) ثم إلتفات الى المُخاطب وهو الرسول ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ) ثم إلتفات الى الغائب وهم الكافرون : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (5). ثم إلتفات مركب الى المُخاطب وهم البشر جميعا مع إشارة للخالق جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) . ثم إلتفات مركب بالمخاطب وهو الرسول مع إشارة لرب العزة جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) ثم إلتفات الى الغائب وهم الذين فى قلوبهم زيغ : ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) والتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ ) ، ثم إلتفات الى غائب وهم الراسخون فى العلم : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) ، ثم إلتفات الى المتكلم وهم الراسخون الذين يقولون ( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) )
2 ـ الحديث هنا عن الغائب وهم البشر أو الناس فى قوله جل وعلا : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ) ثم إلتفات الى غائب آخر وهو متاع الدنيا : ( ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا : (وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) ) ثم إلتفات مركب الى المُخاطب وهو الرسول والناس مع إشارة الى رب العزة جل وعلا : ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17))
3 ـ وردا على تقديس الأنبياء يقول جل وعلا فى خطاب عن الغائب : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ثم إلتفات الى المخاطب ( وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) ثم إلتفات مركب فى الحديث عن رب العزة مع إشارة للأنبياء : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) ثم إنتقال بالالتفات الى المُخاطب وهم الأنبياء : ( لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) ثم إلتفات الى الغائب ، وهم الرسل : ( قَالُوا أَقْرَرْنَا ) ثم إلتفات مركب الى حديث عن رب العزة جل وعلا مع إشارة الى المتكلم وهو رب العزة : ( قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ (81) ثم إلتفات الى الغائب فى : ( فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (82)
4 ـ وعن الاسلام دين الله جل وعلا والذى نزلت به كل الرسالات السماوية ، يبدأ الحديث عن رب العزة جل وعلا بشهادة الاسلام الواحدة ( وهو : التشهد الحقيقى فى الصلاة ) فى : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) ثم التأكيد على : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) ثم إلتفات الى الغائب وهم المختلفون من أهل الكتاب : ( وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو الرسول مع إشارة للضالين بالرجوع الى الأصل وهو دين الله جل وعلا :( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ) ، ثم إلتفات مركب الى الغائب مع إشارة الى المخاطب وهو الرسول : ( فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20).
وعن الاسلام دين الله جل وعلا والذى نزلت به كل الرسالات السماوية يقول جل وعلا عن الغائب من الخارجين عن دين الاسلام ، ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة الذى أسلم له الجميع واليه مصيرهم : ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) ، ثم إلتفات الى المخاطب وهو النبى وكل مؤمن لا يفرق بين الرسل ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو المؤمنون الذين يقولون :( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) ثم إلتفات الى الغائب وهو: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85).
5 ــ ويقول جل وعلا فى إلتفات مركب يبدأ بالمخاطب وهو النبى مع إشارة عن الغائب وهو كل نفس بشرية يوم الدين : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة وتحذيره لنا : ( وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)، ثم إلتفات مركب للمخاطب وهو النبى أن يقول لهم : ( قُلْ ) ثم الى مخاطب آخر ( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو الرسول : ( فَاتَّبِعُونِي ) ثم إلتفات مركب بالمُخاطب فيه إشارة لرب العزة جل وعلا : ( يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32).
6 ــ فى الآيات التالية يبدأ الخطاب بالحديث عن رب العزة جل وعلا ، ثم إلتفات الى الغائب وهم أولو الألباب وصفاتهم : ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهم أولو الألباب الذين يقولون فى مناجاتهم ربهم جل وعلا : ( رَبَّنَا ) ثم المُخاطب وهو رب العزة فى ( مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة وإستجابته لهم : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ) والتفات الى المتكلم وهو رب العزة فى قوله جل وعلا : ( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو ( مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) ثم إلتفات الى الغائب : ( فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا ) ثم المتكلم رب العزة فى : ( فِي سَبِيلِي ) ثم الغائب فى ( وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ) ثم المتكلم رب العزة جل وعلا فى : ( لأكَفِّرَنَّ ) ثم الغائب فى (عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ )، ثم إلتفات مركب فى كلمة واحدة: ( المتكلم : رب العزة ،والغائب : هم ) هى : ( وَلأدْخِلَنَّهُمْ ) ثم الغائب ( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)، ثم خطاب مباشر من رب العزة للنبى وكل مؤمن،أى المُخاطب فى قول الله جل وعلا : ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) ثم الغائب ويتنوع من متاع الدنيا الى الكافرين ومأواهم الى أهل التقوى ومأواهم الى الحديث عن رب العزة جل وعلا ، كل هذا فى : ( مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ (198).
ثانيا : التشريع :
جاء فى نفس السورة بعض تشريعات فيها أسلوب الالتفات ، مثل :
1 ـ الموالاة : يقول جل وعلا : ( لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) الحديث هنا بالجملة الخبرية عن الغائب ، ولم يأت فيها خطاب مباشر بالنهى عن الموالاة ، ولكن النهى جاء فى صورة خبرية وجملة إسميه ، وهذا ـ بلاغيا ـ أقوى من النهى بالطريق المباشر ، ويعززه الجملة الخبرية التالية فى التحذير من رب العزة . بعدها يأتى الإلتفات الى الخطاب المباشر بالمخاطب وهو الرسول أن يخاطب المؤمنين فى : ( قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ) وإلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) .
2 ـ نفس الحال فى فرضية الحج . لم يقل جل وعلا بصيغة الأمر ( حجوا البيت ) ولكن قال فى صيغة خبرية يتحدث بالغائب عن البيت الحرام أول بين وُضع للناس : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) بعدها جاء الأمر بالصيغة الخبرية أكثر إيقاعا فى قوله جل وعلا للناس : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ، وللتعزيز والتأكيد على وجوب الحج على المستطيع جاءت الجملة الخبرية التالية : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) .
ثالثا : التاريخ المعاصر :
عن موقعة بدر :
1 ــ التدبر فى سورة آل عمران يومىء الى أنها نزلت بعد موقعة ( أُحُد )، ولذا جاءت فيها إشارة الى موقعة ( بدر ) يقول جل وعلا فى خطاب للغائب وهم الكافرون المعتدون الطُّغاة السائرون على سُنّة أو ( دأب ) فرعون : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) وهو نفس ما جاء عنهم فى سورة الأنفال ( 52 ، 54 ). بعد الغائب إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى والمؤمنون بكلمة : ( قُلْ )ثم مخاطب آخر : ( لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)، بعده إلتفات الى مخاطب واحد هم الكافرون مع اشارة الى المتقاتلين فى موقعة بدر : ( قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ )ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ثم إلتفات الى العبرة وأولى الأبصار العقلاء : ( إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ (13).
2 ـ وعودا للحديث عن موقعة بدر ، يقول جل وعلا فى خطاب مباشر ، فالمخاطب هو النبى فى تذكير له بخروجه تاركا أزواجه خلفه ، وهو يهيىء جنوده مقاعد القتال : ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) بعدها إلتفات الى المؤمنين فهم المُخاطب هنا ( إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ ) ، وهنا توضيح لحقيقة تاريخية مسكوت عنها ، وهى أن طائفتين من المؤمنين فى موقعة بدر كانا على وشك الفشل : ( أَنْ تَفْشَلا ) ثم إلتفات مركب بالغائب عن هاتين الفئتين بإشارة الى رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (122) ، ثم إلتفات الى المُخاطب وهم المؤمنون وقتها: ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) وانتقال بالخطاب الى النبى فى تذكير له :( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة ( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى ) ثم المخاطب وهم المؤمنون : ( لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ) ثم إلتفات مركب بالحديث عن رب العزة جل وعلا مع إشارة للكافرين المعتدين : ( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)ثم إلتفات للمُخاطب وهو النبى ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ ) ثم إلتفات مركب بالحديث عن رب العزة مع إشارة عن الكافرين المعتدين : ( أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128).
عن موقعة أُحُد :
1 ـ يبدأ الأمر بجملة خبرية تمهيدية يقول فيها رب العزة جل وعلا : ( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وواضح فيها الخطاب للغائب ، ثم إلتفات مركب الى المُخاطب وهم المؤمنون وقتها بعد هزيمة أُحُد بإشارة الى قريش ، وإشارة الى رب العزة جل وعلا ،وعن الاسلام دين الله جل وعلا والذى نزلت به كل الرسالات السماوية ، ثم ( محمد ) فى الآيات التالية : ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145).
2 ـ وهزيمة أُحُد أنتجت مواقف متعددة : فى وصف المعركة يأتى الحديث فى خطاب المؤمنين فى إنتصارهم المبدئى ، ثم تنازعهم حول الغنائم ، وهزيمتهم والاضطراب الذى حل فيهم ، ويتخلل هذا الخطاب المباشر للمؤمنين حديث عن رب العزة والكافرين ، ثم طائفة المنافقين الذين وجدوها فرصة لانتقاد المؤمنين ورد رب العزة عليهم ،وموقف شجعان المؤمنين الذين أصروا ــ برغم جراحهم ــ على مطاردة جيش قريش جاء هذا فى قوله جل وعلا : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) ، وهكذا فى الآيات التالية حتى الآية (175).
رابعا : الحوار مع أهل الكتاب :
شهدت هذه السورة مع سور مدنية أخرى كالبقرة والنساء والمائدة حوارا مع أهل الكتاب وعنهم ، ومستفاد منه أن هناك تاريخا مسكوتا عنه لم تذكره السيرة عن علاقات وعن حروب فكرية وعسكرية بين المؤمنين ومعتدى أهل الكتاب فى عهد النبوة. وللعلم فلقد حفل التنزيل المكى بقصص أهل الكتاب من ابراهيم الى يعقوب وبنيه بنى اسرائيل يوسف وموسى الى المسيح ، كان القصد منه الدعوة الى ( لا إله إلا الله ) أما فى التنزيل المدنى فقد جرى إستعادة بعض هذا القصص ( موسى والمسيح ) فى إطار الحوار مع أهل الكتاب ، وعلى هامش الحوار معهم نفهم أن المقصد هو تحذير المؤمنين من الوقوع مما وقع فيه الضالون من أهل الكتاب . ومع هذا فقد وقع المحمديون فيما وقع فيه المسيحيون .
1 ـ يبدأ الحديث عنهم بتقرير أن الاسلام هو دين الله جل وعلا والذى نزلت به الرسالات السماوية ، وأن أهل الكتاب الذين ضلوا قد بغوا على العلم الالهى أو الرسالات السماوية فصنعوا أديانا أرضية وتفرقوا بها واختلفوا : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)) . وقد عرضنا لهذا من قبل . لذا جاء الأمر المباشر للمؤمنين بالاعتصام بالقرآن والنهى عن التفرق وألّا يكونوا مثل الذين تفرقوا وإختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ، يقول جل وعلا : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) )
2 ـ وقصة ولادة المسيح تكررت فى التنزيل المكى وبالتفصيل فى سورة مريم ، وجاءت هنا فى سورة آل عمران ، من قوله جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35), وتستمر الآيات بأسلوب الغائب فى القصص الى أن يأتى الإلتفات المركب الى المُخاطب وهو النبى مع إشارة عنهم فى قوله جل وعلا له :( ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) . ويستمر الحديث عن المسيح وقومه ودعوته الى أن يقول جل وعلا فى نفس الخطاب عن الغائب : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)ثم الإلتفات الى المخاطب وهو الرسول محمد عليه السلام : ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (60)، وفى فصل الختام يقول جل وعلا فى خطاب مباشر للنبى لمباهلة من يقول غير ذلك :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) ثم إلتفات الى الحديث عن القصص القرآنى ورب العزة ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) .
3 ـ وغير تأليه المسيح هناك الرد على مقولات أخرى للضالين من أهل الكتاب:
3 / 1 : عن زعمهم خروج العاصى من النار يقول جل وعلا باسلوب الغائب عن أكبر عصيان لهم : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ ) ثم يتحول الخطاب الى المخاطب فى إلتفات مركب يشير اليهم فى : ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) ، ثم إلتفات للغائب : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى فى إشارة اليهم فى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)، ثم إلتفات الى الغائب فى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) أى عقيدتهم فى خروج العاصى من النار ، وهى العقيدة التى إفتروها وإنخدعوا بها وإغتروا بها . ثم إلتفات مركب الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا مع إشارة اليهم : ( فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) . جدير الذكر أنه مع الاشارة الى إفتراء أهل الكتاب فى خرافة الخروج من النار ، هنا وفى سورة البقرة ( 80 : 82 ) ، فالبخارى وغيره يفترون نفس الأكاذيب فى خروج العاصى من النار . وقد رددنا على هذا الافتراء عام 1987 بكتاب ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ) وكوفئنا عليه بالسجن . والكتاب منشور هنا .
3 / 2 : يقول جل وعلا عنهم باسلوب الغائب : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) ثم إلتفات من الغائب الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا فى : ( سَنَكْتُبُ )ثم إلتفات الى الغائب فى: ( مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) ثم إلتفات من الغائب الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا فى: ( وَنَقُولُ ) ثم إلتفات الى المخاطب : ( ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182)
3 / 3 : يقول جل وعلا عنهم باسلوب الغائب :( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو الرسول فى كلمة : ( قُلْ ) وإلتفات الى مخاطب آخر وهم أولئك القائلون : ( قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) ثم إلتفات مركب وهو المخاطب وهو الرسول فى إشارة الى الغائب فى : ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)
3 / 4 : فى موضوع الطعام يقول جل وعلا عنهم باسلوب الغائب ( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو الرسول فى كلمة :( قُلْ) وإلتفات الى مخاطب آخر بالتحدى لهم ( فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)ثم التفات الى الغائب ( فَمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (94) وإلتفات الى مخاطب آخر وهو الرسول فى كلمة: ( قُلْ ) ثم الحديث عن رب العزة ( صَدَقَ اللَّهُ ) ، ثم الالتفات الى المخاطب وهم أهل الكتاب : ( فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) ثم إلتفات الى الغائب وهو ابراهيم عليه السلام : ( وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (95)) .
ودائما : صدق الله العظيم .!
أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المدنى فى سورة البقرة :
مقدمة : سورة البقرة أطول سورة قرآنية ، وموضوعاتها الأساس : التشريع والحوار مع بنى اسرائيل ، وفيهما أسلوب الالتفات .
أولا : الحوار مع بنى إسرائيل :
1ـ تبدأ السورة بحديث عن الكتاب الذى لا ريب فيه هدى للمتقين ، وصفات المتقين ، وصفات الكافرين وصفات المنافقين ، و وخلق آدم ونزوله الأرض مع زوجه، بعدها يتوجه الخطاب مباشرة الى بنى إسرائيل ، لا ليحكى تاريخهم كما جاء فى التنزيل المكى ( سور: الأعراف ، طه ، الشعراء مثلا ) ولكن لتذكير بنى إسرائيل فى عهد النبى عليه السلام فى المدينة فى إطار حوار معهم يدعوهم الى الايمان بالقرآن الذى نزل مصدقا لما معهم من كتاب ، ولأنهم كانوا يتوقعون نزوله على خاتم النبيين ، لذا استقروا فى يثرب إنتظار لهجرة النبى الخاتم ، وكانوا يستفتحون بهذا على سكان يثرب من الأوس والخزرج ، فلما آمن الأوس والخزرج وصاروا الأنصار كفر معظم بنى إسرائيل وقبائلهم بنو النضير وبنو قنيقاع وبنو قريظة . وهذا الحوار الذى جاء فى سورة البقرة وغيرها يعكس نوعا من الحرب الفكرية ، كانوا هم فيه يواجهون المسلمين بالتشكيك والافتراء ، بينما ينزل القرآن يرد عليهم ويعتبرهم إمتدادا لكفرة بنى إسرائيل الذين عبدوا العجل والذين كانوا يقتلون الأنبياء . كان هذا الحوار معهم أيضا لتوعية المؤمنين ، أى كان الخطاب عن بنى اسرائيل بالغائب أو بالمخاطب ، ثم يأتى الالتفات للمؤمنين بالاستفادة مما سبق . ونعطى مثالا :
2 ـ يقول جل وعلا فى خطاب مباشر لبنى إسرائيل:( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا ) ثم إلتفات الى المتكلم رب العزة ( نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43))، ومنه أيضا قوله جل وعلا لهم ، بالمتكلم رب العزة جل وعلا فى : ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) ، ويستمر الخطاب لهم الى قوله جل وعلا : ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)) بعدها يقول جل وعلا للمؤمنين محذرا لهم فى إلتفات من مخاطب الى مخاطب آخر:( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) أى بعد ما سبق كيف تطمعون أن يثقوا بكم. ثم يأتى إلتفات الى الغائب ، وهم بنو إسرائيل وقت نزول هذا الوحى : ( وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) البقرة )
ثانيا : التشريع :
1 ـ فيه الالتفات من المخاطب ( الذين آمنوا ) الى الغائب والعكس . ونعطى أمثلة :يقول جل وعلا :
1/ 1 : البداية بالمخاطب فى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) هذا مُخاطب ، ثم الالتفات المركب الى الغائب مع إشارة للمخاطب فى : ( إِنَّهُ لَكُمْ ) ثم الغائب فى ( عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) ونفس الحال فى :( إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (169)
1 / 2 : البداية بالمخاطب فى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا ) ثم إلتفات مركب الى المتكلم وهو رب العزة مع إشارة الى المخاطب فى ( رَزَقْنَاكُمْ ) ثم المخاطب وهم المؤمنون مع حديث عن رب العزة جل وعلا:( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا مع إشارة للمخاطب أى المؤمنون فى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) ثم الغائب فى : ( فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا :(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)
1 / 3 : البداية بالمخاطب فى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ) ، ثم إلتفات الى الغائب ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) ثم إلتفات الى المخاطب : ( ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) ثم الى الغائب : ( فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) ثم الى المخاطب : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
1 / 4 : البداية بالمخاطب فى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ ) ثم إلتفات الى الغائب :( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)
1/ 5 : البداية بالمخاطب الذين آمنوا فى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ثم إلتفات الى الغائب فى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) ثم إلتفات الى المخاطب فى ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) ثم الغائب فى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) ثم إلاتفات الى المخاطب فى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ثم الغائب فى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ثم المخاطب فى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) ثم إلتفات الى مخاطب آخر وهو الرسول : ( وَإِذَا سَأَلَكَ ) ثم المتكلم وهو رب العزة فى ( عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) ثم إلتفات الى المخاطب وهم المؤمنون : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187).
1/ 6 : البداية بالمخاطب وهو النبى فى إشارة للسائلين فى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ )، ثم المخاطب وهم المؤمنون مع إشارة الى المعتدين الكفار فى : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ) ثم الغائب : ( فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)
1/ 7 : البداية بالمخاطب وهو النبى فى إشارة للسائلين فى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ ) ثم المخاطب وهم المؤمنون : ( لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) ثم إلتفات الى مخاطب وهو النبى فى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) ثم المخاطب وهم المؤمنون: ( وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
1 / 8 : البداية بالمخاطب وهو النبى فى إشارة للسائلين فى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ) ثم مخاطب آخر وهم المؤمنون : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا :( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222).
1 / 9 : البداية بالمخاطب وهو النبى فى إشارة لمستحقى الصدقة فى : ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) ثم إلتفات الى المخاطب : المؤمنون : ( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272).
1 / 10 : وختام السورة فى العقيدة الايمانية الاسلامية ، فى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) كان هذا عن الغائب ، ثم إلتفات الى المتكلم وهم المؤمنون القائلون : ( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) أى هنا كلمة محذوفة مفهومة من السياق وهى ( وقالوا لا نفرق بين أحد من رسله ) بعده إلتفات الى الغائب فى ( وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) ثم إلتفات الى المخاطب رب العزة مع إشارة الى المتكلم : المؤمنين فى : ( غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) ، ثم حديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهم المؤمنون الذين يدعون ربهم قائلين : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286).
ودائما : صدق الله العظيم .
أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المدنى فى سورة الاحزاب
تميزت سورة الأحزاب ـ على قصرها النسبى ـ بتعدد موضوعاتها التشريعية العامة والخاصة والتاريخية المعاصرة لوقتها والتى تشى بأمور مستقبلية حدثت فيما بعد ، وتخللها اسلوب الالتفات ، على النحو التالى :
أولا : التشريع العام :
1 ـ نزل تحريم الظهار ( أى أن يحرم الزوج زوجته كتحريم أمه عليه ، وكان هذا عادة سيئة فى العرب وقتها أن يقول الرجل لزوجته : أنت حرام علىّ كظهر أُمّى ) كما نزل تحريم التبنى ، فى قول رب العزة جل وعلا فى هذه الآية : ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) هنا حديث عن رب العزة جل وعلا الذى جعل ( قلبا ) واحدا أى نفسا واحدة فى ( القالب ) وهو الجسد البشرى . والتعبير برجل هنا لا تعنى الرجل الذكر ولكن تعنى ( المترجل بجسده ) من الذكور والاناث . وقد أوضحنا معنى (رجل / رجال ) فى القاموس القرآنى . ثم الالتفات المركب الى المخاطب وهم المؤمنون فى إشارة الى الأزواج ( الزوجات ) فى موضوع الظهار ، والأدعياء فى موضوع التبنى فى: ( وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ثم نفس التفات المركب الى المخاطب نفسه مع الاشارة الى الأدعياء فى : ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5).
