فوزى فراج Ýí 2008-08-25
الولايات المتحدة
تجربة السنوات الأولى – 2
بعد ان وصلنا استلقيت على السرير ولم ادرى إلا ونحن فى صباح اليوم التالى , الأحد, حين أيقظنى برفع صوت الراديو ببعض الموسيقى, وبدأت أول أيام حياتى فى العالم الجديد, الولايات المتحدة الأمريكية.
اول ما لاحظته فى ذلك اليوم هو الهدوء, بررت نومى الذى لم استيقظ خلاله ولو مرة واحدة على غير عادتى - فأنا من يوصف بخفيف النوم وأصحو مرات خلال الليل, ( أو النهار إن كنت قد ذهبت الى النوم فى ساعات متأخرة كما كنت أفعل غالبا ), بررت ذلك بإرهاقى الشديد من الرحلة وتغيير الوقت ...الخ, لكنى كما قلت لاحظت هدوءا شديدا من حولى, ورغم ان المبنى كان على شارع من الشوارع الكبيرة ذات الدرجة العالية من المرور, لكن الهدوء كان شيئا لم أتعود عليه, الهدوء الذى لم اسمعه فى مصر طوال حياتى اللهم إلا عند زيارة الأرياف, وعلى وجه التحديد عند عملية ( التقييل والنوم فى الحقل تحت شجرة كبيرة بجوار الترعة, فلا تسمع سوى خرير المياه وصوت حفيف النسيم عندما يداعب أغصان تلك الشجرة), كانت شقته فى الدور الخامس على ما أذكر, وكان فى كل دور أربع شقق, ونظرت من النافذه فلم يكن هناك سوى خضرة تمتد فى الأفق, ولم يكن هناك ما يعوق النظر فقد كان ذلك المبنى اعلا مبنى فى دائرة النظر من تلك الزاوية التى أنظر اليها.
عندما خرجنا من مسكنه صباح ذلك اليوم , كان أول ما فعله ان طرق على شقة بالدور الأرضى لكى يعرفنى بالقائم على ادارة العقار ويسمى ( superintendant ) وهو من يقوم بإعمال الصيانه والنظافة والمحافظة على أمن المبنى وتحصيل الإيحار وخلافة, وكان لابد ان يعرف اننى سوف اقيم فى هذا العقار حتى لا يتساءل عندما يرانى مرارا, أو ان كنت قد نسيت المفتاح فيفتح لى الباب الخارجى للعقار الذى كان لا يفتح إلا بمفتاح خاص لدى كل ساكن, وفى حالة حضور ضيوف لهم فهم يدقون الجرس من خارج المبنى ويقوم المضيف بالتحدث معهم من خلال ( intercom ) ليتأكد من معرفتهم,ثم يضغط على زر فى شقته فيفتح لهم الباب الخارجى للدخول الى العمارة, وكان ذلك شيئا جديدا على فى عام 1971 حينئذ. ثم خرجنا الى الشارع, وفى ركن من أركان الشارع كان هناك صندوق حديدى يحتوى جرائد, فوضع به عملة ربع دولار ففتح باب الصندوق وأخذ الجريدة الأسبوعيه اى جريدة الأحد, وهى كما فهمت تشبة العدد الأسبوعى من جرائد اخبار اليوم فى مصر او الأهرام فى ذلك الوقت وهو عدد يحتوى الكثير من الأبواب وحجمة ربما اربعة أضعاف أو أكثر لحجم الجريدة اليوميه, وكان ( ولازال) أسم تلك الجريده ( Star Ledger), وهى تعتبر جريده الولاية لأنها تنتشر فى جميع انحاء الولاية , بعكس الجرائد المحلية التى يقتصر توزيعها على نطاق اصغر بكثير وفى مناطق محدودة, وأهمية هذه الجريده هى انها تنشر جميع الوظائف الخالية فى الولاية,وهكذا كان اول ما تعرفت عليه فى الشارع هو الجريدة الأسبوعيه.
