آحمد صبحي منصور Ýí 2018-02-07
( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ )
مقدمة :
1 ـ سؤال خطير ورد لى ، أحسبه من جهة أمنية ، يقول :( ( فقاتلوا ائمه الكفر. ) هل هذه الايه تنطبق علي ائمه السنيين. في هذا العصر ، وهل واجب علي المسلم مقاتلتهم طبقا لهذه الايه ؟ )
2 ـ على إفتراض أن السائل جهة أمنية فأننا نقول لهم : إن موقفنا ثابت ومعلن فى مئات المقالات والكتب ، وفى ( دستور أهل القرآن )، وهو : أننا مسالمون نعتبر كل البشر أخوة لنا طالما لا يضطهدوننا فى الدين وطالما لا يقتلوننا ولا يقاتلوننا . ونحن نكره أفعالهم ولا نكرههم هم ، بدليل أنهم إذا كفوا عن العدوان أصبحوا لنا أخوة فى الدين الظاهرى وهو الاسلام بمعنى السلام .
3 ـ وعلى إفتراض أن السائل مسلم يريد أن يتعرف على الاسلام فالواضح أنه لم يقرأ لنا بما فيه الكفاية ، والواضح أيضا أنه ــ شأن كثيرين ــ لا يفهم ما جاء فى صدر سورة التوبة التى جاء فيها : (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) . ولعله فهم أن ما جاء فيها من الأمر بقتال أئمة الكفر ينطبق فى عصرنا على أئمة الدين السنى من الدعاة أمثال القرضاوى . وهذا نرفضه تماما .
4 ـ ولهذا نعيد التوضيح ، على أمل أن يكون هذا هو آخر توضيح :
أولا : لمحة عن التشريع المؤقت فى صدر سورة التوبة :
1 ـ من البداية نعرف أنه تشريع مؤقت بوقته ، وجاء تعليقا على أحداث حدثت ، فالله جل وعلا يقول للنبى محمد : ( بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (1) التوبة ) ، أى هو تشريع بمواجهة الذين عاهدهم النبى من المشركين المعتدين ، ثم نقضوا العهد . النبى محمد ليس موجودا الآن ، وكذلك أولئك المشركون المعتدون .
2 ـ ولذلك قال جل وعلا يخاطبهم : ( فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) التوبة )، أى أعطاهم رب العزة جل وعلا مهلة اربعة أشهر ـ هى الأشهر الحُرُم ليتوبوا . وتبدأ هذه المهلة من بداية موسم الحج ، أى فى يوم الحج الأكبر ، قال جل وعلا فى البراءة منهم إن لم يتوبوا : ( وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) التوبة ) .
3 ـ ولا ينطبق هذا على المشركين الذين لم ينقضوا العهد ولم يظاهروا عدوا معتديا على المؤمنين ، فيجب الوفاء بعهدهم الى مدته حرصا على تقوى الله جل وعلا، قال جل وعلا :( إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)التوبة ) .
4 ـ بعد إنسلاخ أو إنتهاء الأشهر الأربعة الحرم تنتهى المهلة ، إن لم يتوبوا فيجب على النبى والمؤمنين قتالهم ، فإن تابوا وكفوا عن الاعتداء فقد حققوا ظاهريا بالسلام ــ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وهنا يجب إخلاء سبيلهم ، قال جل وعلا : ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) التوبة ) .
5 ـ فى وقت القتال إن أعلن أحد المشركين المقاتلين فى أرض المعركة إستسلامه فيجب على المسلمين إجارته وإبلاغه مأمنه بعد أن يسمع القرآن الكريم ، قال جل وعلا : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) التوبة )
6 ـ ثم التأكيد على الاستقامة مع المشركين حافظى العهد قال جل وعلا : ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) التوبة )
7 ـ ووصف رب العزة جل وعلا الكفار المصممين على نكث العهد بالنفاق والتجارة بالدين والاعتداء وعدم الوفاء بما يقولون، قال جل وعلا : ( كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) التوبة )
8 ـ ومع هذا فإن تابوا توبة ظاهرية بالكف عن الاعتداء والإلتزام بالعهود (أى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة سلوكيا وظاهريا طبق الاسلام السلوكى بمعنى السلام ) فهم أخوة فى دين الاسلام بمعنى السلام السلوكى ، قال جل وعلا : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) التوبة ). ونفهم أن الكراهية ليس لشخص المعتدى بل لجريمته فإن تاب وكفّ أصبح ضمن الأخوة فى دين السلام .
