أسئلة قديمة رددت عليها ونسيتها . أنشرها الآن .
آحمد صبحي منصور
Ýí
2023-05-11
أسئلة قديمة رددت عليها ونسيتها . أنشرها الآن .
الأسئلة تقول : ما هو معيار الحكم على المحكم والمتشابه ؟ ومن هم الراسخون فى العلم ؟ وهناك من يتهمك بأنك تفرض آراءك الشخصية فى بحوثك القرآنية .كيف ترد عليهم ؟
وهذا هو الرد الذى كتبته يومئذ :
1 ـ معيار اختيار المحكم من الايات يعتمد على المنهج نفسه وقدرة الباحث على استخدامه ، ولهذا لا بد من أن يكون الباحث متمكنا من استذكار القرآن كله ، ومعايشة آياته واستحضارها بعقله حين يريد ومتى شاء. لا يتوقف الأمر على الاطلاع على القواميس التى تجمع الايات حسب تركيب الكلمة لفظيا ، لو توقف الأمر على ذلك لكان سهلا على أى باحث عادى أن يفتح (المعجم المفهرس ) و يجمع منه كل الايات التى ورد فيها ( نظر ) و ( رأى ) ويبحثها ، ولكن لا بد من أن (يترسخ ) العلم بآيات القرآن ومواضيعها فى قلب الباحث وعقله ، بحيث يستحضر كل الآيات التى أشارت من قريب ومن بعيد الى المعنى المراد بحثه ، وبكل الألفاظ . ومثلا فى موضوع الشفاعة لم تقتصر الايات المحكمة على الايات التى ورد فيها لفظ (شفع ) ومشتقاته ، بل تعدى ذلك الى آيات كثيرة متنوعة اللفظ ، ولكن السياق كله فى تاكيد واحد هو أن الشفاعة لله تعالى وحده . وليس لبشر سلطة الشفاعة .
ومن هنا تاتى إشارة القرآن الكريم فى الآية السابعة من سورة آل عمران عن الراسخين فى العلم ، أى الذين عايشوا العلم القرآنى فترسخ فى قلوبهم وعقولهم وانشغلوا به آناء الليل وأطراف النهار ، وكيف أنهم يؤمنون بكل الايات ويقولون أنها كل من عند ربهم ، ثم ينظرون فيها كلها باحثين عن المحكم منها و المتشابه وفق ما سبق توضيحه .
2 ـ والراسخ فى العلم القرآنى عليه وهو يبحث السياق أن يعى الفوارق الدقيقة فيه ، لأن تلك الفوارق تحوى أحيانا إعجازا فى الفصاحة و التركيب ، وسبق لنا نشر مقالات عن الاعجاز فى اختيار اللفظ القرآنى . إن كلمة ( لن ) فى قول الله سبحانه وتعالى : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) الاعراف ) يختلف عن ( لن ) قوله جل وعلا للمؤمنين : (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ) وقوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام فى سورة التوبة : (فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ) .
فى كل المواضع فان النفى ب(لن ) يفيد النفى فى المستقبل ، ولكن تحديد (درجة ونوعية ) هذا المستقبل يتوقف على السياق ، ومثلا فان النفى ب ( لن ) مقصور على الدنيا فقط فى قوله سبحانه وتعالى : (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ) وقوله جل وعلا (فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ) فهنا تشريع للدنيا ولا علاقة له بالآخرة ، بل أن فى الآيتين اختلافا فى درجة ونوعية المستقبل الدنيوى ، ففى قوله تعالى :( فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ) تجد التشريع خاصا ومحددا زمانيا ومكانيا ومتعلقا بأشخاص معينين هم النبى ومجموعة من المنافقين ..و لا يسرى على أى عصرنا بعدهم ، ولنتذكر ما بعدها حيث التأكيد على خصوصية التشريع ومحدوديته فى الزمان والمكان والانسان (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) فهامش المستقبل هنا ضيق متعلق بموت اولئك المنافقين وموت خاتم النبيين . أما قوله تعالى (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ) فهو لكل زمان مستقبلى بعد نزول الاية وطالما يوجد مسلمون.
