الفاعل الامازيغي و إشكاليات الشأن الديني الرسمي بالمغرب اية مقاربة تاريخية و سياسية ؟

مهدي مالك Ýí 2024-11-13


 

الفاعل الامازيغي و إشكاليات الشأن الديني الرسمي بالمغرب اية مقاربة تاريخية و سياسية ؟

مقدمة متواضعة                                           

لقد طالب الأستاذ عبد الله بوشطارت عضو في مجموعة الوفاء للبديل الامازيغي في تصريح صحفي الدولة المغربية باعتماد اللغة الامازيغية الرسمية في خطب يوم الجمعة و ربما في خطب العيدين بعد اكثر من نصف قرن من الاستقلال الشكلي و بعد 23 سنة من سياسة الامازيغية الجديدة أي منذ خطاب اجدير التاريخي و بعد 13 سنة من ترسيم اللغة الامازيغية في الوثيقة الدستورية الحالية حيث ان هذه المطالبة لم تاتي فجاة او صدفة بل جاءت لتويج المسار الذي قطعته الحركة الامازيغية ببعدها الثقافي و السياسي منذ التاسيس الرسمي لها سنة 1967 و قبل هذا التاريخ من الارهاصات الأولى داخل القبائل الامازيغية التي قاومت الاستعمار الأجنبي على التراب الوطني و داخل نخب الامازيغيين السياسية ان صح التعبير مع المرحومين المحجوبي احرضان و ابنه اوزين احرضان و المرحوم عدي اوبيهي  و الثقافية مع الأستاذ محمد شفيق و الدينية مع سيدي المختار السوسي رحمه الله ..

قبل التطرق الى هذا الموضوع الجوهري الذي تحدثت عنه باسهاب في كتابي الأخير تحت عنوان الامازيغية و الإسلام و أيديولوجية الظهير القامعة لهما لا بد من الانطلاق وفق المسلمات او البديهيات .

ان اول هذه البديهيات هي ان الله سبحانه و تعالى قد انزل هذه الرسالة الخاتمة على رسوله الاكرم بغية تحقيق معاني الرحمة و المساواة و المدنية الخ من هذه المعاني العليا لان الله قد خلق هذا الانسان بغية الاستخلاف في هذه الأرض بالعدل و بالخير و تراكم المعارف الإنسانية عبر اعمال العقل و المنطق .....

و ثاني هذه البديهيات هي عندما اعتنق اجدادنا الأوائل الإسلام كان عن الايمان و الاقتناع الراسخان منذ استقلال اجدادنا الامازيغيين التام عن الخلافة المشرقية ابتداء 740 ميلادية حيث استطاعوا خلق التراكمات الايجابية في السياسة و في الحكم و في شان الملائمة بين الامازيغية كهوية اصلية لهذه الرقعة الجغرافية  و الدين الإسلامي الذي انزله الله للإنسانية جمعاء الى قيام الساعة بشرط التطور و التطوير و الاجتهاد الرصين و ليس حبس العقل في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام كما فعل سلف الامة و خلفها الان .

لكن بالمقابل سلك اجدادنا الامازيغيين المسلمين مسالك أخرى من خلال الاجتهاد المدني عبر سن قوانين وضعية توقر المقاصد العليا للشرع الإسلامي و تساير في نفس الوقت ضرورات العصر و حاجاته المستحدثة حيث شرح المرحوم محمد شحرور في كتبه الرائعة ان قوانين الإسلام أي الشريعة الإسلامية يمكن تطبيقها وفق الحدود العليا و الحدود الدنيا حسب السياق التاريخي و السياق الاجتماعي لاي مجتمع إسلامي الى قيام الساعة ..

انني استحضرت هنا كلام المرحوم المفكر السوري محمد شحرور باعتباره كلام رصين و قريب من ما طبقه اسلافنا الامازيغيين من القوانين الوضعية او الأعراف الامازيغية كما هي معروفة لدى الجميع أي ان العقل السلفي يرفض هذا الطرح جملة و تفصيلا لانه يتعارض بشكل واضح مع الفقه التراثي الميت في معظمه ......

و ثالث هذه البديهيات هي عندما وصلت أولى التاثيرات السلبية من المشرق العربي الى مغربنا الحبيب أوائل ثلاثيات القرن الماضي قد تأسست ما يصطلح عليه بالحركة الوطنية على أسس العروبة و الإسلام المخزني المحدود في مدن المركز حيث كانت تلك المناطق تطبق الشريعة الإسلامية و حدودها بينما في القبائل الامازيغية على امتداد التراب الوطني الشاسع باحتساب الصحراء الشرقية وقتها كانت تطبق القوانين الوضعية الامازيغية تحت انظار الفقهاء و الدول المتعاقبة على حكم المغرب منذ سنة 740 ميلادية الى 1956 كتاريخ خلع العرف الامازيغي من طرف السلطة العليا بسبب عزم السلطة العليا و حركتها الوطنية على تحويل المغرب الى دولة عربية إسلامية في المشرق العربي رغم انها لا تطبق الشريعة الإسلامية و حدودها مثل المملكة العربية السعودية بمعنى ان أولى التاثيرات المشرقية السلبية قد ساهمت بشكل صريح في الانقلاب على المرجعية الامازيغية الإسلامية كما اسميها على مختلف المستويات و الأصعدة بعد سنة 1956 و اختزالها في قوالب التنصير و الجاهلية و الفرنسة عبر أيديولوجية الظهير البربري المؤطرة للحياة العامة في  تلك العقود ...........

الى صلب الموضوع                           

ظل الفاعل الامازيغي منذ ستينات القرن الماضي يواجه إشكاليات الشان الديني الرسمي بالمغرب لان البعض يتوهم ان اصل المشاكل بين الفاعليين الامازيغيين و الجهات الوصية على تدبير الشأن الديني الرسمي هو راجع بالاساس الى اراء الأستاذ عصيد الناقدة لجمود العقل السلفي و فشله في إيجاد الحلول المعاصرة  من داخل الدين نفسه للمشاكل المطروحة الان.

و انما اصل المشاكل  هو ان السلطة العليا بعد سنة 1956 قد قامت بتاسيس الشأن الديني على أساس العروبة و الإسلام السلفي و المتحرك بين ما يصطلح عليه بالسلفية الوطنية و بين السلفية الوهابية و فكر تيارات الإسلام السياسي أي ان الإسلام الرسمي للدولة المغربية بعد سنة 1956 كان  يتعارض بشكل كلي مع المرجعية الامازيغية في حدودها الدنيا أي اللغة و الثقافة و العادات الخ و في حدودها العليا أي تطبيق القوانين الوضعية الامازيغية من خلال ادخالها في التشريع الوطني و احياء الكونفدراليات الامازيغية الخ.

و يقول الأستاذ بوشطارت  في تصريحه الصحفي ان المرحوم المختار السوسي كان يمثل الإسلام الامازيغي عندما يتولى وزارة الأوقاف و الشؤون  الإسلامية بعد استقلال المغرب الشكلي حيث لا اتفق معه على الاطلاق على اعتبار ان المرحوم لم يترك لنا أي قرار وزاري او اية  توصية لصالح الامازيغية داخل الشأن الديني الرسمي من قبيل اعتماد اللهجات البربرية كما تسمى وقتها في خطب الجمعة و العيدين في المناطق المحافظة على امازيغيتها على اقل او ادماجها في البرامج الدينية في التلفزيون المغربي الخ بمعنى ان الأستاذ بوشطارت يريد ربما اظهار المرحوم بمظهر الصوفي البعيد كل البعد عن الفكر السلفي للحركة الوطنية لان التصوف هو احد مظاهر الإسلام الامازيغي ..

انني احترم سيدي المختار السوسي رحمه الله الذي قد ترك لنا تراث ضخم من تاريخ سوس الديني و الثقافي و الفني خلافا لما نسمعه الان من طرف وحوش الوهابية هنا في منطقة سوس العالمة من السباب و الشتائم  ........

لقد ظل الفاعل الامازيغي يواجه إشكاليات الشأن الديني الرسمي منذ ستينات القرن الماضي و هي كثيرة من قبيل ان اللغة العربية هي لغة مقدسة او انها لغة اهل الجنة ك ان هناك  من عاد من الاخرة ليخبرنا بهذا الخبر العنصري لان الله هو العادل بين عباده العالمين بمختلف لغاتهم و ملهم الخ ...  

و هناك اشكال العروبة التي لبست  ثياب الإسلام في العهد الاموي و هي في اصل نعرة جاهلية اعادت مجموعة من التقاليد الى حضن الإسلام مثل الغزو و وطء الجارية او الاسيرة في الحروب الخ من هذه المظاهر الجاهلية لكن الفقهاء في اطار دولة الخلافة قد اجتهدوا في إطفاء الشرعية الدينية على هذه الأخيرة بغية الحصول على رضى الخليفة باعتباره ظل الله في الأرض .

و من هذا المنطلق فان العروبة تم توظيفها دينيا في تلك العقود بهدف تعريب كل شيء باستعمال رواية الحركة الوطنية لتاريخ المغرب أي ان العرب صنعوا التاريخ و الحضارة في بلدان المغرب الكبير و جنوب الصحراء الافريقية و في الاندلس منذ ما يصطلح عليه بالفتح الإسلامي في الوعي الديني الرسمي الى حد بالمغرب..

 و بالتالي تم تهميش الدور العظيم الذي قام به الامازيغ في صناعة تاريخ و حضارة هذه الجغرافيات الشاسعة من العالم و اختزال دورهم في احداث الفتن و الخروج عن طاعة ولي الامر و التحاكم الى الشرائع ما انزل الله بها من سلطان و هذا الكلام قالوه رموز السلفية الوطنية المزعومة في ثلاثينات القرن الماضي .

