خالد حسن Ýí 2009-11-26
مصطلح الحديث , اسمه [ علم السنة ] في لغة الفقه . و هو علم لا يعترف بمنهجية العلم , بل ينتحل لنفسه صفة القداسة , و يتوجه لاستنباط أحكام شرعية من أحاديث منسوبة إلى الرسول , من دون دليل علمي واحد . لكن الصفة الأكثر مدعاة للريبة , في منطق هذا العلم المقدس , أنه يقوم صراحة على مخالفة صريحة لسنة رسول الله بالذات . فالرسول لم يكتب الحديث , و لم يطلب من أحد أن يكتبه , و لم يقل إنه مصدر للتشريع , لا في مكة , و لا في المدينة , و لا في السر , و لا في العلن . و هو موقف لم يتخذه الرسول , لأنه &szg; كان يجهل حاجة الشريعة إلى الحديث النبوي , بل لأن رسالته نفسها , كانت موجهة لأسقاط الأحاديث النبوية من أساسها . ان علم السنة الذي قام على مخالفة هذه السنة , قد قرأ رسالة النبي محمد , مقلوبة جدا , رأسا على عقب .
ففي عصر الرسول , كان [ الحديث النبوي ] هو نص التوراه و الأنجيل . و كان الكهنة قد عبثوا بهذا النص طوال ألفي سنة على الأقل , و سخروا فكرة الحديث المنقول لكي يسجلوا على ألسنة الأنبياء أقوالا محرفة تحريفا خطيرا . بعضها ناجم عن سوء الترجمة , مثل قول الأنجيل ان المسيح ابن الله بدل رسول الله . و بعضها ناجم عن سؤ النية , مثل تحريض التوراه على إبادة[ الغرباء] , و طردهم من كل الأرض . و عندما بعث الرسول في القرن السابع , كان هذا النص المزور هو النص المعتمد رسميا , و كانت[ الأحاديث النبوية ] قد انحرفت بتعاليم الدين , من شريعة لجمع شتات الناس على سنة واحدة , إلى شريعة لتفريقهم بين السنن .
في عصر الرسول كانت كلمة [ كتاب الله ] تعني - حرفيا - كتب الحديث النبوي في التوراه و الأنجيل , و كان هذا الخلط الظاهر للعين المجردة غائبا كالسحر عن جميع العيون .
فالأنجيل ليس كتابا مقدسا واحدا , بل سبعة كتب على الأقل , سقطت منها ثلاثة بأمر من الكنيسة , و بقيت أربعة كتب , تحمل اسماء مؤلفيها , و تسجل سيرة السيد المسيح , في أربع روايات مختلفة , هي انجيل متى و مرقس و لوقا و يوحنا .
و التوراه ليست كتابا دينيا أصلا , بل سيرة تاريخية لليهود , تتابع تاريخهم , منذ بداية الخلق إلى عصر النبي موسى , [ الذي تلقى ألواحا مقدسة في حوريب ] , و كلمة الألواح المقدسة , تعني أن موسى قد تلقى كتابا سماويا , لكن التوراه لا تثبت متن الكتاب نفسه , بل تروي [ أحاديث نبوية ] على لسان موسى , الذي ظل يتكلم , حتى بعد وفاته , في استعراض أبدي لمدى قدرة الكهنة على العبث بنصوص الدين . في ضؤ هذا الواقع , كانت معركة النبي محمد , محددة سلفا , ضد كتب الحديث النبوي بالذات . و كانت هذه الكتب قد تحصنت وراء اسم [ الكتاب المقدس ] , و صارت علما ربانيا مقدسا , لا يتعالى عن النقد فحسب , بل يبيح دم الناقد نفسه , و يتوعده بالخلود في النار . إن الرسول محمدا , يرد على الأحاديث المنحولة , بنص مكتوب , محرر من عبث الرواة , اسمه [ كتاب الله ] , و لم يكن محض المصادفة ان يفتتح هذا الكتاب نزوله , بقوله تعالى في الآية الأولى من سورة العلق : [ اقرأ باسم ربك الذي خلق ] .
