آحمد صبحي منصور
:
شكرا أخى.
الاية الكريمة تقول (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )
وأقول ـ والله تعالى المستعان ـ
1 ـ ان الاية الكريمة تتحدث عن الكافرين فى الآخرة وهم الذين كانوا فى حياتهم الدنيا قد رضوا بالحياة الدنيا و إطمأنوا بها و وضعوا كل همهم فيها ، وفى سبيلها نسوا لقاء الله تعالى و غفلوا عن كتابه الحكيم (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) ( يونس 7 :8 ) أولئك الناس يجب على المؤمن الاعراض عنهم ((ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )، أو كما قال تعالى عنهم (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) ( النجم 29 ).
2 ـ تبدأ سورة الحجر بالحديث عن القرآن الكريم (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ) ثم تشير الى من يكفر به وحالهم يوم القيامة وهم فى النار ( رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ) ثم يرجع الحديث عن سمات أولئك الكافرين فى الدنيا (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) والغرض من ذلك هو تحذير الأحياء فى هذه الدنيا حتى لا ينتهى بهم الحال فى مستقبلهم الأخروى الى النار و الندم ، وتمنى لو كانوا قد آمنوا و عملوا الصالحات.
إن أهم صفات الكافرين بالقرآن هو التكالب على التمتع بهذه الدنيا و قصر الاهتمام عليها على اعتبار أنه ليس هناك حياة أخرى ، و انه إذا كانت هناك حياة أخرى فهم سيدخلون الجنة بالشفاعات.
3 ـ ونتوقف بشرح موجز مع تلك الملامح:
ا ـ فالحيوان هو الذى يعيش الحاضر فقط ولا يفكر فى المستقبل ، و يعيش ليأكل . والمشرك يشبه الحيوان فى أنه لا يفكر فى مستقبله الحقيقى فى الآخرة بعد انتهاء حياته بالموت. والله تعالى يصف ذلك بقوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) ( محمد 12 ) ويوم القيامة يدرك أنه أضاع مستقبله الحقيقى فى الآخرة حيث لا موت ، بل نعيم أبدى أو عذاب أبدى ـ يقول تعالى عن الانسان الخاسر يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى . يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) ( الفجر 23 ـ ) أى يتذكر نادما حيث لا ينفع الندم ، ويتمنى لو قدم عملا نافعا لحياته ، أى أن ما سبق من حياة دنيوية قصيرة منتهية بالموت ليست هى الحياة . الحياة الحقيقية هى الحياة الخالدة ـ فى الجنة أو فى النار. ومن هنا يكون الندم هائلا ـ ودون جدوى أيضا. ومن هنا جاء التحذير مقدما فى هذه السورة ـ سورة الحجر.
ب ـ و يستمر المشرك فى التمتع بالدنيا متكالبا عليها يصارع من أجلها يريد احتكار كل شىء فيها لنفسه ناسيا أن المستقبل الحقيقى هو فى الآخرة ، ولكى يستمر غافلا لاهيا عن ألاخرة فلا بد أن يجد مبررا هو الأمانى. أى امانى الشفاعات و دخول الجنة مهما ارتكب من عصيان و فجور. وهذا بالضبط ما يفعله ابليس بنا. لقد قال (وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ) ( النساء 119 ) فلكى يستمر الضلال لا بد من مسوغ له و هو ان يقترن به الايمان بدخول الجنة مهما عصى ذلك الضال. لأن الضال لو عرف أنه مؤاخذ بضلاله لتاب ، و لكن طالما يعتقد أنه مغفور له مقدما و بأثر رجعى فلا بد ان يستمر فى الضلال مستمتعا بتلك الأمانى ، لذا يقول تعالى محذرا من تلك الأمانى الباطلة (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ) ( النساء 123 ). أى ليس دخول الجنة و النجاة من النار بمجرد الأمانى ، ولكن بالايمان و العمل الصالح ، بل ان من يعمل سوءا لا بد و أن يعاقبه الله تعالى بهذا السوء فى الدنيا و الآخرة.
4 ـ كل هذا الذكر الحكيم الذى نزل فى القرآن الكريم منذ 15 قرنا من الزمان غفل عنه معظم المسلمين ، إذ انصرفوا الى التكالب على الدنيا و الاقتتال من أجلها ـ بل يستخدمون الدين الاسلامى ـ ظلما و عدوانا ـ فى سبيل الوصول للثروة و السلطة ، و راجت لديهم أحاديث ضالة مضلة عن شفاعة النبى محمد و غيره ، و عن دخول الجنة بلا حساب أو بمجرد قول كلمة .. الخ .
وبالتالى فان لم يتوبوا فسيكونون ضمن من ينطبق عليهم قوله تعالى (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ). وعندما يعلمون سيكون الندم بعد فوات الأوان . وما أفظعه من ندم. يقول تعالى يصور هذا الندم : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) ( الفرقان 27 : 31 )
أعد قراءة الآيات السابقة من سورة الفرقان لكى تتأكد ان معظم المسلمين اليوم أعداء للنبى محمد عليه السلام ، لأنهم اتخذوا القرآن مهجورا. وهم لكى يملأوا فراغ حياتهم بعد هجر القرآن فقد انغمسوا فى متع الدنيا متسلحين بالآمال الكاذبة و أمنيات الشفاعة الخادعة ، لذا تراهم سماعين للأحاديث الضالة التى يقولها علماء السوء أعداء النبى محمد عليه السلام : إقرأ قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) ( الأنعام 112 ـ )
بقى أن نقول أن معنى ( اتخاذ القرآن مهجورا ) هو ما يحدث الآن . هو موجود معنا و لكنه غائب عنا. بيننا و بينه مئات التفاسير و آلاف الروايات و التآويل ، و وهو غائب مغيب عن حياتنا بدليل أننا أكثر الأمم اقتتالا فيما بينها وضلالا عن كتابها وعصيانا لربها ، ثم نتفاخر بأننا خير أمة أخرجت للناس مع أن عرض أعمالنا وتراثنا و تاريخنا يؤكد أننا شرّ أمة جاءها الهدى فأزدادت به طغيانا وكفرا.
بقى أن نقول أيضا أن مصير المسلم الذى يتمسك بالقرآن الكريم و يدعو لاصلاح المسلمين به أن تتناوله الاتهامات وتلاحقه الاهانات و اللعنات،وهذا فى حد ذاته أكبر دليل على العداء للنبى محمد عليه السلام ، وأكبر دليل على هجر القرآن الكريم.
ونقرأ لهم على سبيل التحذير قوله تعالى (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )
مقالات متعلقة
بالفتوى
: