البوذية ديانة سماوية (الحكمة)
الحكمة هي حزمة من القيم والمبادئ الأخلاقية السلوكية سواء المأمور بها أو المنهي عنها في الرسالات الإلهية، وهي التي تنهى الإنسان عن اقتراف السلوكيات السيئة التي تحط من إنسانيته، وتحضه على الامتثال بالسلوكيات والقيم الإنسانية والأخلاقية السامية، وقد ذكر الله جملة من الحكمة في بعض آيات من سورة الإسراء، الآيات: (23: 39) ثم ختم تلك الآيات بقوله: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة)، وقد حضت تلك الآيات على السلوكيات التالية: (النهي عن عبادة غير الله، بر الوالدين، الصدقة على ذوي القربى والمساكين وابن السبيل، النهي عن التبذير، القول الطيب والميسور للناس، النهي عن البخل والإسراف، النهي عن قتل الأولاد خشية الفقر، النهي عن الزنا، وقتل النفس، حرمة مال اليتيم، الوفاء بالعهد، وفاء الكيل والميزان، عدم تتبع ما لا علم لنا به، النهي عن المرح والتكبر في الأرض، النهي عن دعوة غير الله).
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا* رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا* وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا* وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا* إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا* وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا* وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً* وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً* وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً* وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً* وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً* كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا* ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا). (23: 39- الإسراء).
هذه القيم والمبادئ الخلقية لا تتبدل ولا تتغير من رسالة لأخرى، ولا من رسول لأخر، ولا من أمة لأخرى، ولا من زمن لآخر، بل هي قيم إنسانية فطرية ثابتة دائمة بدوام الإنسان في كل رسالات الله، منذ آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهناك الكثير والكثير من مفردات الحكمة في مواضع متعددة من القرآن الكريم. هذه القيم الأخلاقية والمبادئ السلوكية الإنسانية وغيرها من القيم التي تبلغ أضعاف أضعاف ما ذكرنا، والتي نجدها متناثرة في ثنايا كل الرسالات الإلهية، هي قيم إنسانية هامة، من دونها يفقد الإنسان إنسانيته حتما ويسقط إلى وحل الشهوات ويهبط إلى درك البهيمية ووحشية الغابة.
أن الحكمة تلتصق برسالات الله ملاصقة الروح للجسد، حتى إذا فارقت الحكمة الرسالة الإلهية، أضحت رسالة الله جسدا هامدا لا حياة له ولا نفع، وحين التزم الناس شرائع الله وأحكامه وفارقوا ما أمرهم الله به من حكمة ضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل، فالناس كل الناس يؤمنون بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر، ويتلون رسالات الله وكلامه آناء الليل وأطراف النهار، ولكن لا قيمة لديهم لأي شيء، بل لا قيمة لهم ولا وزن.
إن الحكمة هي موضوع الرسالات الإلهية الوحيد الذي قرنه الله بالكتاب الشامل المفصل وأفرده بالذكر مع الكتاب في كثير من الآيات، بل إن الله جعل الكتاب والحكمة هما الميثاق الذي أخذه الله على جميع النبيين، وسمة الصدق الوحيدة التي يلتقي عندها كل الأنبياء والمرسلين، قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) (81- آل عمران). وفي هذا دلالة على أن الإيمان بالكتاب وحده من دون حكمة لا قيمة له، ولا قيمة لتلاوته، بل لا قيمة ولا وزن لمن يدعوا إلى سبيل الله ما لم يمتثل الحكمة واقعا عمليا في سلوكه هو قبل أن يدعو الناس إلى الله، قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (125– النحل)، فأولى سمات الداعية إلى سبيل ربه هي إقامة الحكمة أولا في واقعه، والامتثال ابتداء بالقيم الإنسانية السامية في نفسه قبل أن يدعو الناس إلى سبيل ربه، ولأهمية القيم الإنسانية السامية قرن الله الكتاب بالحكمة، رغم أن الحكمة موضوع من موضوعات الكتاب إلا أن الله قد خصها بالذكر مع الكتاب في عدة آيات، وأفردها بالذكر من دون الكتاب في آيات أخرى على النحو التالي:.
# الآيات التي قرن الله فيها الحكمة بالكتاب :
(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) (129- البقرة).
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) (151- البقرة).
(وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (231- البقرة).
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل)َ (48– آل عمران).
(وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) (81- آل عمران).
(لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (164- آل عمران).
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) (54– النساء).
(وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (113- النساء).
