آحمد صبحي منصور Ýí 2010-09-26
أنقل ما سبق أن كتبته فى كتابى ( حد الردة ) المنشور عام 1993 ، والذى أعيد طبعه عدة مرات بالعربية ، وتمت ترجمته للانجليزية عام 1995 ، وهومنشور باللغتين على موقعنا وموقع الحوار المتمدن :
ثانياً: موقف القرآن من التكفير
لا يصح للمسلم أن يكفر غيره أو أن يقيم له محاكم تفتيش
منح الله تعالى البشر الحرية فى الإيمان به أو الكفر بذاته العلية، والدليل على ذلك واضح فى حياة البشر وفى أقوالهم وأفعالهم فى تاريخهم الماضى والحاضر..
والقر&قرآن- كلام الله العزيز- فيه الإثبات على حرية البشر المطلقة فى الإيمان والكفر، يتضح ذلك فى قصص القرآن عن المشركين كما يتضح أيضاً فى حوار القرآن مع المشركين لإقناعهم بالعقل والمنطق، ولو لم يسمح الله لهم بالحرية ما كان ذلك الحوار وما كانت محاولة الإقناع، بل أن القرآن يؤكد على حرية البشر فى أن يؤمنوا أو أن يكفروا، وفى المقابل فإن مسئوليتهم تجاه هذه الحرية تتجلى يوم الحساب حيث سيحاسبهم رب العزة على اختيارهم، يقول تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّا أَعْتَدْنَا لِلظّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ بِئْسَ الشّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ (الكهف 29).
بل إن القرآن الكريم لم يصادر أقوال المشركين فى العيب فى ذات الله، فاليهود قالوا ﴿إن الله فقير ونحن أغنياء﴾، وقالوا ﴿يد الله مغلولة﴾ وقال مشركو مكة وهم يرفضون إعطاء الصدقة ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمّا رِزَقَكُمُ الله قَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِلّذِينَ آمَنُوَاْ أَنُطْعِمُ مَن لّوْ يَشَآءُ اللّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ﴾ (يس 47).
أثبت القرآن هذه الأقوال ولم يصادرها، فصارت مع الرد القرآنى عليها ضمن آيات القرآن التى يتعبد المسلم بتلاوتها.
ومن الطبيعى أن يرد القرآن- كلام الله العزيز- على الأقوال التى تخالف دين الله تعالى، وهذا حق الله تعالى، وليس فقط لأن تعالى هو رب البشر وخالقهم وصاحب الدين الحق ولكن لأنه أيضاً تعامل مع البشر بمنطق العدل، فقد أعطاهم حرية الإيمان والكفر، وحرية إعلان الكفر وحرية العيب فى ذاته الإلهية العلية والتقول على الله تعالى، وفى مقابل ذلك فإن من حقه أن يصفهم بالكفر والعصيان وأن يرد على افتراءاتهم وأقوايلهم وينفى عن ذاته العلية اتخاذ الولد والشريك، وتلك قضايا تخصه جل وعلا، ومن حقه الرد عليها..
إلا أن عدل الله تعالى تجلى فى التعامل مع طوائف البشر. فحين يحكم بالكفر فإنه تعالى يضح حيثيات الاتهام وأسباب الوصف فيقول مثلاً ﴿لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ ﴿لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ﴾ (المائدة 72، 73).
فالحكم من الله ليس عاماً وإنما هو خاص بمن يقول ذلك القول، وفى نفس الوقت فإن الذى يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين فهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يقول تعالى: ﴿إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالنّصَارَىَ وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة 62).
ويقول تعالى: ﴿إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالصّابِئُونَ وَالنّصَارَىَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (المائدة 69).
أى أن الله تعالى ليس منحازاً لأحد، فمن يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر فهو من أولياء الله أصحاب الجنة، ومن يجعل لله ولداً أو يجعل إلهاً مع الله فإن الله تعالى يحكم عليه بالكفر..
وذلك هو ما يخص الله تعالى، فهو صاحب الدين وهو صاحب ومالك يوم الدين وهو الذى يرد على البشر إن أحسنوا فى العقيدة أو أساءوا فيها.
إلا أن الله تعالى لم يعط أحداً من البشر الحكم على الآخرين الأحياء بالكفر، بل أمر الله تعالى المؤمنين بأن يكون حوارهم بالحكمة والموعظة الحسنة مع معاصريهم ومع تأجيل الحكم إلى الله تعالى يوم القيامة ، وذلك ما كان مأموراً به خاتم النبيين عليهم الصلاة والسلام...
