مصر المريضة:
مصر المريضة

المحرر   في الأحد ١٦ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


مصر المريضة

د. محمد رؤوف حامد
أصبحت مصر بكل ما هو مفترض أنها تملكه من عبقرية كامنة في مواردها البشرية، وفي خصوصياتها من تاريخ وجغرافيا، كالجسم العاجز النائم الذي ينتفض (أو يرتعش) قليلا كلما فوجيء بمنبه ما، ثم يعود إلي النوم مكتفيا بغطاء من الشعارات القائمة علي خليط من النفاق والكذب والفساد والإفساد.


آخر هذة المنبهات كان إطلاق الهند لمركبة فضائية تستمر في الفضاء عامين لأغراض علمية.
أما عن المنبهات السابقة فيكفي في هذه المناسبة أن نشير إلي اثنين منها، قد أصبحا الآن مزمنين، ويتمثلان في تدهور مكانة مصر في المقاييس الدولية لكل من: (1) التنمية البشرية، و(2) البحث العلمي والتغيير التكنولوجي.
لقد أخذ عقلي يردد المقولة الشعرية لمظفر النواب : "أبناء القبحة لا أستثني منكم أحدا"، وذلك عند سماعي خبر إرسال الهند مركبتها إلي الفضاء، وكذلك عند متابعتي لما بثته وكالات الأنباء من تعليقات لخبراء عرب وأجانب، والتي أوضحت أنه في وقت ما كانت مصر متقدمة علي الهند في الإمكانيات والجهود في مجالي الطيران والفضاء، حتي أن عبد الناصر كان مترددا في التعاون المصري الهندي نتيجة تأخر الهند عن مصر في هذين المجالين بمسافة ليست صغيرة.
الحقيقة أن إحساسي بمقولة مظفر كان سابقا علي الصعود الهندي الجميل والجريء إلي الفضاء بما لايقل عن ربع قرن.
لقد كانت هذه المقولة تتردد في داخلي باستمرار، أثناء تفاعلي مع ما أواجهه أو أسمع عنه من تقاعس، أو استقواء بالجهل والسلطة، أو فساد وإفساد وسوء استخدام للقوانين، من جانب كبار المسئولين.
بالنسبة لمجال تخصصي وهو الدواء، كان من الممكن أن تصبح مصر نمرا دوائيا. إنني في هذا الصدد لا أستثني من المسئولية قيادات الدواء التي تولت توجيه مسارات شئونه. لقد كانت هذه القيادات - في تقاعسها - تختبيء خلف مقولات شركات الدواء العالمية عن ارتفاع تكاليف البحوث الدوائية. حيث الحقيقة أن هذه القيادات كانت (مع استثناءات نادرة) تدافع عن المقولات الأجنبية وتعضدها ضد التوجهات المحلية الوطنية بخصوص تطوير بحوث الدواء، وذلك من أجل استمرار احتفاظها بكراسيها ومكاسبها، دون الاضطلاع بعبء إنجاز تقدم دوائي وطني حقيقي.
وفي المقابل كانت قيادات محلية وطنية في دول نامية أخري (كالهند والصين والبرازيل وكوبا) تعمل بجد من أجل إنجاز التقدم الدولي لقطاعات الدواء فيها، بالرغم من سطوة نفس هذه المقولات، قد أفلحت بالفعل في تحقيق التميز الدوائي علي المستوي العالمي . ما نود أن نركز عليه في هذا الصدد، ليس الرجوع إلي الأسباب والمسارات التي نزعت من قطاع الدواء المصري إمكانية تفوقه علي مستوي جميع الدول النامية، وإنما أن نجذب الانتباه إلي أن تكاليف التفوق (الإقليمي والدولي) الكبير الذي كان ممكنا لقطاع الدواء المصري أن يحققه مقارنة بظروف مصر، لم تكن أبدا أكثر من تكاليف صعود الهند إلي الفضاء مقارنة بظروف الهند.
هكذا إذن المسألة، مصر كانت قادرة علي أن تصبح نمرا في الدواء، وهي أيضا كانت قادرة علي التقدم في مجالات أخري عديدة، غير أن قياداتها في هذه المجالات (وفي منظومة الدولة ككل) كانت تتمتع بالأنانية ، وبالاستقواء بالجهل، وبالعمل من أجل مصالحها الخاصة.
لقد كانت هذه القيادات جميعها، من الناحية العملية (السياسية والإدارية)، تحارب أي توجهات تقود مصر إلي الأمام، ونحن "لا نستثني منها أحدا"

اجمالي القراءات 9790
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   احمد امين     في   الخميس ٢٠ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[30314]

نقل الموضوع

ارجو من الدكتور محمد بنقل الموضوع الى مدونتى مع الاحتفاظ بالملكيه الخاصه له


www.starmisr.blogspot.com


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق