رقم ( 4 )
الباب الثانى : ( الحرية : حرية الدين ، وحرية الرأى والتعبير بين التنظير والتطبيق )

 الباب الثانى :  ( الحرية : حرية الدين ، وحرية الرأى والتعبير بين التنظير والتطبيق )

الفصل الأول : التنظير القرآنى : 

( الحرية الدينية فى الدولة الاسلامية  ـ حرية الدين بين مشيئة الرحمن ومشيئة الانسان  ـ  حوار الله جل وعلا مع خلقه أعظم دليل على حرية الدين ـ الرسول مهمته البلاغ فقط وليس مسئولا عن هداية أحد)

 الفصل الثانى : التطبيق :

   تطبيق حرية الدين والرأى في الدولة الاسلامية للنبى محمد عليه السلام  

( مدي حرية المعارضة في في دولة النبى محمد عليه السلام  ـ  تقاعسهم عن القتال الدفاعى  ـ حرية المنافقين فى البخل فى الدولة الاسلامية  ـ  حرية المؤمنين الحقيقيين  فى دولة النبى الاسلامية ـ  مواقف المؤمنين الحقيقيين فى دولة النبى الاسلامية ـ  حرية المؤمنين المسالمين الكافرين عقيديا فى دولة النبى الاسلامية )

 

 الفصل الأول : التنظير القرآنى : 

 

  الحرية الدينية فى الدولة الاسلامية 

  جذور الحرية الدينية في الإسلام :

 هي الأساس في وجوده في هذه الدنيا . بل هي الأساس في خلق الله تعالى للكون وهى الأساس في فكرة اليوم الآخر . ونعطى تفصيلا :

خلق الكون :

 1 ـ فالله جل وعلا أبدع ما نراه من كواكب ونجوم ومجرات . وتلك النجوم والمجرات تقع بين الأرض والسماوات التى لا نراها ، وبالتعبير القرآنى ( وما بينهما ) : ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) (17) ( 18 ) المائدة ) ، وصفها رب العزة بالمصابيح للسماء الدنيا ،   قال جل وعلا :

1 / 1 :( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) (12)  فصلت ).

1 / 2 :  ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ  ) (5)  الملك ) . السماوات السبع تقع فيما وراء الكون الذي تعجز العقول عن مجرد تخيله .

2 ـ أولو الألباب هم الذين يتفكرون في الحكمة من خلق السماوات والأرض. قال جل وعلا : (  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران ) .

3 ــ فالله سبحانه وتعالى لم يخلق السماوات والأرض باطلا ، بل بالحق . قال جل وعلا :

3/ 1 : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ) ( 16 ) الأنبياء ) .

3 / 2 : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ ) (  3  ) التغابن .) 

3 / 3 : (  وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) الدخان ).

4 ـ وهذا الكون وتلك السماوات مع عظمتها الهائلة فقد خلقها الله تعالى لهدف واحد ، هو اختبار ذلك المخلوق المسمى بالإنسان . قال جل وعلا : (  وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً  ) (7) هود )

تدمير الكون ويوم الفصل

1 ـ ونتيجة هذا الاختبار وموعده يكون يوم القيامة ، يوم يقوم الناس لرب العالمين : (  يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) المطففين )، وقبله تقوم الساعة ويدمر الله سبحانه وتعالى ذلك الكون وتلك السماوات ويأتي بأرض جديدة وسماوات جديدة ويحاسب الناس على أعمالهم في الدنيا يوم الفصل . قال جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)ابراهيم ).

2 ـ لو شاء الله جل وعلا لجعل يوم الفصل فى هذه الدنيا . قال جل وعلا : ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)  يونس ). ولكن جعل الفصل (  يوم الفصل ). قال جل وعلا :

2 / 1 : ( وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ (11) لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) المرسلات ).

2 / 2 : ( هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38)  المرسلات )

2 / 3 : ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً (17) النبأ ) .

2 / 4 : ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) الدخان  ) .

3 ـ  عن تأجيل الحكم فى الاختلافات الدينية الى يوم الفصل قال جل وعلا عن :

3 / 1 : البشر جميعا :

3 / 1 / 1 : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر )

3 / 1 / 2 : ( ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)  الأنعام )

3 / 1 / 3 : ( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ )( 56 ) الحج ).

3 / 2 : بنى اسرائيل :

3 / 2 / 1 : ( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)  يونس )

3 / 2 / 2 : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل  ) 

3 / 2 / 3 : (  إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة )

3 / 2 / 4 :  (  إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية )  

3 / 3 : بين اليهود والنصارى : ( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)  البقرة ).

4 ـ المختلفين فى عيسى عليه السلام : ( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) آل عمران )،

5 : وقت نزول القرآن الكريم :

5 / 1 : النبى محمد عليه السلام والكافرين :

5 / 1 / 1 : ( اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) الحج )

5 / 1 / 2 : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) الزمر )

5 / 1 / 3 : (  وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)  الزخرف )  

5 / 2 : المهاجرين وذويهم الكافرين : ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ )(3) الممتحنة )

5 / 3 : المنافقين من الصحابة وغيرهم : ( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )( 141)   النساء ) .

5 / 4 : المؤمنين وأهل الكتاب : ( إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة ).

أخيرا :

1 ـ هذا التعليم القرآنى نزل فى مكة والمدينة ليتربى الناس على الحرية الدينية المطلقة قبل وأثناء الدولة الاسلامية فى المدينة ، وأن لها جذورا فى الهدف من خلق السماوات والأرض ، وأنه لاختبار الانسان ، وأن هذه الحرية تترتب عليها مسئولية سيكون موعدها يوم الفصل ، والى هذا اليوم يتأجل الحكم فيها على البشر الى يوم الدين الذى يحكم فيه مالك يوم الدين .

2 ـ وكل إنسان له اختياره حين يوجد على هذه الأرض ويعيش فيها فترة عمره المقدرة له سلفا ، وبعد هذه الحياة يموت ويعود إلى البرزخ الذي منه جاء، ومطلوب من الإنسان في تلك الحياة أن يعرف أن الله أوجده في هذه الدنيا لاختبار يوم الفصل . وحين يقضى الإنسان حياته غافلا عن ذلك الهدف من وجوده يفشل في الاختبار ويكون مصيره إلى النار . وسيقال له حينئذ : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) 115 ) المؤمنون )

3 ـ ويلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد جعل عناصر الاختبار متوازنة وعادلة ، فقد خلق الإنسان على الفطرة النقية العاقلة ، أي الميزان الحساس الداخلي الذي يميز بين الخير والشر والذي يؤمن بالله وحده ، وفى مقابل هذه الفطرة سلط عليه الشيطان للغواية ، وأرسل له الرسل وأنزل معهم الكتب الالهية ، وزين له الدنيا وغرورها، وفوق ذلك كله خلقه حرا في أن يطيع أو أن يعصى وفى أن  يؤمن أو أن يكفر ، وجعل له سريرة يحتفظ فيها بكل أسراره ونوازعه ومشاعره وهواجسه وأفكاره بعيدة عن متناول كل مخلوق سواه لتكون له ذاتيته المستقلة ، فإذا أراد أن يكون حرا كان حرا وإذا أراد بمحض اختياره أن يكون عبدا لغيره من البشر ومن الأفكار كان كذلك ، والمهم أن الاختيار في يده هو ، وعن طريق هذا الاختيار يستعمل الإنسان حريته كما شاء .

4 ـ هذه الحرية في الدنيا تنتهي عند لحظة الاحتضار والموت ، وبعدها يتعين على الإنسان أن يواجه مسئوليته عنها يوم الدين . وحديث القرآن الكريم عن يوم القيامة يأتي دائما بصيغة المبنى للمجهول ، يقول جل وعلا عنه فى سورة الزمر : ( وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ( 69 ) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ ) ( 70 ) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا  ) ( 71)  ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) ( 73 ) .

5 ـ إن كل فرد ــ حتى من الأنبياء ـ سيؤتى به يوم القيامة ( مُحضرا ) مقبوضا عليه . قال جل وعلا :  

5 / 1 : ( وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)  (يس ).

5 / 2 : ( إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) (53) يس ). أي يتم إحضارنا يوم الحساب حيث تنعدم  حرية الإرادة وإمكانية الهرب .

6 ـ فالله سبحانه وتعالى أعطانا حرية الإرادة في الدنيا ليختبرنا . وأنزل الدين فى كتب إلاهية ، ولم ينزل معها سيفا وملائكة تأمر الناس بإتباع ذلك الدين ، ولم يجعل الجحيم في هذه الدنيا بحيث أن من يكفر ويعصى يؤتى به ليلقى في الجحيم أمام أعين البقية من البشر ، ولو فعل هذا ما كان هناك اختبار أو امتحان ، وإنما أنزل الدين شأنا شخصيا ، من إهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها .

7 ـ والله جل وعلا لم يعط سلطته فى الدولة الاسلامية لبعض الناس ليعاقبوا باسمه من أختلف معهم في الرأي أو من كفر بالله . والذين يدعون لأنفسهم هذا الحق المزعوم إنما يفسدون القضية من جذورها ويتقمصون دور الإله حيث لا إله إلا الله ويتحكمون فيما رغب عن التحكم فيه رب العزة جل وعلا . هذه الفئة من البشر هم أعداء الرحمن جل وعلا ، لأنها :

7 / 1 : تزيف دين الله وتغتصب سلطاته التي هى لذاته يوم الدين.

7 / 2 : تعطى الحجة لمن ينكر حساب الآخرة وعذاب النار . فاذا كان هناك إرغام على الإيمان . وإذا كان هناك إكراه في الدين ، فلا مجال حينئذ لأن يكون هناك حساب وعقاب يوم الدين .

7 / 3 : يعطون دين الله تعالى وجها قبيحا متشددا دمويا متحجرا متأخرا . ويسهمون في إبعاد أغلبية الناس عنه . وهذا الوجه القبيح لا علاقة له بدين الله تعالى بل هو وجههم هم . وهو دينهم هم .

7 / 4 ـ وهم دائما يسعون الى فرضه على الآخرين بالقوة والعدوان ، وقد زعموا أنفسهم وكلاء لله سبحانه وتعالى فى الأرض ليقتلوا الناس باسمه وليفرضوا عليهم سلطانهم بحجة أنه شرع الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

8 ـ ولأنهم الأعداء الحقيقيون لدين الله فإن الله سبحانه وتعالى شرع القتال ضد عدوانهم .   فالقتال فى الاسلام ليس لإرغام الناس على دخول الإسلام وإنما لتقرير حق الناس في الإيمان أو في الكفر وفى رفع وصاية الكهنوت عليهم .

9 ـ إن الدين لله جل وعلا وحده ، ولم يجعل سلطة للأنبياء ـ وهم صفوة البشر ـ فى إكراه أحد على الإيمان ، وكل منا ينتهي اختياره بلحظة وفاته ، وبعد قيام الساعة سيواجه كل منا مصيره في يوم الدين .

التعليقات

بن ليفانت 

وجهات نظر عما جاء في مقدمة المقال :

أود أن أذكر بعض ما أمكنني التوصل إليه من خلال نصوص بعض الآيات المذكورة:

1 ـ إذا كانت السماوات والأرض قد خلقت، فهي خُلقت في وقت ما وفي حيز ما. هذا يعني أن الزمن والحيز كانا موجودين قبل السماوات السبع والأرض. (  وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ (5)  الملك: ) هذا يعني أن السماء الدنيا فقط فيها مصابيح (نجوم) وأن السماوات الستة الأخرى لايوجد فيها نجوم. هذا يعني أيضًا أن كافة المجرات  موجودة في السماء الدنيا.

2 ـ ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً  (7) هود) إذا كان الهدف من خلق السماوات والأرض يتعلق بالإنسان، يجب أن تكون فكرة خلق الإنسان موجودة قبل خلق السماوات والأرض. يعني هذا أن التطور (Evolution) الذي حصل للكائنات على الأرض من ملايين السنين كان الهدف منه الوصول إلى الإنسان الذي نراة اليوم. التغييرات التي حصلت للمخلوقات لها أسبات من أهمها الطفرات أو التغيرات (العفوية).

3 - إذا صح ما جاء في الأعلى، فالجنة كانت موجودة على الأرض، وأن تساؤلات الملائكة عن خلق الإنسان كان سببها إعطاء هذا المخلوق حرية التصرف، وبهذا يمكنه أن يعيث بالأرض فسادًا (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) – حرية التصرف لم تكن موجودة في مراحل التطور التي سبقت ظهور الإنسان.

أحمد صبحى منصور

شكرا استاذ بن ليفانت وأقول:

الذى أفهمه من القرآن الكريم

1 ـ ان السماوات والأرض وبرازخهما خلقهما الله جل وعلا من لا شىء . وهذا معنى فاطر السماوات والأرض.
2 ـ فى أحد برازخ الأرض وجدت جنة عاش فيها آدم وحواء ، قبل هبوطهما الى الأرض المادية. 
3 ـ ربما تكون هى نفس جنة المأوى والتى ربما تكون الجنة التى يعيش فيها المقتولون فى سبيل الله جل وعلا. 
4 ـ قبل هبوط آدم وحواء كان يعيش فى الأرض جنس يأجوج ومأجوج ، كانوا متقدمين وسفاكى دماء ، وأدخلهم ذو القرنين الى جوف الأرض ، وسيخرجون منه قبيل قيام الساعة كآخر علامة من علامات الساعة . ويتواتر الحديث الآن عن التقدم الهائل فى الآثار التى سبقت وجود الانسان ، وعن إختفاء السفن والطائرات والأشخاص ، والأطباق الفضائية. .

سعيد على 

 خلاصة المقال في الاقتباس التالي :

حفظكم الله جل و علا و أعانكم على تدبر كتابه العزيز .. خلاصة المقال كما فهمت تتمثل في الاقتباس التالي: فالقتال فى الاسلام ليس لإرغام الناس على دخول الإسلام وإنما لتقرير حق الناس في الإيمان أو في الكفر وفى رفع وصاية الكهنوت عليهم .

أحمد صبحى منصور

شكرا ابنى الحبيب استاذ سعيد على ، واقول 

غبت عنا فافتقدناك.
يقولون ( العود أحمد ) . هذا ما يقوله عمك ( أحمد )    

 

 حرية الدين بين مشيئة الرحمن ومشيئة الانسان

مشيئة الله جل وعلا فى حرية البشر فى الدين

 1 ـ  لو شاء الله سبحانه وتعالى لجعل الناس جميعا أمة واحدة ، أي خلقهم بلا اختيار فيهم ، يولدون مهتدين ، كالآلات  المبرمجة على الطاعة المطلقة ، ولكن الله سبحانه وتعالى شاء أن يجعلهم أحرارا فى الاختيار الدينى فكان منهم المؤمن والكافر، المهتدى و الضال   . قال جل وعلا : (  قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )  ( 149 ) الانعام )  . أي أن مشيئة جل وعلا لم تتدخل لحمل الناس على الإيمان به جل وعلا وحده إلاها ، ولو شاء لكان الناس جميعا مؤمنين إذ لا يقف أمام مشيئته أحد . والدليل على عدم تدخلها هو اختلاف الناس وحريتهم في الإيمان والكفر ، وسيظلون مختلفين لأنها مشيئته تعالى التي لا يعوقها شيء . قال جل وعلا : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) ( 118 ) ( إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) ( 119 ) هود ).

2 ـ فأمام البشر مشيئة الهداية ومشيئة الضلال ، وهى مشيئة الرحمن أن تكون لهم حرية المشيئة فى الدين . والله سبحانه وتعالى ينزل الكتاب ويبعث الأنبياء لتوضيح الحق من الباطل ، والعدل من الجور ، ويترك للبشر حرية الاختيار بين هذا وذاك . قال جل وعلا : (  وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) ( 9 ) النحل ).

 مشيئة البشر فى حرية الدين

  1 ـ والله سبحانه وتعالى حين يدعو للحق ويذكر الناس به فإنه يقرر حريتهم في الاختيار ويسميها (مشيئة ) أيضا ، أي يُعلى من قدر هذه الحرية بجعلها مشيئة بشرية .

قال جل وعلا : ( كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) عبس ) .

  2 : بل إنه بمجرد أن يشاء البشر الهداية تأتى مشيئة الله الله جل وعلا تالية مؤكدة.

قال جل وعلا :

  2 / 1 :  ( كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) المدثر ) .

  2 / 2 : ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) الانسان )

2 / 3 : (  إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ  ( 27 ) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ( 28 ) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( 29) التكوير ).

 بل إنّ الله جل وعلا يزيد المهتدى هدى ويزيد الضال ضلالا .

قال جل وعلا :

1 ـ ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً ) (10)  البقرة )

2 ـ ( قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) مريم )

3 : (  وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) محمد )

4 ـ ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) العنكبوت )

 لذا ، فالهداية مسئولية شخصية وليست وظيفة الدولة الاسلامية :

 الهداية متاحة أمام الجميع ومن شاء الهداية فليهتد ومن شاء الكفر فليكفر . ومن إهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعلى نفسه .

قال جل وعلا :

1 ـ (  مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا )  (15)  الاسراء  )

2 ـ (   وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)  النمل  )

(  وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)  لقمان  )

(  وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)  فاطر  ) .

والعمل صالحا أو فاسدا هو إختيار شخصى .

قال جل وعلا :

1 ـ (  مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46) فصلت  ) .

2 ـ (  مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) الجاثية )

 ويترتب على هذه المسئولية الشخصية ألا يتحمل أحد وزر غيره.

قال جل وعلا :

1 ـ ( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)  الأنعام )

2 ـ (  مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )  (15)  الاسراء )

3 ـ ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) فاطر )

4 ـ (  إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) الزمر )

5 ـ ( أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) النجم   ).

 وجاء فى بعض هذه الآيات أن المسئولية يوم الدين مترتبة على الحرية فى الدين :

قال جل وعلا :

1 ـ ( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)  الأنعام )

2 ـ (  إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) الزمر )

3 ـ ( أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) النجم   ).

 وجاء أيضا فى قوله جل وعلا عن مشيئة البشر :

1 ـ ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف ) .

2 ـ ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلاً وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (4) إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) الانسان ).

3 ـ  وإذا اختارالبشر طريق الغواية فهم يحاولون أن يجدوا لها سندا دينيا بتحريف معانى الحق الذي جاء في القرآن الكريم ، بما يُعرف بالتفسير والنسخ وعلوم القرآن .  ولا تتدخل مشيئة الله جل وعلا في ذلك الافتراء عليه ، بل يسمح بوجوده ليكون المجال مفتوحا أمام الناس للبحث عن الحق والاختيار بين الصحيح والزائف ، والله سبحانه وتعالى يهددهم بالعقاب يوم القيامة وانه يعلم بمؤامراتهم في التلاعب بالآيات  والالحاد فيها . ومع أنه يقرر لهم حريتهم في ذلك إلا انه يحملهم المسئولية عليها يوم القيامة ، يقول سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) 40 ) فصلت ).

والمهم  أن لهم المشيئة التي كفلها الله جل وعلا لهم في حربهم لله جل وعلا . وعليهم وزرها يوم القيامة . والدليل العملي واضح وهو أنهم يمارسون عملهم حتى الآن .

4 ـ وفى النهاية فكل نفس تهتدي أو تضل فهى يوم القيامة ستكون رهينة بما كسبت .

قال جل وعلا :

4 / 1  ـ ( كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) الطور )

4 / 2  ـ ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) المدثر ).

 صلة هذا بحرية الرأى وليبرالية الفكر

1 ـ هل بعد هذا تأكيد على حرية البشر في الإيمان وحريتهم في الكفر ؟ .

2 ـ وحرية الدين فى الاسلام هي ذروة حرية الرأي في الإسلام . وإذا كان للإنسان في نصوص القرآن الحرية في  ( أن يكفر بالله ) ، فإن له بالتالي الحرية في أن يكفر بالحاكم أو بأي سلطة إستبدادية ؛ دينية أو مدنية . ففى النهاية فهذا المستبد السياسى أو الكهنوتى هو مجرد مخلوق لن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولا . وإذا كانت حرية الانسان تخوّل له ألا يسجد للخالق جل وعلا فكيف له أن يسجد لمخلوق مثله ؟ وإذا كان بامكانه أن يعصى الخالق جل وعلا فكيف له لا يعصى المخلوق ؟ .

3 ـ الحرية الدينية فى الدولة الاسلامية هى ( أم الحريات ) المدنية والسياسية والتعبير والتفكير والابداع والاختراع والفنون والجنون .!  

التعليقات

بن ليفانت

 مشيئة الرحمن ومشيئة الإنسان
مشيئة الرحمن ومشيئة الإنسان. هذه الأساسية التي يُختلَف على كيفيتها. هل "إلا" في الآيات (المدثر 56، الإنسان 30، التكوير 29) هي توافقية كما ذكرت في المقال (بل إنه بمجرد أن يشاء البشر الهداية تأتى مشيئة الله الله جل وعلا تالية مؤكدة)، أم هي شرطية كما أراها؟ أود هنا أن أذكر وجهة نظري في الموضوع:

