معظمنا له أصول من الريف وكثير منا مازال له ارتباط بشكل ما بأصل عائلته الريفى فى شكل منزل العائلة أو اراضى زراعية مملوكة أو مقابر دفن فيها اسلافهم والبعض أيضا مازال يواظب على زيارة بلده فى ظروف حزينة كعزاء أو سعيدة كالاعياد.
فى اجيال منتصف القرن العشرين وما قبلها بقليل كانت هجرة الشباب الواعد من الريف إلى المدينة لاستكمال التعليم الجامعى ثم الانخراط فى السلك الوظيفى أو العمل الحر فصار منهم أطباء ومهندسون ومدرسون وموظفون. هؤلاء سكنوا فى احياء القاهرة مثل شبرا والأحياء الحديثة الإنشاء كالعباسية والحلمية ثم مصر الجديدة والمعادى وكونوا أسرا وأحسنوا تربية ابناءهم فتخرجوا وشغلوا الوظائف المحترمة وانبثق من هذه الطائفة كثير من الفنانين والأدباء والشعراء و الأسماء كثيرة تزيد على الحصر.
بعد الإنفتاح الساداتى وطوال عصر مبارك وبعد خمسه وعشرين يناير بدأت الهجرة العشوائية من الريف إلى القاهرة والإسكندرية وعواصم محافظات الوجه البحرى. هذه الهجرات لم تكن بسبب استكمال التعليم كما فى السابق ولكن كان هدفها كسب الرزق وكانت من الشباب والأسر التى كانت تعمل فى الزراعة. سكن المهاجرون فى الأحياء العشوائية فى معظم الأحيان بشكل غير آدمى وغير صحى. تكونت مجمعات طفيلية لها مواصفات غريبة لا يحكمها قانون واضح وأصبحت مرتعا للبلطجية واحترفوا المهن الطفيلية مثل الميكروباص و التوكتوك وسياس ركن العربيات وتجارة الامشاط والفلايات والتسول و الخدمة فى البيوت و الدعارة وتجارة المخدرات. واستقطبت هذه العشوائيات أيضا بعض الشباب من أصحاب الحرف كالنجارين وااحددادين وغيرهم للحصول على المكسب السهل بدون تعب بدون تكلفة فالسكن رخيص بسبب تكدس التمانية من الشباب فى غرفة واحدة والأسرة من الأب والام والاطفال فى غرفة واحدة بحمام مشترك. الكهربا والمياه مسروقة.
هذه الأحياء كانت مكانا مثاليا للجماعات الدينية المتطرفة التى تسبب فى وجودها الرئيس المؤمن أنور السادات وشجعها نظام مبارك ولا أحد ينسى فتنة الزاوية الحمراء. تزامن هذا الوقت مع ذهاب المصريين للعمل فى الخليج البترودولارى الذى افاد البعض ماديا لكنه غير من شكل المصريين ومن طبيعتهم المنفتحه والمتسامحه دينيا. الى الطبيعه البدويه الرافضه للمدنيه و المنغلقه وغير القابله للاخر.....
صارت هذه الاحياء عبئا على اقتصاد البلد وفى نفس الوقت ساهمت فى إفشال الزراعة والمهن الأخرى. أهملت فنون خان الخليلى وصارت البازارات تعرض بضاعة مصنوعة في الصين. تضخمت العشوائيات حتى صارت مشكلة يصعب حلها.
تغيرت وجوه المصريين فى الشوارع ووسائل المواصلات وتغير سلوك الناس ولهجاتهم وانعدم الذوق وساءت الاخلاق وانعكس أيضا عى الفنون فراجت الاغانى الهابطة واختفت الفنون الرفيعة وصارت مدعاة السخرية والتهكم.
كتبت هذا ليعلم الجميع من الذى خرب مصر.
رضا عامر
أول ديسمبر ٢٠٢٢
اجمالي القراءات
1940
مع حضرتك حق فى كل ما كتبته دكتور رضا . ولكن الدولة ايضا تخلت عن دورها فى إيجاد فرص عمل للأجيال الجديدة وتوقفت نهائيا عن توظيف الخريجين (إلا ما ندر وبالواسطة الكبيرة والرشاوى )من منتصف الثمانينات تقريبا .فى الوقت الذى توسعت فيه فى إنشاء فروع للكليات النظرية بجامعة الأزهر والتعليم العالى العام فى الريف والمحافظات فتكدس الخريجون فى منازلهم وفى قراهم وكفورهم ونجوعهم دون عمل فى الوقت الذى لا يصلحون أن يكونوا فيه (فلاحين ) .فكان حتما عليهم الهجرة لعواصم المُدن ،وللمدن الساحلية (الغردقة وشرم وووو) ثم البقية الباقية للقاهرة حيث فرص العمل حتى لو كانت فرصا فى أعمال مُتدنية ،ويسكنون ال10 فى شقة واحدة ...فالمُشكلة الأكبر هى إحتفاظ الدولة بمركزية الإدارة ،ومركزية (توزيع الأرزاق - بالمعنى المجازى ) فى القاهرة ، وفى التوسع فى التعليم النظرى وتخريج عاطلين (رغما عنهم ) بشهادات علمية ،وغلق الأف المصانع الإنتاجية للقطاع الخاص ،وتحويل مصر إلى عزبة يُديرها ويدير إقتصادها (الجيش ) بدون توظيف للشباب فى شركاته .وعدم مواكبة قوانين الإسكان للقوانين العالمية التى تُحدد 15م سكنى لكل ساكن فى البيت او فى الشقة على الأقل . فكانت النتيجة ميلاد عشوائية الإسكان والإزدحام المميت للقاهرة وتخليق أخلاق العشوائيات وأخلاق الفقر،والأخطرمنهما أخلاقيات اليأس والإحباط وفقدان الأمل لدى هؤلاء الشباب فى غد أفضل سواء على مستوى حقوقهم وكرامتهم أو على مستوى دخلهم المادى الذى يستطيعون أن يحيون به حياة كريمة هم وذويهم .