فالقرآن لم يقل [ اكتب ] , بل قال : [ اقرأ ] , لأنه ليس كتابا جديدا , بل قراءة جديدة في كتاب الله نفسه , تتوجه لتنقيح هذا النص من شوائب الأحاديث النبوية بالذات . و لهذا السبب , يتشابه نص القرآن مع نصوص التوراه و انجيل لوقا , إلى حد يدعو المستشرقين إلى القول بأنه نسخة معربة عنهما . لكن مثل هذا الحكم السطحي , لا يتورط فيه أصلا سوى رجل يرى الدنيا بعين التوراه , مثل أغلب المستشرقين .
فالواقع , أن القرآن لا ينقل عن التوراه و الأنجيل , بل هو التوراه و الأنجيل , في صياغتهما الالهية المحررة من عبث رواة الحديث . إنه يسمي نفسه [ كتاب الله ] , لأنه بديل عن كتب الحديث النبوي . و يسمي كلامه [ وحيا مباشرا من الله ] , لأنه بديل عن الكلام المنقول بطرق الرواية . و في هذا النص المنقح , استعاد الدين لغته العالمية , و تم اكتشاف السنة الواحدة القائمة وراء جميع السنن .
بالنسبة إلى الأنجيل , أثبت القرآن رواية لوقا في سورتي مريم و آل عمران , لكنه أسقط بقية الأناجيل , و رفض قولها أن المسيح ابن الله , و ندد كثيرا بالترجمة الأغريقية , متعمدا ضرب القاعدة التي تقوم عليها سلطة البابوات .
بالنسبة إلى التوراه , أوجز القرآن عرض أسفار التكوين و الخروج إلى سفر الملوك الأول , و هو منهج مهمته اعداد هذا النص للتصحيح في نقطتين :
الأولى : ان التوراه تسجل الأحداث باعتبارها [ علما و تاريخا ] , و تحدد مواعيدها في المكان و الزمان , مما ورطها في تناقض صريح مع مسير العلم منذ عصر جاليليو . أما القرآن فقد اختار أن يرويها باعتبارها [قصصا ] للعظة و العبرة . و نجح بذلك في تجنب الصدام اللامجدي , بين النص المقدس , و بين النص العلمي .
الهدف الثاني : أن التوراه تروي هذه الأحداث , لأثبات نظرية الشعب المختار . أما القرآن , فأنه يرويها لألغاء هذه النظرية بالذات , و تصحيح النص الديني الذي استحدثت منه صفة الشرعية .
. . . . خلال الثلاث و العشرين سنة التالية و أنجز القرآن مهمته في استبدال كتب الحديث , بكتاب منقح واحد , له نص مكتوب واحد , محصن ضد التحريف , و محرر من نظريات الكهنة , حول أصل اليهود , و طبيعة السيد المسيح . و قد اختار الرسول أن يعلن هذه الخاتمة بنفسه , في حجة الوداع , و اعتمدها القرآن في قوله تعالى : [ اليوم اكملت لكم دينكم ] ( سورة المائدة 3 )
إن كلمة [ أكملت ] تفيد صراحة أن النص الشرعي قد اكتمل في صيغة القرآن , و أنه لم يعد يحتاج إلى اضافات , و ان كل نص , يزيد عليه أو يخالفه , يصبح تلقائيا خارج الشريعة . لكن علم السنة الذي نشأ بعد مائة عام من [ إكتمال ] الشريعة , عاد فاكتشف , أنها لا تزال ناقصة , وورط نفسه في كتب الحديث النبوي مرة أخرى , متعمدا أن يحيي منهج الرواية الشفوية الذي جاء القفرآن أصلا لألغائه . ان هذا ((العلم )) الطارئ , يرتكب خطأ مريبا , لا يليق بمنهج العلم .