أخذنى صديقى بسيارته الباراكودا البيضاء ( باراكودا هو اسم نوع من الأسماك الأمريكية ) لكى يعرفنى على المنطقة, على محطة الأتوبيس, على الشوارع المحيطة, على وسط البلدة ويطق عليه إسم ( downtown)......الخ , وقد لاحظت ان معظم المحلات مغلقة, وقال انهم يغلقون المحال التجارية يوم الأحد حتى الساعة الثانية عشر ظهرا, إحتراما للكنسية والطقوس الدينية, ثم تفتح كل المحلات التجارية بعد ذلك حتى السادسة مساء او السابعة لبعض المحلات ( كان ذلك فى عام 1971 غير ان ذلك قد تغير الآن , فالمحلات التجارية تفتح صباح الأحد كالعاده, وربما يتغير الموعد قليلا بين البعض والأخر طبقا لنوع المحل ونوع التجارة, لكنهم يغلقون فى ساعات متقدمة عن باقى أيام الأسبوع ), ثم قرر ان نقضى بعض اليوم فى مدينة نيويورك, ولأن اليوم كان الأحد فمن المعتقد ان تكون الطرق اقل ازدحاما, وأن تكون مدينة نيويورك ايضا اقل ازدحاما من أيام الأسبوع الأخرى خاصة يومى الجمعة والسبت اللذان يكون الزحام بهما أقصاه.
نيويورك, لماذا نيويورك بالذات, اولا هى من أشهر مدن ليس أمريكا فحسب بل العالم بأكمله, ولا أريد ان اشرح او أسرد ما يمكن ان تتوقع ان ترى فى نيويورك, ولكن السبب هو ان صديقى كان من هواة المسرح منذ أيام الجامعة, وكان مخرجا مسرحيا وممثلا رائعا, ولا أقول ذلك من باب المجاملة له , فلا اعتقد انه سوف يقرأ هذا المقال, ولكنى حتى بمقاييس اليوم اضعه فى قمة ممثلى الدراما ومخرجيه, وكما ذكرت كان تعرفى عليه فى الجامعه من خلال النشاطات الترفيهية التى كنت أشارك بها, وكان من هناك العديد من الزملاء الموهوبين فى النشاط المسرحى, ولازلت اذكر مسرحيات الأستاذ كلينوف, والبؤساء, وغيرهما من المسرحيات الدرامية ثم العديد من المسرحيات الكوميديه, وقد برع صديقى فى اخراج واحيانا كثيرة أداء بعض الأدوار الاولية فى تلك المسرحيات. ورغم ان كانت هناك مواهب كثيرة من بين العديد من الطلبة الذين كانوا من بين الأصدقاء, ولكن للأسف لم يصل الى الشهرة من بينهم فى مصر سوى واحد, وكان صديقا عزيزا فى ذلك الوقت, وهو الممثل المعروف فى مصر"فؤاد خليل", وكان من بين اكبر المهرجين ذوى الروح الخفيفة والمرحه , وكان أيضا من اكبر المنافسين لى فى..... تدخين السجائر ............, بالمناسبه كنت ادخن بشراهه حتى كان بعض الأصدقاء يقول لى اننى لا اطيق ان تبقى سيجارة بين أصابعى فأدخنها بسرعة كى اتخلص منها, ولا اطيق ان لا تكون هناك سيجارة بين أصابعى فأشعل سيجارة أخرى على عجل. بالمناسبة لقد توقفت عن التدخين تماما منذ عام 1978 ولذلك قصة أخرى.
لماذا نيويورك بالذات, كانت مراسلاتى مع صديقى قبل حضورى الى الولايات المتحده تملؤها اخبار المسرح الأمريكى فى ال ( برودواى ) , وكنت لثقتى فى مقدرته الفنيه اعتقد انه من الممكن ان يكون من بين ممثلى اى مسرح او مسرحية فى العالم, فكان يرسل لى بما شاهده فى نيويورك, وكان أحيانا يرسل الى بعض الصور السياحية للشارع الإثنين والأربعين وميدان تايمز سكوير وراديو سيتى ميوزك هول ..الخ, ولذلك ما أن قال ( New York, here we come ) حتى قفز قلبى من الإثارة بين ضلوعى, فى انتظار ان أرى بعينى ما كنت أسمع عنه من قبل.
دخل الى الطريق السريع ( Garden city parkway) , ولدى دخوله لاحظت انه توقف عند المدخل ثم ألقى بعملة فضية فى سلة معلقة على جانب المدخل وكان قد اخبرنى عنها ليلة الأمس فى طريق عودتنا وتسمى ( Toll) والتى تختلف نسبته تبعا لنوع الطريق وكذلك تبعا للمسافة التى سوف تقطعها به, وشرح لى انواع الطرق فى الولاية, ومنها طرق سريعة تختصر الوقت والمسافات, ويجب ان تدفع الثمن لأنها ليست ملكا للولايه, بل تعتبر طرق تملكها وتقوم بصيانتها هيئات او شركات تستثمر مئات الملاييين من الدولارات لتسهيل التنقل, وبالتالى فيدفع كل من يود ان يستخدمها رسوما مالية, وهناك طرق اخرى سريعة أيضا تشرف عليها الولاية لكنها بلا رسوم, وهناك طرق تمتد بين الولايات وتسمى ( Interstate) وطرق محلية لكل ولايه .....الخ, هناك طرق لها أسماء وطرق لها أرقام وأغلبية الطرق السريعة بين الولايات او داخل الولاية تعرف بأرقامها, غير انهم أحيانا قد يطلقون إسم احد المشاهير على جزء من الطريق فى منطقة ما او فى ولاية ما, كذلك فإن الطرق ال( interstate ) عندما تكون احادية الرقم فإنها تتجه شمالا جنوبا, وتتجه شرقا غربا إن كانت زوجية الرقم وهذه قاعدة عامه. ولأن الولايات المتحدة قارة فى حد ذاتها, وليس هناك من سوف يوقفك بين ولاية وأخرى, فمن الممكن جدا ان فقدت طريقك ان تجد نفسك ليس بعيدا عن المدينة التى تريدها فحسب, بل بعيدا عن الولاية وفى ولاية أخرى بكل بساطه. لذلك فإن كنت سوف تقود سيارتك, عليك أن تعرف جيدا تلك الطرق, وعليك ان تعرف كيف تصل من النقطة ألف الى النقطة التالية باء, وأن أهم شيئ يجب ان تعرفه بالإضافة الى معرفة الطرق هو معرفة الإتجاه, بمعنى اصح ان تعرف ان كنت تسير غربا او شرقا, شمالا ام جنوبا, فمن الممكن ان تكون فى الطريق الذى تريده ولكن فى عكس الإتجاه, وقد تنتهى عشرات بل مئات الأميال بعيدا عن هدفك . فكانت تلك هى الدروس الأولى فى اول أيام حياتى فى أمريكا.
فى الطريق الى نيويورك, كان صديقى يشير الى معالم الطريق والى الإتجاه والى علامات الطريق التى كانت واضحة وكبيرة ويقول ان يجب ان تتعلم ان تقرأ العلامات بسرعه, فعندما تكون فى الطريق السريع تقود سيارتك حتى بالسرعة القانونيه والتى غالبا ما لا يلتزم بها قادة السيارات, يجب ان تستطيع ان تقرأ اللوحة بسرعه حتى لا تبطئ لقراءتها فتسبب حادثة او لا تقرأها جيدا فتضل طريقك, ووصلنا فى الطريق الى مدينة ( Jersey city) , وهى على الشاطئ الغربى من نهر الهدسون الذى يفصل بين نيويورك ونيوجرسى, وقد اخبرنى ان هناك عددا كبيرا جدا من المصريين يعيشون فى تلك المدينه, فقد اصبحت ملتقى للكثيرين منهم والسبب ان اغلبهم يعمل فى نيويورك, ولكن تكاليف الحياه فى نيويورك من مسكن ومأكل وضرائب...الخ غالية جدا لذلك فهم يسكنون فى جيرسى سيتى ويركبون القطار او كما يسمى هنا ( subway) صباحا الى نيويورك, فالمسافة لا تتعدى فى القطار حوالى عشرة الى خمسة عشر دقيقه, وتكلفهم اقل بكثير من تكاليف السيارة لو استعملوها, اضف الى ذلك ان الحصول على مكان مجانى لركن السيارة هناك يعد من المستحيل, وتكاليف الجراجات اليوميه اكبر مما تسمح به مرتباتهم. اظرف ما قال هو لو انك وقفت صباحا على محطة القطار فى جيرسى سيتى لظننت انك تقف على محطة القطار فى احدى المدن المصرية لكثرة ما سوف تسمعه من الحديث باللغه العربية, وقد رأيت ذلك بنفسى فيما بعد, ولا اعرف ان كان ذلك لايزال ام تغير فقد تركت نيوجرسى منذ اكثر من 32 عاما .
بعد المرور بمدينة جيرسى سيتى مباشرة, توقفنا ودفع صديقى الرسوم ( كانت دولارا فى ذلك الوقت, اليوم اعتقد انها قد وصلت الأن الى ثمانية دولارات عن السيارة ) ويتم تحصيلها عند الدخول الى نيويورك , وليس عند الخروج منها قبل المرور فى النفق, وهذا النفق يسمى ( Holland Tunnel ) وهو ممر او نفق يوصل بين نيوجرسى ونيويورك, ويمر تحت نهر الهدسون, اى انه محفور لكى يكون تحت قاع النهر, وقد سارت السيارة فيه بسرعتها المقررة على ما أذكر 35 ميل فى الساعة, وبعد حوالى دقيقتين تقريبا خرجنا من النفق فى جزيرة مانهاتن وهى احد الأجزاء الخمسة التى تتكون منها مدينة نيويورك. وعلى مرمى البصر وعلى بعد ربما دقيقة واحدة كان هناك برجى مركز التجارة العالمى الشهيرين. ودار صديقى حولهما, ثم خلال دقائق اخرى كنا نسير فى أشهر شوارع نيويورك, البردواى الذى يقطع مانهاتن بطريقة قطرية ( diagonal).
قضينا اليوم نتسكع فى مانهاتن, سواء راكين السيارة او على أقدامنا بعد ان وجدنا ( بمعجزة او بالحظ لأن اليوم كان الأحد) مكانا لركن السيارة فى شارع جانبى أكثر من مرة , وأخذ صديقى يعرفنى بمانهاتن التى لو تأملت خريطتها, وعرفتها فلن تتوه او تضل طريقك بها إطلاقا, وبالطبع ذهبنا الى التايمز سكوير والى راديو سيتى ميوزيك هول, والى الشارع الثانى والأربعين حيث تجد كل ما لا يسمح به الإسلام او اى دين اخر, كما تجد فى نيويورك صفقات رائعة فى كل ما تبتغى ان تشتريه من اجهزة وخلافة. كما رأيت أن معظم المحلات التى تبيع الأجهزة الإلكترونية فى ذلك الوقت وحتى الأن يملكها ويعمل بها يهود, بل ان الكثير منهم يتحدث العربية, سواء باللكنه الفلسطينية او المصرية, وبعد ان تتحدث اليهم وتنطق عدة كلمات, يعرفون من لكنتك "Accent" أنك عربى, فيتبادلون الحديث معك باللغة ا لعربية . وتلك المحلات هى الوحيدة من نوعها فى أمريكا التى تستطيع ان تفاصل معهم فى الثمن, ولا أعرف ان كان الأمريكيون أيضا يفاصلون, ولكن فهمت ان المصريين يفاصلون معهم دون اى مشكلة. وفى اخر النهار قبل حلول المغرب, كنا فى طريق العودة الى نيوجيرسى, حتى ينال صديقى قسطا من الراحة, فغدا الإثنين اول ايام الأسبوع, ويجب ان يرتاح فقد كان الويك أند بأكملة عامرا بالنشاط بدءا بإستقبالى فى المطار الى اخرة.
