أصحاب الأعراف
كثر الحديث بين أهل السنة عن أصحاب الأعراف فقال اغلبهم إن هؤلاء قوم تساوت حسناتهم بسيئاتهم رجما بالغيب حيث لم يرد فيها نص قرآني وحتى مما يستدلون به من الروايات المنسوبة للرسول الكريم لم يرد لديهم شيء مما يعتدون به من الصحاح وهنا أسأل نفسي هل أصبح الغيب اجتهاد أيضا وهل لنا أن نتكلم في الغيب من منطلق عقلي .
اصل هذا التخرص هو مفهوم ورثناه عن بني إسرائيل حيث قالوا كما ورد في القرآن الكريم (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ) كان من أهم ما دفع بنو إسرائيل إلى اجتراح المعاصي والخوض في السيئات هو هذا المفهوم الذي ابتدعوه ليبرروا عصيانهم وإعراضهم عن كتاب الله (الم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتول فريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون )
إذا الخروج من النار افتراء لا لبس فيه لكن امتنا ورثت هذا الافتراء عن بني إسرائيل واعتبرته حقيقة لا لبس فيها .
وهنا ومن هذا المنطلق بدأ تقسيم الناس يوم القيامة على أساس لا حجة فيه سوى ما يرجمونه من الغيب أو ما لفقوه من أحاديث نسبوها للنبي للكريم وهو الذي لا يعلم من الغيب إلا ما نبئ به من القرآن فقالوا بأنهم ثلاث فئات 1 – أناس رجحت حسناتهم على سيئاتهم فهم يدخلون الجنة 2- أناس تساوت حسناتهم بسيئاتهم فهم أصحاب الأعراف 3- أناس رجحت سيئاتهم على حسناتهم فإنهم يعذبون أياما معدودات ثم يخرجون من النار رجما بالغيب . بل وزاد بعض من غالى فوق الغلو فقالوا انه يخرج من النار من قال لا اله إلا الله غير مبال بها وعلى هذا فان فرعون سيدخل الجنة مع الداخلين وهذا ما سمعته بأذني من احد المشايخ وله من المريدين عدد كبير.
تعالوا معا نستعرض ما ورد في كتاب الله عن أصحاب الأعراف وعن الخروج من النار خطوة خطوة بطريقة لا نزيد فيها على كتاب الله شيئا ولا ننقص منه شيئا .
يقول الله سبحانه في كتابه الكريم ( والذين امنوا و عملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها ألئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون * ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين * و بينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين * الذين اتخذوا دينهم لعبا و لهوا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون) الموقف مشهد من مشاهد يوم القيامة منه قبل الدخول إلى الجنة لأصحاب الجنة والنار لأصحاب النار ومنه بعد دخولهم لها ولكن من هم أصحاب الأعراف بناء على السياق القرآني (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا)رجال الأعراف يعرفون كلا وهل تكون هذه الميزة التي اختصهم الله بها لرجال هم دون أهل الجنة منزلة ولاحظوا معي كيف يكلمون الناس وكأنهم قد نالهم فضل من الله بالإذن بالكلام ومخاطبة الناس كلا على حدة سواء أصحاب الجنة أو أصحاب النار وقولهم لأصحاب الجنة (ادخلوا الجنة سلام عليكم) ألا تفهم معي أخي المؤمن أنها منزلة لرجال اختصهم الله بفضل دون آخرين ونحن نعي تماما قوله تعالى(يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) وقد يقول قائل وما قولك في آية لم يدخلوها وهم يطمعون ولكن لو قرانا الآية لوجدنا إنها من مشاهد يوم القيامة قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة الجنة وأهل النار النار( ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) أهل الجنة لم يدخلوا الجنة بعد وهم يطمعون لدخلوها (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) إذا هم أناس ليسوا بظالمين ويسالون الله ان لا يجعلهم مع القوم الظالمين هم أهل الجنة حقا وكلامهم هذا قبل دخولهم الجنة
وتأتي الآية التي تليها (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون ) كانت تلك المشاهد قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة وبذلك من مكانتهم التي منحهم الله إياها أذن لهم الرحمن ليخاطبوا أهل الجنة (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون) .
وأما فيما يقال عن الخروج من النار فلم يرد نص قرآني واحد يتحدث عن الخروج من النار بل على العكس تماما كان القران يكذب بني إسرائيل في مقولتهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة أو معدودات تعالوا نتلوا معا ما ورد في سورة البقرة عن هذا الموضوع (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون * وقالو لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون * بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) القول بالخروج من النار لم يكن به سلطان من الله فهو افتراء على الله
ويأتي الجواب الشافي من القران الكريم بلى من كسب سيئة وسيئة هذه أتت بصيغة النكرة أي غير محددة بنوع صغيرة كانت أو كبيرة ثم تلك السيئة على عدم تحديدها أحاطت بصاحبها وكأني أرى تلك الصورة الفنية الجميلة قد أحاطت السيئة بصاحبها وكان صاحبها أضحى لها حبيسا هو شكل من أشكال العبودية لغير الله إن يضحي المرء محاطا بخطيئة يصبح ويمسي عليها فلا يتوب إلى الله ولا يسلم له وكأن الإيمان قد نزع منه تماما وأي إيمان مع إصرار لو كان يؤمن بالله لما أصر على معصيته متحديا رب العزة لو كان يؤمن بالنار لخشي على نفسه منها لو كان يؤمن بالجنة لتاب عنها وهذا ما يؤكده القران في مجل آياته (إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا) (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين)
(والذين لا يدعون مع الله إلها أخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إلا من تاب وامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما)
وهنا أتذكر آية من كتاب الله تقول الم اعهد إليكم يا بني ادم ألا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين لو تكلمنا عن عبادة الشيطان على انه اله علانية لوجدنا أنه من يؤمن بهذه الفكرة قليل من الناس, فلم يخاطب المولى عز وجل بني ادم جميعا, إنها العبودية بطاعته والانصياع لأمره
وحين يقول الله عز وجل (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهده من بعد الله أفلا تذكرون)إنها عبودية الهوى بطاعته والانصياع وراء الرغبات والشهوات .
كل معصية يقترفها المرء تحمل في طياتها أمران , أحدهما الشرك بالله وذلك بطاعة من سواه كالشيطان والهوى والخطيئة بحد ذاتها كونها أمر مكروه كما وصف أحيانا وفاحشة كما وصف في ما مواضع أخرى وخطئا وغيرها مما وصف الله به معصيته والله سبحانه وتعالى قد يغفر الذنوب بتوبة أو توبة وعمل صالح أو توبة وعمل صالح وإصلاح
أسال الله عز وجل تثبيتا لي على طاعته ومغفرة لي من ذنوبه انه سميع قريب
اجمالي القراءات
30608