فكلمة [ السنة ] لا تعني - لغويا - نص الحديث النبوي , بل تعني نص القرآن . و هي حقيقة يسهل اثباتها من القرآن نفسه الذي لا يدخر وسعا , في الأعلان عن وحدة السنة بين جميع السنن.
في سورة الأسراء :77 [ سنة من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا , و لن تجد لسنتنا تحويلا ]
وفي سورة الفتح 23 [ سنة الله التي قد خلت من قبل , و لن تجد لسنة الله تبديلا ]
و في سورة غافر 85 [ سنة الله التي قد خلت في عباده ]
و في سورة النساء 26 [ يريد الله ليبين لكم , و يهديكم سنن الذين من قبلكم ]
فالسنة التي يتحدث عنه القرآن , ليست هي كتب الحديث النبوي , بل هي نص القرآن الذي رفض فكرة الأحاديث النبوية بالذات , و حرر الشريعة من عبودية التاريخ , و أنهى سلطة رجال الدين , و اعتمد دستور الشرع الجماعي , لكي يعيد القرار إلى أيدي الناس , في نظام اداري محصن ضد الظلم بقدر الأمكان .
هذه السنة لا تقوم على أحاديث منسوبة إلى أحد من الأنبياء , لأنها ليست سيرة تاريخية , بل منهجا تطبيقيا حيا , يعيش عبر العصور , و يخاطب أجيالا لا تحصى , في ظروف لا تحصى . و هي حقيقة لم تغب عن علم الرسول محمد , بل غابت عن علم السنة .
ان الرسول لم يكتب الحديث , لأنه كان يقصد أن لا يكتبه , و كانت رسالته موجهة أساسا إلى إلغاء كتب الحديث , و تحرير النص المقدس من أهواء المؤسسات السياسية , و جمع الناس على سنة نافعة واحدة . و هي رسالة ابلغها الرسول حرفيا , و اختار حجة الوداع , لكي يسمع بشهادة المسلمين على انفسهم , بأن البلاغ قد وصلهم كاملا , و ان النص الشرعي قد اكتمل في صيغة القرآن . و في ذلك الوقت , لم يكن الحديث قد نشأ , و لم يكن ثمة حاجة شرعية إلى نشوئه في شريعة [ اكتملت و تمت ] بشهادة من الله و رسوله معا . ان ظهور علم السنة , كان مجرد رد سياسي على [ سنة الله ] بالذات .
فقبل أن يولد الأمام مالك , الذي افتتح مسيرة الحديث , كانت شريعة الأسلام الجماعية , قد خسرت الحرب على السلطة , و أخلت مكانها لحكومة اقطاعية قائمة على مبدأ الحق الألهي المقدس في الحكم . و هو مبدأ يستحيل احتواؤه في دستور الشرع الجماعي , و يحتاج -بالضرورة- إلى دستور خاص , في سنة جديدة , و قرآن آخر ,مما دعا إلى احداث تحريف معلن في معنى كلمة [ السنة ] التي خسرت اسمها القرآني الصريح , فلم تعد هي [ سنة الله ] كما سماها القرآن , بل أصبحت هي سنة رسوله المستمدة من أحاديث نبوية قابلة للتحريف إلى ما لا نهاية , و في أعقاب الغارة الفقهية , كانت كلمة السنة تعني القبول بمبدأ الحق الألهي المقدس في الحكم , و مبايعة يزيد بن معاوية لولاية العهد . و كان الحديث النبوي , قد استعاد شرعيته التي خسرها بنزول القرآن , و صار علما ربانيا مرة أخرى , يسميه الرواة باسم [ الحديث القدسي ] , من باب الدقة في تقليد الكتاب المقدس . إن المؤامرةعلى سنة القرآن , تصبح سنة نبوية مباركة . و طوال الأربعة عشر قرنا التالية , كانت السنة الجديدة , تحتضن نظم الأقطاع في حكومات عائلية , تتوارث السلطة بموجب الحق الألهي المقدس في الحكم . و كان علماء السنة قد محوا من ذاكرة الناس أن الرسول شخصيا , لا يعترف بمثل هذا الحق , و أنه مات من دون أن يورث السلطة لأحد , و ان مخالفة هذه السنة الصريحة , لا يكون اسمها (( علما )) إلا من باب السخرية بالعلم .