لدى عودتنا الى مسكنه, اخبرنى ان أتصفح الجريدة لكى أرى نوعية الوطائف الخالية وأن اقارنها بخبرتى او بما اعتقد اننى من الممكن ان اقوم بها, كذلك اخبرنى عن ان الخطوة الأولى هى ان يكون لديك ما يسمى ( Resume ) وهو ورقة توضح ثقافتك وشهاداتك وخبراتك فى العمل ومعلومات شخصية عنك....الخ, وفى ذلك الوقت لم يكن هناك كمبيوتر , ومن ثم لكى تحصل عليها, تكتب كل تلك البيانات على ورقة , ثم تأخذها الى مكتب للطباعة, وتحدد عدد النسخ المطلوبة, وتدفع الثمن وفى خلال يوم او يومين تكون جاهزة , لأنه ليس هناك وظائف بدون ان تقدم تلك البيانات. خلال تلك الفترة والتى تختلف تماما عن السنوات العشر او العشرون الأخيرة, كان كل المهاجرين على الأقل من المنطقة العربية , مهاجرون تبعا للقانون, ولم يكن هناك مهاجرون غير قانونين, وكما قلت سلفا, كانوا او على الأقل كل من عرفتهم من ذوى المؤهلات العالية و أيضا من أصحاب الخبرة, والمشكلة كانت فى ذلك الوقت هى ان تجد الوظيفة المناسبة التى تأخذ فى الحسبان خبرتك وثقافتك, لكى تضع قدمك فى المكان المناسب فى خطوتك الأولى, لكن ذلك لم يمنع لأسباب كثيرة منها عدم القدرة على التحدث والتفاهم باللغة الإنجليزيه , أو عدم وجود وظائف تناسب مؤهلك وغيرها من تلك الاسباب ان كان الكثير من المهاجرين يقبلون وظائفا اقل بكثير من مؤهلاتهم او خبرتهم , وبالطبع بعد ان يقضى الفرد منهم فترة تطول او تقصر إعتمادا على مقدرته فى التحدث وكسب بعض الخبرة فى العمل فى أمريكا, بعدها ينتقل الى عمل اخر وهكذا.
بمناسبة الحديث عن الهجرة والمهاجرين, كلمة الهجرة لم تكن من الكلمات المستعملة بكثرة او قلة فى الأربعينات او الخمسينات من القرن الماضى, بمعنى اصح , كانت تلك الكلمة إن إستعملها احدهم فأغلب الظن سيكون استعمالها فى معرض حديث دينى عن هجرة الرسول من مكة الى المدينه, وليس هجرة فلان او علان الى أمريكا, وربما استعملت أيضا فى حالات نادرة فى وصف هجرة يهود أوروبا الى فلسطين, ولكن غير ذلك , لم يكن لها إستعمالا على نطاق واسع. بعد قيام الثورة فى عام 1952, وبعد ما سمى " إنجازات الثورة" التى كان لها وقعا سيئا بل أسوأ مما تتسع له هذه المقالة لكى يوصف على الإقتصاد المصرى وعلى الحريات الشخصية للشعب المصرى, وبعد حرب 1956 التى ( إنتصرنا ) فيها إنتصارا كبيرا على انجلترا وفرنسا وإسرائيل, هل قلت انتصرنا؟.وبعد عمليات التأميم للقطاع الصناعى فى مصر وتحويله الى ما يسمى القطاع العام, وكنا نضحك ونتساءل " كيف عام ؟" ونسمية القطاع الغارق او الذى لم يعوم اونقول " ده قطاع عام ده, دا ولا حصل حتى قطاع شهر ولا قطاع أسبوع ", وبعد عملية ((الإصلاح الزراعى)) التى انتهى بتقسيم الأراضى الزراعية وتحديد ملكيتها مما اطاح تماما بالإنتاج الزراعى فى مصر......الخ من تلك الإنجازات الثورية المزعومة, وبعد ان بدأ يهود مصر فى الخروج منها زرافاتا ووحدانا سواء بالطرد من قبل الحكومه بعد تأميم شركاتهم وأموالهم حتى متعلقاتهم الشخصية او بالهرب بعد ان غضت الحكومة نظرها على من يهرب بل وسهلت لهم الطرق, بدأت كلمة هجرة تأخد طريقها فى الحوار بين طبقات المجتمع فى اوائل الستينات, وازداد إستعمالها بكثرة إناء حرب اليمن, ثم حرب 1967 التى انتهى ب (نكسة ) لم تتوقعها مصر خاصة وبعد عمليات غسل المخ الذى قامت به أجهزة الإعلام المصرية التى كانت قد اخلت بكل موازين المنطق والحقيقة فى عقول المصريين فكانوا يعتقدون ان مصر فى اى مواجهة مع إسرائيل سوف تقضى تماما عليها, وسوف تحل مشكلة فلسطين حلا نهائيا بل كما كان عبد الناصر يلوح فى خطاباته بأننا سوف نحرر فلسطين وسوف نلقى بالصهاينة فى البحرحتى صار حلم كل مصرى ان تحدث حربا فاصلة مع العدو الصهيونى لكى نستخرج تلك الشوكة المزروعة فى جنبنا ..........الخ. المهم تحولت كلمة هجرة الى كلمة لها معنى جديد بين طبقات المجتمع المصرى, وكانت الدول المفتوحة للهجرة فى ذلك الوقت, امريكا وكندا وإستراليا والبرازيل, وربما كانت هناك دولا اخرى لست اذكرها الأن, وبدأ شباب مصر الذين كانوا قد أصيبوا ب ( نكسة ) وإحباط هم الأخرين كنتيجة لتراكم كل تلك الأحداث التى ذكرتها أعلاه, بدأ الشباب من خريجى الجامعات فى السعى وراء الهجرة هربا من عامل او أكثر من تلك العوامل المذكوره. ولم تكن تلك السفارات للدول التى كانت تسمح بالهجرة فى الحقيقة تقبل سوى خريجى الجامعات بل ليس حتى من جميع التخصصات, فكانت التخصصات العلمية اكثر قبولا من سفارات تلك الدول التى كانت مفتوحة للهجرة كذلك كانوا يفضلون من له خبرة فى تخصصه, وفى منتصف الى أواخر الستينات , اتخذت الحكومة قرارا بالموافقة على هجرة اعداد لم يسبق لها مثيل من مصر, ولست أعرف الأسباب على وجه التحديد, ولكن من الممكن ان نخمن ان الدولة كانت فى حاجة ماسة الى عملات صعبه,( فلم تكن تسمح لأى مهاجر سوى بمبلغ 200 دولار فقط لاغير عندما كان الجنيه المصرى يعادل ثلاثة دولارات, اى اقل من سبعون جنيها مصريا مهما كانت تروتك, وهذا كان فى معدل مرتب اقل من ثلاثة شهور لخريحى الجامعه ذوى الخبرة), والى التخلص من بطالة مقنعة وتضخم فى حجم العمالة , حيث ان الدولة كانت تقوم بعمليات التوظيف لخريجى الجامعات والمدارس المتوسطه, فلم يكن القطاع الخاص قد تبقى منه الكثير, بل لا أذكر من خريجى دفعتى سوى عددا اقل من أصابع اليد الواحدة الذين حصلوا على عمل فى شركة من شركات القطاع الخاص, او الشركات الأجنبية التى كانت تمارس العمل فى مصر, مثل بعض شركات البترول او الخامات والتنقيب...الخ, ولربما كان هناك مخطط للتخلص من هؤلاء بالسماح لهم بالهجرة لكى لا يكون هناك نواة لمعارضة الحكومة من هؤلاء الذين فقدوا ثقتهم تماما فى تلك المسماه – حكومه -.