ولكن لا مجال لهذا أو ذاك بالاخرة . فليس فى الآخرة تشريع أو تكليف ، ولكن فيها الخلود فى الجنة ثوابا لمن أطاع التشريع والخلود فى النار عقابا على من عصى التشريع . وقوله تعالى لموسى ( لن ترانى ) لا يدخل فى التشريع ولكن فى صميم الأسماء الحسنى فالله تعالى هو البصير الذى يرى كل شىء ولكن لا يراه أى شىء لأنه جل وعلا كما قال عن ذاته : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) ( 11 ) الشورى )، والنفى بعدم رؤية الأبصار له أمر يسرى فى الدنيا والاخرة . يكفى قوله جل وعلا عن صفاته : ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) الأنعام ) فى بعدها هذه الآية المحكمة : ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) الأنعام )
3 ـ ولقد قلت من قبل إن ( العلماء والذين أوتوا العلم و أهل الذكر و العالمون والراسخون فى العلم ) ، قد تحدث عنهم رب العزة ، أى هم موجودون بين الناس . وهم مرجعية بشرية غير معصومة ، لا يزعمون الوحى الالهى ، ولكن يتخصصون فى الكتاب السماوى ، هم ليسوا طائفة مختارة من الله عز وجل ، بل هو مجال مفتوح لكلمن أراد أن يهب حياته لهذا النوع من العلم . وقلت من قبل أن هناك درجات لفهم القرآن الكريم ، أبسطها درجة الهداية لمن يشاء الهداية ودخول الجنة ، وهى متاحة لكل من أراد الهداية فقد نزل القرآن ميسرا للذكر من أجل الهداية ، وهناك درجات التعمق والاجتهاد لاكتشاف كنوز القرآن الكريم ، وهذه أيضا متاحة للجميع ولكن تستلزم التفرغ والاستعداد العلمى و الاعداد المعرفى بالقرآن والتراث شأن أى فرع من فروع العلم . ويبقى ما يقوله العلماء أو الراسخون فى العلم أو أهل الذكر ـ مجرد اجتهاد لا يلزم أحدا من الناس .
ومن حق أى إنسان يرى نفسه راسخا فى العلم بالقرآن أن يعلن عن نفسه ، كما أن من حق الناس رفضه والالتفات الى غيره . وفى النهاية فان الحكم عليه يكون بما يكتب ، وبما لديه من معرفه وأدلة وبراهين .هو علم بشرى يستلزم تخصصا شأن كل علوم البشر ، ولأصحابه نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ، والناس أحرار فى الذهاب الى ذلك الطبيب أو غيره أو سؤال ذلك الفقيه أو غيره.
4 ـ الراسخون فى العلم لا يفرضون أمنياتهم وأهواءهم على كتاب الله ، فمن يتمنى منهم رؤية الله تعالى ليس من حقه أن يؤول الآيات ويتجاهل ويحرّف لكى يثبت هواه وما يتمناه ، فلا يفعل ذك إلا الذين فى قلوبهم زيغ كما قال رب العزة فى الاية 7 من سورة آل عمران . الراسخون فى العلم عكس ذلك تماما لأن الشرط الأساس أن ينظفوا قلوبهم من الهوى الشخصى والرأى المسبق والامنيات ،فإذا قال سبحانه وتعالى ( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ) ( النساء 123 ) فان الأمر واضح فى أن المطلوب هو الطاعة والالتزام وليس التمنى والعصيان ... ولنتذكر أن الشفاعة وغيرها من منتجات التمنى والهوى ..وأرجو مراجعة مشتقات ( أمنية و تمنى ) فى القرآن ..
5 ـو كثيرة هى الآيات التى ورد فيه استعمال (نظر ) ومشتقاتها بمعنى ( رأى ) وبمعنى( انتظر ) ، ولكن إختصارا لم أستشهد إلا بما ورد فى سورة البقرة فقط .ولمن يرد التاأكد فليرجع الى المعجم المفهرس ..