2 ـ فى تحريم التبنى وكان شائعا وقتها ـ ولا يزال :
2 / 1 . والتبنى يخالف الشريعة الاسلامية التى يترتب فيها حقوق من ميراث وحُرمة فى النكاح فى موضوع النسب من ألاباء والأمهات . وكان صعبا وقتها منع التبنى ، بل كان للنبى نفسه أبن بالتبنى هو زيد بن حارثة .
2/ 2 : وننبه هنا على وجود وحى توجيهى نزلت إشارات عنه فى قصص القرآن عن نوح وموسى . وفى التاريخ المعاصر للنبى محمد عليه السلام المذكور فى القرآن الكريم نجد لهذا الوحى التوجيهى إشارات، كما فى سورة التحريم وفى الوعد بالقافلة أو النصر فى ( بدر ) . ومن خلال الايمان بالقرآن نؤمن بما اشار اليه القرآن فى هذا الوحى الشفهى ، ولا إيمان بوحى شفهى لم ترد فيه إشارة فى القرآن الذى هو الذى نحتكم اليه والذى هو المرجعية الوحيدة فى دين رب العزة جل وعلا . وسبق أن كتبنا فى هذا الوحى التوجيهى من قبل . ومن هذا الوحى التوجيهى ما يخص تحريم التبنى الذى كان عادة راسخة ، إستلزم تحريمها أن يكون النبى نفسه أول من يطبق هذا التشريع على نفسه . إذ كان للإبن بالتبنى نفس حقوق الابن من الصُّلب ، من الميراث وألا يتزوج من تزوجها الأب ، وألا يتزوج الأب من تزوجها الابن .
2 / 3 : جاء الأمر أولا صريحا بإنتساب الابن بالتبنى الى أبيه الحقيقى ، فصار ( زيد بن محمد ) ( زيد بن حارثة ) تنفيذا لقوله جل وعلا : ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ). ثم كانت الخطوة الأصعب فى قطع الصلة الأبوية ، وهى أن يطلق زيد بن حارثة زوجه ( زينب بنت جحش ) ليتزوجها النبى ليكون النبى نفسه قدوة فى تكسير هذا التشريع الجاهلى فى موضوع التبنى . كان زيد يعانى من خلافات مع زوجته ، ونزل التوجيه بالوحى للنبى أن يجعل زيدا يطلق زوجته ثم بعد عدتها يتزوجها النبى ليؤكد بنفسه أنه ليس للدعى أى ( الابن بالتبنى سابقا ) أى حقوق الابن للصلب . هذا الوحى التوجيهى أحرج النبى فما كان يتوقعه ، وكان صعبا أن ينفذه خشية إنتقاد الناس وإحتمالات تقولاتهم عليه ، خصوصا وهو يعايش المنافقين الذين لا يتركون فرصة للنيل منه عليه السلام .
ونتوقف مع الآيات من خلال اسلوب الالتفات :
2 / 4 : فى البداية يقول جل وعلا حكما عاما باسلوب الغائب أنه لا يصح ولا يليق بمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله جل وعلا أمرا أن يختار العصيان لأن من يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) الحديث هنا بالغائب ، وهو تعريض بالنبى الذى تردد وتحرّج وعصى الأمر الوارد اليه ، لذا ينتقل الخطاب من الغائب الى النيى ، أى المخاطب فيقول له ربه جل وعلا يذكره بالعصيان الذى وقع فيه ، فقد أمره ربه أن يجعل زيدا يطلق زوجته ففعل العكس وهو أن يأمر زيدا أن يصلح ما بينه وبين زوجته وأن يتمسك بها ، يقول جل وعلا للنبى :( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ) وتأنيبا للنبى يخاطبه ربه فيقول باسلوب لاذع ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) . بعد الخطاب المباشر إلتفات الى الغائب وهو زيد وزوجته : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً ) ثم إلتفات مركب الى المتكلم وهو رب العزة فى إشارة الى المخاطب وهو النبى والى زينب فى كلمة واحدة هى : ( زَوَّجْنَاكَهَا ) والسبب جاء باسلوب الغائب : ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً ) أى لمنع التحرج بين المؤمنين من زواج زوجة سابقة لأدعيائهم، ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) . ثم عودة بالحديث عن النبى باسلوب الغائب كما جاء فى الآية 36 ، يقول جل وعلا يرفع عنه الحرج ( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ) ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38)، ثم حديث بالغائب فيه تعريض بعصيان النبى وخشيته من الناس دون رب الناس جل وعلا : ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ ) ثم إلتفات بحديث عن رب العزة جل وعلا ( وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) أى فالناس لا يملكون لك حسابا ، لأنه كفى برب العزة حسيبا . ثم إلتفات مركب بتوجيه الخطاب للمؤمنين مع إشارة للنبى محمد عليه السلام : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) )
3 : ونضع بعض الملاحظات الإضافية :
3 / 1 ـ بعض أعداء النبى من أئمة المحمديين وجدوا فى هذا الموضوع فرصة لاتهام النبى بأنه كان مفتونا بزوجة زيد ، وأن هذا هو سبب تطليق زيد زوجته ليتزوجها النبى ، وقرأنا روايات حقيرة عن هذا فى تفسير النسفى الذى كان مقررا علينا فى الثانوى الأزهرى . وأولئك المفترون لم يقرأوا الآيات واضحة الدلالة وفيها التأنيب للنبى لأنه تحرج وكان يخشى ردّ الفعل من الناس .
3 / 2 ـ قوله جل وعلا : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ) يتحدث عن ( محمد ) الرجل والأبُّ ، يؤكد فيه رب العزة مقدما أنه لن يعيش لمحمد ولد من صُلبه يبلغ مبلغ الرجال . أى لن يكون أبا لرجل أبدا سواء كان من صلبه أو بالتبنى لأن التبنى مُحرّم . ولنتخيل لو أنه عليه السلام كان له ذرية من الأبناء ، أى عاش أولاده الذكور فماذا كان سيفعل بهم المحمديون ، وهم الذين عبدوا بنته فاطمة وزوجها والحسن والحسين وذريتهم ؟
3 / 3 ـ فى القرآن الكريم فالوحيد المذكور بالاسم من بين ( الصحابة ) المؤمنين هو ( زيد )، وقلنا أن القصص القرآنى لا يركز على أسماء الأشخاص . ومن عجب أن إسم ( زيد ) تحول الى رمز فى علم النحو ، فى المثال المشهور ( ضرب زيد عمرا ) ، وحين يقال عن شخص مثالا فى علوم البلاغة واللغة يقال ( زيد ) أى ( زيد من الناس ) أى تحول من إسم (علم ) الى ( نكرة ) .!
3 / 4 ـ وضح أن العتاب واللوم جاء صراحة و تعريضا للنبى الذى كان يتصرف بطبيعته كأى إنسان شريف يخشى على سُمعته من أعدائه المتربصين به . ومات النبى ولا يزال أعداؤه يزيدون على عدة بلايين (فقط ) فى عصرنا هذا .!. منهم من يزعم حب النبى كالمحمديين الذين يتبعون ( لهو الحديث ) ، ومنهم من يكرهه من أصحاب الديانات الأرضية الأخرى، لأن أعدى أعداء خاتم النبيين ينسبون جرائمهم وإرهابهم الى الاسلام ورسول الاسلام عليه السلام .
3 / 5 : كما قلنا فى بحث الاسناد ، فإن ( السُّنّة ) هى الشرع الالهى والمنهاج . وجاءت بمعنى الشرع الالهى حتى فيما يخص النبى محمدا نفسه فى قوله جل وعلا : ( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38)) أى إن فرض الله / أمر الله / سُنة الله هى مترادفات . أما الرسول محمد فهو الأسوة الحسنة فى تطبيق السُّنة ،وهذا ما جاء فى نفس سورة الأحزاب : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)) لم يقل ( سنة حسنة ) بل ( أسوة حسنة ) .
3 / 6 : نلاحظ وصف الابناء بالتبنى بالأدعياء تأكيدا على نفى صلة الأبوة والبنوة بين الدعى ومن تبناه . وليس فى هذا لوم أو تقريع لهذا ( الدعى ) لأن المقصود هو وصف إنتمائه المزعوم لمن ليس أبا له . بل هو الحرص على إنتسابه لأبيه ، فإن لم يكن أبوه معلوما معروفا فهو ( أخ ) فى الدين ومولى حليف، يقول جل وعلا : (( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )
3 / 7 : مع أنه موضوع خاص بالنبى وكان مبعث تحرج له عليه السلام إلا إنه تشريع عام ، كان النبى فيه مثالا حتى لا يتحرج المؤمنون من تطبيق هذا الشرع . لذا قال جل وعلا من البداية : ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ).
3 / 8 : والخطاب هنا للمؤمنين فى كل زمان ومكان حتى عصرنا ، ولقد جاءتنا أسئلة كثيرة فى موضوع التبنى وأجبنا عليه بالتاكيد على تحريم التبنى ، مع الاحسان للشخص دون إلحاقه بنسب مزور . ولم يكن معروفا وقت نزول هذا التشريع التأكد من نسبة فلان الى فلان ، وأصبح هذا ميسورا الآن بالحامض الوراثى( الدى إن إيه ) .
3 / 9 : معاوية هو أول من عصى هذا التشريع فى خلافته وهذا لغرض سياسى ، حين ألحق ( زياد بن أبيه ) بأبى سفيان وجعل إسمه الرسمى ( زياد بن أبى سفيان )، بعد موت أبى سفيان .. وقد تعرضنا لهذا بالتفصيل فى سلسلة مقالات ( وعظ السلاطين ) وسننشرها فى كتاب قادم بعون الله جل وعلا.
ونستكمل غدا بعون الله جل وعلا .
ثانيا : ـ من التشريع الخاص الى التشريع العام :
التقوى هى المقصد الأعلى من مقاصد التشريع .
1 ــ وقد بدأت السورة بالتقوى أمرا للنبى محمد عليه السلام . وقلنا إن مصطلح (النبى ) هو ما يتعلق بشخص النبى وعلاقاته بمن حوله فى عصره . وهذا خلاف ( الرسول ) الذى يعنى الرسالة وتبليغه عليه السلام للرسالة . لذا تأتى الطاعة لله والرسول حيث أن المُطاع هو الله جل وعلا فى رسالته التى ينطق بها الرسول، وتظل الرسالة او الرسول أو القرآن هى المُطاع بحفظ الله جل وعلا لهذا الكتاب الى قيام الساعة. أما ما يأتى لمحمد من تأنيب فهو بصفة ( النبى ) وما تأنيه من أوامر ونواهى فهى بصفته النبى ، ومنه قوله جل وعلا له فى بداية سورة الأحزاب : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) النبى هنا هو المُخاطب بهذه الأوامر والنواهى ، يليه إلتفات بالحديث عن رب العزة : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) ثم التفات الى نفس المخاطب وهو النبى ( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا : (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) .
2 ـ ومن الخاص الى العام ، فإن التقوى مأمور بها الناس جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) النساء) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) الحج ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان ) ومأمور بها المؤمنون:( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) ومأمور بها أهل الكتاب (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ ) (131) النساء )
الميثاق الالهى :
1 ـ وعن الميثاق الذى أخذه رب العزة على جميع الأنبياء قبل الوجود الحسى قال جل وعلا باسلوب المتكلم ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ )ثم إلتفات الى المخاطب وهو الرسول محمد عليه السلام فى كلمة : ( وَمِنْكَ ) ثم التفات الى الغائب وهم : ( وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) ثم إلتفات الى المتكلم رب العزة جل وعلا فى كلمة : ( وَأَخَذْنَا ) ثم الى الغائب : ( مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (7) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( لِيَسْأَلَ ) ثم الغائب فى : ( الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ) ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَأَعَدَّ ) ثم الغائب : ( لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (8)) .
2 ـ ومن الخاص الى العام ، فلقد أخذ رب العزة الميثاق على البشر جميعا قبل وجودهم الحسى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)الاعراف)،ويوم القيامة سيذكرهم بهذا العهد والميثاق :( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) يس ). وقد أخذ جل وعلا العهد والميثاق على أهل الكتاب:( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المؤمنين ) ، واخذ جل وعلا العهد والميثاق على المؤمنين فى عهد النبى محمد عليه السلام، يقول جل وعلا للمؤمنين وقتها يدعوهم الى الايمان القلبى الحقيقى : ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) الحديد )
الصلاة على النبى وإيذاء الله جل وعلا ورسوله:
1 ـ قام المحمديون بتحريف معنى الصلاة على النبى فجعلوها عبادة وتقديسا للنبى ، فى نفس الوقت الذى يقومون فيه بإيذاء النبى وإيذاء الله جل وعلا ورسوله وإيذاء المؤمنين إيمانا حقا بالله جل وعلا ورسوله ، المتمسكين بالكتاب وحده . ومنشور هنا لنا مقال مُفصّل عن ( الصلاة على النبى ). ونعطى لمحة سريعة هنا من سورة الأحزاب.
فقد كانت لبعض الصحابة عادة سيئة هى إقتحام بيوت النبى بلا إستئذان برغم فرض آداب الاستئذان من قبل فى سورة النور . كانوا يتطفلون يآكلون ويثرثرون ، بل كان بعضهم تبلغ سماجته الى الدخول الى حجرات نساء النبى والحديث معهن وبعضهم كان يطمع فى الزواج منهن بعد النبى . وكان هذا يؤذى النبى ، وبسبب سمو خُلقه عليه السلام كان يستحى من تنبيههم ، فنزلت هذه الآيات فى تشريع خاص له إمتدادته بعد موت النبى عليه السلام .
ونعرض للآيات الخاصة بهذا الموضوع، ومن خلال اسلوب الالتفات :
2 ـ يقول جل وعلا :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ) ، ما سبق كان خطابا مباشرا من رب العزة الى (المخاطب ) وهم أولئك الصحابة المتطفلون. بعده إلتفات الى الغائب وهو النبى فى: ( إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ ) ثم إلتفات مركب بالمخاطب وهم المتطفلون الصحابة مع إشارة الى الغائب وهنّ نساء النبى فى : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) ثم التفات مركب بنفس المخاطب وهم المتطفلون الصحابة مع إشارة للغائب وهو الرسول عليه السلام فى : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) ثم إلتفات مركب بالخطاب المتطفلين الصحاب مع حديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54)، ثم إلتفات مركب الى الغائب وهنّ نساء النبى مع إشارة للمسموح بالدخول عليهن من أرحامهنّ فى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) ثم إلتفات الى مخاطب آخر وهن نساء النبى فى : ( وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55). ثم حديث عن رب العزة جل وعلا وملائكته مع إشارة للنبى عليه السلام : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ )ثم إلتفات مركب بالمخاطب ( الذين آمنوا ) بإشارة الى النبى محمد عليه السلام :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) ، ثم إلتفات الى الغائب مع إشارة الى العصاة فى كل زمان ومكان الذين يؤذون الله ورسوله فى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58)، ثم إلتفات مركب الى النبى ( المخاطب ) مع إشارة الى النساء المؤمنات فى عهده ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) ثم إلتفات الى الغائب وهم الصحابة المنافقون وأتباعهم الذين كانوا على وشك حمل السلاح ضد الدولة الاسلامية ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) ثم إلتفات مركب بالمتكلم وهو رب العزة مع إشارة بالمخاطب وهو النبى فى كلمة واحدة هى : ( لَنُغْرِيَنَّكَ ) ثم التفات مركب الى الغائب مع إشارة الى المخاطب وهو النبى فى : ( بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً (60).
3 ـ ونضع بعض الملاحظات :
3 / 1 : موضوع الصلاة على النبى أى ( الصلة بالنبى ) جاء فى سياق التناقض مع إيذاء النبى . فالصحابة المتطفلون فى الآية 53 جعلوا من صلتهم بالنبى إيذاء له وكان يستحى من هذه الصلة المؤذية فنزل قوله جل وعلا لأولئك الذين آمنوا : ( إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53). ثم ثم كان المقابل للإيذاء وهو الصلاة أو الصلة الحُسنى بالنبى ، فالله جل وعلا وملائكته يصلون على النبى وبالتالى يجب على المؤمنين أن يُصلوا عليه : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)) . الصلة هنا إيمانية هى الايمان بالكتاب الذى أنزله الله جل وعلا بملائكته على النبى محمد ، وهى صلة متجددة وقائمة ومستمرة بنزول الوحى وقتها . وبالتالى فإن صلاة المؤمنين على النبى تعنى التمسك بالقرآن الذى يؤكد هذه الصلة بالنبى، وليس مجرد (التواصل الاجتماعى ) لأن الله جل وعلا يشرح معنى الصلاة على النبى فى نفس الآية فيقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ). لم يقل صلوا عليه وسلموا سلاما ، بل ( تسليما ) والتسليم هو الايمان القلبى . وفى الصلة بين الايمان والتسليم القلبى يقول جل وعلا عن المنافقين مخاطبا النبى عليه السلام : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) النساء ) .
إذن كانت الصلاة على النبى فى حياته والمطلوبة من الذين آمنوا وقتها أن لا تكون إيذاءا له وجرحا لمشاعره وإنتهاكا لحُرمة بيوته ، بل أن تتحدّد بالكتاب وتشريعاته ، أى أن تكون صلة إيمانية تشريعية ، بدليل ما جاء فى الآية 53 وما فيها من تشريعات خاصة بزمانها ووقتها ومكانها تمنع الذين آمنوا من دخول بيوت النبى إلا بالإستئذان : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ) وتفرض حجابا أو ستارة تمنع الاتصال المباشر بين الذين آمنوا ( المتطفلين ) فى : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) والتشريع الخاص الآخر الخاص بمكانه وزمانه وأشخاصه هو الاستثناء من التشريع السابق فى قوله جل وعلا عن نساء النبى ومحارمهن :( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55 ).
وجدير بالذكر أن نفس الموضوع تكرر فى تشريع آخر خاص بزمانه ومكانه عن بيوت (النبى ) فى قوله جل وعلا يحرّم على الصحابة رفع أصواتهم فوق صوت النبى وأن يجهروا له بالقول كما يفعلون فى حديثهم مع بعضهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2)) وفى قوله جل وعلا لصحابة جاءوا ينادونه صارخين بلا ذوق ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) الحجرات ).
هذه التشريعات هى معنى ( الصلاة على النبى ) وهى البديل لما كان يفعله بعض الصحابة فى إيذاء النبى . ونعيد التأكيد على أنها (صلة إيمانية وتشريعية ) ، وليست كما يفترى المحمديون فى جعل الصلاة على النبى تقديسا بعبارات تؤلهه ويتعبدون بها لشخص النبى معتقدين أن من يقولها فإن النبى يرد عليه من داخل قبره. فكيف يكون حيا معتقلا فى قبره فى حفرة ضيقة تحت أقدام الناس والى قيام الساعة دون إطلاق سراحه من هذه الزنزانة ؟ ثم كيف يرد على بلايين المحمديين الذين يسلمون عليه من قرون ولا يزالون ؟ خبل عقلى تدمع منه العيون .!!
3 / 2 ـ وبالتالى فإن صلاة المحمديين على النبى بتلك الكيفية هى إيذاء للنبى ، لأنها إتباع لقوم النبى الذين إتخذوا القرآن مهجورا وسيتبرا منهم الرسول يوم القيامة وسيكونون أعداءه : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) )الفرقان ) أى سيُسأل يوم القيامة عن أولئك الذين اتخذوا القرآن مهجورا وصنعوا أحاديث ضالة تزعم شفاعته وحياته فى قبره ، مع إن الله جل وعلا أكّد له فى حياته أنه ميت مثله مثل خصومه وأنه سيتخاصم مع خصومه يوم القيامة : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) يقول بعدها عن أولئك المفترين الظالمين :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر ).
3 / 3 ـ وقلنا أن ( النبى ) هو شخص ( محمد ) وعلاقاته بمن حوله ، بما فيها التشريعات الخاصة به وبأزواجه وما كان يأتيه من لوم وتأنيب . وبالتالى فإن إيذاء المتطفلين له والمقتحمين بيوته بلا إستئذان جاء الخطاب عنها بصفة النبى وبيوت النبى وإستحياء النبى .
والدليل على تعمّق الضلال لدى أئمة المحمديين أنهم إنتهكوا حُرمة بيوت النبى وخصوصياته ـ بعد موته وموت أزواجه وهدم بيوت أزواجه . سار البخارى وغيره على سُنّة الصحابة المتطفلين فى إنتهاك حُرمة بيوت النبى فصنع أحاديث ضالة عن علاقاته الجنسية بزوجاته وعلاقاته بغيرهن على نحو ما عرضنا له فى كتابنا ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع )
3 / 4 : وفيما سبق إنتقال من التشريعات الخاصة بالنبى الى تشريعات عامة يأتى فيها مصطلح ( الرسول ) بعد موت شخص ( محمد النبى ) . ونعطى أمثلة :
3 / 4 / 1 : يقول جل وعلا للمؤمنين فى حياة النبى : ( إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) ، ثم يقول عنه بمصطلح الرسول ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53). أى نكاح من صارت أرملة للنبى بعد موت النبى ، وهو بعد موته تبقى رسالته ، فيأتى التعبير عنه بالرسول . أى الذى جاء لكم بالرسالة ومات لا يصح أن تتزوجوا من مات عنها .
