عادل حمودة :الثورة ليست عورة لنغطيها برقعة من التعديلات الدستورية التي لا تستر شيئا!

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢٠ - مارس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


عادل حمودة :الثورة ليست عورة لنغطيها برقعة من التعديلات الدستورية التي لا تستر شيئا!

 

عادل حمودة :الثورة ليست عورة لنغطيها برقعة من التعديلات الدستورية التي لا تستر شيئا!

 تاريخ ووقت النشر   الاحد 20 مارس الساعة 1:30 م


 
 

 

 
عادل حمودة يكتب: الإخوان من الثورة في التحرير إلي الاغتيال في ميدان المنشية
الثورة ليست عورة لنغطيها برقعة من التعديلات الدستورية التي لا تستر شيئا!
يعتمد علم حسابات المستقبل علي قراءة الحادث قبل وقوعه.. لا بعد دخوله مخازن عهدة التاريخ.. يتنبأ بالحريق قبل اشتعال النيران لا بعد أن تجهز علي كل شيء.. يكشف عن المرض قبل الإصابة به.. لا بعد أن يصبح المريض جثة هامدة مدفونة في مقبرة تحت الأرض.
لكن.. نظام مبارك لم يدرس هذا العلم ــ إذا كان قد درس شيئا أصلا، فقد كان يقيم في فندق الماضي.. ويضاجع الزمن الفائت.. ولا يهتم بحساب الاحتمالات الذي يعد العامل الحاسم في ولادة الأنبياء.. والثورات.
علي أن هذا العلم ــ علي ما يبدو ــ لا يزال مهمل رغم سقوط نظام مبارك.. فإدارة ما بعد الثورة تتصرف كأن الثورة لم تحدث.. كأن الثورة كانت مجرد مظاهرة.. فتقوم بترقيع الثوب المهلهل.. دون أن تفكر في تفصيل ثوب جديد.. وترمم البيت الذي تهدم دون أن تسعي لبناء بيت آخر علي الأنقاض.. وتصلح السيارة المفككة دون أن تبيعها خردة في" وكالة البلح" لتبحث عن سيارة أخري متينة.. وحديثة.
 لقد استشارت السلطة الجديدة شخصيات من السلطة القديمة ادعت البطولة الوهمية بأثر رجعي.. وهي شخصيات كانت في الحقيقة من دعائم ما فات وسببا مباشرا في انتكاسة سياساته.. وخراب ذمته.. ودعم طغيانه.. كأننا نستشير الفيروس في علاج المرض.. أو كأننا نستمع لنصيحة المهزوم في كيفية تحقيق النصر.. أو كأننا نكلف الماضي بحمل عبء المستقبل.. وهو خطأ لا تغفره النية الطيبة التي تؤدي في كثير من الأحيان إلي جهنم وبئس المصير.
وجرت علي عجل وتكتم أعمال لجنة تعديل الدستور في مواد حددها بنفسه مبارك قبل رحيله.. وهو أمر مثير للدهشة.. أن يخطط حاكم ذهب لمصير أمة باقية.. وخالدة.. يضاف إلي ذلك أن الدستور ــ ولو كان مادة واحدة ــ هو عقد اجتماعي بين حاكم ومحكوم، يحدد فيه الشعب مطالبه وتصوراته وأحلامه.. أما عمل مثل هذه اللجنة فل يزيد عن الصياغة القانونية.. ومن ثم فالطعن علي شرعيتها أمر طبيعي.. فالشعب لم يخترها.. ولم يفوضها.. فلماذا تتطوع بالتعبير عنه؟.. وكيف نطلب من الشعب أن يستفتي علي ما لم يسأل فيه؟
لم يمثل في اللجنة سوي الإخوان المسلمين.. بجانب رجال اختارهم بنفسه وزير العدل السابق.. كما أنها خلقت بالمواد التي غيرتها تناقضا مع مواد أخري في الدستور لم تمسها.. وكلها أسباب تجبره علي الاعتذار عما فعلت حتي تنجو من حرج وضعت نفسها فيه ولن تقدر علي تبريره أمام التاريخ، الذي سيتهمها بأنها حولت ثورة إلي مؤامرة أو إلي عورة. وكانت الحجة أن الجيش لا يريد أن يبقي في السلطة أكثر من ستة أشهر.. ليعود بعدها إلي ثكناته.. لكن.. لا نتصور أن الجيش ساند الثورة في إسقاط نظام حكم كان ديكتاتوريا كي يسلمه إلي نظام حكم سيصبح ديكتاتوريا.
فالتعديلات الدستورية القاصرة التي حدثت.. تكتفي بتوسيع فرص الترشح لرئاسة البلاد.. وتضمن سلامة الانتخابات من التزوير.. لكنها.. ل تمس صلاحيات الرئيس التي لا حصر لها.. وهي صلاحيات جعلت منه شبه إله.. كأنه رب الناس الأعلي.. فهو رئيس السلطة التنفيذية الذي يفرض علي الوزراء أن يكونوا خدما له لا للشعب.. وبقوة التزوير يأتي ببرلمان يتبع هواه.. تصدر عنه تشريعات يجبر القضاء علي العمل بها.. وهكذا وضعت سلطات الدولة الثلاث في جيبه.. بجانب الجيش والشرطة والميديا والبنوك والنقابات والمحاكم والجامعات.. في حالة فريدة من نوعها للفردية الفاشية لم يسبق لها مثيل.
كل ذلك لم تقترب منه التعديلات الدستورية الأخيرة.. بما يجعل من الرئيس القادم صورة أخري من الرئيس السابق.. ولو بعد حين.. وليس هناك م يمنع أيضا أن يشعر الرئيس الجديد بأنه مالك الدولة وما عليها.. فلا يتردد في تغيير الدستور بم يبقيه رئيسا مدي الحياة.. ولا تصدقوا تعهداته في الأيام الأولي.. فكل رؤساء مصر تعهدوا بمدة واحدة.. لكنهم.. جثموا علي صدورنا سنوات طوال.. وحدث أن نص السادات في دستور 1971 علي مدتين للرئاسة.. لكنه.. في عام 1981 لم يتردد في تعديله.. ليصبح رئيسا مدي الحياة.. لولا أن رصاصات حادث المنصة كانت في انتظاره.
 كما أن الجيش لو شاء الانسحاب لأسباب سياسية.. فإنه مضطر للبقاء لأسباب أمنية.. فلن تستطيع الشرطة مهما سارعنا بترميم قوتها البدنية والنفسية أن توفي وحدها بمسئولية الفترة الانتقالية.. من تأمين الاستفتاء علي التعديلات الدستورية إلي حماية مئات اللجان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.. ومن حراسة الوطن من تخريب قوي خارجية تمرح وتعبث.. إلي تهدئة روع المواطن من هجمات البلطجية والمسجلين خطر. وما دام الجيش مجبرا علي الاستمرار في الشارع لأسباب جنائية، فلماذا لا يكمل جميله بتحقيق آمال أمة وثقت فيه بأن يكون الإصلاح الدستوري شامل ومؤسسا لنظام سياسي نرتضيه.
خاصة أن ترقيع الثوب المهلهل للنظام القديم أصاب الشعب بإحباط واكتئاب وقلقاً جعل جماعاته ومؤسساته المختلفة تتحرك بطريقة فئوية بعدما ضاعت من بين يديها الثورة الشعبية.. فتحول الحدث الكبير إلي ضغوط لا تتوقف هن وهناك من أجل مكاسب متناثرة.. متنافرة.. وهو ما ضاعف من أزمات الأمن والنمو والهدوء والاستقرار.
ولو استثمرنا حالة الثورة الراقية في ترك الشعب يختار مصيره بنفسه من دون وصاية.. لم وجدنا أنفسنا في مخاطر حالة الفوضي التي نعيشها.
 وواضح من المشهد السياسي العام أن الإخوان المسلمين نالوا بعد طول صبر ما كانوا يسعون إليه.. اعترافاً بوجودهم وإن لم يترجم إلي وثيقة رسمية.. بروزاً لمرشدهم العام في الاستقبالات الرسمية.. انتشاراً في الصحف والفضائيات يعوضهم حصار الصمت الذي كان مضروب عليهم.. وسعياً حثيثاً ليبدوا كأنهم مفجرو الثورة وملاكها الشرعيون.. ليصبحوا ــ حتي الآن ــ الرابح الوحيد من سقوط النظام الراحل.
ومن الطبيعي أن يكونوا الجماعة الوحيدة المؤيدة للتعديلات الدستورية المحدودة.. فمن مصلحتهم إجراء الانتخابات البرلمانية في أسرع وقت ممكن قبل أن تشكل القوي الأخري ــ خاصة القوي التي ولدت مع الثورة وتمثل شبابها ــ تنظيماتها.. وتعد كوادرها.. وتختار مرشحيها.. وهي عملية اختطاف للثورة من جانب الإخوان ليس فيه احترام للمنافسة السياسية.
إن خبرة الإخوان في التخطيط والتنظيم والتمويل وكشف التزوير.. تمنحهم الفرصة الذهبية للفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية.. كوادرهم جاهزة.. وأموالهم متوافرة.. ورغبتهم في الحكم بمفردهم عارمة.. ولتذهب باقي الجماعات السياسية للجحيم.. فلم يعودوا في حاجة إليها.. هذه عاداتهم المزمنة ولن يشتروها.
 لقد مد جمال عبد الناصر يده إليهم بعد ثورة يوليو.. ومنع استمرار الأحزاب السياسية.. وتركهم وحدهم علي الساحة.. وضمهم إلي لجنة الدستور.. وقرأ الفاتحة علي قبر حسن البنا.. وقدم قتلته للمحاكمة.. لكنهم تصوروا أن في يدهم الحل والعقد.. وسعوا للتكويش علي السلطة.. وفرض الدولة الدينية بالدستور.. ولم يترددوا في ارتكاب حادث المنشية.
 لكن.. الرصاصات التي أطلقت علي جمال عبدالناصر في المنشية قتلت أنور السادات في المنصة.. وتلقي الرئيس" المؤمن" جزاء سنمار علي إعادته الإخوان إلي الحياة السياسية بعد سنوات طوال في السجون والمنافي.. بجانب تنشيط الجماعات الإسلامية التي تحولت إلي جماعات جهادية.. تصفه بالكفر.. وتعتبره العدو القريب الأولي بالقتال.. تاركة العدو البعيد مستريحا - إسرائيل.. الدولة الصهيونية.
 وتكرر المشهد علي شاشة سكوب ملونة ومجسمة.. حين شجعت المخابرات المركزية الأمريكية فصائل الجهاد والقاعدة في أفغانستان.. دون أن تتوقع أنها صنعت وحشا علي طريقة فرانكشتين.. سرعان ما التهمها في هجمات سبتمبر.
 إن الدرس الذي لا أحد يريد أن يستوعبه الآن.. هو أن الإخوان سيعضون اليد الممدودة لهم.. ولن يقبلوا بغير السيطرة الكاملة.. والديمقراطية بالنسبة إليهم وسيلة مواصلات.. ما إن تقف بهم عند محطة السلطة سيحرقونها.. ويعلنون أنه والأحزاب والانتخابات حرام في حرام.. وأن الدولة المدنية في ظل الخلافة الإسلامية غير شرعية.. وهو ما حدث في غزة.. حيث ترفض حماس الآن إجراء انتخابات جديدة تعرف جيدا أنها ستهزم فيها.. وهو ما حدث في دول أخري صبغت الديمقراطية بصبغة دينية.. مثل إيران.
لا أحد ممن يرون في أنفسهم ظل الله علي الأرض يقبل أن يترك سلطة وصل إليها لغيره من اليساريين أو الليبراليين أو الشيوعيين أو العلمانيين أو المسيحيين.. وإلا كان مفرطا في دينه - حسبما فهمنا من كتاباتهم ووثائق جماعاتهم الممتدة إلي أكثر من ثمانين سنة.
ولا شك أن التدليل السياسي الظاهر للإخوان يثير الفزع عند الأقباط.. وهو ما يفسر تضخيم حادثي أطفيح ومنشية ناصر.. فالقضية لم تعد بناء كنيسة حرقها التعصب.. أو فتاة أسلمت أو تنصرت مطلوباً تسليمها.. وإنما أصبحت قضية وجودهم في وطن يخشون أن يعانوا فيه من التمييز الديني رغم الأحاديث النبوية الشريفة التي ينطقها اللسان أمام الكاميرات والميكروفونات في المناسبات ولا تخرج من قلوبهم.. ولا تصل إلي قلوبنا.
وربما كان لافتاً للنظر أن جميع الشيوخ ــ من التيارات السلفية والوهابية والجهادية ــ الذين تباروا في جذب الأضواء إليهم في قري الأحداث الطائفية الأخيرة.. هم أنفسهم الذين رفضو المشاركة في جمعة الوحدة الوطنية.. فلم يزد عددها علي بضعة آلاف.. فكل ما يعنيهم دعاية فردية مكثفة تنافسوا فيها علي طريقة النجوم والمشاهير.
وكان انقسام ميدان التحرير بين مسلمين ومسيحيين بعد أن وحد بينهم أيام الثورة هو يوم السعد للثورة المضادة.. فقد راح البعض يترحم ولو سرا ــ علي أيام مبارك وعز والعادلي.. ولو لم تحسم هذه القضية سيجهر الناس بما يخفونه في صدورهم ونفوسهم وتحت جلودهم.
وسبب الطائفية الوحيد.. غياب الديمقراطية.. هذا ما كشفته الثورة الليبرالية عام 1919.. واسألوا المستشار طارق البشري.. أفضل من بحث في هذه القضية.. فالديمقراطية تعني المساواة في المواطنة.. بلا تمييز ديني أو عرقي أو طبقي.. وتعني سيادة حكم الدستور والقانون.. دون تدخل من المسابح والعمم والطرح البيضاء.. وتعني حقوق الإنسان.. دون حصانة لمن يتجاوزها مهما كان طول لحيته وعدد أتباعه.
 وكي تتحقق الديمقراطية.. يجب إعادة النظر في النظام السياسي الموروث من جذوره.. بخطوات متأنية.. متتالية.. هادئة.. نستفيد فيها من الوقت.. ولا نضيعه.. ونترك للقوي المختلفة نفس الفرصة لتبدأ السباق من نفس الخط.. دون أن نميز واحدة عن أخري مهما كان الميل والهوي.
(1) يشكل مجلس رئاسي من شخصيات مشتركة من العسكريين والمدنيين يتولي السلطة العليا في البلاد طوال فترة الانتقال وله جميع الصلاحيات.
(5) تجري انتخابات الرئاسة والبرلمان طبق للنظام السياسي الجديد.. وتشكل حكومة جديدة مع ضمانات من الجيش بعدم خروج أحد علي قواعد اللعبة الديمقراطية.
في هذا الوقت ستعرف كل قوة حجمها.. وستعرف كل شخصية دورها.. ولن يحكم أحد بأمر الله وهو في الحقيقة يحكم بأمر المرشد العام.. ساعتها سنفرز بسهولة قوي الفاشية من قوي الليبرالية.. سنعرف من سيثير الفوضي ومن سيسعي إلي الاستقرار.. من ينفذ أجندة أجنبية ومن يؤمن بالوطنية المصرية.. وساعتها أيض سنؤمن بأن لا فضل لإخواني أو سلفي أو قبطي علي ليبرالي أو يساري أو علماني إلا بتقوي الديمقراطية.
اجمالي القراءات 2101
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق