خطبتي جمعة:
من دون الله (2)

عبدالوهاب سنان النواري Ýí 2016-10-23


الخطبة الأولی:

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

تبارك الذي نزل الفرقان علی عبده ليكون للعالمين نذيرا ، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا.

المزيد مثل هذا المقال :

إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير.

له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلی الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال.

 

هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودين الحق ليظهره علی الدين كله.

قرآنا عربيا لعلكم تعقلون.

كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين.

 

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون، نستكمل في هذه الساعة المباركة حديثنا الذي كنا قد تناولنا جانبا منه في الجمعة الماضية. وحديثنا يتناول موضوع خطير جدا وذنب لا يغتفر، ألا وهو " الشرك " ، بأن يتحذ الإنسان وليا، وشفيعا، ووكيلا، ونصيرا، من دون الله جل وعلا.

الحق تبارك وتعالی، يريد أن يكون الدين خالصا لوجهه الكريم، يريد منا أن نعبده وحده، مخلصين له الدين، دون أن نجعل بيننا وبينه أولياء كواسطة نتقرب بحبهم وبتقديسهم إليه، واصفا من يتخذ واسطة بأنه كاذب كفار، جاء ذلك في قوله تعالی: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ، ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلی الله زلفی إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار (الزمر 2-3) .

والدعوة إلی توحيد الله جل وعلا، وعدم الشرك به سبحانه، كانت أهم مهام خاتم النبيين (عليه السلام) ، وحتی لا يقوم أحد بتأليه خاتم النبيين، بالزعم بأنه ينفع ويضر، أمره رب العزة بأن يقول للناس: أنه لا يملك لأحد ضرا ولا رشدا، وأنه هو نفسه لن يجيره من الله أحد، ولن يجد من دونه أحد يلتجئ إليه، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ، قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ، قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا (الجن 20-22) .

كما أمره رب العزة، بأن يخبر المتشككين في الرسالة القرآنية بأنه لا يمكن أن يقدس من دون الله أحدا، وأنه مأمور بأن يكون من المؤمنين بإقامة وجهه للدين حنيفا، وأن لا يكون من المشركين الذين يدعون من دون الله جل وعلا، ما لا ينفعهم ولا يضرهم، كي لا يكون من الظالمين، جاء ذلك في قوله تعالی: قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين ، وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ، ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين (يونس 104-106) .

أولئك المتشككون في القرآن الكريم، يعبدون الحق تبارك وتعالی علی شك، فإن أصابهم خير اطمأنوا به، وإن تعرضوا للإمتحان انقلبوا علی وجوههم، لأنهم يدعون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم، فخسروا بذلك الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، والضلال البعيد، لأنه في الحقيقة يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه، فبئس المولی وبئس العشير، جاء ذلك في قوله تعالی: ومن الناس من يعبد الله علی حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب علی وجهه خسر الدنيا والأخرة ذلك هو الخسران المبين ، يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد ، يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولی ولبئس العشير (الحج 11-13) .

لذلك جاءت التوجيهات الإلهية، بترك أولئك المتشككين الذين اتخذوا دين الله جل وعلا، لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا، وأن يتم تذكير الناس من خلال القرآن الكريم، كي لا تحبس النفوس يوم القيامة بما كسبت، ففي ذلك اليوم ليس لها من دون الله جل وعلا، ولي ولا شفيع ولا فدية، فكيف لنا أن ندعوا من دون الله جل وعلا، ما لا ينفعنا ولا يضرنا، ونرد علی أعقابنا بعد إذ هدانا الله جل وعلا، كيف نسمح للشياطين بأن تستهوينا فنصبح في الأرض حيارا، وهدي الله القرآني بين أيدينا، وقد أمرنا بأن نسلم لرب العالمين وحده لا شريك له، جاء ذلك في قوله تعالی: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ، قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد علی أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلی الهدی ائتنا قل إن هدی الله هو الهدی وأمرنا لنسلم لرب العالمين (الأنعام 70-71) .