أن عالم السنة الذي بايع الرسول في حجة الوداع على نص القرآن وحده , عاد يبايع الأسر الحاكمة على نص الحديث . و إذا لم تكن هذه البداية الرديئة , خيانة عارية الرأس , فلا بد من أنها خيانة تغطي رأسها بمنديل .
اولا طاب يومك
وعيدا سعيدا لحضرتك ,
قرات مقالتك بعجالة وهناك الكثير الموجود فيها وحسب وجهة نظري جانبت الحقيقة , وخاصة , وحسب ما فهمت , بان الحديث النبوي هو التوراة والانجيل فكيف هذا !!!!!!!! من المقالة :
في عصر الرسول كانت كلمة [ كتاب الله ] تعني - حرفيا - كتب الحديث النبوي في التوراه و الأنجيل , و كان هذا الخلط الظاهر للعين المجردة غائبا كالسحر عن جميع العيون ...!!!!!!!!!
ربما عندما يتوفر لي الوقت الكافي , سارجع وأقرأها بتاني .
دمت بخير
أمل
الذي يقصده الأخ خالد هو أن الأحاديث النبوية في العصر الراهن تشبه ماكان يعتقد به اهل الكتاب (توراة و أنجيل) في زمن النبي محمد. هناك فرق جوهري ما بين المسلمين و المسيحيين... فالمسلمون يعتقدون صراحة و دونما ظن أن القرءان هو الكلام الحرفي المنزل من عند الله - كلمة ً كلمة ً ... أما المسيحيون في هذه الأيام ، فمعظمهم لا يعتقد أن الأناجيل هي من عند الله بحرفيتها و لكن هي كتبها من كتبها على إلهام من عند الله حول المسيح .. لكن النظرة التي كانت سائدة زمن النبي محمد هو أن المسيحين كانوا يعتقدون أن الأناجيل هي كلام الله الحرفي، تماما كما يعتقد الآن أهل السنة أن الأحاديث النبوية هي كلام محمد و بما أن محمد لا ينطق عن الهوى (حسب وجهة نظرهم) إذن الأحاديث هي شرع من عند الله أيضا. هذا هو وجه المشابه. ..
و الله اعلم
9. قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ
الشفافية مطلوبة فى موقع شفاف الشرق الأوسط
الأقباط (الرقم الصعب في المعادلة المصرية)
دعوة للتبرع
الذين إصطفينا : من هم ورثة الكتا ب ( القرآ ن ) في الاية (( ثم...
لغة الملائكة: ما هي لغة الملا ئكة مع البشر ؟ ...
ماذا لو قرأت لنا ؟: من فضلكم كتاب اهل القرآ ن أفيدو ني في معنى...
واذا النفوس زوجت : ( واذا النفو س زوجت ). هل هناك زواج فى الآخر ة ؟...
يرحمها الله جل وعلا: • ( كانت أمى الله يرحمه ا كبيرة وفى رمضان...
more
أخي الكريم خالد .. لقد أعجبني جدا قولك أن الرسول جاء أصلاً لإسقاط "الاحاديث النبوية" في عصره و التي كانت سبب التلف و التحوير في التوراة و الانجيل وقتها. إنها فكرة غابت عن أذهاننا فعلا.. فشكراً لك على هذه الإضافة النيّرة .. و أرجو لك و للجميع هنا عيداً مباركاً و عاما ً قادماً فيه يغاث الناس مما هم فيه.
و الله مع المتقين.