ف 6 : تعليم الطفل : ( صناعة الانسان )
ف 6 : تعليم الطفل : ( صناعة الانسان )
كتاب ( ضعف البشر في رؤية قرآنية )
الباب الأول : ضعف البشر الجسدى
ف 6 : تعليم الطفل : ( صناعة الانسان )
أولا :
1 ـ هناك قبائل بدائية تعيش منعزلة في مجاهل غابات الأمازون ، لم يتغير حالها من مئات القرون ، ترفض التواصل مع الغرباء ، وتتمسك بما عاشت عليه . نفترض أن بعثة مستكشفين أخذوا طفلا رضيعا من احدى هذه القبائل ، ونقلوه ليعيش في لندن ، ليتعلم فيها كبقية أطفالها ، سينشأ في لندن طفلا انجليزيا ، لا يختلف في سلوكياته ومعيشته عن بقية الأطفال . وحين يبلغ أشُدّه سيكون شابا انجليزيا ، وهكذا في مراحل حياته الى الموت . سيكون مختلفا عن بقية أهله في تلك القبيلة الأمازونية . هنا طفل وُلد في مكان متخلف، ثم انتقل الى مكان مُتحضّر ، فتمت صناعته وفق تعليم هذا المكان المتحضر .
2 ـ يتأسّس الطفل على ما تعلّمه وما تشرّبه من بيئته الأولى . في سنواته الأولى يكون مثل الاسفنجة يتشرب سريعا ما يسمع وما يرى وما يحس ، ويقوم بتخزين ذلك في ذاكرته ، ويتطور عقله وفق المعطيات السارية في بيئته ، فإن نشأ في قرية صعيدية عاش بنفس القيم ونفس اللهجة ، وشبّ صعيديا ، يرى الأخذ بالثأر فرضا لا بد من الوفاء به مثلما تشرّب من بيئته ، وإن نشأ في السويد كان سويديا حتى لو جىء به من موزمبيق !.
3 ـ يولد الطفل ضعيفا جسديا في أي زمان وفى أى مكان . يختلف وضعه حسب ما يتعلمه من مجتمعه . إن كان مجتمعه متحضرا قويا تعلم في طفولته كيف يكون واعيا قويا معتمدا على ذاته يعرف حقوقه مستعدا لأن يدافع عنها بحياته ، ومدركا أن قوته هي بقوة الآخرين من نفس القوم والوطن ، وهم معا شركاء متساوون في نفس الوطن ، وبالتالي يكون الوطن ديمقراطيا لا سبيل لوجود فرعون فيه . إن كان مجتمعه متخلفا تعلم منه ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد ؛ أن يخضع لمن فوقه ، وأن يستأسد بمن هو دونه ، وأن يستبعد الآخر المختلف عنه في العرق والدين والمذهب ، وأن يعيش بالمذهب القائل : أنا وبعدى الطوفان .
4 ـ لنتخيل أن مصلحا ذهب الى هذه القبيلة الأمازونية المنعزلة وحاول إصلاحها وتعليمها . سيقف ضده زعيم القبيلة وساحر القبيلة . الزعيم هو الفرعون ، والساحر هو الكاهن . وهما معا أكابر المجرمين المتحكمين في القبيلة ، ويرون بقاءهم في استمرار ( الثوابت ) التي توارثوها من أسلافهم ، أي عبادة ما وجدوا عليه آباءهم و ( السلف الصالح )، وهم على آثار أسلافهم ( يهرعون ) كما قال رب العزة جل وعلا ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) الصافات ) . بهذه الثوابت الدينية الاجتماعية ـ التي تعلموها أطفالا ونشأوا وعاشوا بها وعليها كبارا ــ أصبح لهم النفوذ والقوة فوق مجتمع ضعيف متهالك ، أصبحوا المترفين ينهشون شعبا من المستضعفين . لا فارق هنا بين قبائل الأمازون وقبائل المحمديين في مصر والعراق والسعودية ولبنان وليبيا .الخ ألخ . ولقد جعلها رب العزة جل وعلا قاعدة سارية فوق الزمان والمكان ، أن القلة المُترفة إنما تكتسب ثراءها وسطوتها بالحفاظ على الثوابت الدينية المتخلفة ، قال جل وعلا : ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ). لذا لا بد في هذه المجتمعات المتخلفة أن يتعلم أطفالها ثوابتها الدينية ، وممنوع عليهم النقاش ، وإذا كان هناك تعليم فهو تعليم الجهل بتقديس الخرافة والبشر والحجر ، وعبادة الأبطال في السياسة ودينهم الأرضى . لا بد أن يكون العلم تحفيظا وتلقينا دون تعقل وتساؤل وابتكار . بهذا يكبر الطفل ويتطور جسديا من الشباب الى الشيخوخة وقد تجمّدت عقليته وتخشّبت في طفولة عقلية . إذ ارتبط التخلف العقلى بدين أرضى ، وقد تمر عشرات القرون وهم تحت سيطرة الفرعون والكهنوت كما حدث في العصور المظلمة في أوربا ، وكما يحدث حتى الآن في كوكب المحمديين . والمثل الأعلى في غابات الأمازون . هنا وهناك ترى عقلية الأطفال المتخلفة لا فارق بين طفل وشاب وكهل . جميعهم ( لا يعقلون ).!!
