ماهية الرسائل الملكية من وراء ترسيم السنة الامازيغية كيوم عطلة وطنية مؤدى عنها ؟
ماهية الرسائل الملكية من وراء ترسيم السنة الامازيغية كيوم عطلة وطنية مؤدى عنها ؟
مقدمة مطولة
ان مسار الاعتراف بامازيغية المغرب قد عرف أشواط عديدة و مراحل كثيرة لان القضية الامازيغية عندما طرحت في مغرب الثلاثينات من القرن الماضي وجدت ممانعة قوية و معارضة شديدة من طرف ما يصطلح عليه بالحركة الوطنية باعتبارها كانت تمثل امتداد طبيعي للمشرق العربي بحمولته السلفية أي الخلافة الإسلامية كما تسمى او على اقل تطبيق الشريعة الإسلامية في بلاد المخزن..
و بحمولته العرقية أي العروبة اولا كمصطلح يحيل الى ما قبل الإسلام بشبه الجزيرة العربية من تقاليد الجاهلية العربية و من الأحادية في السلوك مع تعدد الالهة ..
الا ان العروبة قد رجعت الى الواجهة عندما أسست الخلافة الاموية فاصبحت العروبة كتقاليد عربية جاهلية جزء من الإسلام في عموم التاريخ السياسي للخلافة المسماة بالاسلامية في المشرق العربي .
ثم القومية العربية ثانيا كمصطلح جديد يحيل الى النهضة العربية في القرن التاسع عشر ضد جمود الدين و التفكير فيه الخ من أفكار ما يصطلح عليه بالتنوير .
غير ان الحركة الوطنية قد استخدمت شعار القومية العربية بغية تعريب المغرب كله كانسان و كحجر و كتاريخ الخ دون اية إحالة الى التنوير بكل ابعاده الدينية و الثقافية لان اجدادنا الامازيغيين كانوا مثال رفيع للعقلانية الإسلامية في تدبير حياتهم الاجتماعية و السياسية و الدينية وفق قيم اصيلة في الديمقراطية المحلية و العلمانية الاصيلة مع تشبث اجدادنا الكرام العميق بدينهم الإسلامي أي ان القبائل الامازيغية كانت تتحكم بالشرع الإسلامي لكن بالعقل حيث عندما يفعل شخص معين جريمة من الجرائم فان العرف الامازيغي المعتمد من طرف القبائل الامازيغية يحكم عليه بالنفي من القبيلة كما جاء في القران الكريم او بالغرامات المالية بمعنى ان لا وجود لعقوبة الإعدام في القوانين الوضعية الامازيغية على الاطلاق ..
لكن الحركة الوطنية قد طمست كل هذا التاريخ الاجتماعي للقبائل الامازيغية بعد سنة 1956 في التعليم و في الاعلام و في الشأن الديني الرسمي و وضعت في مقام هذا التاريخ الاجتماعي ما اسميه الان بايديولوجية الظهير البربري الخ من اساطير هذه الحركة المسماة بالوطنية زورا و بهتانا .
ليس من السهل ان يتحدث المناضل الامازيغي في العقود الأولى من الاستقلال عن هذه الحقائق في مقال صحفي او في برنامج إذاعي او تلفزيوني لان المخزن كان صارم نحو كل صوت ينادي بانصاف الثقافة الامازيغية في التعليم و في الاعلام .
لكن بزوغ عهد ملكنا المهام محمد السادس بدات الامازيغية تخطو خطواتها الأولى كشرعية ثقافية مقيدة بعد خطاب اجدير التاريخي في يوم 17 أكتوبر 2001 و تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية في التعليم و في الاعلام شيئا فشيئا رغم تراكمات الماضي الثقيلة و رغم محاولات الإسلاميين للنيل من الامازيغية بشموليتها و من حركتها المدنية و السياسية حتى ظهرت حركة 20 فبراير في سياق ما يعرف بالربيع الديمقراطي في منطقة شمال افريقيا و منطقة الشرق الأوسط .
و من بين مطالب هذه الحركة المباركة هي ترسيم الامازيغية كلغة رسمية في الدستور و الملكية البرلمانية و حرية المعتقد الخ من هذه المطالب المختلفة فكان جواب السلطة العليا في خطاب 9 مارس 2011 التاريخي بالقيام بالإصلاحات الدستورية عبر التكريس الدستوري للامازيغية كلغة رسمية و كصلب الهوية المغربية و ليس كرافد من روافد الهوية المغربية كما يتكرره الاعلام المغربي الان بدون أي خجل او حياء..
و طبعا هذه المقتضيات الدستورية لصالح هويتنا الاصلية قد عرفت نقاش عمومي طويل قد استغرق ثلاثة اشهر و عرفت هذه الأخيرة معارضة رهيبة من طرف حزب الاستغلال عفوا الاستقلال باعتباره الابن الشرعي للحركة المسماة بالوطنية و حزب العدالة و التنمية ذو المرجعية المسماة بالاسلامية أي ان هذان الحزبان نجحا في نهاية المطاف في صياغة الوثيقة الدستورية الحالية بإدخال جمل لا معنى لها و حذف ان الامازيغية هي صلب الهوية الوطنية الخ بمعنى ان الدستور الحالي قد خضع لرغبات هذان الحزبان المشرقيان بدون ادنى شك .
بعد صعود حزب العدالة و التنمية الى السلطة الحكومية في يناير 2012 قد ظهر بشكل واضح للحركة الامازيغية وقتها ان هذا الحزب لا يريد ان يتعامل مع الملف الامازيغي بشموليته الا انطلاقا من مرجعيته الاخوانية الحقيقية بمعنى انه أسس جمعيات مزعومة للثقافة الامازيغية و سخر دعاة الإسلام السياسي لتشويه نضالنا الامازيغي بربطه بالالحاد و بالعلمانية بمفهومها الغربي و تحريم الاحتفال بالسنة الامازيغية كحدث يحيل بالنسبة لاغلب إسلامي المغرب الى ما قبل الإسلام أي الجاهلية بصريح العبارة .
بل ان الأخطر هو ان هذا الفكر المعادي للهوية الامازيغية قد دخل الى منطقة سوس بشكل كبير ابتداء من سنة 2018 حيث ان الكل اصبح يعرف هذا المعطى الخطير حتى وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية باعتبارها وصية على الامن الروحي لهذا الشعب المسلم في اغلبيته الساحقة .....
الى صلب الموضوع
في مساء يوم 3 ماي الماضي اصدر امير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بلاغ الى الامة المغربية قرر فيه جعل السنة الامازيغية يوم عطلة وطنية و رسمية و ذلك تكريسا لترسيم الامازيغية في الدستور الحالي و تفعيلا لطابعها الرسمي في الحياة العامة ببلادنا في السنوات القادمة انشاء الله بمعنى ان يوم 13 يناير 2024 سيكون عيد وطني مثل عيد العرش او عيد ثورة الملك و الشعب الخ من هذه الأعياد الوطنية حسب رايي المتواضع .
ان هذا القرار الملكي الهام و الاستراتيجي للغاية يحمل رسائل كثيرة في الداخل المغربي و في الخارج حيث من بين هذه الرسائل ان المغرب الرسمي اصبح يعترف ان هذه البلاد لها تاريخ موغل في القدم أي 350 سنة قبل الميلاد او اكثر من ذلك الله اعلم أي ان هذا الاعتراف قد حطم بشكل نهائي خرافة 12 قرنا من التاريخ الرسمي للمغرب الى عهد قريب للغاية أي ان المغرب الرسمي قد تراجع عن هذه الخرافات بفضل نضال الحركة الثقافية الامازيغية طيلة اكثر من نصف قرن من الزمان بهدف مفهوم واقعي للشخصية المغربية سواء قبل الإسلام و بعده في عز الحضارة الامازيغية الإسلامية كما اسميها في اغلب مقالاتي و في كتابي المنتظر .