ولأنه الايذاء مستمر للرسول ، أى الرسالة فإن القضية تنطلق من الخاص ( النبى ) الى العام أى ( الرسول ) فيقول جل وعلا فى حكم عام ينطبق على كل زمان ومكان : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (57) )الإيذاء لرب العزة جل وعلا ورسوله يعنى الكفر برسالته والتقول على الله جل وعلا ورسوله . ولقد تكررت الآيات التى تصف من يفترى على الله كذبا ويكذب بآياته بأنه الأظلم . وهو الأظلم لأنه يؤذى الله جل وعلا ورسوله . والذى يفعله الارهابيون الوهابيون والذى يفعله أئمة الوهابية من فُحش فى فتاويهم يصبح منسوبا الى الاسلام هو أفظع إيذاء للاسلام ولرب العزة ورسوله الكريم .
3 / 4 / 2 : ويتبع ذلك الإيذاء للمؤمنين المتمسكين بالقرآن وحده حديثا وكتابا ، يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58)). وأولئك المؤمنون الحقيقيون مأمومورون بتحمل الأذى ، ولقد أكّد رب العزة بكل صيغ التأكيد فى اللسان العربى أن أولئك المؤمنين سيتعرضون للإبتلاء فى أموالهم وأنفسهم بما يُعدُّ ذلك الابتلاء المؤكد دليلا على أنهم على الطريق المستقيم طالما يأتيهم الايتلاء ويسمعون الأذى والاتهامات الباطلة من الضالين من أهل الكتاب والمشركين المحمديين ، ولو صبروا واتقوا فهم الفائزون ، يقول جل وعلا يخاطب المؤمنين الحقيقيين فى كل زمان ومكان : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) آل عمران ).
3 / 4 / 3 : وفى الآية التالية فى موضوعنا فى سورة الأحزاب تشريع جاء بخطاب الى النبى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)) وفيه نوع من الأذى كانت تتعرض له النساء المؤمنات فى المدينة ، فجاء الأمر بالحشمة حتى لا يطمع فيهن الذى فى قلبه مرض . ومع أنه تشريع بالحشمة خاص بمكانه وزمانه إلا إن عوامله الموضوعية تجعله تشريعا سائدا لمن تريد أن تدفع عن نفسها أذى التحرش من الذين فى قلوبهم مرض ، وما أكثرهم فى بلاد المحمديين .!
فى التشريعات الخاصة :
هناك تقسيمات للتشريعات الاسلامية القرآنية ، منها الصالح تطبيقه فى كل زمان ومكانه ، ومنها التشريعات الخاصة التى يمكن تطبيقها فى نفس ظروفها ، وقد عرضنا لنماذج لها فى سورة الأحزاب . وهناك تشريعات خاصة لا يمكن تطبيقها لارتباطها بنفس الزمان والمكان والأشخاص ، وهى ما يتعلق بالنبى عليه السلام وأزواجه. ونعرض لها من خلال اسلوب الالتفات :
النبى وأزواجه :
1 ـ يقول جل وعلا : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6) ). فى الآية السابقة خطاب عن الغائب فى القسم الأول من الآية : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهم المؤمنون فى وقتها فى : ( إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6) ).
التشريع الخاص هنا فى كون أزواج النبى أمهات للمؤمنين وقتئذ ، لذا لا يجوز أن ينكحهن ( النكاح هو عقد الزواج ) رجل بعد موت النبى أو بعد طلاقهن . وقد تعزز هذا التشريع الخاص بقول رب العزة فى نفس السورة : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53)). هنا تشريع خاص لا يلزمنا فى شىء سوى العبرة .
2 ـ وواضح من سورتى الأحزاب والتحريم أن النبى عليه السلام عانى من أزواجه الكثير ، ففى السورتين تهديد بطلاقهن . ففى سورة التحريم يقول جل وعلا لهن : (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً (5)).
3 ــ وفى سورة الأحزاب نتوقف باسلوب الالتفات مع قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ ) هنا مخاطب هو النبى أن يقول لأزواجه فى إلتفات الى مخاطب آخر هن نساء النبى فى : ( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو النبى:( أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) ثم إلتفات الى المخاطب : نساء النبى فى : ( وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ ) ثم الى المخاطب : أزواج النبى : ( مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) ثم إلتفات لهن بالخطاب : ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً ) ثم إلتفات مركب بالمتكلم وهو رب العزة جل وعلا مع إشارة الى الغائب وهن نساء النبى ، فى : ( نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31) ، ثم المخاطب نساء النبى فى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) ثم إلتفات الى الغائب فى ( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) ثم عودة اليهن فى الخطاب فى : ( وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ ) ثم إلتفات الى المخاطب نساء النبى فى : ( عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ )ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة فى قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)) .
3 ـ ونضع هنا بعض ملاحظات على الآيات السابقة :
3 / 1 : التشريع هنا خاص بأزواج النبى ، سواء فى الأجر المضاعف مرتين ، أو العقاب المضاعف مرتين ، وفى قوله جل وعلا لهن (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ ). وجاءت لهن تشريعات خاصة بعدم مغادرة بيوتهن ، وعدم إلانة القول مع الناس ، وقبلها فرض الحجاب أو الستارة فى الحديث مع الغرباء ، وعدم التبرج كالجاهلية الأولى .
3 / 2 : العقوبة المضاعفة لهن فى الوقوع فى الزنا يعنى أن تكون 200 جلدة ، وهذا يؤكد أن عقوبة الرجم للزانى المحصن أُكذوبة كبرى . فالرجم يعنى القتل ، وليس هناك قتل مرتين ، بل جلد مرتين فى هذه الحالة . وكما لا يمكن تضعيف الرجم كذلك لا يمكن تنصيفه ، أى جعل الرجم نصف قتل ، ذلك أن عقوبة المملوكة المتزوجة إذا زنت نصف عقوبة الحرة فى قوله جل وعلا : (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ )(25)النساء)، أى خمسون جلدة. هذا علاوة على أن وصف العقوبة ب( العذاب ) فى كل الحالات يعنى إستمرار حياة من يتعرض للعقوبة وليس قتله .
3 / 3 : إن تعبير ( اهل البيت ) فى الآية الكريمة : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) مقصود به نساء النبى ، وليست له صلة على الاطلاق بمصطلح (آل البيت ) لدى الشيعة والذى يقصرونه على ذرية السيدة فاطمة الزهراء . العادة أن أهل بيت الرجل مقصود به الأزواج . ( الزوجات ) . هذا فى اللسان القرآنى وفى العُرف الاجتماعى حتى الآن . وفى قصة ابراهيم حين جاءته الملائكة تبشر زوجه العجوز العقيم ( سارة )بأنها ستلد ( اسحاق ) يقول رب العزة جل وعلا : (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) هود ) لم يكن هناك سوى زوجة واحدة فى بيت ابراهيم ، ولكن خاطبتها الملائكة ب ( أهل البيت ). فالزوجة والزوجات هن اهل البيت .
3 / 4 : وهناك تساؤل يُثار دائما : هل تستحق نساء النبى أن يتنزل بشأنهن هذا الوحى القرآنى ؟ ومن السهل الاجابة بأنه العبرة والعظة . ولكن الأمر يتعدى ذلك ، حين نعرف من التاريخ أن إحدى أزواج النبى قادت أول حرب أهلية فى تاريخ المسلمين بعد موت النبى ، وهى السيدة عائشة . وبالتالى نفهم بعض الإشارات فى الايات الكريم ، ليس فقط فى وعظهن وتهديهن بالطلاق والتسريح ( الانفصال التام ) بسبب مشاكلهن وإرادتهن الدنيا على الآخرة ، بل أيضا لقوله جل وعلا فى خطاب مباشر لهن : (فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً )، أى لسن كلهن محسنات ، اى فيهن من لم تكن موصوفة بالاحسان فى العمل فى حياة النبى نفسه ووقت نزول الوحى ، فكيف بهن بعد موته وإنقطاع الوحى نزولا . ولقد جاءت لهن تشريعات خاصة بأوامر ونواهى : عدم مغادرة بيوتهن ، وعدم إلانة القول مع الناس ، وقبلها فرض الحجاب أو الستارة فى الحديث مع الغرباء ، وعدم التبرج كالجاهلية الأولى . ومستفاد منه أنهن كُنّ يفعلن ذلك .
3 / 5 : ومن الأوامر قوله جل وعلا لهن : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ )) . ونستفيد من هذا أن الحكمة هى من أوصاف القرآن الكريم الذى كان يُتلى فى بيوتهن ، وهن مأمورات بتذكر ما يتلى من الكتاب الذى هو الحكمة .
زواج النبى بلا صداق ( مهر )
1 ــ الصداق أو الأجر أو بتعبيرنا ( المهر ) فريضة أساس فى موضوع الزواج ، بعدها يمكن التراضى على أى شىء فى عقد الزواج ، يقول جل وعلا يصف الصداق بالفريضة : ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (24 ) النساء)، ويقول جل وعلا عن تنازل الزوجة عن بعض صداقها بإختيارها ورضاها : (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) النساء ).
2 ــ وسبق أن أشرنا الى الوحى التوجيهى بالأوامر والنواهى والذى تاتى عنه إشارات لا حقة فى القرآن الكريم ، كما فى موضوع التبنى . ويدخل فى هذا الوحى التوجيهى هنا وفى نفس السورة أن الله جل وعلا أحل للنبى أن يتزوج بلا صداق ، من أرادت أن تهب نفسها له ، وفى مقابل ذلك جاء التحريم له بعدها أن يتزوج المزيد أو أن يستبدل زوجة بأخرى سوى المملوكة. والآيات تشير الى الوحى التوجيهى مع التشريع الجديد .
3 ــ ونستعرض الايات باسلوب الالتفات : يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) المخاطب هو النبى ، بعده إلتفات من المخاطب الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا فى ( إِنَّا أَحْلَلْنَا ) ثم إلتفات مركب من المتكلم الى المخاطب وهو النبى فى إشارة الأزواج فى : ( لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) ثم إلتفات الى الغائب وهم المؤمنون فى : ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو النبى فى : ( لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) ثم إلتفات بمخاطب هو النبى ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ ) الى الغائب وهن الزوجات فى : ( مِنْهُنَّ ) ثم إلتفات الى نفس المخاطب فى : ( وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ) ثم إلتفات الى نفس الغائب وهن الزوجات فى : ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَين ) ثم إلتفات مركب الى نفس المخاطب مع إشارة الى الغائب أى الزوجات فى : ( بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ )ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ ) ثم إلتفات الى مخطب هو البشر جميعا فى :( مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) ، ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى مع إشارة للغائب وهن النساء فى : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52)).
4 ـ ونضع بعض ملاحظات :
4 / 1 : كان معروفا وقتها ملك اليمين، وكانت هناك مصادر شتى للإسترقاق ، كلها مُحرمة طبقا لتحريم الاسلام للظلم . ولكن وجود الدولة الاسلامية مُحاطة بمحيط هائل من البشر والأمم تستخدم الرقيق وتجيز الاسترقاق أوجب تشريعا إسلاميا للعلاج ، وهو منع الاسترقاق من المنبع ، وبذلك لا وجود للرقيق إلا فى حالة الشراء من الخارج أو الهبة، ثم التعامل مع هذا الرقيق القادم بالحث على تحريره بالعتق أو المكاتبة والحث على حسن معاملته وجعله شريكا لمالكه فى المال ، والحث على تزويج ملك اليمين ودفع صداقها ، ومنه حق المالك أن يتزوج ما ملكت يمينه وأن يدفع لها الصداق ، وأن تكون لها كل حقوق الزوجة الحرة ما عدا العدل فى التعدد ( النساء 3 ، 25 ). ونقرأ قوله جل وعلا للنبى ( وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ )، ليس هنا سبى بل فىء ، أى هبة مثل المذكور عن السيدة مارية القبطية المصرية التى أهداها المقوقس ( قيرس ) والى مصر الى النبى . معروف بعدها أن الخلفاء ( الفاسقين ) الذين قاموا بالفتوحات إسترقوا حرائر البلاد المفتوحة وأولادهم ، وفق ما كان متبعا فى الجاهلية قبل نزول القرآن الكريم .
4 / 2 : عن الرُّخصة الخاصة بالنبى دون المؤمنين وهى زواج الهبة قال جل وعلا : ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) أى أن المؤمنين علموا ما سبق فرضه عليهم من وجوب دفع الصداق للزوجة سواء كانت حُرّة أو ملك يمين .
4 / 3 : مقابل ذلك الذى كان من قبل بالوحى التوجيهى والذى جاءت عنه الإشارة هنا فقد نزل التشريع الخاص بالنبى وهو ألا يتزوج مجددا بعدها وحتى وفاته : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52).
4 / 4 : قوله جل وعلا للنبى : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ) مستفاد منه أن النساء وقتها كُنّ سافرات الوجه ، لأن حُسن المرأة فى وجهها ، وبجمال الوجه يكون المقياس الأول الجمال للبشر. وبالتالى فإن التخلف السلفى بالنقاب ليس إلا مزايدة على شرع الرحمن ، وهذه المزايدة محرمة بقوله جل وعلا محذرا المؤمنين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) الحجرات ). وجعل النقاب تشريعا يعنى الاتهام للشرع الالهى بالقصور . وبالتالى فهو جريمة تقع فى نطاق الكفر وتشريع ما أنزل الله جل وعلا به من سلطان ، ينطبق عليه قوله جل وعلا : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) الشورى )، وهذا النقاب هو إتباع لخطوات الشيطان فى التقوّل على الله جل وعلا وشرعه بجعل هذا النقاب دينا ، وهذا التقول منهى عنه فى قوله جل وعلا للمؤمنين : ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (169) البقرة ) ، وقد قال رب العزة فى المحرمات إجماليا : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) الاعراف )، فجعل من الكبائر الإشراك بالله جل وعلا والتقول على الله جل وعلا وشرعه بلا علم . والنقاب تقول على رب العزة بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير .
إن التى ترتدى المايوه تكون عاصية ، مجرد عاصية ترتكب ( اللمم ) أى ترتكب ذنبا من السيئات ، ولكن التى ترتدى النقاب على أنه شرع الرحمن فهى مشركة بهذا الاعتقاد . لو إرتدته بدون هذا الاعتقاد فلا شىء عليها .
الفصل الخامس : التشريع الاسلامى بين التنزيل المكى والتنزيل المدنى
( بين الايجاز والتفصيل ــ فى تفصيلات لأصل تشريعى سابق ــ فى تشريعات جديدة ــ التشريع فى العلاقات المتغيرة )
التشريع الاسلامى بين التنزيل المكى والتنزيل المدنى فى لمحة سريعة:
أولا : بين الايجاز والتفصيل
نزل التشريع فى مكة يتحدث عن عموميات لأن التركيز فى الوحى المكى كان على العقيدة وتطهيرها من الشرك ، ثم جاء التنزيل المدنى بالتفصيلات . ونعطى أمثلة
فى الزينة والطيبات والمحرمات
يقول جل وعلا فى سورة الأعراف المكية : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) الاعراف ) . ونضع ملاحظات :
1 : عمومية الخطاب للبشر ذكورا وإناثا فى قوله جل وعلا:( يَا بَنِي آدَمَ ) و(عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) أى عند أى إجتماع ، والأرض كلها موضع للسجود والصلاة ، و( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ ). وهذا خطاب للجميع .
2 : القاعدة الكلية فى التشريع الاسلامى أن الأصل هو الإباحة ، وأن التحريم هو الاستثناء ، وأن التحريم حق لله جل وعلا وحده ، وأنه لايصح لمخلوق أن يحرم شيئا مباحا .
3 : جاءت المحرمات باسلوب القصر ( إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي ). وبالصيغة العامة : ( الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ). وعلى صيغتها العامة فهى تنقسم الى : محرمات سلوكية : الفواحش ، والإثم والبغى ظلما . والإشراك بالله جل وعلا والإفتراء عليه جل وعلا بوحى كاذب ، كالأحاديث السنية والمنامات الصوفية . ومع الإيجاز فى صياغتها فقد جاء شرحها : فالفواحش ( ما ظهر منها وما بطن ) والبغى ( بغير الحق ) تمييزا عن رد البغى بمثله ، وجاء تنويع الشرك الى الشرك (العملى ) بعبادة وتقديس غير الله والشرك (العلمى ) بالتقوّل على الله جل وعلا .
وجاءت تفصيلات له فى التنزيل المدنى :
1 ـ موضوع الزينة الذى جاء فى الايات السابقة جاءت له تفصيلات لاحقة فى سورة النور المدنية عن زينة المرأة وزينتها ( النور 30 : 31 ، 60 )
2 ـ التحريم الاجمالى للإثم جاء تفصيلاته فى تحريم الخمر ، فالخمر من ضمن الإثم المحرم. وجاء تحريمه على سبيل الإجمال فى مكة ضمن عموميات التشريع المكى، ثم جاءت التفصيلات فى المدينة حين سئل النبى عليه السلام عن حكم الخمر فنزل قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نّفْعِهِمَا﴾ (البقرة 219) . وطالما كان فى الخمر إثم كبير فهى محرمة فى مكة قبل المدينة، لأن الإثم القليل حرام فكيف بالإثم الكبير؟!! ثم يأتى تفصيل آخر يؤكد تحريم الخمر وذلك بالأمر باجتنابها فى قوله جل وعلا : ﴿يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة 90). إذن لم تكن الخمر حلالاً ثم نزل تحريمها، ولم ينزل وحى بالسماح بالخمر ثم نزل تشريع آخر يلغى ذلك السماح.. وإنما نزل تحريمها اجمالا ضمن تحريم الإثم، ثم نزل التفصيل يؤكد ما سبق.
أما قوله تعالى ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ (النساء 43) فإن قوله جل وعلا ( حتى تعلموا ما تقولون ) واضح فى شرح معنى الخشوع فى الصلاة ، وهو فرض جاء التنبيه عليه فى أوائل سورة ( المؤمنون ) ، فالخشوع فى الصلاة أن تعلم ما تقول من (الله أكبر ) والفاتحة والتسبيح والتشهد ، بدون ذلك فأنت تكون فى فى ( سكرة ) أى فى غفله . و ( سُكارى ) لا شأن لها بالخمر وسكرة الخمر، بل أن كلمة (سكر) و(سكارى) لم تأت فى القرآن عن الخمر، إذ جاءت بمعنى الغفلة عند المشرك فى قوله تعالى ﴿لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (الحجر 72). وجاءت بمعنى المفاجأة عند قيام الساعة ﴿وَتَرَى النّاسَ سُكَارَىَ وَمَا هُم بِسُكَارَىَ﴾ (الحج 2). وجاءت بمعنى الغيبوبة عند الموت فى ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ﴾ (ق 19). وجاءت بمعنى الغفلة وعدم الخشوع وغلبة الكسل والانشغال عن الصلاة عند أداء الصلاة فى قوله تعالى ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ﴾ وإذا قام الإنسان للصلاة وعقله غائب وقلبه مشغول بأمور الدنيا فهو فى حالة غفلة ولن يفقه شيئاً مما يقول فى صلاته، لذا تقول الآية ﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾.
3 ــ وبالنسبة لقيام بعضهم تحريم الطيبات من الرزق وإستنكار ذلك فى الآية : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ ) فقد تكرر فى التنزيل المدنى تحديد المحرمات فى الطعام ومنع تحريم اى طعام خارجها وإعتبار تحريم الحلال الطيب إعتداءا على حق رب العزة فى التشريع . جاء هذا فى الايات المدنية الآتية : ( النحل : 114 : 119 ) ( الأنعام 118: 121، 136 : 150) ( البقرة 172: 173 ). ( المائدة 1 ، 3 : 5 ، 87 : 88 )
الشورى
نزل الأمر بالشورى فى سورة الشورى المكية :( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38). وجاءت تفصيلاتها فى أواخر سورة النور : ( 62 : 64 ) مع أمر للنبى بممارستها بالتأكيد على ان الأمة هى مصدر السلطة فى قوله جل وعلا فى سورة آل عمران : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
تحريم الربا ( ربا الصدقة )،
جاءت الاشارة اليه فى سورة الروم المكية فى رفض إقراض الفقير بالربا مع الحث على إعطائه الصدقة فى قوله جل وعلا : (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ (39) ) وجاءت التفاصيل فى سورة البقرة ( 261 : 281 ) ، مع إباحة الربا فى التجارة إن كان عن تراض ، وبدون فوائد مركبة .يقول الله جل وعلا فى سورة آل عمران -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) 130 ) ويقول الله جل وعلا فى سورة النساء : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ ) 29 ). والتفاصل فى مقال منشور هنا عن (معركة الربا )
الهجرة
جاء الحث على الهجرة فى سورة مكية هى العنكبوت ( 56 57 ) ثم نزل فرضها وتكفير من يتعرض للإضطهاد فى دينه ثم لا يهاجر مع قدرته على الهجرة فى سورة النساء ( 97 100 ) .
ثانيا : فى تفصيلات لأصل تشريعى سابق :
توارث العرب العبادات من ملة ابراهيم ، ونزل فى المدينة إصلاحات وإضافات لهذه العبادات فى الصلاة و الصوم والزكاة المالية والحج . وتعرضنا لهذا بالتفصيل فى كتب لنا منشورة هنا .
ثالثا : فى تشريعات جديدة :
فى الدولة الاسلامية المدنية جاء تشريع العقوبات فى موضوع الفواحش والبغى الظالم فى التنزيل المدنى ، مثل عقوبة الزنا والقذف ( النور ) وتشريعات اجتماعية ودينية مثل كفارة اليمين ( المائدة 89 البقرة 224 225 ) والحيض ( البقرة 222 ) الأحوال الشخصية فى الزواج والطلاق والانفصال والعدة والميراث والوصية ورضاعة الطفل فى سور البقرة والطلاق والنساء والأحزاب والممتحنة . وجاء تشريع العقوبات فى موضوع البغى الظالم فى تشريعات القتال الدفاعى فى سور: الحج و الانفال والبقرة والنساء والتوبة ، وفى قتال الحاربين البُغاة فى سورة المائدة وفى عقوبة السرقة فى سورة المائدة والقصاص فى سورة البقرة .
رابعا : التشريع فى العلاقات المتغيرة
العلاقات متغيرة بين الدول والجماعات ـ ويشمل هذا المسلمين وأعداءهم ــ وهى تتذبذب بين الضعف والقوة، والقرآن يضع التشريع المناسب لكل حالة.. فإذا كان المسلمون أقلية مستضعفة مضطهدة فالهجرة واجبة على القادر ، وليس مطلوباً منهم أن يقاتلوا وإلا كان ذلك انتحاراً.وإذا كان المسلمون فى دولة فعليهم أن يقرنوا المٌسالمة بالاستعداد الحربى لردع من يفكر فى الاعتداء عليهم ، ثم إذا تعرضوا لعدوان فعليهم أن يردوا العدوان بمثله، وإذا كان المشركون يقاتلونهم كافة فعليهم أن يردوا العدوان بمثله . وعلى المسلمين فى كل حالة أن ينفذوا التشريع الملائم لهم.
ان تشريع القرآن فيما يخص العلاقات بين المسلمين وأعدائهم فى أروع ما يكون التشريع، إذ أن له ركائز ثابتة تتمثل فى المبادئ الأخلاقية الدائمة من السلام والاحسان والعدل وحسن الخلق والتسامح والصبر على الأذى والاعراض عن الجاهلين ورد السيئة بالتى هى أحسن ورعاية الجواروحفظ حق الجار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يقولوا للناس حسنا . ثم له قوانين متغيرة حسب الأحوال ، فالمسلمون فى ضعفهم لا يجب عليهم القتال لدفع الاضطهاد، وإنما عليهم الصبروالتحمل والهجرة اذا أمكن . أما إذا كانت لهم دولة فدولتهم الاسلامية تقوم أساسا على قيم الاسلام الكبرى من السلام والحرية المطلقة للعقيدة وتحريم الاكراه فى الدين وتطبيق العدل الصارم والمساواة بين الناس جميعا والديمقراطية المباشرة وهى التوصيف الحقيقى للشورى الاسلامية ، ورعاية حقوق العباد أو حقوق الانسان.
دولة بهذه المواصفات لا يمكن أن تعتدى على دولة أخرى بل تلجأ للحرب الدفاعية اذا هوجمت فقط اذا لم يكن هناك من سبيل آخرلتفادى الحرب لأن الحرب فى تشريع القرآن هى مجرد استثناء . وحتى اعداد القوة القصوى ( الانفال60) ليس للاعتداء وانما للردع وتخويف القوة الباغية من الهجوم على الدولة المسلمة المسالمة. وبهذا الاستعداد الحربى يمكن اقرار السلام ومنع الحرب وحقن دماء العدو المتحفز للحرب والذى يغريه ضعف الآخر. وطبيعى أنه لا يوجد دولة مستضعفة للأبد كما لا توجد قوة مسيطرة إلى مالا نهاية، وبذلك تظل تشريعات القرآن سارية فوق الزمان والمكان بجوانبها الأساسية الثابتة والقانونية المتغيرة.وعلى المسلمين ـ أفرادا وجماعات ودولا ـ تطبيق التشريع الملائم حسب وضعهم من القوة أو الضعف ، وتطبيق القيم العليا الثابتة فى كل حال من العدل والاحسان والسلام والتراحم وحُسن الخلق .
هذه القيم العليا عى القاسم المشترك فى التشريع الاسلامى ، سواء ما نزل منه فى مكة أو المدينة . وهو يحتاج وقفة .
الفصل السادس : المشترك بين المكى والمدنى :
( مقدمة ـ أولا : فى الخطاب ـ ثانيا : فى التقوى المقصد الأعلى للتشريع ـ ثالثا : الصبر )
المشترك بين المكى والمدنى
مقدمة :
1 ــ القرآن الكريم هو كتاب واحد ، والتنوع فيه لأنه يخاطب البشر جميعا من وقت نزوله الى قيام الساعة . هذا التنوع القرآنى يتعامل مع التنوعات البشرية ، وهو بذلك يختلف عن الكتاب الذى تلقاه موسى عند جبل الطور ، فالألواح التى تلقاها موسى من رب العزة جل وعلا كانت أوامر ونواهى شاملة ، ولكن لبنى اسرائيل فقط وفى وقتهم فقط ، يقول جل وعلا : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ) (145) الاعراف )، كانت رسالة محلية مؤقتة لقوم بعينهم فى مكان محدد وزمان معين . أما القرآن الكريم فقد كان موعظة للبشر جميعا ، يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) يونس ) لذا أوكل رب العزة حفظ التوراة لبنى إسرائيل ، ولكن حفظ القرآن موكول لرب العزة جل وعلا ، وجعل رب العزة القرآن المحفوظ من لدنه جل وعلا هو المهيمن على ما سبقه من كتاب سماوى، وجعله المرجعية عند الاختلاف: ( الحجر 9، المائدة 44 ، 48 ، النمل 76 ).
2 ــ ونتوقف مع المشترك فى التنزيلين المكى والمدنى وعلى كل المستويات من المؤمنين والكافرين وقت النزول الى الى كل زمان ومكان بعده والى البشر جميعا . وهو موضوع يطول ، وتعرضنا له كثيرا ، ولذا نعطى لمحة سريعة :
أولا : فى الخطاب :
1 ـ يأتى الخطاب العام للبشر بغض النظر عن اللون وعن الذكورة والأنوثة والمستوى الاجتماعى، يقول لهم : يا بنى آدم ، يا أيها الناس ، يا أيها الانسان. ويأتى الخطاب كصفات : الذين آمنوا ، الذين كفروا ـ الذين أشركوا ، المؤمنون المشركون الكافرون الظالمون ، المنافقون ، ثم حقوق ابن السبيل واليتامى والفقراء والمساكين والوالدين وذوى القربى ..الخ ، تأتى بالصفة بغض النظر عن الايمان أو الكفر . وعلى سبيل المثال فإن من المصطلحات المتواترة فى القرآن الكريم هو جزاء الجنة للذين ( آمنوا وعملوا الصالحات ) وتكرر عشرات المرات فى التنزيل المكى والتنزيل المدنى ليشمل كل الذين آمنوا وعملوا من بين البشر جميعا الى قيام الساعة. وفى المقابل فإنّ جزاء النار هو للكافرين المشركين الظالمين المجرمين الفاسقين المسرفين المعتدين المنافقين. هذا تكرر عشرات المرات فى التنزيل المكى والتنزيل المدنى ليشمل من يموت بهذه الصفة فى كل زمان ومكان.وأيضا فان الدعوة للتوبة للنجاة من النار تكررت للبشر جميعا .
ثانيا : فى التقوى المقصد الأعلى للتشريع :
1 ـ التقوى تعنى : إخلاص الدين لرب العزة جل وعلا وحده وتقديسه وحده وعباته وحده وفى حُسن التعامل مع الناس . خوطب بهذا البشر جميعا فى السور المكية والمدنية لأن التقوى هى جوهر كل الرسالات السماوية ، حيث خاطب الله تعالى كل الرسل فقال (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) ( المؤمنون ـ 52 ). أى أمرهم بالتمسك بالتقوى والعمل الصالح. ولذلك فكل نبى كان يأمر قومه بالتقوى، وفى سورة الشعراء ـ التى قصّت سيرة كثير من الأنبياء ـ كان كل نبى منهم يقول لقومه : (أَلَا تَتَّقُونَ ؟ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ) وتكرر هذا فى سور أخرى ، يقول تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ؟) (فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ؟ ) (المؤمنون 23 ـ32 ) (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ؟ ) (الاعراف 65 ) (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ اِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ؟) (الصافات ـ 124 ) (..ٍ وَاذكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (الاعراف171).
وخطاب القرآن بالتقوى لم يشر فقط الى الأمم السابقة وانما امتد به من عصره حتى قيام الساعة. فالنبى محمد مأمور بالتقوى شأن كل إنسان فى هذه الدنيا ،يقول له رب العزة : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ) ( الاحزاب 1 ). * وكذلك الذين آمنوا معه والذين آمنوا بعده (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) ( التوبة 119 ) والصادقون هم مجموع الأنبياء ، وليس ( عليا وذريته ) كما يفترى الشيعة ، فالمتقون جميعا سيكونون فى صُحبة الأنبياء يوم القيامة ، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) النساء ), ويقول تعالى أيضا للمؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الحجرات 1) أى يحرم عليهم المزايدة على الله تعالى ورسوله ، ويحذرهم بأنه ( سميع عليم ) ، * وفى الرسالة الخاتمة أكّد رب العزة أنه أمر المسلمين وأهل الكتاب بالتقوى فقال (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ : أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ) (النساء131 ). وكرر خطابه لبنى اسرائيل يأمرهم بالتقوى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ , وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ) ( البقرة ـ 41). * وكان مشركو العرب يؤمنون بأن الله تعالى خالق السماوات والأرض وبيده ملكوت كل شىء ومع ذلك يتخذون معه آلهة أخرى ، وفى حوار القرآن معهم اتخذ من ايمانهم بالله تعالى الخالق حجة عليهم فدعاهم لتقوى الله (قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) (المؤمنون ـ 87)، * بل ان الأمر بالتقوى يتوجه لجميع الناس:، يذكرهم بماضيهم حيث جاءوا من أصل واحد ولهم اله واحد يراقب أعمالهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء 1 ـ) ، أو يذكرهم بالمستقبل حين تأتى القيامة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) (الحج 1)
. وكما أن دين الله جل وعلا للعالم بأسره فان الأمر بالتقوى للعالم بأسره. وفى النهاية فلا تميز بين البشر إلا بالتقوى ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات ).
ولن يدخل الجنة من البشر إلا المتقون : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63) مريم ) ،حيث سيكون الناس فى الآخرة قسمين : كفار من أهل النار ، ومتقون أصحاب الجنة : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً )(71) ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً )(73) الزمر ).
والسمة العامة للكافرين فى كل زمان ومكان أنهم كذبوا بآيات الله جل وعلا وكتبه ورسالاته ، قالها جل وعلا منذ هبوط آدم وحواء الى الأرض : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) البقرة ). والتكذيب بآيات الله عادة سيئة لكل أصحاب الديانات الأرضية من محمديين ومسيحيين وبوذيين وهندوسيين ..الخ .
