طاعون داعش قابل للانتشار
في فيلم أمريكي كانت المدينة على موعد مع فيروس غريب ليس كالفيروسات، فالمعهود عن طبيعة الفيروسات المرضية أنها تؤذي صاحبها أو تنتقل عن طريق العدوى، وفي كل الأحوال فهي لا تؤذي إلا المريض، لكن لم نسمع عن فيروس مثلا يجعل الإنسان يشتم أو يقتل ويذبح، لكن مع هذا الفيلم كان الفيروس من تلك النوعية، إذا أصاب صاحبه يجعله يَعضّ الآخر من رقبته ويسيل دمه، ثم ينتقل الفيروس بسرعة وبثوانٍ معدودة إلى الضحية ليمارس هو الآخر عدوانيته ويعض كل من يقابله فتتحول المدينة بكاملها إلى مدينة أشباح ووحوش قاتلة.
قد يثير انتباه البعض شخصاً هادئاً ونزيهاً أو فتاة جميلة رقيقة لا تعرف للعنف سبيلا، ولكن إذا تعرضت لهذه العضّة الفيروسية القاتلة تتحول إلى وحش كاسر يأكل لحوم البشر بشراهة.
عندما أرى جماعة داعش وهي تتوسع بسرعة ويزيد نفوذها حتى تحتل شمالي العراق وسوريا وتشكل حلقات متصلة، ومع هذا النفوذ لا تتوقف مشاهد القتل والذبح وحز الرؤوس ونشر هذه المقاطع...مع كل هذا أتذكر هذا الفيلم مباشرةً، وبعفوية أربط بين هذا الفيروس المُعدي في المدينة وبين فيروس داعش القاتل الذي وإن أصاب طبيباً عاقلاً أو فنانا مرهف المشاعر إلا ويتحول إلى وحش كاسر لا عقل له ولا قلب..
في حلقاتٍ ماضية متصلة ربطنا بين جرائم داعش وبين تراث المسلمين السنة، وقلنا أن هذا التراث لا يصنع إلا هذه النوعية من المخلوقات، وأن كافة محاولات تطويعه وتأويله أو توجيهه للمعاصرة هي محاولات بلا جدوى، بل هي تصب في خانة إهدار الجهد والمال، لأن النتيجة الحتمية لهذا التراث سواء اليوم أو غداً هي صناعة إنسان جاهل أو مجرم، وفي كِلتا الحالتين يتحمل مسئوليته من رفع لواء التكفير في وجه كل من يطالب بتجديده وتنقيحه ليس لنا على الأقل..ولكن لنحمي الأجيال القادمة من الهلاك المحتم.
البداية كانت منذ إحياء ذلك التراث على أيدي جماعة الإخوان المسلمين، فنشروه بصبغة سياسية، وغلفوا دعواهم بشعاراً وأملاً خادعا تحت عنوان.."الصحوة الإسلامية"..وتكلموا عن نظام الحكم في الإسلام، ووجوب عودة الخلافة بعد هدمها في تركيا، وتصدوا لكل دعاة التنوير في في عهدهم كأحمد لطفي السيد وعباس العقاد وطه حسين وغيرهم الذين كانوا يعلمون مآلات تلك الدعاوى الهدامة، ونشر الحمقى منهم دعوات التكفير في حقهم، لأن التراث أفهمهم أن طريق الله المعصوم بين يديهم، وأن أي نهاية لهذا الطريق ستكون خيراً لهم سواء تمكنوا من الحكم أم لا..
قاموا بإحياء صورة الصحابة التراثية التي يملأها الخيال والطوباوية المفرطة، فاعتقد العوام أن ما يتحدثون عنهم ليسوا بشراً ولا يجوز في حقهم الخطأ، فسادت وانتشرت دعاوى الطائفية بعد انقراضها على عهد المعتزلة وإحياءها في عصر ابن تيمية ثم الإحياءة قبل الأخيرة للطائفية على يد الشيخ ابن عبدالوهاب، والآن جددها الإخوان المسلمون بإحياءة أخيرة حصدت أرواح ملايين المسلمين في سوريا ولبنان والعراق وإيران، كأكبر عدد لضحايا العنف الطائفي في تاريخ المسلمين.
يعتمد الداعشيون في دعوتهم على ذلك التراث السني الطائفي ويُفضلون عادةً أن يكونوا ديماغوجيين يكسبون عواطف الناس ، هي الصورة اللامرئية للشخص التراثي، حيث وباعتقاده الحق المطلق -ووجوب استنفاره سياسياً -يتصدي لهم أصحاب المصالح، فيعتقد أن تصديهم هو حرب مع الله..تلك الصورة التي ورثوها عن الخلافة والشريعة البائدة في القرون الوسطى، لم يجرِ تجديدها حديثاً إلا بجهود فردية غير مؤثرة تُحسب لأصحابها، ولكن يظل الخط العام للخطاب الديني يعتمد على هذه المفاهيم التراثية لصنُع ما يعتقدونه بحالة إيمانية تسمح لهم بالتمدد والتوسع تحت ستار.."نشر الإسلام".
هي حالة فريدة تصلح لأن تكون فيروساً يسري مسرى الدم في العروق، وهل بيننا من يشعر بدمه يجري؟..هؤلاء كذلك لا يشعرون بهذا الفيروس الذي لم يكتفِ بالسيطرة على الدم، بل هو مخصص للسيطرة على الدماغ والوجدان ككل.
قديماً لجأ أحد أكبر أساطين التنوير وهو الدكتور طه حسين إلى المواجهة المباشرة، وتصدى لهؤلاء التراثيين وطعنهم في عقر دارهم، بعد أن علم منبت الداء وجذور الصرع الطائفي لديهم، حيث علم أن دعواهم تعتمد ليس فقط على التأويلات والنزعات والمصالح بل أيضاً على الأكاذيب، فنفى قصة ابن سبأ مع الإمام علي بن أبي طالب، وأعلن أن ابن سبأ شخصية أسطورية لا وجود لها، وأن قصصه وحواديته من اختراع ذلك العهد المأفون الذي كان يضج بالتعصب والعنف الطائفي ومشاهد الدماء مُضرجة في الشوارع، وليس مجرد تدوين تلك القصص علامة على صحتها، بل التاريخ يُثبت أنها لم تظهر إلا في كتب المتأخرين كالطبري وبن قتيبة، ثم أخذ عنهم الشهرستاني في الملل والنحل وابن حزم في الفصل والاسفراييني في التبصير.
كانت محاولات فردية لإحداث نوع من التغيير ولكنها باءت جميعاً بالفشل، والسبب أنه ما من انتصارٍ يحدث إلا عن تيار وحركات جماعية، ومهما فعل طه حسين أو غيره فجهودهم لا تذكر مقابل دعوات وإمكانيات التراثيين، الذين يعتمدون بشكل أساسي على جهل الشارع، وعلى إمكانياتهم المالية والنفطية بل والسياسية.
إن مجتمعات المسلمين الآن هي بيئة خصبة لتمدد داعش، وكأن داعش هي العقاب الإلهي للمسلمين الذين تكاسلوا وتجابنوا عن مواجهتهم في المهد، قال لي صديق أن المصريين لن يفيقوا إلا بعد اكتوائهم بنار داعش، قلت وهل الليبيون والسوريون أفاقوا أم لا؟..ما زالت المناطق المحررة من داعش يرون ما يراه ابن عثيمين وابن باز ومحمد حسان والحويني ، بل يرون في ابن تيمية شيخاً للإسلام، والسبب أن بعض الشيوخ قالوا ان داعش لا تمثل الإسلام هكذا دون تفصيل وبيان، فاعتقد العوام أن داعش ليست هي الإسلام، ولكن لم يتسلحوا بالإسلام الصحيح.
وهذا يعني أن الداعشيين يمكنهم العودة تحت إسم وشكل جديد، ولكن المضمون واحد، فبقاء هذا التراث هو لعنة أصابت الأجيال المتتالية منذ عهد المتوكل العباسي إلى عهد أبو بكر الداعشي ، انتصار متكرر للحنابلة وصراع دائم مع الآخر وتخلف وانحطاط بشري لم نراه في قبائل الزومبا وآكلي لحوم البشر، أمس أعلنت أحد القنوات زيادة مقاتلي داعش في سوريا 6000 في أسبوع، وهذا يعني تمدد مخيف وتهديد علني لمجتمعات العرب وغير العرب .
إن ما يحدث للمسلمين يستحق أن يكون حالة فريدة يجوز وصفها .."بالوباء "..قديماً كان التطرف حالة فردية سهلة الرصد والتتبع، أما الآن فيكفي أن تردد فتوى واحدة لشيوخ داعش كي تكون عضواً عاملاً في دولتهم لا فرق بينك وبينهم سوى أنهم سبقوك بحمل السلاح والعدوان، أما أنت فقاعد ، فهل يستوي الداعشيون مع القاعدون؟
ما يفعله البغدادي وكافة مرضى الوباء هو أنهم يُحاكمون المسلمين لتراثهم، هذا هو ما أنزل الله وسنّه رسوله، عليكم باتباعنا ، الدين ليس فيه عقل بل اتباع، ولو كان بالعقل لكان مسح أسفل الخف أولى من ظاهره ، تلك الحجة السخيفة التي يرددها البلهاء ، رغم أن هذه الكلمة بشرية منسوبة للإمام عليّ ، ولكن جعلوها قاعدة لفهم الدين وتقليد بعضهم كالنعاج في الزرائب، وكأن الله لم يُحاكم البشر لعقولهم ويأمرهم بالتفكر في الحرث والزرع والماء، ولما لا وهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، فهم من اعتادوا الكذب على الله وعلى رسوله، وهم من آذوا الأنبياء قديماً ويُؤذون المصلحين حديثاً.
اجمالي القراءات
7042
إن فكـــرة أن (يكون معك تصـريح وغطـاء دينـى وشــرعى لأن تقتـل وتمثـل بكل من يخالفك .. وأن تغتصب وتزنى كيفما تشاء .. وأن تسـرق وتغتصب أموال وممتلكات من شـئت .. وأن يكـون لك السلطـان والقهـر على الناس ... وفوق ذلك ستدخل الجنــة) .... من المتـوقـع أن يكـون لهـا للأسف أتباع كثيـرين
لـــذا يجب ألا نستهينبشياطين داعــش .. وأنا أخشـى ازدياد أعدادهم بصورة كبيرة:-
- لوجود من يعتقد بفكــرة الخلافة المــركزية.. وبيعــة الخليفة (الممكن فى الأرض)
- وأيضا لأنه أصبح عندهم تمويل ذاتى غير قليل من آبار البترول والنهـب وهذا يمثل عامل جـــذب قوى لكل من عنده إستعداد للمتاجـرة بدينه
- وذلك بخلاف من يساندهم بالمعلومات والسلاح الحديث ويمـوه على انتشـارهم بجذب أنظـار العالم كله بحـروب تمثيلية عدد الذين قتلوا فيها قد تقوم داعـش بقتلهم فى يوم أو يومين ولا يذكر الإعلام العالمى ذلك إلا فى خبر صغير !!
وقد بدأت تظهـر قصص عن شباب عرب وأروبييـن ليس لهم أى ميول دينية ينضمون لداعـش .. أو يعجبـون بها فى الوقت الحالى على الأقل
... لقد انخدع المصـريون بعد ثورة يناير فى الجماعات التى ترفع شعـار الإسـلام ... الآن ينخـدع البعـض ليس فى مصـر فقط بل فى العالم كله بما يسمى (الخـلافة الإسـلامية) !! ..
... وفى المقابل كان من المفروض أن نجد جميع وسائل الإعـلام تعرض أراء علماء المسلمين فى تفنيـد جميع الشبهات الى تستند عليهـا داعـش والجماعات (التى سوف تبايع داعش) ... وتوضيح الأغراض من وراء دعـوى (الخـلافة) .. ومفهـوم الدين الصحيح فى هذه الشبهات التى يستندون عليها ... ولكـن للعجـب هـذا لم يحدث بالمـوضوعية والجـرأة والكثـافة المفروضة !
.. فمعظـم أفراد داعـش من عشـر سنوات كانوا أطفـال عاديين ... بل كل إرهابى من بضع سنوات كان طفـلا وشـابا عـاديا وربما كان لا يصلى حتى .. فماذا حدث ليصبحـوا قتلة باسم الدين ؟
... أرى أن كل الجماعات الإرهابية والمتطـــرفة تخرج (على مر الزمــان) للأسف من كتب الدين الموجودة فى كل منزل وكل مسجد وفى كل مكان ... وتحديدا فى الأحاديث المنسوبة للنبى والمخالفة لصريح القرآن أو التى يسـاء استخدامها فى غير مناط تطبيقهـا بما يخالف صـريح القـــــــــرآن ... وذلك فضلا عن فتاوى العلماء وهم بشر غير معصومين
https://www.facebook.com/AlmkhabratAlmsryt/posts/828295967195411