و من بين هذه الرسائل ان المغرب الرسمي اصبح يعترف بفعالية اجدادنا الامازيغيين طيلة هذا التاريخ الجديد بينما في عهد الراحل الحسن الثاني الى عهد قريب كانت السلطة تهميش الامازيغيين تاريخيا سواء قبل الإسلام و بعده في المقررات الدراسية او في الاعلام العمومي بفعل تراكمات ماضي الحركة المسماة بالوطنية.
و من بين هذه الرسائل ان امير المؤمنين كما يسمى في الدستور المغربي و كما يسمى عند كل فقهاء الحقل الديني الرسمي ببلادنا و كل إسلامي المغرب قد اعترف بشرعية الاحتفال بالسنة الامازيغية رسميا كعيد وطني و كيوم عطلة وطنية مؤدى عنها .
انني استحضر هنا ما قام به جده المرحوم محمد الخامس حيث اعترف بشرعية العرف الامازيغي في رسالة قد أرسلها الى مساجد المغرب بمناسبة عيد المولود النبوي الشريف طبعا بعد قراءة اللطيف في مساجد فاس و الرباط و سلا من طرف أطفال لم يبلغوا الحلم بعد حسب هذه الرسالة الملكية التاريخية و المنشورة في كتاب الظهير البربري اكبر اكذوبة سياسية في المغرب المعاصر للمرحوم محمد منيب و كذا في كتابي تحت عنوان الامازيغية و الإسلام و أيديولوجية الظهير القامعة لهما أي ان الملكية في مختلف العهود و الدول المتعاقبة على حكم المغرب اعترفت بالامازيغية بشموليتها و بانظمتها الوضعية بعيدا عن مصطلحات من قبيل مصطلح بلاد السيبة المرتبط مباشرة بالقبائل الامازيغية التي كانت تعترف بشرعية الملك باعتباره امير المؤمنين في خطب صلاة الجمعة و العيدين بشهادة تاريخنا الاجتماعي المدون في كتب الأجانب في المرحلة الاستعمارية و في كتب المغاربة بعد الاستقلال مع بزوغ ما نسميه بالحركة الثقافية الامازيغية الان.
و من بين الرسائل الملكية بهذه المناسبة العظيمة رسالة الإسلاميين بالمغرب و تقول هذه الأخيرة ان الامازيغية بشموليتها أصبحت من ثوابت الدولة الوطنية و الدينية بفعل اسهامات اجدادنا الامازيغيين الضخمة في نشر الرسالة الإسلامية في اكبر رقعة جغرافية بعد طرد عرب بني امية من المغرب نهائيا ابتداء سنة 123 للهجرة نهائيا بعدما قتلوا و سبوا أي اغتصبوا النساء و البنات الخ من هذه المناكر التي لا علاقة بها بالإسلام من قريب او من بعيد بل لها علاقة بالعروبة باعتبارها جاهلية كاملة الأركان و الشروط ..
ثم بدا اجدادنا الامازيغيين في بناء حضارتهم الامازيغية الإسلامية و المستقلة عن الخلافة المسماة بالاسلامية بالمشرق لقرون عديدة حتى سنة 1930 حيث ولدت ما يسمي بالحركة الوطنية ذات الجذور المشرقية...
و في الحقيقة فان هذا القرار الملكي الشجاع يحمل رسائل كثيرة منها حاولت باجتهادي المتواضع ان استحضرها في هذا المقال المتواضع لكنني أقول و قلت لاصدقائي في الفيسبوك بان النضال الامازيغي عليه التحرك نحو تأسيس حزب ذو المرجعية الامازيغية الان او التنظير له في المقالات و في الكتب كما يفعل الأستاذ عبد الله بوشطارت و الأستاذ عمر افضن و ما افعله الان بكل تواضع لأننا امام سياق جديد يختلف كل الاختلاف عن سياق التسعينات او عن سياق بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية لان الامازيغية أصبحت شرعية وطنية موغلة في التاريخ و أصبحت شرعية دينية بمفهومها المتحرك مع الزمان و المكان مثل الدين الإسلامي نفسه او المفروض ان يكون عليه الان او بعد 100 سنة ...
توقيع المهدي مالك
اجمالي القراءات
1539