و من بين إشكاليات الشأن الديني بالمغرب هي السلفية المتحركة بين فكر الحركة الوطنية المغربية كما تسمى و فكر تيارات الإسلام السياسي و فكر المذهب الوهابي أي اننا امام فكر دخيل الى المغرب سنة 1930 حيث استخدمه المخزن ابتداء من سنة 1956 لتحقير سياسة القبائل الامازيغية و المعتمدة اصلا على تطبيق القوانين الوضعية و إدخالها في نطاق الجاهلية و في نطاق التفرقة و في نطاق التنصير علما ان المخزن لم يطبق الشريعة الإسلامية  منذ سنة 1956 الى الان على الاطلاق بل طبق القوانين الوضعية الفرنسية و العاقل سوف يفهم كلامي هذا .

ثم جعل الثقافة الامازيغية في عيون المغاربة في ذلك الوقت صناعة فرنسية خالصة لا غبار عليها حيث عندما ظهرت أولى جمعيات الثقافة الامازيغية ببلادنا 1967 اتهمت بانها تريد احياء الظهير البربري كما يسمى آنذاك و انها تريد تقسيم المغرب الخ من هذه الأكاذيب و هذه الخرافات ...

ثم استخدم المخزن هذه السلفية المتحركة  سنة 1979 عبر إدخاله للمذهب الوهابي الوحشي للقضاء على وعي فقهاء اهل سوس تجاه هويتهم الاصيلة بعد ظهور البحث الشهير للمرحوم امحمد العثماني  تحت عنوان الواح جزولة و التشريع الإسلامي في دار الحديث الحسنية بالرباط .

ثم المشكل الذي حدث بين صاحب كتاب العمل السوسي للمرحوم عبد الله جيثيمي و الراحل المكي الناصري بقيمته الدينية و السياسية وقتها حيث طالب باحراق هذا الكتاب القيم  الذي اشتاق لقراءته و طالب أيضا بمحاكمة صاحبه..

ثم ما حدث بعد الإعلان الرسمي عن ترجمة معاني القران الكريم الى اللغة الامازيغية في مارس 1999 من السباب و الشتائم و التهديد بالقتل من اطراف داخل الشأن الديني الرسمي او داخل تيارات الإسلام السياسي حسب ما فهمته من حديث صاحب هذا العمل الجليل سيدي الحسين جهادي في برنامج شؤون امازيغية  في احدى الليالي الرمضانية الصيفية لسنة 2012 بمعنى ان الفاعل الامازيغي ظل يواجه إشكاليات الشأن الديني الرسمي بالمغرب منذ سنة 1967 الى يوم هذا دون التوقف .................

انني اعتقد ان وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية برغم ان من يقودها هو أستاذ باحث امازيغي من نواحي إقليم مراكش الا و هو الأستاذ احمد التوفيق الذي اكن  له كل الاحترام و التقدير الواجبان .

لكن بالمقابل فان وزارته الموقرة لم تقم باية إجراءات ملموسة لصالح الامازيغية كلغة و كثقافة و كتاريخ الخ منذ خطاب اجدير التاريخي الى الان حيث مازال خطابنا الديني الرسمي و اتكرر الرسمي بالغالب هو يتجاهل ابعاد الامازيغية الثقافية و الحضارية و القانونية مع وجود الاستثناء الوحيد الا و هو رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيرات تمارة الحاج لحسن بن إبراهيم استكفل الذي خاطب اول خطبة جمعة لصالح الامازيغية  في تاريخ المغرب المعاصر في يناير 2021  و يساهم بتاطيره الجيد في الإذاعة الامازيغية و في إذاعة محمد السادس للقران الكريم الخ ..

ان هذه الوزارة الموقرة لم تحترم ترسيم اللغة الامازيغية في دستور 2011 عبر مؤشرات استحضرتها طيلة السنوات الأخيرة خصوصا في مقالاتي المتواضعة و المنشورة في موقع اهل القران منذ سنة 2016 .

انني اذكر هنا بوجود  خطاب 9 مارس 2011 التاريخي و السامي  الذي جعل الامازيغية بشموليتها صلب هويتنا الوطنية و ليس نعرة جاهلية او عنوان للالحاد او للحرية المطلقة في العلاقات الرضائية خارج اطار الزواج ك ان تاريخنا الإسلامي في عز الخلافة الإسلامية ليس فيه أسواق النخاسة تباع و تشترى الجواري للفراش دون أي زواج في عز الظهر امام السادة الفقهاء و الناس العامة و خاضتهم................

ان الكلام في هذا الموضوع سيطول بنا لكنني اعبر عن اعتزازي الشخصي تجاه مطالبة الأستاذ بوشطارت الدولة المغربية باعتماد اللغة الامازيغية في خطب يوم الجمعة او العيدين بصفته العضو في  مجموعة الوفاء للبديل الامازيغي حيث اذكر هنا بكل التواضع انني اقترحت في أواخر كتابي الأخير فكرة إعادة تاهيل حقلنا الديني الرسمي على أساس امازيغية المغرب عبر 10 نقاط جوهرية ........    

توقيع  المهدي مالك

 

 

 

اجمالي القراءات 583

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-12-04
مقالات منشورة : 290
اجمالي القراءات : 1,425,910
تعليقات له : 27
تعليقات عليه : 29
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco