الشهادة على الأب

الجمعة ١٣ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
عندما قرات مقالتكم حول شهد خطر سؤال هل يجوز ان يشهد الولد على ابيه والعكس في المحاكم ؟
آحمد صبحي منصور :

نعم .!

والاجابة وردت فى المقال ، وهى عن قواعد الشهادة  ، وفيها الآتى :  ( لتكون هناك عدالة فى الحُكم ( القضائى ) بين الناس جاءت هذه القواعد الاسلامية :

1 ـ وجوب قول الشهادة وعدم كتمانها ، ومن يكتمها فهو عند الله جل وعلا آثم فى قلبه ،  يقول جل وعلا:( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) البقرة ). بدون شهود لا تُقام قضية من الأساس .والتحذير هنا أن الله جل وعلا عليم بما نعمل وشهيد عليه.

2 ـ  فماذا إذا كان الشهود كاذبين.

هنا يقول جل وعلا يأمر وينهى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء )( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة  )َ.

كلمة ( قوّامين ) المكررة فى (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ  ) و(كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ) لها أهمية . ( قوّامين ) صيغة مبالغة من ( قام ) و ( قائم ) : فلان ( قائم بالقسط ) يعنى يلازم التمسك بالقسط والعدل . فلان ( قوّام بالقسط ) يعنى لا يدخّر جهدا فى التمسك بالعدل والقسط . ثم التزاوج بين:(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ  ) و(كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ).يؤكد أن ذلك ( القوّام بالقسط يفعل ذلك إبتغاء مرضاة الله جل وعلا ، وانه حين يفعل ذلك يكون قوّاما طاعة لرب العزة جل وعلا . ، لأن الهدف من إرسال كل الرسالات السماوية ومنها القرآن الكريم هو أن ( يقوم الناس بالقسط ) ( الحديد 25  ). وبالتالى فلا مجال هنا لأى مصالح شخصية أومحاباة الأقارب حتى الوالدين ، ولا مجال للهوى ، أى لا بد من تفعيل القسط : (وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ) . وإذا حدث ميل فى الشهادة أو إعراض عن قول الحق فالله جل وعلا هو الخبير بما نعمل : : (تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ). ونفس الحال فى الآية التالية فى الشهادة حين يخص الأمر خصما عدوا فلا بد من تفعيل القسط  : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ ) يأتى التغليظ والتأكيد على الالتزام بالعدل فى إختيار تعبير (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ) إى وصف مجرد التفكير فى الانحياز فى الشهادة بسببب الخصومة بأنه جريمة أو وقوع فى الجريمة ، ثم التكرار فى كلمة العدل والأمر بها : ( عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا) ، والتكرار فى كلمة التقوى والأمر بها :( هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ ). ونلاحظ تذييل الآيتين بأن الله جل وعلا خبير بما نعمل:(فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء )( إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة ). وهو تهديد بالحساب العسير يوم القيامة.

3 ـ ليس هناك أروع ولا أسمى من هذا ، خصوصا وأنه خطاب مباشر من الخالق جل وعلا للذين آمنوا ، وهو تحميل الاهى مباشر لهم بالمسئولية ،أى تعامل مباشر بين القلب المؤمن والخالق جل وعلا .  يستطيع الانسان خداع إخيه الانسان ، ويستطيع التحايل مستغلا ثغرات القانون وعدم علم البشر بالغيب وعدم إحاطتهم بكل ما يجرى . لكنه لا يستطيع خداع رب العزة . وإذا تخيل له أنه يخدع رب العزة فلا يخدع سوى نفسه ، يقول جل وعلا : (  إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَـٰدِعُهُمْ ) ﴿١٤٢﴾ النساء  ) (يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) 9 ) البقرة ).

4 ـ  ليس فى تطبيق الشريعة الاسلامية الحقّة تعويل كبير على الضبطية القضائية البشرية . التعويل الأكبر على التقوى ، أو بالتعبير المعاصر ( الضمير ) أو ( الانا العليا ). ولهذا بدأ القرآن الكريم بإرساء وتأسيس التعاليم الأخلاقية من خلال التقوى والتعامل المباشر مع الرحمن الذى يعلم خائنة العين وما تخفى الصدور . وفى إطار هذه القواعد التشريعية جاءت التفصيلات تالية فيما بعد ، مشفوعة أيضا بالتذكير بالتقوى ، والتنبيه على ان الله جل وعلا خبير بكل شىء عليم بكل شىء وشهيد على كل شىء . وأنه اليه المصير ، ولا فرار منه ولا مهرب ، فلا بد من مصيرنا اليه يوم القيامة ليُحاسبنا على ما فعلنا .  )

انتهى ..
 



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 8021
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الجمعة ١٣ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79472]

فتوى فى وقتها يا استاذنا ،ويبقى سؤال لو سمحت .


شكرا لأستاذنا الدكتور منصور على فتواه .وعلى ما يُقدمه خدمة لإعلاء كلمة الحق والعدل ،وبارك الله لنا فيه ..



استاذى منذ فترة  تحدث معى أحد الأصدقاء المصريين العاملين بالخليج يشكو من الآتى .ولم أستطع الإجابة القاطعه على سؤاله سوى بتطمينات ،وكلام عام لم يُشف صدره ..وشكواه هى .



سافر هو وزوجته للعمل بالخليج لمدة 3 سنوات .فكان هو يعمل ،وزوجته سيدة البيت (لا تعمل ).وقبل سفرهما عمل توكيل لأخيها ،وكان يُرسل له ما تبقى من راتبه ،لإيداعه فى البنك بإسمهما فى حساب مُشترك لأخته وزوجها  ،او للتصرف فيه طبقا لرؤيتهما وإلتزاماتهما فى مصر  .وعندما نزلا فى أول أجازة _وعند مُحاسبة أخيها ،إكتشفوا أنه سرقهما فى جزء كبير مما ارسله زوجها له .وأقر الأخ بسرقته ،وعند المُطالبة بالحُسنى ،فوجئا (البنت وزوجها ) أن اباها  بعد خداع إبنه و بُكاءه  له ،وإدعاءه على أن طريقة الحساب ظالمه ،(وهى ليست كذلك وهو يعلم وأقر بها أمام أخته ) قد رفض أن يرد المبلغ المسروق كاملا ،بل سيرد جزءا  بسيطا منه وعلى فترات مُتباعده جدا تكاد تُفقده قيمته الفعلية كذلك .وبالتأكيد دخلوا فى مشاكل وصلت للقضاء .وعند الشهاده فوجىء الزوج بأن زوجته تحت تهديد ابوها  بالتبرأ منها  لو شهدت على اخيها ،او لو إستمر زوجها فى القضية من ناحية ،ومن خوفها أن تكون عاصية لربها وخوفها منه  فى مُقاطعته لو ذهبت للشهاده  لأنها اغضبت والدها ولم تُطع اوامره  وسيقاطعها حتى مماته نأت وبعدت  بنفسها عن الموضوع ،وبإتخاذها هذا الموقف السلبى  مع زوجها سيضيع أو بالأحرى ضاع حق زوجها وحقها وحق اولادهما  ايضا عند ذلك الأخ الغير مؤتمن ،وعند الأب الظالم المناصر للباطل .



.والسؤال هُنا ....ماذا تفعل الزوجه حيال ابيها أو مع ابيها  لو تمسك الزوج بحقه حتى النهاية ،وقاطعها اباها وتبرأ منها كما توعدهما ؟؟؟؟   



  وكيف تفُض الإشتباك بين قول الحق والشهادة بالعدل ،وبين خوفها من عدم البر بأبيها وتحوله إلى عصيان (من وجهة نظرها ) وقطيعته لها  إلى الأبد كما توعدها ؟؟؟؟



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ١٣ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79473]

شكرا جزيلا د عثمان ، واقول


الأمر واضح ولا جدال فيه : وهو :

1 ـ عدم كتمان الشهادة .

2 ـ الشهادة بالحق دون محاباة لأحد ، ودون التحامل على أحد. 

رضا الله جل وعلا هو الذى يسعى اليه المؤمن والمؤمنة . ووم الحساب هو الذى لا مفر منه، و الحكم فيه بات وقاطع ، وهو إما الى  خلود فى الجنة وإما الى  خلود فى النار .

مكاسب الدنيا ( من حلال أو حرام ) سنتركها بالموت ، ولا يتبقى لنا إلا عملنا الصالح أو السىء . والعاقل من يعمل لآخرته ليرضى ربه جل وعلا . وكل بلايين الدنيا لا تساوى لحظة عذاب فى الجحيم ، ولا تساوى لحظة نعيم فى الجنة. فكيف بالخلود فى الجنة أو  فى النار ..؟

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5124
اجمالي القراءات : 57,099,459
تعليقات له : 5,453
تعليقات عليه : 14,830
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


ابراهيم دادى: قال تعالي قل لين اجتمع ت الانس والجن ان...

مسألة ميراث: هل يرث ابن الاخت مع ابن الاخ في عدم وجود ابن...

بين الحج والصدقة: ماهو الأفظ ل عندال له حج بيت الله الحرا م أم...

حتى تتبع ملتهم !!!!.: اري فيك نزعه ناصبي ه امويه وتعصب خفي لهم غير...

لا بد من الاعتراف: قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْس َلْنَ ا مِنْ...

خلاق: هل ( خلاق ) جمع ( خُلُق ) من الأخل اق ؟...

سؤالان : سؤالا ن : 1 ـ ما معنى فَأْت ُوهُن َّ مِنْ...

النيل والاستبداد: أصابن ى الصدا ع من كثرة المقا رنة بين...

الشهادة فى الطلاق: عزيزي الدكت ور أحمد، قرأت عن رؤيتك م بشأن...

النذر فى الجاهلية: أن اسألك سؤال بخصوص الآيه الكري مة : ﴾ مَا...

ثلاثة أسئلة: 1 ـ ما رأيك فى دعوة الشيخ المغا مسى السعو دى ...

سؤالان : السؤا ل الأول : أتساء ل عن آية (...

إلإعجاز العددى: وردت الاحر ف في بداية 29 سورة قراني ة ...

التخدير النصفى : جاء في مقالك م:(الت عذيب في رؤية قرآني ة) أنه...

حج مقبول إن شاء الله: في عام 1987 قمت بعلاج أحد الأمر اء السعو ديين ...

more