6 ـ ولكن الذى أعتب عليه حقا أن أكون متهما بأننى دخلت على القرآن الكريم بفكرة مسيقة أريد اثباتها ..لن أقول إن هذا الاتهام يدخل فى النوايا يزعم صاحبه أنه يعلم ما فى قلبى ونواياى ، ولن أقول إنه اتهام لى بأننى من الذين يأمرون الناس بالبر و ينسون أنفسهم ومن الذين يقولون ما لا يفعلون. لن أقول ذلك ، ولن أؤكد أن منهجى فى البحث هو هو ، لا يختلف سواء كتبت فى الشفاعة او فى الرجم او فى الردة او فى الرؤية ، ولكن من حقى أن أقول إن الذى اكتشفته بالتدبر القرآنى طبقا لهذا المنهج كان كله جديدا فى تاريخ المسلمين الفكرى وجديدا بالنسبة لى ، وبه تعرفت ولا أزال على كنوز القرآن ... وأقول إن الذى يحكم على اتباع هذا المنهج أو استبعاده هو البحث نفسه المكتوب نفسه ، إذا كان بحثا فيه كل الآيات المتعلقة بالموضوع ، وتم تضفيرها بعد تجميعها لتؤكد حقيقة قرآنية ، فهذا هو المنهج القرآنى فى التدبر. إذا إنتقى آيات وأهمل آيات أخرى ، وأهمل السياقات الموضعية والسياقات الموضوعية فهو زائغ . الأهم أن هذا التدبر القرآن يؤكد نتيجة يخرج بها الباحث أن القرآن الكريم ليس حمال أوجه كما يزعم أعداء الاسلام . البحث هنا جاء بالمحكم و المتشابه ، وقام بتوضيح معنيين مختلفين للمتشابه وأخضع المتشابه للمحكم ،خلافا لما فعله ويفعله أصحاب الهوى الذين يتجاهلون المحكم ويتتبعون بعض المتشابه و يؤولون معناه ليتفق مع هوى لهم سابق.
وبالمناسبة فليس لى هوى سابق فى موضوع رؤية الله جل وعلا ، فلم يسبق لى أن قلت رأيا مجردا فى رؤية الله جل وعلا ، ثم بعدها بحثت بعدها عن آيات تؤيد هذا الرأى السابق ..بل للتاريخ أذكر إنهم حققوا معى فى نيابة امن الدولة العليا لمدة شهرين وأنا فى السجن عام 1987 وسألوا عن كل آرائى ومعتقداتى ، واحتل التحقيق أكثر من مائة صفحة ، وكل ذلك موثق ـ وقد قلت فيه كل آرائى فى الهجوم على البخارى و انكار الرجم وحد الردة ، وكانت جريدة ( اللواء الاسلامى ) تنشر بعض ما أقول للتشنيع .. وقد سئلت عن رؤية الله فقلت :لم أبحث الموضوع بعد . بعدها بحثت الموضوع بتجرد وموضوعية ، ونشرت بحثا فيه ضمن سلسلة عن ( المحكم والمتشابه ).
اجمالي القراءات
2968
مداخلات ووجهات نظر
أولًا: هناك آيات كثيرة تذكر أن القرآن جاء بلسان عربي مبين واضح للقوم في عهد الرسول. اللغة (أو اللسان كما بينه الأخ أحمد في أحد مقالاته) العربية كانت موجودة ومتطورة قبل نزول القرآن، ولقد استعمل القرآن المفردات المتداولة في ذلك الحين، وفي حال استعمال القرآن لمفردة جديدة كان معناها يفهم من سياق الكلام وتكرارة، بحيث لا يحتاج الإنسان لغير القرآن لتبيان هذه المفردة. هنا أذكر الآية "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ... ﴿النحل: ٨٩﴾"، فالآية لا تذكر "كل شيء" وإنما "تبيان كل شيء" وهذا يقتضي بطبيعة الحال وجود كل شيء وشرحه معه. هذا يعني أن مَن لسانه عربي يستطيع فهم القرآن بالقرآن (إن أراد ذلك)، وأن الله لايريد منه أكثر من ذلك.