5 ـ هناك ما يعرف بالصدمة الحضارية التي يعانى منها المهاجرون المحمديون الى الغرب . في طفولتهم نشأوا على ثقافة التخلف ، ثم هاجروا للغرب فصعقتهم ثقافة جديدة تستلزم أن يتأقلموا معها . لو أنجب أحدهم طفلا في بيئته الجديد فسينشأ طفله وقد استوعب البيئة الجديدة في المدرسة وفى الشارع ومع أصحابه ، بينما يظل أبواه في منطقة الحيرة بين ثقافة متأصلة فيهم منذ الطفولة والبيئة الجديدة الى لا بد أن يتكيفوا معها . وقد تكون هذه مشكلة بين الوالدين والأبناء ، وربما تقيم حاجزا بينهم . ونعطى أمثلة :
5 / 1 ـ مهندس كومبيوتر من أعماق الصعيد استقر في أمريكا ، وتعرف على شخص من بلدياته وتصادقا ، ولأن هذا المهندس لا يريد أن يتزوج أمريكية لا يفهمها ولا تفهمه فقد تزوج شقيقة صديقه ، وجاء بها من القرية لتعيش معه في شقة اشتراها في منطقة راقية ، ومنعها حتى من الاتصال بشقيقها ، وجعلها تعيش ثقافة الصعيد في البيت ، لا تعرف عن أمريكا شيئا . وكان سعيدا بهذا ، يشعر أنه يملكها ، فهى تعتمد عليه في كل شيء ، وهذا ما تعلمته في طفولتها ، وهذا هو أيضا ما تعلمه في طفولته . عاشا بلا مشاكل الى أن أُصيب المهندس في حادث سير . ووجدت الزوجة المسكينة نفسها غارقة . استنجدت بشقيقها تطلب أن ترجع لقريتها ، فرفض ، وذكّرها بعادات الحداد القاسية هناك والحياة الخانقة التي تنتظرها لو رجعت للقرية ، وظل معها يراجع الفواتير والمستحقات ويعلمها الإنجليزية وكيف تشترى وكيف تتنقل ثم كيف تقود السيارة الى أن رسا بها على حافة التأقلم . هذه الزوجة صناعة صعيدية وأبقاها زوجها على ما نشأت عليه في طفولتها .
5 / 2 ـ اللاجئون المحمديون يتمتعون في الغرب بما يحسدهم عليه أهاليهم في بلادهم الأصلية . ولكن معظم هؤلاء اللاجئين الذين لم يتكيفوا مع ثقافة الغرب وهم يعالجون هذا النقص بكراهية دينية مقدسة للغرب الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، تراهم يستغلون الحرية التي يتمتعون بها ــ والمحروم منها أهاليهم في بلادهم الأصلية ـ في المظاهرات الصبيانية التي تطالب بتطبيق شريعتهم السنية ، أو بالصلاة الجماعية في الشارع ليعطلوا المرور . تصرفات صبيانية تؤكد أنهم لا يعيشون المراهقة العقلية بل الطفولة المتخلفة التي نشأوا عليها باعتبارها ثوابت دينية . وهم في تمسكهم بها قد يندفعون الى أعمال إرهابية . هم قد تمت صناعتهم في طفولتهم على كراهية الغرب ، واصبح هذا دينا لديهم ، ولا تزال ثقافة طفولتهم حيّة فيهم .
6 ـ إن تنشئة الطفل بتعليم حقيقى يعنى مستقبل أمة قوية . وتنشئته بتعليمه الجهل وتقديس الثوابت وأن ( يعضّ عليها بالنواجذ ) لن يصنع إلا ما هو ماثل اليوم في كوكب المحمديين . وحتى لو هاجر بعضهم بهذه الثقافة المتخلفة فسيكون صعبا عليه التخلص من أوزارها . لأن الشعار الذى يتمسك به هو ثوابت ( الأمة ) أو : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ).
ثانيا : نعطى بعض أمثلة لما يفعله تعليم الطفل
1 ـ انجلترة برغم قلة عدد سكانها من قرنين فقد أصبحت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس ، من أمريكا وكندا الى الهند وأستراليا مرورا بالشرق الأوسط . حدث هذا بعد تحول ديمقراطى ونهضة تعليمية . عدد سكان انجلترة عشرات الملايين ، ولكن مستعمراتها بمئات الملايين ، ولكنهم أصفار على الشمال .!
2 ـ اليهود هم بضع وعشرون مليون نسمة فقط ، ولكنهم يسيطرون على العالم علميا وإعلاميا واقتصاديا وسياسيا . السبب هو تعليم الأطفال . حافظ اليهود على تراثهم التوراتى في بيوتهم وفى حاراتهم ومؤسساتهم الدينية ، وساعدهم هذا في تماسكهم وشعورهم بالتميّز . ونشّأوا أطفالهم على هذا. يتعلم الطفل اليهودى عدة لغات بجانب لغة الوطن الذى يعيش فيه ، ويستوعب أضعاف غيره في العلم والتعليم . اليهود في سيطرتهم على الغرب أسّسوا دولة إسرائيل ، ولأن مصر هي الأكبر والأكثر سكانا فقد حرصوا على تحطيمها من الداخل . وستثبت الأيام أنهم هم الذين صنعوا فراعنة مصر من عبد الناصر الى السيسى ( وربما من سيأتى بعدهم ) . ولقد بات واضحا الآن أن عبد الناصر هو الذى أنهزم أمامهم طواعية عام 1956 ، وعام 1967 ، والشعب المصرى في طفولته العقلية كان ـ ولا يزال ــ يقدس هذا الفرعون الذى صنعته إسرائيل . قبل عبد الناصر وحكمه العسكرى كانت أنجلترة التي تحتل مصر مدينة لمصر ب 55 مليون جنيه استرلينى . ( كم يساوى هذا المبلغ في أيامنا هذه ) . الآن تمخّض جبل عبد الناصر فولد فأرا اسمه السيسى ، وقد بلغت ديون مصر في عهده مئات البلايين من الدولارات ، وأصبح يستدين ليس لسداد الديون بل لدفع فوائد الديون ، ومطلوب من الأجيال القادمة أن تسدد هذه الديون . حكومة إسرائيل تحرص على حياة الفرد الاسرائيلى ، بل تحرص على دفنه في إسرائيل لو مات أو قُتل خارج إسرائيل . والعسكر المصرى ـ المنهزم دائما ـ ينتصر ــ دائما ــ على الشعب المصرى الأعزل ، ولا يتورع هذا العسكر عن إقامة المذابح للمصريين ، لارهابهم والمزيد من خنوعهم . إسرائيل بعدد سكانها وقلة مسحتها هي جزيرة صغيرة وسط محيط شاسع في كوكب المحمديين . هذا من حيث الكمّ والعدد والمساحة . ولكن من حيث الكيف فهى الأكبر . عدد الإسرائيليين بضع ملايين ، ولكنهم لا يواجهون سوى حوالى عشرين من الأفراد فقط ، هم عدد الفراعنة في كوكب المحمديين . الشعب المصرى الآن يزيد قليلا عن مائة مليون ، ويعيش منهم مائة مليون ( فقط ) في ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد ، يرقص ــ بلا وعى ــ على أنغام العسكر ..والأزهر ..
