الأمم المتحدة.. مؤسسة خارج إطار الزمان

المصدر: المركز الدولي لدراسات أمريكا وال   في السبت ٣١ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


يبدو أن تكيف الأمم المتحدة مع التحولات الدولية أو عدم تكيفها ينطوي على المخاطر ذاتها في كلتا الحالتين. وبالعودة إلى رصيد المنظمة خلال العام الماضي، نجد إدارة بوش قد تحولت من منطق تعنيف هذا الجهاز العالمي إلى منطق طلب المساعدة. وفي هذا الصدد، يرتقب وصول فريق من الأمم المتحدة إلى بغداد لتقديم استشاراته للحكومة حول مسائل إعادة الإعمار، والخدمات الاجتماعية، وحقوق الإنسان إضافة إلى المشاركة المباشرة في تنظيم الانتخابات.






وفي غضون ذلك، تضاعف عدد عمليات حفظ السلام، كما توسع نطاق عمل بعضها في كل من بوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهاييتي، وساحل العاج. ومن المرتقب أن يرتفع عدد القبعات الزرق العاملة بنهاية 2004 إلى مستوى تاريخي.



وبذلك تكون للداعين إلى تعزيز دور الأمم المتحدة أسباب كافية للارتياح، غير أن هذا الارتياح ليس في محله، فهذه المسؤوليات الثقيلة التي ألقيت على عاتق الأمم المتحدة، ستثقل على جسد أصرت حكومات الدول الأعضاء على إبقائه ضعيفا. جهاز الأمم المتحدة الذي خدم لمدة 60 عاما، لم يكن في يوم من الأيام بمثل سوء وضعه الحالي، سيئ التجهيز للتعامل مع المستجدات ومصداقيته مطعون فيها. ومع انشغال القوى الكبرى بالحرب على «الإرهاب» وبأمن أقاليمها، أناطت للأمم المتحدة مهام جوهرية تستطيع هي ذاتها القيام بها، ومع أنها أيضا تنكر عليها في النهاية الفضل في أدائها لمثل هذه المهام. إنه إذا لم تحدث تغييرات جوهرية، فإن الأمم المتحدة سوف تنهار تحت تأثير الضغط المتزايد عليها.



لقد لقيت فكرة قدرة الأمم المتحدة على تجاوز مرحلة الضمور هذه صدى واسعا في الكثير من العواصم، وحتى في بعض مكاتب مقر الأمم المتحدة، غير أن الاعتقاد بكفاية الأوضاع الحالية يعتبر أيضا أمرا مقلقا.



وللأسف، فإن لدى معظم الأطراف القادرة على تغيير أوضاع المنظمة مصلحة كبيرة في مقاومة الإصلاح، إذ لا أحد من الأعضاء الدائمين يقبل التنازل عن حق الفيتو.



أما الدول الصغرى فهي مرتاحة لنمط التصويت في الجمعية العامة، والذي يساوي بين أصواتها وأصوات الدول الكبرى.



وبالنسبة للأنظمة القمعية فهي معتزة بمشاركتها في أعمال لجان حقوق الإنسان الأممية حيث يمكنها ذلك من صياغة قرارات مريحة على المقاس.



أما الدول الغربية التي تمتلك ما يكفي من الموارد لتعزيز عمليات حفظ السلام فيوجد لديها أولويات أخرى.



بل وحتى داخل الجهاز البيروقراطي الأممي، يوجد العديد من قدامى الموظفين الذين ينفرون من الإصلاح الجذري، حيث تطلب منهم الأمر عقودا للتعود على إجراءات عتيقة، والإصلاح بالنسبة إليهم يحمل في طياته مخاطر عديدة. وعندما يلوم موظفو الأمم المتحدة، بما في ذلك الأمين العام، الدول الأعضاء على العقبات التي تضعها أمام عمل المنظمة، فإنهم نادرا ما يجدون الشجاعة الكافية لتسمية هذه الدول التي يتسبب عنادها، وبخلها وتعسفها في تقويض المبادئ التي يستند إليها ميثاق الأمم المتحدة.



ليست الأمم المتحدة في جوانب عديدة أكثر من مجرد مبنى، فهي مكان تتناطح فيه الدول أو تتفاوض بحسب ما تمليه عليها مصالحها الوطنية. ومن الناحية العملية، فهي تؤدي مهام حيوية - تتراوح بين توفير الغذاء، والملجأ، واللقاحات لملايين من البشر. غير أن سمعة الأمم المتحدة هذه الأيام تتميز بالصعود والنزول بناء على مستوى الأداء ومدى الشرعية التي تتمتع بها مكوناتها الثلاثة الأكثر بروزا - وهي: مجلس الأمن، ولجنة حقوق الإنسان، وبعثات حفظ السلام، وكل منها بحاجة ماسة إلى الإصلاح أو بالأحرى الإنقاذ.