فالله تعالى يأمر بأن يكون الجدال مع أهل الكتاب بالتى هى أحسن، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (العنكبوت 46).
فالجدال مع أهل الكتاب ممنوع إلا إذا كان بالتى هى أحسن... أى كان نقاشاً موضوعياً بالحجة دون إساءة، أما "الذين ظلموا" فلا جدال معهم حتى لا يتطور الأمر إلى إساءة متبادلة، والله تعالى نهى عن الجدال الذى ينتهى إلى إساءة ويقول: ﴿وَلاَ تَسُبّواْ الّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيّنّا لِكُلّ أُمّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمّ إِلَىَ رَبّهِمْ مّرْجِعُهُمْ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام 108). وعن الظالمين- أو بمفهومنا المتعصبين- يقول تعالى للنبى قال تعالى: ﴿وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ. اللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (الحج 68، 69). أى أنه لا مجال للجدال العقيم مع المتعصب، والأفضل الإعراض عنه وذلك شأن المؤمن دائماً، ويقول الله تعالى فى حال المؤمنين مع المتعصبين المتحفزين الظالمين ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص 55).
وبالمناسبة فتلك الآية الكريمة نزلت فى حال مؤمنى أهل الكتاب ونزلت مثلاً لكل مؤمن فى الحوار أو الجدال بالتى هى أحسن وتحاشى الجدل مع المتعصبين.
ولذلك فإن الجدال بالتى هى أحسن هو سمة الحوار بين المؤمنين بالقرآن ومؤمنى أهل الكتاب وذلك معنى قوله تعالى ﴿وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾.
وحتى لا يقع المسلم فى اتهام أهل الكتاب بالكفر فإن القرآن يفرض صيغة محددة للحوار فيقول تعالى ﴿وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ أى نؤمن معاً بالله الواحد ونؤمن بما أنزل إليكم وما أنزل إلينا، ونحن له مسلمون، ولم يقل مثلاً "وأنتم كافرون" لأنه ممنوع اتهام المسلم لغيره بالكفر...
ولم يأت الأمر مثلاً بأن يستشهد المؤمن فى حواره مع أهل الكتاب بما قاله رب العزة عن أولئك الذين قالوا إن الله تعالى ثالث ثلاثة أو أن الله هو المسيح ابن مريم.. لأن ذلك هو قول الله تعالى ذاته فى الرد عليهم، أما نحن فما علينا إلا أن نحاور بالتى هى أحسن ونرجئ الحكم فى العقائد إلى يوم الدين يوم الحساب أمام الله تعالى..
وقد تحدثت سورة آل عمران عن ميلاد عيسى عليه السلام وبعثته ثم قالت: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ. إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ. الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ﴾ (آل عمران 58: 60).
وبعد ذلك التوضيح عن بشرية المسيح عليه السلام ورسالته فماذا يكون موقف النبى إذا جاءه أهل الكتاب يجادلونه؟ هل يتهمهم بالكفر؟ هل يرميهم بالضلال؟ هل يتوعدهم بالجحيم؟..
تعالوا بنا نقرأ الآية التالية لنعرف الإجابة فى تلك السورة المدنية التى نزلت فى عصر قوة المسلمين وشوكتهم ﴿فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ (آل عمران 61).
أى من جادلك فى طبيعة المسيح من بعد ما جاءك فيه من العلم أى بالقرآن فادعهم إلى المباهلة، أى الاحتكام إلى الله تعالى فى الدنيا، بأن يخرج الفريقان ومعهم الأبناء والنساء ويبتهلون إلى الله تعالى أن يلعن الكاذب منهما.. لم يقل القرآن للنبى إذا جادلوك فاحكم عليهم بالضلال والكفر ودخول الجحيم.. ولكن ابتهل إلى الله لكى تكون اللعنة من نصيب الكاذب من الفريقين، ومن الطبيعى أن كل فريق يعتقد الصدق فى نفسه..
أى أنه تصعيد وتأجيل للحكم إلى رب العزة لأنه وحده هو الذى يحكم بالكفر أو بالإيمان على عباده البشر، أما النبى فلا يملك أن يحكم بكفر أحد.
والقرآن فى دعوته لأهل الكتاب يضع أسلوب الحوار الراقى الذى يجب على المسلمين اتباعه، ويقول تعالى للنبى قال تعالى: ﴿قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران 64).
فهذا هو الخطاب الراقى لأهل الكتاب أن ندعوهم إلى كلمة سواء نلتزم بها سوياً، أن نعبد الله وحده دون شريك وألا نتخذ كهنوتاً وأرباباً من البشر، فإن رفضوا فلا نتهمهم بالكفر ولا نتحدث بأسمهم أو باسم الله ولكن نتحدث باسمنا فقط، فنقول لهم اشهدوا إذن بأننا أسلمنا لله وحده..
لم يقل: فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون وأنتم كافرون، لأنه ليس من حق المسلم اتهام غيره بالكفر، وحسبه أن يعلن خضوعه لله ، وحسبه شرفاً أن يكون فعلاً عند الله كذلك..
والخلاصة أن الله تعالى هو وحده صاحب الحق فى أن يقول عن بعض أهل الكتاب ﴿لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾.
وهو وحده تعالى صاحب الحق أن يقول عن أهل الكتاب ﴿لَيْسُواْ سَوَآءً مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَآءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ (آل عمران 113، 114).
الله وحده هو الذى ﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصّدُورُ﴾ وهو الأعلم بحقيقة الإيمان عند الأفراد والطوائف والأمم، والله تعالى يقول ﴿وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ﴾ (النساء 25).
أما نحن البشر فإذا كنا ندعى الإيمان حقاً فيجب أن نلتزم بأوامر الله تعالى فى أن نقول للناس حسنا ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ (البقرة 83).
وأن نجادلهم بالتى هى أحسن، وهل هناك أروع من قوله تعالى فى آداب الدعوة والحوار ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ﴾ (فصلت 33، 34).
المولى عز وجل له حكمة وإرادة قررها جل شأنه في جعل القرآن الكريم أخر الرسالات السماوية ، وهي تتمثل في جعل القرآن المعجزة الكلامية اللفظية هي أخر ما ينزل من رسالات الله للبشر حتى تقوم الساعة ، وهنا نجد تغييرا في منهج كان متبع مع السابقين من الأقوام ، حيث كان الله جل وعلا يمهلهم وان لم يتوبوا ويقلعوا عن قتل وظلم الرسل والذين آمنوا معهم فيكون العقاب بأخذهم بمعجزة إلهية دفعة واحدة ليموتوا بكفرهم لأنهم تجاوزا وطغوا في كفرهم وفي ظلمهم لله ورسله وللمؤمنين ونظرا لضعف الرسل وقلة عدد من آمنوا بهم فلابد من تدخل الله جل وعلا.
اما بالنسبة للرسالة الخاتمة فهي تختلف تماما عن باقي الرسالات السابقة حيث جاءت رسالة قولية لفظية كلامية ، وهي تشير في كل كلمة للغة أرقى وأعلى وأفضل هي لغة الحوار المبني على الحرية والديمقراطية وحرية الفكر والمعتقد ، حتى الجدال يكون فيها بمواصفات وبآداب معينة وفي حدود ويكون الجدال بالتي هي أحسن ، فحكمة الله في جعل القرآن أخر الرسالات السماوية تعني أنها رسالة حوار ونقاش وكلام وألفاظ وليس فيها أي نوع من القتل أو الاكراه أو الاعتداء على حق الغير لأن الله جل وعلا لو أراد لانتقم من كل إنسان يكذب بالقرآن أو الرسول ولكنه جل وعلا ترك الفرصة لكل إنسان يؤمن أو يكفر بكل حرية ، فالقرآن رسول حي أمام عينيه وبين يديه ولكل نفس اختيار ما تشاء ، وكل نفس تعيش في حالة حوار مستمر مع كلام الله لتصل للهدى والحق بإذن الله حسب نية كل إنسان وقدرته على الجهاد في الحوار مع القرآن وفهمه ، وكذلك الأمر تعيش معظم الأنفس في تجاهل تام مع القرآن ويرفض أن يتحاور معه ويهجره تماما وهؤلاء ينطبق عليهم قول خاتم النبيين عليهم السلام ((إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)) ، فكل إنسان مسئول عن نفسه ومتاح له ويصرح له أن يتحاور مع آيات الله القرآن الكريم فاليدن ليس حكرا على أحد وليس ملكا لفئة بعينها ..
اقتباس " ولم يأت الأمر مثلاً بأن يستشهد المؤمن فى حواره مع أهل الكتاب بما قاله رب العزة عن أولئك الذين قالوا إن الله تعالى ثالث ثلاثة أو أن الله هو المسيح ابن مريم.. لأن ذلك هو قول الله تعالى ذاته فى الرد عليهم، أما نحن فما علينا إلا أن نحاور بالتى هى أحسن ونرجئ الحكم فى العقائد إلى يوم الدين يوم الحساب أمام الله تعالى.."
للأسف فإن المنتشر فى هذه الأيام هو الجدال ولكن ليس بالتى هى أحسن كما يأمرنا القرآن ولكن الجدال بالخوض فى عقائد الاخرين وتكفيرهم ، فلقد كنت فى ذات يوم وأنا ذاهبة لعملى وأتعسنى الحظ وركبت ميكروباص وكان به تليفزيون مصغر وفجأة قام السائق بتشغيل التليفزيون وللاسف جاءت إحدى تلك الفضائيات وكان شيخا عبوسا ذو لحية طويلة وشكله مخيف واخذ يحكى لنا حكايات ألف ليلة وليلة، ومنها ان شابا امريكيا مسيحيا جاء للمركز التابع له فى أمريكا وظل يردد لهم أنه يريد أن يكون محمديا ( وليس أن يكون مسلما مؤمنا بالله وحده ) ، فأمروه بالاغتسال وتوضىء وصلى وقبلهما تلى الشاهدتين ، ثم سألوه عن سبب كثرة دموعه وركوعه وسجوده وهو لم يدخل الاسلام إلا منذ ثلاث ايام ، فقال انه كان لا يؤمن بعقيدة التثليث الموجودة بالمسيحية وظل يبحث حتى سمع آيات فى القرآن تقول
" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة:17)
ثم نام وجاءه المسيح فى الرؤيا يقول له كن محمديا كن محمديا ، فأخذ جميع الموجودين فى الميكروباص يقولون لا إله إلا الله وسبحان الله وكأن الكلام جاء على هواهم ، هذه قصة سمعتها من شيخ همام فى تلك الفضائيات والمفروض هنا أنه يخطب فى الناس لتحسن اعمالها وظل يردد أنها الخواتيم أى من يختم أعماله بالعمل الصالح ، يعنى يظل الانسان يلهو ويعبث ويرتكب المعاصى وفى النهاية يعمل صالحا وهكذا يدخل الجنة بهذا العمل الصالح الأخير أو الوحيد ، فهذا هو فحوى خطبته فما هى الاستفادة التى استفادها من ذكر تلك القصة التى تحس على الفتنة وتخوض فى العقائد المسيحية وكلنا نعلم مدى الحساسية الموجودة بين المسلمين والمسيحين فى مصر بسبب امثال تلك الخطبة ، فمن يريد أشعال الفتن هم هؤلاء الشيوخ فيستببون فى هذا الكم الهائل من العداء للأسلام والفهم الخاطىء لمعانى الأسلام السمحة ، وهم أيضا من ساعدوا المتطرفين على حرق القرآن .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5126 |
اجمالي القراءات | : | 57,156,207 |
تعليقات له | : | 5,453 |
تعليقات عليه | : | 14,831 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : الغزالى فى الإحياء يقرر الحلول فى الله والاتحاد به تبعا لوحدة الوجود ( 3 )
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يقرر أفظع الكفر ( وحدة الوجود ) ( 2 )
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
دعوة للتبرع
عن باب للزواج : انا شاب يمني موظف متزوج من زوجة سنية لكني ارغب...
زكاة فوائد البنوك: قرأت رد لك على الزكا ة المال ية وقلت إنها على...
الحسنات والسيئات: هل كثرة الحسن ات تبيح السيأ ت؟ هناك احد...
التفضيل والتفريق: في كتابك م القرأ ن وكفى ، اوردت لنا الفرق بين...
باب للزواج : Sender Name : محمد اشرف فوزي الصفط ي Sender Name :...
more
القرآن دعوة للحوار أما المتطرفين من المسلمين والمسيحيين فهم دعوة للفرقة .. آيات القرآن تامر بالحوار والتسامح .. أما المتطرفين من الجانبين يريدون ان يصلوا بمركب الحوار إلى شاطئ الحرب والقطيعة والتكفير ..
إن مشكلة الوحي القرآني تكمن في الوصاية عليه من البشر فهذا يتهمه بالتحريف وهذا يتهمه بالنقصان وهذا يتهمه بالمبهم ..
ولكن يبقى القرآن الكريم حجة على الجميع ..