ثانيا : الصبر :
تكلمنا كثيرا عن بقية المقاصد التشريعية فى دين رب العزة والتى نزلت بها رسالاته السماوية ، مثل العدل والقسط والحرية المطلقة فى الدين والاحسان والسلام والرحمة .
ونتوقف سريعا مع قيمة إسلامية عليا هى ( الصبر )
1 ـ والمفهوم أن المؤمنين فى مكة تحملوا الأذى والتعذيب وصبروا على ذلك ، وتعرض النبى محمد نفسه للأذى وتوالت الآيات المكية تأمره بالصبر. من بداية الوحى قال له ربه جل وعلا : (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) المزمل ) وتتابعت بعدها نفس الأوامر : ( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) يونس) ( وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115 هود )( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) هود ).
وبعضها كان يذكره بما حدث للرسل السابقين الذين صبروا على الأذى ، يقول ربه جل وعلا:(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) الانعام )، ومثله قوله جل وعلا له : (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17 ) ص ) ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) القلم )
2 ـ هو الصبر الايجابى الذى لا يعنى الاستسلام والخنوع بل الصمود والهجرة ، وبعد تأسيس الدولة الاسلامية كان ذلك الصبر الايجابى يصحب المؤمنين فى جهادهم وقتالهم الدفاعى فى الآيات المدنية . البداية قال جل وعلا : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)النحل:126 ، 127 ) ، ثم جاء الصبر مرافقا للجهاد والقتال ،يقول جل وعلا للمؤمنين يأمرهم بالصبر والمصابرة والمرابطة حراسة لحدود دولتهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)آل عمران:200 ). ولأنهم كانوا قلّة عددية كان لا بد لهم من الصبر ليحوزوا النصر ، قال جل وعلا لهم بعد موقعة بدر : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)الأنفال:65 ، 66 ) وحذرهم من التنازع وأمرهم بطاعة الله جل وعلا ورسوله وبالصبر لأن الله جل وعلا ( مع ) الصابرين : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)الأنفال:46 ).
وفى الدعوة للصبر فى الجهاد وعدهم رب العزة بالمغفرة ، فقال : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)النحل:110) وأكّد لهم أن إختبارهم فى الجهاد والصبر فإذا نجحوا فجزاؤهم الجنة ، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)محمد:31 ) ، فلن يدخلوا الجنة مجانا ، يقول جل وعلا : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)آل عمران:142 ). وذكّرهم بالمؤمنين السابقين المقاتلين الصابرين : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)آل عمران:146 ). وندخل بهذا على قيمة الصبر على المستوى العام فى الآيات المكية والمدنية .
3 ـ الصبر على مستوى الرسالات السماوية والأمم السابقة والبشرية جمعاء:
كل الرسل صبروا على أذى قومهم ، متوكلين على ربهم جل وعلا . ومع اختلاف الزمان والمكان واللسان فقد قالوا لأقوامهم : (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ) إبراهيم:12 ) وقالها موسى لقومه وهم تجت إضطهاد فرعون : (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) الأعراف ) وعندما صبر بنو إسرائيل أنجاهم رب العزة من فرعون ، وحافظ بعضهم على الصبر فكانوا أئمة ، يقول جل وعلا عنهم : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)السجدة:24 ). وفى عهد التنزيل المدنى قال جل وعلا لبنى اسرائيل : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)البقرة:45 ) ويقول نفس الشىء للمؤمنين بالقرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)البقرة:153 ).
وقالها النبى لقمان لابنه : (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)لقمان:17 )ووُصف بعض الأنبياء بالصبر : (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنْ الصَّابِرِينَ) الأنبياء:85 ).
وكونه جل وعلا ( مَعَ الصَّابِرِينَ) تكرر اربع مرات فى القرآن الكريم؛ مرتين فى سورة البقرة، مرة فى حديث مع المؤمنين : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة)ومرة فى حديث عن الفئة القليلة الصابرة من بنى اسرائيل التى قاتلت وصبرت : ( وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) البقرة )، ومرتين فى سورة الأنفال ، مرة فى حديث مع المؤمنين بعد موقعة بدر:( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)الانفال ) ومرة فى حثهم وهم فئة قليلة على الصبر فى القتال :(وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) الانفال ). والشعب المصرى المشهور بصبره ( السلبى ) على ظُلم الفراعنة السابقين واللاحقين جعل قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) مثلا شعبيا . ولكن يهمنا أنه جل وعلا مع الصابرين المؤمنين فى كل زمان ومكان .
لذا يقول جل وعلا فى أحكام عامة تنطبق على من يتصف بهذه الصفات من البشر فى كل الأزمنة : عن الدُعاة الصابرين يقول جل وعلا : (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)فصلت:35 ) وعن المتسامحين الصابرين على الأذى يقول جل وعلا : ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)الشورى:43 ) وهذه آيات مكية . ثم فى آيات مدنية يقول جل وعلا عن المؤمنين الصابرين : (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) الحج:35 ) ويقول جل وعلا فى مجموعة صفات منها الصبر : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)الأحزاب:35 )
4 ـ على مستوى الجزاء فى الدنيا والآخرة لكل المؤمنين الصابرين :
أفضل الصابرين هم الذين عانوا من الاضطهاد والأذى وصبروا ثم هاجروا متوكلين على ربهم جل وعلا . هؤلاء لهم أجرهم الحسن فى الدنيا ، ثم ينتظرهم جزاء أكبر فى الآخرة إذا ماتوا وهم صابرون وعلى ربهم جل وعلا متوكلون : ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل ). نلاحظ هنا اسلوب التأكيد الثقيل فى أجرهم : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ )، كما نلاحظ إرتباط الصبر بالتوكل على الله جل وعلا . هذا الأجر العظيم فى الدنيا والآخرة هو أحسن من عملهم ، يقول جل وعلا :( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) النحل ) . وبتعبير آخر هو أجر بلا حد أقصى ، يقول جل وعلا : (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر:10 ) بغير حساب أى بدون حدّ أقصى فى أجرهم فى الدنيا وفى الجنة فى الآخرة.
5 ـ الجنة للصابرين من كل البشر:
من بين البشر جميعا فالفائزون هم المؤمنون الصابرون: (ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) البلد:17 ) (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)العصر:3 ).
والصبر من صفات أصحاب الجنة: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) العنكبوت )(إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)هود:11) (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)الرعد:22 ).
حين يدخلون الجنة تتلقاهم الملائكة تسلّم عليهم وتقول لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)الرعد:24 ). وعن تلقيهم التحية والسلام فى الجنة جزاء صبرهم يقول جل وعلا : (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً)الفرقان:75 ). وفى حديث رب العزة عنهم وهم فى الجنة يقول : (إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ)المؤمنون:111 )، أى بسبب صبرهم جزاهم ربهم الجنة وجعلهم الفائزين .
الخاتمة
هناك ما يطلق عليه ( تحليل مضمون ) أى قراءة نقدية لكتاب ما ، وتحليله . وفى هذه اللمحة عن التنزيل المكى والمدنى قمنا باستعراض سريع لهذا التنزيل بنوعيه ، فى إجابة لسؤال ابن عزيز من أبنائنا ( أهل القرآن ). كان مُفترضا أن يكون مقالا ، فأصبح مقالات تم تجميعها فى هذا الكتاب .
ارجو أن يغفر لنا ربنا جل وعلا إذا نسينا أو أخطأنا . (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة )
الفهرس
هذا الكتاب
فصل تمهيدى أول : لمحة عامة عن المكى والمدنى فى التنزيل القرآنى
( أولا : لماذا هناك ( مكى ) و( مدنى ) فى القرآن الكريم ـ ثانيا : كيف نتعرف على المكى والمدنى ــ ثالثا : موضوعات التنزيل المكى ، والتنزيل المدنى )
الفصل الثانى : مواكبة التنزيل القرآنى للأحداث :
( لمحات عن مواكبة التنزيل القرآنى للمتغيرات : فى المصطلحات ـ التذكير بوحى سابق . فى القصص المعاصر للنبى عليه السلام . على مستوى السور : سورة النور ــ سورة الممتحنة . مواكبة التنزيل القرآنى فى العلاقات بين المؤمنين والكافرين . مواكبة التنزيل القرآنى لحركة المنافقين : البداية ـ الوسط ـ فى أواخر التنزيل المدنى )
الفصل الثالث : الخطاب القرآنى بين المكى والمدنى :
( الفارق فى الخطاب للمؤمنين بين التنزيل المكى والمدنى ـ الخطاب غير المباشر للذين آمنوا بين التنزيل المكى والمدنى ـ التنزيل المدنى فى المدينة : خطاب غير مباشر ( عن الذين آمنوا ). فى المقارنة بين المؤمنين والكافرين ــ الخطاب المباشر للمؤمنين فى التنزيل المدنى :خطاب مباشر للمؤمنين فى الأحداث التاريخية والتعليق عليها . خطاب مباشر بدون ( يا ايها الذين آمنوا ) فى الأحداث التاريخية . الخطاب المباشر فى التشريع فى التنزيل المدنى )
الفصل الرابع : أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المكى :
( معنى الإلتفات ـ أمثلة لاسلوب الالتفات فى السور المكية فيما يخص الدعوة الى ( لا إله إلا الله )ـ أمثلة لاسلوب الالتفات فى السور المكية فيما يخص القصص القرآنى ــ إستعراض لخطاب الالتفات فى آيات سورة ( النحل ) المكية ــ فى سورة النور ـ فى سورة الأنفال ــ فى سورة آل عمران ـ فى سورة البقرة ـ فى سورة الاحزاب )
الفصل الخامس : التشريع الاسلامى بين التنزيل المكى والتنزيل المدنى
( بين الايجاز والتفصيل ــ فى تفصيلات لأصل تشريعى سابق ــ فى تشريعات جديدة ــ التشريع فى العلاقات المتغيرة )
الفصل السادس : المشترك بين المكى والمدنى :
( مقدمة ـ أولا : فى الخطاب ـ ثانيا : فى التقوى المقصد الأعلى للتشريع ـ ثالثا : الصبر )
الخاتمة
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,880,629 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
الوصية لزوجة الأب : نحن اربع بنات ، توفي والدن ا ، بعد دفنه اردنا...
و يلههم الأمل : قارىء من ايلاف لأنن ي لا أثق إلا بعلمك...
إسمه ( محمد ): هل تم تسمية النبي محمد بأسم محمد منذ ولادت ه ،...
على زين العابدين : خرج زين العاب دين ( عليه السلا م ) يوماً يمشي...
صلاة بالهوى .!: لقد قرأت في موقعك م كتابك عن الصلا ة و أنها...
more