بالنسبة لمجلس الأمن، فإن الطريقة التي منحت بها العضوية الدائمة للدول المنتصرة زائد فرنسا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية قد تجاوزها الزمن، فبريطانيا وفرنسا لا يمكنهما الاستمرار في الحظوة بثلثي السلطة الشرعية للعالم. في البدء، كانت الدول الخمس الدائمة العضوية تشكل 40% من سكان العالم، بينما لا تتجاوز نسبتها اليوم 29%. وبهذا فإن أكبر ديمقراطية في العالم، وهي الهند، تبقى مستبعدة، الأمر ذاته ينسحب على القوى الإقليمية كالبرازيل، ونيجيريا دون أن ننسى العالم الإسلامي بأكمله. الدول دائمة العضوية هي التي تقرر متى تستوجب أعمال الإبادة تفعيل التدخل الإنساني، لكن هذا القرار تصدره اثنتان من دول العالم اللتين تمتلكان إحدى أسوأ السجلات في مجال خرق حقوق الإنسان (روسيا والصين)، ودولة أخرى (الولايات المتحدة) تعفي نفسها من الالتزام بأغلب المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.



إذن وبينما توجد هناك بعض الحالات التي أبقت فيها قرارات مجلس الأمن على فرص للتفاؤل، إلا أن توقيع المجلس أخذ يفقد بريقه بشكل متسارع.



أما فيما يتعلق بلجنة حقوق الإنسان التي تمثل منتدى يضم 53 دولة ويتمركز بجنيف، فقد أصبحت مسرحية مسيّسًة. لأن اللجنة ترحب بكل الوافدين، والعضوية تمنح على أسس إقليمية، ما مكن بعضا من أسوأ الأنظمة في العالم من الحصول عليها. على كل، فعندما يتعلق الأمر بمسؤولياتها تجاه حماية حقوق الإنسان، فإن اللجنة تؤوي الكثير من أصحاب الخروقات ولا تدين سوى القليل منهم.



وبخصوص بعثات حفظ السلام، فإنه عندما يطلب مجلس الأمن من الأمين العام نشر القبعات الزرق، فغالبا ما تواجه قوات حفظ السلام هذه واقع التعيينات غير المؤسسة، بحيث يتم نشرها في أكثر مناطق النزاع غدرا في العالم، والتي لا تشكل أي تهديد للمصالح الاقتصادية والأمنية الغربية. ولا عجب إذن أن يفتقر هؤلاء الجنود الأمميون للوسائل التي تمكنهم من حفظ السلام، وينسحب ذلك على بعثة حفظ السلام فيما كان يعرف بـ يوغوسلافيا في التسعينيات، حيث كان الجنود الأمميون بحق واجهة لعجز المجموعة الدولية.



وقد طالب الأمين العام كوفي عنان بتوفير مزيد من القوات والمعلومات الاستخبارية، والدعم اللوجيستي وكذلك الجاهزية لتوفير التعزيزات في حالة الحاجة إليها، وهذا لمواجهة المتطلبات غير المتوقعة لنشر قوات حفظ السلام.



رغم ارتفاع ميزانية حفظ السلام، لكن تظل هناك حاجة ماسة إلى مليار دولار أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يتوجب على الأمم المتحدة أن تكون قادرة على تجنيد مزيد من القوات التي وضعتها تحت تصرفها القوى الكبرى، هذه الأخيرة لم توفر فعليا سوى بضع مئات من الجنود في السنوات الأخيرة. أما الدول التي تساهم بعدد مهم من القوات (باكستان، وبنغلاديش وأوروغواي ونيجيريا) فإن ما يغري جنودها هو الراتب والمعدات العسكرية التي يتلقونها. ولا عجب أن ينهار نظام القيادة والتحكم في هذه القوات. وإذا استمرت القوى الكبرى في نشر قوات رخيصة، فإن مجلس الأمن سيقود الأمم المتحدة ثانيا إلى الفشل، ويجازف بحياة ملايين المدنيين الذين لا أمل لهم سوى القبعات الزرق.



وبشكل عام، فإن الولايات المتحدة ودول أخرى عضو تسعى للحصول على أمم متحدة بالشكل الذي تريده وترى أنها تستحقه. ويرى المساندون لتعديل واقع الأمم المتحدة، في ورطة العراق، فرصة لتحقيق تطلعاتهم. أما بالنسبة للأمين العام، وبدل اعتباره المركزية الجديدة، فيتعين عليه تفهم الدول الأعضاء التي تظل متمسكة باعتقادها القاضي بأن أمما متحدة مكبلة لا يمكنها التعامل مع التحديات المربكة للقرن الواحد والعشرين.



لقد كان ثاني أمين عام للأمم المتحدة، داغ هامرشولد، يحب تكرار قوله المأثور «الأمم المتحدة لم توجد لإدخال البشرية إلى الجنة بل لإنقاذها من الجحيم»، لكن حتى عمل الإنقاذ هذا يحتاج إلى منظمة دولية في مستوى المهمة.

اجمالي القراءات 6001
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق