ثلاثة أسئلة

الجمعة ٠٥ - يناير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
عن الاستخفاف والاستعباط أسئلة ثلاثة مترابطة . أرد عليها معا : السؤال الأول : تنتشر فى الثقافة المصرية كلمة عبيط بمعنى الساذج واستعبط بمعنى خداع الشخص العبيط . رجعت للقرآن فلم اجد فيه كلمة عبيط واستعبط فهل يوجد فيه هذا المعنى . ؟ السؤال الثانى : قرآت لك عن إستخفاف فرعون بقومه فى سورة الزخرف ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ) ، وانك قلت إنه إستخف قومه فأطاعوه ولم يقتلوه . نريد المزيد من تدبرك فى هذه الآية ومدى إنطباقها على فراعنة العسكر الذى يحكم مصر من عام 1952 . السؤال الثالث من السيدة منيرة حسين ( أم محمد ) : فى آخر سورة الروم ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) ما معنى الاستخفاف هنا ؟
آحمد صبحي منصور :

إجابة الأسئلة الثلاثة معا :

1 ـ ( إستخف ) جاءت فى أربعة مواضع فى القرآن الكريم . بمعنيين مختلفين :

1 / 1 : من الاستخفاء ، أى الخفية ، عدم الرؤية . قال جل وعلا :

1 / 1 / 1 : عن الكافرين حين كانوا يخفون وجوههم حتى لا يروا النبى محمدا عليه السلام ، يضعون ثيابهم على وجوههم : ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) هود )

1 / 1 / 2 : عن علمه جل وعلا بنا فى السّر وفى الجهر وفى السير فى الخفاء ليلا أو فى العلن نهارا : ( سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) الرعد )

2 ـ الخفيف ، وأتى على نوعين . قال جل وعلا :

2 / 1 : عن جلود الأنعام التى تُتّخذ بيوتا تكون خفيفة فى الحمل عند الرحيل : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ) (80) النحل )

2 / 2 : خداع البشر إستخفافا بهم . وجاء هذا فى موضعين . قال جل وعلا :

2 / 2 / 1 : للنبى محمد عليه السلام : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) الروم ).

2 / 2 / 2 : عن فرعون موسى وقومه : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) الزخرف ).

3 ـ قوله جل وعلا للنبى محمد : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) الروم ) يحوى أمرا بالصبر ، وتكرر له كثيرا الأمر بالصبر على أذاهم وإفتراءاتهم ، وهنا جاء الأمر الصبر مرتبطا بالنهى بألّا يعطى الفرصة للكافرين ليستخفوا به ويخدعوه . فقد إستعملوا معه كل طرق الخداع ليصرفوه عن القرآن الكريم ، ومنها المداهنة ، قال جل وعلا : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) القلم ) . وكادوا يفلحون لولا أن حفظ الله جل وعلا له . قال له جل وعلا : ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً (75) الاسراء ). هذا التهديد جاء أيضا فى سياق قوله جل وعلا  عن القرآن الكريم الذى يكفر به المحمديون : ( تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)  الحاقة ).

4 ـ الدولة المصرية هى أقدم دولة فى العالم ، منذ فجر التاريخ وهى دولة الفرعون ، ومعه قومه وآله والملأ التابع له ، ولا تزال حتى الآن بالعسكر المصرى الذى يحتل مصر ويقهرها من عام 1952 . فرعون موسى كان من عادته عقد المؤتمرات التى يخضرها قومه  ، ويحشرونهم له يهتفون ويؤيدون ، ويتكلم كما يحلو له ، مثل زعمه الألوهية ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24)   النازعات )، ومنه هذا المؤتمر الذى كان يتندر فيه على موسى عليه السلام ولعثمته فى الكلام . : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) الزخرف ).  اللافت للنظر هنا إن فرعون موسى ( نادى فى قومه ) أى كان يستقبلهم بوجهه ، لا يعطيهم قفاه إحتقارا كما يفعل السيسى اليوم فى مؤتمراته العلنية التليفزيونية ، والتى يجعل فيها نفسه إلاها مع الله جل وعلا . الفراعنة من العسكر الحاكم من جمال عبد الناصر الى حسنى مبارك لم ينطق أحدهم بإفتراءات تصل الى واحد فى المائة من إفتراءات السيسى ، ولم يقم أحدهم بتخريب مصر وإذلال أهلها مثلما فعل ويفعل السيسى . ويضيف الى ذلك إحتقاره لأتباعه وقومه بأن يستكبر أن يعطيهم وجهه حين يكلمهم ، يكتفى بأن يعطيهم قفاه ، وهو متأكد أن أحدا من قومه لن يجرؤ على التفكير فى أن يصفعه على قفاه .

5 ـ هذا الاستخفاف هو الاستعباط .



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 3222
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   حمد حمد     في   الجمعة ٠٥ - يناير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[94999]

حفظكم الله جل وعلا دكتور أحمد المحترم


هل كلمة الخف على ما أعتقد  قدم البعير والنعام وهو بمثابة الحافر لغيرهما. الجمع أخفاف . الحذاء الخفيف المصنوع من الجلد الطري أو القماش ونعله طريّ ويغطي الكعب، سميّ بالخُفّ لخفة وزنه.هل هي مشتقة او لها علاقة بما ذكرت. مع خالص التقدير لكم. 



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   السبت ٠٦ - يناير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[95001]

شكرا جزيلا استاذ حمد ، وجزاك الله جل وعلا خيرا، وأقول :


أشكرك على الاضافة الهامة . ونرحب بأى إضافات مماثلة ، وهى تكمل النقص فى الاجابة ، إذ أننا لا نستعرض الكلمة فى القواميس أو فى الاستعمالات الأخرى ، الأساس عندنا هو وجودها فى القرآن الكريم .  

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5326
اجمالي القراءات : 65,882,716
تعليقات له : 5,522
تعليقات عليه : 14,921
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


سؤالان : السؤ ال الأول : من الاست اذ عبد المجي د ...

أئمة النصف الأسفل : تعليق ا على برنام ج ( لحظات قرآني ة ) عن أئمة...

العاصمة الادارية : سؤال من س ل ع ( أنا موظف خريج حقوق وباعم ل فى...

لا بد من الاعتراف: قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْس َلْنَ ا مِنْ...

أسلم محسنا: ارجو شرح معنى عبأرة أسلم لله وهو محسن...

حق مكتسب: السؤ ال : هذه رسالة هامة ، انشره ا وأجيب...

نكاح زوجة الأب: أريد فتوى في هذا الموض وع قر أت في أحد...

الشيشان وأوكرانيا: المجا هدون الشيش ان ينضمو ن الى جيش بوتين .....

عهد الله جل وعلا: بسم الله الرحم ن الرحي م العم والوا لد ...

ربا البنوك من تانى: قرأت عدة فتاوي ومقال ات في موقعك م عن...

خلاق: هل ( خلاق ) جمع ( خُلُق ) من الأخل اق ؟...

عادل وعدل: سؤال من د فهمى عادل : هل فى القرآ ن الكري م ...

ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول : ما معنى ( وَإِذ َا غَرَب َت ...

تطبيق الشريعة : كان من المفر وض انك قمت ببحث لم يتم نشره حتى...

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ : اريد فكرة عن سورة قريش ( لِإِي لَافِ ...

more