# الآيات التي أفرد الله فيها الحكمة بالذكر من دون الكتاب:
(فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء) (251– البقرة).
(يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَاب)ِ (269– البقرة).
(ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا) (39– الإسراء).
(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) (34– الأحزاب).
(وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ). (4، 5- القمر).
(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ* وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ* وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (12: 19– لقمان).
# الحكمة في أسفار الديانة البرهمية (الفيدا) :
تقوم الأخلاق الإيجابية للديانة البرهمية على عشر دعائم أساسية هي الوصايا العشر للدين البرهمي، وهي: مراعاة الكائن الإلهي ، ومقابلة الإساءة بالإحسان، والقناعة، والاستقامة، والطهارة، وكبح جماح الحواس، ودراسة الفيدا، والصبر، والصدق، واجتناب الغضب. ويذكر البيروني في صدد هذه الدعائم رواية أخرى لا تختلف كثيراً عن هذه الرواية إذ يقول: "والسيرة الفاضلة وهي التي يفرضها الدين وأصوله، وبعد كثرة الفروع عندهم، راجعة إلى جوامع عدة هي: ألا يقتل، ولا يكذب، ولا يسرق، ولا يزني، ولا يدخر، ثم يلزم القدس والطهارة، ويديم الصوم والتقشف، ويعتصم بعبادة الله تسبيحاً وتمجيداً، ويديم إخطار "أوم"، التي هي كلمة التكوين والخلق، على قلبه بدون التكلم به".
ومن أهم الرذائل التي تخصها أسفارهم بالذكر وتحدد مكان مرتكبها في جهنم، الكذب، وشهادة الزور وسفك الدم بغير حق والاستهزاء بالناس وغصب حقوقهم والسرقة وخاصة سرقة الذهب وقتل البقر والزنا وخاصة الزنا بالابنة وزوجة الابن وأم الزوجة واتصال التلميذ بزوجة أستاذه وجماع المرأة في الأيام المعظمة وإتيان البهائم والإغضاء على فاحشة الزوجة طمعاً في منفعة وإخفاء المال طمعاً في صلات الأمراء وإحراق بيوت الناس وقطع الأشجار وتقصير الأمراء في وجباتهم نحو رعاياهم. ( د. علي عبد الواحد وافي، ص180، 181).
ويقول الدكتور عمارة نجيب: (يبدو أن الأخلاق البرهمية في جملتها تدعو إلى كثير من الفضائل التي يدعو إليها الدين السماوي وتنهى عن كثير مما ينهى عنه الدين السماوي من رذائل مما يدل على أن لها أصلا ذا صلة بدعوة دينية قديمة ثم أصابتها يد التحريف ففرقت بين الناس ووضعت قواعد التفرقة العنصرية إلى غير ذلك من رذائل ينهى عنها الدين الصحيح). (د. عمارة نجيب, ص205).
# الحكمة في الديانة البوذية :
كان بوذا على جانب عظيم من طيبة النفس وحسن الخلق ولطف المعشر وكانت نفسه معتركا شديدا للنضال بين نوازع الجسم وما أخذ به نفسه بالرياضة حتى انتهى بالانتصار على لذاته انتصارا مؤزرا. (محمد أبو زهرة، ص99).
ويصور علماء الهند صورة رائعة لبوذا فيقررون أنه كان شديد الضبط, قوي الروح, ماضي العزيمة, واسع الصدر, عزوفا عن الشهوة, بالغ التأثير, بريئا من الحقد بعيدا عن العدوان, جامدا لا ينبعث فيه حب ولا كراهية ولا تحركه العواطف ولا تهيجه النوازل, بليغ العبارة فصيح اللسان مؤثرا بالعاطفة والمنطق, له منزلة كبيرة في أعين الملوك ومجالسه ملتقى العلماء والعظماء. ومن القصص التي تروى لتدل على تواضعه أن أحد تلاميذه قال له مرة: إنني أيها السيد أومن بكل قلبي أنه لم يوجد بعد ولا يوجد الآن ولن يوجد إلى آخر الدهر مرشد أعظم قدرا وأكثر عقلا من مرشدنا المبارك.
فأجاب بوذا: هل أنت قد عرفت كل العارفين الذين سبقوني؟ وهل عرفت كل العارفين الذين يأتون بعدي؟
فأجاب التلميذ: لا يا سيدي فلم يتيسر لي ذلك؟
قال بوذا: هل عرفتني كل المعرفة؟ وتوغلت في نفسي كل التوغل؟
فقال التلميذ: لا يا سيدي وكيف لي ذلك؟
فقال بوذا: فلم إذا أسرفت في قولك وجعلتني خير الناس وأنت لا تعرفني ولا تعرف الناس؟ (د. أحمد شلبي, ص156).
وفي كل يوم يستيقظ بوذا المستنير المثقف مبكرا ويغتسل ويرتدي ثيابه ثم يقضي بعض الوقت في الصلاة ويخرج إلى طرقات المدينة وقد يدعوه مواطن لتناول الطعام فيأكل أقل القليل ثم يلقي موعظة للأصدقاء الذين يكون مضيفه دعاهم في منزله ثم يعود إلى مكان راحته ويستطلع أحوال الرهبان ويقترح عليهم موضوعات للتأمل ثم يستريح في ساعات القيظ وفي المساء يلقي درسا عاما ثم يغتسل ثانية ثم ينقطع فترة للتأمل الذاتي ثم يلقي عظة خاصة لرهبانه وحدهم. وقد أراد كثيرون من الرهبان أن يتولوا خدمته عندما تقدمت به السن وتناظروا فيما بينهم كل يطلب هذا العمل لنفسه ولكنه تخير راهبا لم يطلب العمل ولم يطلب أن يختاره ولم يجتذب الانتباه لنفسه. وقد أصيب أحد مريديه بمرض جلدي مخيف وعندما تجنبه باقي الرهبان غسل له بوذا جسده بيديه قائلا لرهبانه: (مادمتم قد تركتم وراءكم آباءكم وأمهاتكم فليكن كل منكم أبا وأما للآخر). (الموسوعة العربية العالمية, ص90).
* الوصايا العشر التي تنسب لبوذا وهي :
1- يجب ألا تقضي على حياة .
2- يجب ألا تأخذ ما يعطى إليك .
3- يجب ألا تقول ما هو غير صحيح.
4- يجب ألا تستعمل شرابا مسكرا .
5- يجب ألا تباشر علاقة جنسية محرمة.
6- يجب ألا تأكل في الليل طعاما نضج في غير أوانه.
7- يجب ألا تكلل رأسك بالزهر وألا تستعمل العطور.
8- يجب ألا تقتني المقاعد والمساند الفخمة.
9- يجب ألا تحضر حفلة رقص أو غناء.
10- يجب ألا تقتني ذهبا أو فضة. (د. أحمد شلبي, ص166).
# الحكمة في الديانة الكونفوشيوسة :
لقد سبقت كونفوشيوس بمئات السنين رسالة إلهية عظيمة اشتملت على العديد من مفردات الحكمة التي نهل منها كونفوشيوس واستعادها في رسالته التجديدية، يقول محمد أبو زهرة: (اعتقد الصينيون منذ أقدم عصورهم أن الأحداث الكونية تتبع الأخلاق التي تسود الناس وملوكهم, فكلما كان الاعتدال والانسجام والفضائل يسودان المعاملة بين الناس ويربطان العلاقات بينهم برباط من المودة والرحمة فالكون سائر في فلكه من غير أي اضطراب، ولكن إذا حاد الإنسان عن سمت الحق والسلوك القويم إلى الفضيلة اضطرب بعض ما في الكون لمخالفة القانون الأخلاقي, وما الزلازل وخسف الأرض وكسوف الشمس وخسوف القمر إلا إمارات لفساد خلقي, أحدث ذلك الاضطراب الكوني, وإذا كان السلوك غير القويم يحدث الاضطراب والقحط فالسلوك القويم يجلب الخير والبركات ويجعل كل ما في الكون يجئ على رغبة الإنسان. والسبب في ذلك أنهم كانوا يعتقدون أن المؤثرات في الأكواخ ترجع إلى ثلاثة: أوله: السماء ولها السلطان الأعلى, وثانيها: الأرض لقبولها أحكام السماء, وثالثها: الإنسان بما يؤثره بإرادته الفضيلة وسلوكه سبيلها يجعل مظاهر الكون إلى خير الإنسان, فالجو يمتلئ بالنسيم العليل والحرارة المنعشة والغيث المحيي لنبات الأرض من غير أن يخرب العمران. (محمد أبو زهرة, ص91، 92).
وكان مجتمع الصين القدماء يسوده الخلق الكامل ردحا من الزمان, ولكن خلف من بعدهم خلف لم يسلك طريق الأخلاق, فحوالي القرن السابع قبل المسيح حكمت الصين أسرة ارتكبت من الظلم والإثم ما أوقع الشعب في الفوضى والاضطراب وجعل حكام الولايات يسرون في طريق من الاستبداد برعاياهم لغير مصالحهم والشعب الصيني نفسه انحدر في طريق الرذيلة والانحلال الخلقي, ولما تفاقم الشر وجمحت النفوس وتفشى الداء أعمل الفضلاء الجهد وأحسوا بعظم التبعة, لذلك نجم في آخر القرن السابع والقرن السادس قبل الميلاد عقول جبارة ضاعفت الجهود وبذلت أقصى المجهود لكي ترجع الأخلاق الصينية إلى غابرها وكانت دعوتها وحيا لعبقرية جبارة واستنباطا لما استقر في أعماق القديم وأحياء للمدفون من كرائم العادات وكان أبرز هؤلاء كونفوشيوس. (محمد أبو زهرة, ص94).
يقول الدكتور فؤاد محمد شبل: (إن الحل الذي اقترحه كونفوشيوس لمشاكل عصره، هو نفس الحل الذي بشر به جميع الأنبياء في كل زمان ومكان, ويكمن في معنى واحد: العودة إلى الفضيلة. فمن رأي كونفوشيوس أن على الناس أن يؤمنوا بالفضيلة الكاملة التي تساعد المجتمع على اتقاء الشر والقسوة والعنف التي تهدم حياته. (د. فؤاد محمد شبل, ص72).
كان كونفوشيوس في أوقات فراغه هينا سهلا في سلوكه, يبدو على سيماه البهجة والمرح. وكان حسن المعشر ولكن في حزم, عزيز النفس دون تعال, مترفعا مع العزوف عن استغلال من هم دونه, وعندما أنبأه أحد أتباعه باحتراق إسطبلات الخيل تساءل عما إذا كان أحد قد أصيب بأذى ولم يسأل عن الخيل. وكان ينسى تناول طعامه ولا يبالي بآلامه النفسية والجثمانية إذا انهمك في النقاش وتحمس للجدال. (د. فؤاد محمد شبل, ص85، 86).
ولقد أعلى كونفوشيوس من شأن الأصالة الفكرية, وبجل صفة الصدق وأبدى كراهية للفراغ العقلي والبهتان. فكان يجل ما يدعوه بـ(الصفة الأساسية) ويقصد بها الاستقامة والعدل, وفي هذا يقول: (يجب أن تكون حياة الإنسان قوية وعليه أن يتجنب خداع نفسه أو خداع الآخرين, وأن يهيئ تعبيرا ظاهرا لما يرضى عنه عقله أو يعرض عنه. وتفد الاستقامة من باطن المرء فهي تعبير مباشر عن قلبه). وتتضمن صفة الإخلاص البشري ومبناها أن يحب للمرء ما يحبه لنفسه أو بتعبير كونفوشيوس (لا ترتكب في حق الآخرين ما لا تحب أن يرتكبه الآخرون في حقك). (د. فؤاد محمد شبل, ص81، 82).
ودعا إلى بر الوالدين فقال: (قيام الابن بإطعام والديه لا يعني عند كونفوشيوس بره بهما, فإن الخيول والكلاب تجد لها طعاما. فعلى الأبناء –في المكان الأول– فريضة توقير الأبوين فإن ارتأى الابن رأيا فعليه عرضه على الأبوين في لطف وكياسة, فإن ضرباه فلا يشتكي). (د. فؤاد محمد شبل, ص90). ويقول كونفوشيوس أيضا: (واجب الولد البر بأبويه إذا كان داخل المنزل, والاحترام لذوي الأسنان إذا كان خارجه, والصدق في أقواله والرحمة بالناس في كل أفعاله, وأن يتقرب إلى الفضلاء وإذا كان لديه فراغ من الوقت زجاه في كتب الأخلاق). (محمد أبو زهرة, ص101، 102). ويقول في الفصل الرابع من كتاب الحوار: (الرجل الكامل الخلق يطلب الفضيلة والرجل الناقص الخلق يطلب اللذة والرجل الكامل الخلق يفكر في اجتناب الرذيلة وأداء الواجب والرجل الناقص يفكر في كسب المنافع والرجل الكامل الخلق واقف على البر والرجل الناقص الخلق واقف على الربح). (محمد أبو زهرة, ص98).
ويقول كونفوشيوس: طريق الخير هو الاعتدال والاقتصاد في كل أفعال النفس وسجاياها, فالقناعة مع الجد من غير استسلام فضيلة واللين من غير ضعف فضيلة والرحمة مع العدل مع المسيء فضيلة أيضا وكذلك التجمل مع السذاجة وهكذا كل الفضائل وأقصى الطرفين من إفراط أو تفريط رذيلة ويعدون الفضيلة طريق السعادة والرذيلة طريق الشقاء, فالشقاء في المخالفة والسعادة في الموافقة ولأن الموافقة تجعل النفس متوافقة مع فطرتها سائرة منسجمة مع طبيعتها. والرحمة أخص ما يجب أن يسود من صلات فهي الرابطة التي تربط آحاد المجتمع بعضهم ببعض وهي التي تجعل الناس متحابين سعداء من غير عنف زاجر ولا قانون مشدد, وإذا كانت الفضيلة في عمومها طريقا لسعادة الآحاد فالرحمة التي تسود المجموع هي طريقة سعادته, فالمجتمع السعيد من كانت الرحمة هي الوحدة المرابطة بين آحاده وهي العلاقة المبينة حدودها للإنسان وما عليه, وليست الرحمة عندهم هي العفو المطلق والتسامح المطلق بل الرحمة التي تسبب السعادة هي الرفق بالمجموع مع معاملة أهل السوء بما يستحقون من غير شطط ولا تفريط وأما التسامح المطلق ولو مع المسيء فإنه رحمة ظاهرة تخفي في ثناياها سترا للإجرام وذلك ليس من الرحمة الحقيقية في شيء. إذن فغاية الفضيلة في عمومها وخصوصها عندهم الكمال الإنساني والسعادة لبني الإنسان وإقامة بناء المجتمع على التواد والتراحم والتعاطف. (محمد أبو زهرة, ص92، 93).
# الحكمة في الديانة الزرادشتية :
ودعا زرادشت إلى العديد من المبادئ الخلقية ومنها أن كل إنسان مسؤول عن عمله وأن الأعمال الطيبة تسجل له كما تسجل الأعمال السيئة عليه وسوف تكشف هذه الأعمال يوم البعث ويحاسب عليها الإنسان. ومن هذه المبادئ الخلقية الوفاء بالوعد وعدم خداع الناس والكذب, ولقد كان الكذب من أكبر الرذائل ويليه الوقوع في الدين كما أنه يدعو إلى الاعتزاز بالقومية وطاعة حكام المدينة ورجال الدين والقناعة والشجاعة ومحبة العلم والحكمة. وجاء في (أوسنا) أن على الإنسان واجبات ثلاثة: أن يجعل العدو صديقا وأن يجعل الخبيث طيبا وأن يجعل الجاهل عالما. وأعظم الفضائل عند زرادشت التقوى يأتي بعدها مباشرة الشرف والأمانة عملا وقولا وحرم أخذ الربا من الفرس وجعل الوفاء بالدين واجبا يكاد يكون مقدسا, ورأس الخطايا كلها هي الكفر.
وتدعو الديانة الزرادشتية إلى الفضائل نفسها التي يدعو إليها الإسلام وتنهى عما ينهى عنه من مظاهر الرذائل والفحشاء والمنكر والبغي. وقوام الأخلاق عند زرادشت ثلاثة أمور: الفكر الطيب، والكلم الطيب، والعمل الطيب، وكان لا يقبل دخول أحد في الدين الزرادشتي إلا بعد أن يؤخذ عليه بهذه الأمور ميثاق مدون صيغته في الأبستاق وينتهي بالعبارة الآتية: "لن أقدم على سلب أو نهب أو تدمير أو تخريب، أقر أني أعبد أهورا مزدا، وأعتنق دين زرادشت، وألتزم التفكير في الخير والكلام الطيب والعمل الصالح". (د. علي عبد الواحد وافي، ص155).
(وللحديث بقية).
Nehro_basem@hotmail.com
# قائمة بالمراجع :
1. الموسوعة العربية العالمية, مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع, المملكة العربية السعودية, 1996.
2. د. عمارة نجيب, الإنسان في ظل الأديان: المعتقدات والأديان القديمة, المكتبة التوفيقية، القاهرة 1977.
3. د. أحمد شلبي, مقارنة الأديان, أديان الهند الكبرى, الهندوسية– الجينية– البوذية, الطبعة الخامسة, مكتبة النهضة المصرية 1979.
4. محمد أبو زهرة، مقارنات بين الأديان "الديانات القديمة"، دار الفكر العربي، القاهرة.
5. د. فؤاد محمد شبل, حكمة الصين: دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصيني منذ أقدم العصور, الجزء الأول, دار المعارف بمصر.
6. د. علي عبد الواحد وافي، الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، مكتبة نهضة مصر، الفجالة 1964.
اجمالي القراءات
39963