ودائما يضرب الحق تبارك وتعالی الأمثال، لعل الناس يعقلونها، وهنا يصور وهن وضعف وتمزق الذين يتخذون من دونه أولياء، كوهن وضعف وتمزق بيت العنكبوت، وأن الذين يدعون من دونه ليسو بشيء، جاء ذلك في قوله تعالی: مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ، إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم ، وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (العنكبوت 41-43) .

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه تعالی ملك بر رؤوف رحيم.

قلت ما سمعتم، واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، ولوالدي ووالديكم، ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

كم حذرنا الحق تبارك وتعالی من الشيطان الرجيم، وكم حكی لنا قصة رفضه السجود لآدم، وإعلانه الحرب الشعواء ضد بني البشر، فهل يعقل بعد كل هذا العداء أن نتخذ الشيطان وذريته أولياء من دون الله جل وعلا، الحقيقة أن أكثر البشر قد وقعوا في شرك الشيطان الذي صنع لهم أولياء وكتب يتم تقديسها من دون الله جل وعلا، وهذا هو محل الإستغراب، الذي جاء في قوله تعالی: وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا (الكهف 50) .

هل هناك أظلم ممن يفتري علی الله الكذب أو يكذب بآياته جل وعلا، بالتأكيد لا يوجد أظلم منه، لذلك أعد الحق تبارك وتعالی، للظالمين عذاب الجحيم، وهنا يقول سبحانه: فمن أظلم ممن افتری علی الله كذبا أو كذب بأياته أولئك ينالهم نصيب من الكتاب حتی إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا علی أنفسهم أنهم كانوا كافرين ، قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتی إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون (الأعراف 37-38) .

وفي موضع آخر من كتاب الله العزيز، يأمر الحق تبارك وتعالی، بحشر الظالمين ومن علی شاكلتهم وما كانوا يقدسون من دونه سبحانه، وأن يتجهوا بهم نحن الجحيم، لتتم مسائلتهم، والإستفسار عن سبب استسلامهم وفشلهم عن نصرة بعضهم، وتحكي لنا الآيات بعد ذلك الكثير من التفصيلات والحيثيات التي أوردتهم الجحيم، وما يدور بين أهلها من تخاصم، وفي ذلك يقول سبحانه: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون ، من دون الله فاهدوهم إلی صراط الجحيم ، وقفوهم إنهم مسئولون ، ما لكم لا تناصرون ، بل هم اليوم مستسلمون ، وأقبل بعضهم علی بعض يتساءلون ، قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ، قالوا بل لم تكونوا مؤمنين ، وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين ، فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون ، فأغويناهم إنا كنا غاوين ، فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ، إنا كذلك نفعل بالمجرمين ، إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ، ويقولون أئنا لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون (الصافات 22-36) .

وفي موضع ثالث، يقول الحق تبارك وتعالی: وبرزت الجحيم للغاوين ، وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون ، من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون ، فكبكبوا فيها هم والغاوون ، وجنود إبليس أجمعين ، قالوا وهم فيها يختصمون ، تالله إن كنا لفي ضلال مبين ، إذ نسويكم برب العالمين ، وما أضلنا إلا المجرمون ، فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم ، فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ، إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين ، وإن ربك لهو العزيز الرحيم (الشعراء 91-104) .

نعم هو الرحيم بعباده، ولا أدل علی ذلك من كل هذا البيان والتبيان، فالحق تبارك وتعالی لا يظلم أحدا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، باتخاذهم أولياء لا ينالون منهم إلا الخسارة، وفي ذلك يقول سبحانه: وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم ءالهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب (هود 101) .

 

ختاما: يقول الحق تبارك وتعالی: يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخركم من الظلمات إلی النور وكان بالمؤمنين رحيما (الأحزاب 41-43) .

وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (غافر 60) .

ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وآتنا ما وعدتنا علی رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علی الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا ، واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا علی القوم الكافرين.

قوموا إلی صلاتكم يرحمكم الله

اجمالي القراءات 7011

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-11-03
مقالات منشورة : 84
اجمالي القراءات : 1,016,989
تعليقات له : 60
تعليقات عليه : 67
بلد الميلاد : Yemen
بلد الاقامة : Yemen