3 : بين سويسرا ونيجيريا
3 / 1 ـ سويسرا : عدد السكان 8 مليون ونصف المليون تقريبا . متوسط عُمر الفرد حوالى 82 عاما . الناتج المحلى لانتاجية الفرد حوالى 80 الف دولار أمريكى في العام . الدولة السويسرية مؤسسة على الديمقراطية المباشرة وسُلطة الشعب على دور البرلمان في سنّ القوانين . من الصعب أن يعرف العالم خارج سويسرا إسم رئيس الاتحاد السويسرى ، ولكن المشهور عن سويسرا أنها دولة فقيرة الموارد صعبة المناخ ، ومن أغنى دول العالم . السبب هو الشعب السويسرى والفرد السويسرى والتعليم السويسرى .
3 / 2 ـ نيجيريا : عدد السكان حوالى 219 مليون ، متوسط العمر للفرد حوال 53 عاما ، الناتج المحلى للفرد حوالى 5 آلاف دولار في العام . هذا مع تنوع انتاجها الزراعى ، ووجود البترول والمعادن والأنهار والغابات ، ولكن تعانى من انحطاط التعليم وانتشار الجرائم والفساد والفقر والاضطرابات العرقية والدينية بين ( المحمديين والمسيحيين ) واهدار حقوق المرأة وحقوق الانسان . السبب هو الديقراطية المزيفة التي أنتجها وأسّسها إنتشار الأمّية وتعليم الجهل .
4 : من تانى : إسرائيل ومصر
4 / 1 : إسرائيل دولة ناشئة وصغيرة وقليلة السكان وضئيلة المساحة ، ولكن بدأت بانتخابات ديمقراطية وجلب اليهود المتعلمين من شتى بلاد العالم ، وتعيش في حالة توجّس من جيرانها وخوف على مستقبلها وتوقع عمليات ( إنتحارية ) ، أي في حالة حرب وطوارىء مستمرة ، ولكن لم يحدث أن فرضت قوانين للطوارىء . تعداد السكان حوالى 10 مليون ، منهم حوالى الخُمس من العرب الاسرائيليين . برغم ظروفها الأمنية والحربية فمتوسط عمر الفرد حوالى 82 عاما . الناتج المحلى للفرد حوالى 39 آلاف دولار في العام ، بسبب نفقات التسليح والرعاية الاجتماعية والإنفاق على التعليم والبحث العلمى ، وهى أكبر أول دولة في العالم في الإنفاق على البحث العلمى على المستوى الفردى، وتحتل المرتبة الخامسة في العالم في البرمجيات والاتصالات وعلوم الحياة ، ويوجد فيها 140 عالما لكل عشرة آلاف مواطن ، وهو أعلى رقم في العالم ، بينما يوجد في الولايات المتحدة 85 فقط .! ، وحصل فيها ستة على جائزة نوبل في العلوم من عام 2004 . والحديث في هذا يطول ، ولكنه يدخل في صناعة الانسان ، منذ طفولته ،وليس صناعة الديكتاتور .
4 : مصر : أقدم دولة في العالم ، وهى دولة محورية ، وفيها أكثر من 100 مليون نسمة ، وتزيد مساحتها عن مليون كم مربع ، وفيها إمكانات هائلة زراعية وسياحية ومناخية وثروات بترولية ومعدنية وبحرية . ولكن الناتج المحلى للفرد حوالى 12 آلاف دولار فقط في العام ، وبها أكبر نسبة فقر ، وأقل مستوى في جودة التعليم وفى حرية التعبير وفى الشفافية . ومتوسط العمر فيها حوالى 24 عاما فقط .! النظام العسكرى قام بتضييع الثروة المصرية وقهر المواطن المصري مع تضييع لجزيرتين مصريتين وحقوق مصر في غاز البحر المتوسط والنيل . ثم ما شاع مؤخرا عن قيام العسكر بخطف آلاف من أطفال الشوارع ، وقتلهم وبيع أعضائهم . وهذا يتسق مع إهمال متعمد للتعليم والصحة وإهدار البلايين المُقترضة من الخارج في رفاهية المترفين وترك مدارس الأطفال بلا مقاعد للجلوس عليها .
أخيرا
هيا بنا نلطم .!
اجمالي القراءات
3658