يتبع
كان ذلك هو ما أستطعت ان اتذكره او ما بقى فى رأسى المتعب من ذكريات عن اليوم الأول او الثانى فى أمريكا, ومن الطبيعى ان هناك أشياء لا تترك فى ذاكرة الإنسان أثرا, وأشياء أخرى لا تبرح مخيلته. الغرض كما قلت فى ردى عليك فى المقالة السابقة هو تسليط الضوء على المجتمع الغربى من خلال عرض لتجربة ( السنوات الأولى ) كما سميتها والتى تختلف إختلافا كبيرا وحتميا عن السنوات التالية , ولم يكن الغرض فى الحقيقة هو عرض ما حدث لفوزى فراج ,فليس هناك من يهتم بما حدث لى شخصيا, كما لا يجدر بأحد ان يهتم به, غير اننى من خلال تلك التجربه كما قلت أردت ان اعطى كل ذى حق حقه وأن ارفع بعض الإتهامات الغير عادلة والغير صحيحة عن المجتمع الغربى من الرجال والنساء وعن تقاليدهم ومنها ما هو رائع ومنها ما هو غير ذلك تماما. وسوف احاول ان شاء الله ان اسعفتنى الذاكرة ان احقق لك ما طلبت من التركيز على بعض المواقف والأحداث وأرجو ان تفى بالغرض الذى طلبته. مع وافر تحياتى
ولكن لى تساؤل بسيط هل الأمور الآن إختلفت عن تلك الصورة المعبرة التى رسمتها من خلال تلك الذكريات الجميلة مثلما إختلفت فى بلادنا بالعلم الثالث وما الفارق بين الإختلافين من وجهة نظركم ( ( إختلافى أمريكا والعالم التالث ))
مع خالص الحب والتقدير والأمانى الطيبة
الولايات المتحدة -تجربة السنوات الأولى - 2
كلامٌ.... كلامٌ.... كلامٌ.....كلامْ
دعوة للتبرع
زكاة من أمريكا: الزكا ة من المسل م الامر يكى القاد م من...
التداوى مطلوب : اعلم ان المرض من الله ولكن ما رايك فيمن يجري...
الحوينى والقعقاع : سمعت مقطعا على اليوت يوب للشيخ أبو إسحاق...
النور: قال الله سبحان ه وتعال ى " اللَّ هُ نُورُ...
ليلة القدر: في سورة القدر ونحن اطفال كانوا اصحاب...
more
أخى العزيز
أتابع بشغف وسعادة سلسلة مقالاتك عن قصتك فى / مع أمريكا ، وبالرغم من جمال مقالتك وحلاوتها والتسلسل المنطقى فيها إلا أن أحداثها جاءت كثيرة ومزدحمة ومركزة ولم تتطرق هنا للتفاصيل اللذيذة المغرية التى أشبهها بفطيرة البيتزا فى ساعة جوع فى مقالتك السابقة .
عموماً مشكوراً جداً على هذه السلسلة التى أعبرها وثيقة تذكارية قيمة لكل من تسول له نفسه أن ينحو نحو أمريكا أو يسلك دروبها , وأرجو فى مقالتك القادمة من هذه السلسلة الا تنسى التفاصيل الدقيقة للأحداث والمواقف وزيارات الأصدقاء والقفشات الجميلة والمواقف الغريبة واللحظات المثيرة ، كما لا تنسى مواقف الخوف والرعب من أى / كل شىء ومواقف السعادة وهكذا فكل موقف ولقطة لها قيمتها الفنية من وجهة نظرى .
أشكرك وإلى الأمام دائماً