9 ـ أما إذا نكثوا العهود وطعنوا فى دين الاسلام بمعنى السلام بالاعتداء الحربى فيجب على المؤمنين المسالمين قتالهم لأنهم لا يحافظون على الأيمان ( أى العهود ) ، وهذه الحرب الدفاعية ضدهم بأمل أن ينتهوا عن عدوانهم ، أى تنتهى بإنتهاء عدوانهم ، أى هى حرب للردع وإحلال السلام ، قال جل وعلا :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) التوبة )
10 ـ ولأن المسلمين يريدون السلم ويكرهون الحرب الدفاعية وهى خير لهم ، ولأنهم كانوا يتثاقلون عن الحرب الدفاعية فقد قال رب العزة يحرضهم على القتال ، ويذكرهم بجرائم أولئك المعتدين ناكثى العهود ، قال جل وعلا : ( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) التوبة ).
11 ـ وتستمر الآيات الى قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) التوبة )، وهو تشريع يحرّم عليهم دخول البيت الحرام الذى جعله الله جل وعلا مثابة للناس وأمنا ومن دخله كان آمنا .
ثانيا : إمكانية تطبيق هذا التشريع المؤقت :
1 ـ مع هذا يمكن تطبيق هذا التشريع المؤقت بعد موت النبى وموت أولئك المشركين المعتدين . فالله جل وعلا لم يقل إنهم العرب أو قريش ، بل وصفهم بأوصاف الشرك والكفر السلوكى بما يعنى الاعتداء ونكث العهود . إذا تكرر هذا فى عصرنا أو فى أى عصر يجب تفعيل وتطبيق هذا التشريع .
2 ـ وواضح أن هذا التشريع لا ينطبق على حالنا اليوم بالنسبة لدعاة السنيين وأئمتهم . بالنسبة لنا : هم يمارسون حريتهم فى الدعوة لدينهم والدفاع عنه ، ونحن نمارس حريتنا فى الدعوة لديننا والدفاع عنه . وهكذا كل الطوائف الدينية من شيعة وصوفية وبوذية وكاثولوكية وبروتستانت وارثوذكسة وبهائية وملاحدة ..الخ . كل هذا جائز فى إطار الحرية الدينية المطلقة فى الاسلام والتى تشمل حرية الايمان والكفر وحرية الشعائر وحرية إقامة دور العبادات وحرية الدعوة فى الدين. والدعوة تعنى أن تدعو لدينك وتكفر بالأديان الأخرى . ثم يوم القيامة سيحكم بيننا ربنا جل وعلا فيما نحن فيه مختلفون.
الذى يعضد هذه الحرية الدينية أن تخلو من الإكراه فى الدين وخرافات ما يعرف بحد الردة وتغيير المنكر باليد .
ثالثا : أيات سورة التوبة تفضح جهل أئمة الأديان الأرضية وعداءهم للإسلام
1 ـ ابن اسحاق هو أول من كتب السيرة ، وكان ذلك فى القرن الثانى من الهجرة ، وقد إختلق كثيرا من الأحداث التى تتناقض مع القرآن الكريم ، ورسم شخصية للنبى محمد عليه السلام تتناقض مع حقيقيته التى جاءت فى القرآن الكريم ، كما أغفل الكثير من الحقائق التاريخية التى أشار اليها القرآن الكريم ، ومنها ما جاء فى صدر سورة التوبة ، والتى تفيد أن أئمة الكفر من قريش نقضوا العهد ، وأنهم همّوا بإخراج النبى من مكة للمرة الثانية ، مستغلين تقاعد المؤمنين وكراهيتهم للقتال الدفاعى ، وحرص بعضهم على ولاءاته وموالاته لقومه من قريش ومصالحه الإقتصادية معهم .
2 ـ واضح أن أئمة الكفر هؤلاء قد كفُّوا عن الحرب ، وصاروا أخوة فى الدين ظاهريا ، ترقبا منهم لموت النبى وإنتهاء الوحى القرآنى نزولا . وبهذا نفهم سرّ الإنقلاب الهائل الذى حدث مباشرة بعد موت النبى ، من تسلط قريش ، وقيامها بالفتوحات التى تتناقض مع طبيعة الاسلام السلمية وقيم الاسلام العليا من الحرية الدينية المطلقة والعدل والاحسان والشورى ( الديمقراطية المباشرة ) . وبهذه الفتوحات إنتشر الاسلام بصورة مغلوطة هى أنه دين السيف ، أى إن من نطلق عليهم الخلفاء الراشدين هم الذين نشروا الكفر بالاسلام الحقيقى الذى يخالف ما كان عليه الرسول محمد عليه السلام .
3ـ ومن النتائج الكارثية لتلك الفتوحات الإجرامية ـ فيما يخص موضوعنا إستحلال الأشهر الأربعة الحُرُم ، وقد بدأت تلك الفتوحات الإجرامية فى شهر محرم ، وإستمرت هادرة قرونا ومصحوبة بحروب أهلية بين الصحابة ومن بعدهم ، دون أى إعتبار لحُرمة الأشهر الحُرُم ، مما أدى بالمحمديين فى عصور التدوين الى الجهل بالأشهر الحرم .
وبدأ إبن إسحاق هذه الفرية فيما إخترعه من أكذوبة ( حجة الوداع ) والتى يفترى فيها أن النبى قال فيها : ( أَيّهَا النّاسُ إنّ النّسِيءَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بَهْ الّذِينَ كَفَرُوا، يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا، لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ مَا حَرّمَ اللّهُ فَيَحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ وَيُحَرّمُوا مَا أَحَلّ اللّهُ وَإِنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَرَجَبُ مُضَرَ، الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. ). بعده أصبح سائدا أن الأشهر الحُرُم تتضمن رجب ، وليست كلها متتابعة . وسار التأريخ عند مؤرخى الحوليات التاريخية أن تبدأ السنة الهجرية بشهر محرم . مع أن السنة الهجرية تبدأ بشهر ذى الحجة ، وهو مفتتح الأشهر الحرم فى ملة ابراهيم ، وبه تبدأ به الأشهر الحرم متتابعة حتى تنتهى فى آخر الشهر الرابع ، شهر ربيع الأول .
ويتضح هذا من خلال ما جاء فى أوائل سورة التوبة ، فالانذار بالمهلة للكافرين تعطيهم مهلة أربعة أشهر تبدأ بإفتتاح موسم الحج ( الحج الأكبر ) وتستمر حتى تنسلخ الأشهر الأربعة الحرم ، بما يؤكد أن الأشهر الحرم تبدأ بيوم الحج الأكبر (إفتتاح موسم الحج ) وتستمر الى أخر الشهر الرابع ( ربيع الأول ) . وهذا هو موسم الحج ، مدته أربعة أشهر معلومات يمكن تأدية فريضة الحج خلالها ، كما جاء فى قول رب العزة جل وعلا : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197 ) البقرة ) .
السلام عليكم
يمكنني القول أن سورة التوبة لم تأخذ حقها بعد بالتعامل مع كل أياتها، لذلك ليس من الغريب تكرار الاسئلة والتساؤلات وتعدد الآراء التي تستند على نص منها.
أنا أقرأ لكم يوميا منذ حوالي عشر سنوات، ومن المؤكد اني قرأت لكم عن هذا الموضوع وعلقت على كتاباتكم، وربما اعيد فيما يلي بعض ماذكرته سابقا:
أولا: أنا معكم بأن هذه السورة تتعامل مع وضع خاص في عهد الرسول. لذا فتفسير النص يجب أن يراعي هذا الوضع حتى نستطيع التوصل إلى الغاية منه.
ثانيا: انتم مصممون أن معنى الآية 5 "فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" ، ثم الآية 11 " فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ" يعني أنهم "إذا كفوا عن الاعتداء فقد حققوا ظاهريا بالسلام". وأنا (والمعذرة في ذلك) اخالفكم بالرأي للسبب التالي: أن يكون الانسان مسالما لا تتطلب منه أن يقيم صلاة أو أن يأتي بزكاة، خاصة وأن اقامة الصلاة (وهذا حسب رأيكم أيضا) تختلف عن تأدية الصلاة، فاقامة الصلاة هدفها التقوى (لعلكم تتقون). إذا النص هنا يدخل في نطاق الايمان بالدين (دين المتكلم إليه). من المؤكد أنكم تعاملتم في يوم ما مع ملحدين مسالمين لايقيمون ولا يؤدون صلاة.
في رأيي أن هذه السورة جاءت بعد الفتح وتخص بشكل ما أو آخر من دخلوا الاسلام "وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا". ومنهم من تظاهر بالاسلام ربما لكسب ثقة المسلمين، ثم عاد بعد أن خف الضغط عليه إلى شركه وعدائه السابق للرسول والرسالة. لذا فالكلام هنا عن هؤلاء المشركين الذين تظاهروا بالاسلام "يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴿٨﴾ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا"، فإن كانوا مسلمين فعلا فليقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. أو أن يبقوا مشركين مسالمين لا يعتدون على الدين الحق. وهم في غير ذلك ائمة للكفر وجبت محاربتهم.
سورة التوبة تذكر أيضا التاريخ السيء لهولاء القوم ومعاملتهم للنبي والمسلمين وتتساءل "أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ".
لطالما كانت سورة التوبة معضلة لدى الكثيرين لا سيما ممن يجتز الآيات دون تدبر كامل و يلوي عنقها لتوافق فكره المسبق ! إن السياق العام لآيات هذه السورة المباركة يحكي عن حدث تاريخي هام تمثل في المعاهدة و بتركيز أكبر ( من المشركين ) أي ليس كل المشركون بل بعضا منهم و هذا طبيعي جدا فالمعاهدة تكون مع ( رموز و أشخاص لهم القيادة ) .
مدة العهد هي أربعة أشهر فيها أن ( يسيح المؤمنون في الأرض ) و نقرأ ما بين الآيات عودة وشائج العلاقات الأسرية بين المؤمنين – المهاجرين – و أهلهم المشركين من قريش في مكة مع تذكيرهم – أي المؤمنين – بأنهم غير معجزي الله جل و علا – و أنه سبحانه مخزي الكافرين .
تذكير آخر بأن الله جل و علا و رسوله عليه السلام برئ من المشركين و أنكم أيها المؤمنون – إن توليتم – فتذكير آخر بأنكم غير معجزي الله جل و علا – و بتوليكم للمشركين فهو كفر يستلزم البشارة السلبية بعذاب آليم .
وهناك استثناء فمن المشركين من لم ينقص المؤمنين شيئا و لم يظاهر عليهم أحد فهؤلاء الصنف من المشركين واجب على المؤمنين أن يتموا إليهم عهدهم إلى المدة المذكور أربعة أشهر و الله جل و علا يحب المتقين و هنا إشارة إلى طبيعة من يعمل بهذا و يلتزم به فإنه تقي .
و بعد انسلاخ الأربعة أشهر وجب قتال المشركين الذين أشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله و هم لا يرقبون في مؤمن و هم المعتدون .
و رغم كل ذلك فالتزامهم بالعهد و رجوعهم إليه فهو صك لهم بأنهم ( إخوان في الدين ) و الفيصل الهام في قتال أئمة الكفر هو نكثهم أيمانهم من بعد عهدهم و الطعن في دين الله .
واضح من الآيات أن أئمة الكفر حاولوا طيلة الأربعة أشهر نقض العهد و تأليب قومهم ضد الرسول عليه و ( هموا بإخراجه ) أي كان عليه السلام موجود بمكه بعد العهد و وجوده عليه السلام لنشر الإسلام من خلال العهد و لكن أئمة الكفر لم يلتزموا بالعهد و طيلة الأربعة أشهر و هم في حالة استنفار و محاولات لإخراج الرسول و هم من بدؤوا بذلك .
لاحظ قول الحق جل و علا في الآية 14 ( و يشف صدور قوم مؤمنين ) هذا رد فعل لأفعال كثيرة مؤذية قام بها أئمة الكفر من تحريض للقتال و إخراج الرسول و عدم الوفاء بالعهد .
لفهم سياق أحداث سورة التوبة علينا التوقف طويلا عند قوله جل و علا : ( يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم و إخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان و من يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ) .
الأحداث كلها تدور عن رسول الله جل و علا و المؤمنون – المهاجرون غالبا من أهل مكة – و أهلهم من قريش و تشريع العلاقة المفترض أن تكون بين المسلم و الكافر و أن السلام هو القاسم المشترك في الحياة بين الأطراف .
السلام عليكم
الاستاذ والاخ صبحي منصور، أنا أعرف جيدا رأيكم في الاسلام السلوكي واسلام القلب، حتى أنني حفظته عن ظهر قلب. ,أنا لم أطلب منكم إستفسارا يستدعي تكرار ما تؤمنون به وما اعرفه. إنما هي وجهة نظر تختلف مع وجهة نظركم – وللعلم فأنا أتفق معكم في أكثر ماتكتبون. لا يوجد شخصان يتفقان على كل شيء. من البديهي عندما تتعارض وجهات النظر أن تتطرق احداها لانتقاد الاخرى، ومن المعتاد أن يُدلِ كل طرف بحجته فيرد عليها الآخر بضحد هذه الحجة وليس بتكرار ماقيل سابقا.
باختصار أنا اتابع صفحتكم واتفاعل معها من خلال النقاش وابداء الرأي، وهدفي الاساسي هو أن أصل أنا إلى الحقيقة وليس لاثبات صحة رأيي، ولا اضمر شيء آخر. هناك آيات في هذا الكتاب العظيم (القرآن) بودي لو أصل إلى تفسير لها لا يبقي لأحد حجة ضدها، مثال ذلك ما جاء في سورة التوبة.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5125 |
اجمالي القراءات | : | 57,108,367 |
تعليقات له | : | 5,453 |
تعليقات عليه | : | 14,830 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : الغزالى فى الإحياء يقرر الحلول فى الله والاتحاد به تبعا لوحدة الوجود ( 3 )
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يقرر أفظع الكفر ( وحدة الوجود ) ( 2 )
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
دعوة للتبرع
أثرت مواجعنا .!!: السلا م عليكم الشيخ احمد منصور كان كاتب وله...
إجتناب الطاغوت: منذ أيام مررت بموقف حيث أردت أن أصلح بين...
ابراهيم والأجر..: أولا: ند تلاوت ى للقرآ ن الكري م وأثنا ء ...
سؤالان : السؤا ل الأول : ما معنى الرهق فى القرآ ن ...
الخلافات الزوجية: بدون سبب تركت زوجتى منزلن ا ومعها ولدى...
more
بارك الله فيك استاذنا دكتور -منصور ،وفى علمك وعُمرك .
لا ادرى هل ما جاء فى السؤال كان خاصا بأهل القرآن وكأنه يسألهم لماذا لا تُقاتلون من تعتقدون أنهم أئمة الكُفر العقيدى فى الدين ،ام انه سؤال عام ؟؟؟؟؟
على كُل حال تزامُن السؤال مع مانُشر من اخبار عن سعى ((السيسى )) للمُصالحة مع الإخوان لضمان فوزه فى الإنتخابات ربما يوحى ايضا برغبته فى أخذ فتوى رسمية يعتمدون عليها فى تبرير مُصالحتهم مع قادة الإخوان وأئمتهم ،وهم كانوا ولازالوا يعتبرونهم قادة وأئمة للإرهاب والتطرف والقتل والدمار والدعشنة فى مصر .وبالتالى لو عقدوا معهم صُلحا واخذوا عليهم عهودا بعدم العودة للإرهاب سيكون هذا مُبررا لهم امام الشعب المصرى فى إتمام المُصالحة بينهم وبين الإخوان ,,,,,,,,,,ولكن يجب الا ينسوا ان هذا يتطلب آلية ضامنة غاية فى الأهمية وهى السماح للفكر القرآنى بالظهور والإنتشار دون مُضايقات أو إضطهاد من الدولة ليواجه الفكر الظلامى الإرهابى الإخوانى والتراثى وتفنيده والرد عليه وبيان مدى مُخالفته للإسلام ،ليقضى عليه ،او على الأقل ليُحاصرة ويُحد من خطورته ، وإلا سيقعون فى نفس الخطأ الذى وقع فيه عبدالناصر حين قتل قادتهم وسجنهم ولم يُناقش فكرهم ،او خطأ السادات حين تعاهد معهم وتعاون معهم ثم إنقلبوا عليه وقتلوه وحملوا السلاح على الشعب حتى يومنا هذا .