أولًا : لايوجد شيء في الكون يجري دون مشيئة الله: هناك أشياء متعددة تسير حسب برنامج معين وضعه الله لها، ولا تستطيع تغيير السير إلا بتغيير غير ذاتي في البرنامج، بمعنى أن هذه الأشياء لا تستطيع بإرادتها تغيير أي شيء في البرنامج وفي مسارها. الإنسان أيضًا جعل الله له برنامجه، لكنه منحه ضمن هذا البرنامج حيزًا يضمن له حرية التفكير والإرادة والقرار والتصرف، ويحمله المسؤلية على ذلك. الله تعالى يستطيع أن يتحكم في ذلك إن يشاء، لكنه يعطي الإنسان الضوء الأخضر ليحاسبه بعد ذلك على أعماله. بكلمة أخرى الإنسان يملك حق القرار والتنفيذ – بعلم وموافقة الله تعالى. أطرح هنا مثالًا على ذلك. لنتصور أحدنا يعمل لدى شركة، لذا تسمح له الشركة بالدخول إلى موقعها. للشركة مبنى له بوابة يقف عنده بواب يتأكد من هوية الموظفين. الموظف لا يستطيع الدخول إلى الشركة إلا بموافقتها. الشركة تطلب منه المجيء، لكنها لا تفرض عليه ذلك. هو يستطيع التغيب إن أراد، وسيحاسب على ذلك. الموظف يدخل الشركة بإرادته، لكن بموافقة الشركة.

أحمد صبحى منصور

شكرا استاذ بن ليفانت وأقول:

دائما تسعدنى تعليقاتك ووجهات نظرك ، وأنتظرها فهى تفتح أبوابا للنقاش . أنا تخرجت ( فى ) كلية اللغة العربية جامعة الأزهر ( قل : تخرج فى   ولا تقل  تخرج من ) . هذه الكلية هى أعرق حصن ل ( اللغة العربية) . ( لا تقل اللغة بل اللسان ). وتخصصت الى جانب ( اللسان العربى ) فى التاريخ ( الاسلامى و الحضارة الاسلامية ). . وقمت بتثقيف نفسى قرآنيا ، ومنه الفصل بين مصطلحات القرآن الكريم ومصطلحات التراث ، والفجوة بين أساليب القرآن الكريم والمتبع فى ( اللغة العربية ) من نحو وبلاغة .. وتعلمت أن أفهم المصطلحات القرآنية والأساليب القرآنية من خلال سياقها . ليس هذا حديثا عن النفس ولكنه لشرح الموضوع . لقد جاء فى المقال موضوع الهداية فى آيات مترابطة طبقا لسياقها ، وليس لقواعد النحو العربى الذى تخصصت فيه سابقا . لو إتبعنا ما قاله النحويون وعلماء البلاغة فى تدبر القرآن لاتهمناه بأخطاء فى النحو وتناقض فى معانيه .. ويكون هذا ظلما للقرآن الكريم أن ندخل عليه بمقاييس تم إختراعها فى العصر العباسى ، وهى ــ من خلال دراساتى ـ فيها الكثير من الأخطاء .

 بن ليفانت 

حياك الله أستاذ أحمد
أنا أيضًا أتوق للنقاش في مثل هذه المواضيع، لكني أحترم طبيعة موقعكم، لذا أقول رأيي وأمشي، وإذا سنحت لي الفرصة أفتح الموضوع مرة أخرى. بالنسبة لكلمة لغة (لسان – علشان ما تزعلش يا استاذ أحمد)، فمن الجدير بالذكر أن الانكليزية تستعمل كلمة لسان باللاتينية (lingua) لكلمة اللغة (language) رغم أن اللسان بالانكليزية كلمة أخرى. في اللاتينية والايطالية تُستعمل (lingua) بمعنى لسان ولغة.

بالنسبة لمعرفتي بالعربية، فأنا لست متخصصًا بها ولا أدعي أني متمكن منها، ولقد بدأت أشعر ببعض التحسن منذ تتبعي للقرآن منذ خمسة عشر سنة. هناك اختلاف بين القرآن والمفسراتية في فهم بعض المفردات المذكورة في القرآن، وكثير من هذه الإختلافات عرفتها من كتاباتكم، لكني في نفس الوقت أرى بأن فهم المفسراتية أحيانًا لا يمت للمنطق بصلة. مثال ذلك كلمة (أمي) بأنها تعني (لا يقرأ ولا يكتب) أو (النسخ) بأنه تثبيت وإلغاء. رغم ذلك فليس من الممكن الاستغناء عن كتب التراث في تعلم العربية. لا أحد ليس لسانه عربي يستطيع تعلم العربية من القرآن. لذا يبقى العقل والمنطق هو الحكم.
كلمة أخيرة: ماأردت من تعليقي السابق ووجهة نظري هو أنه سواء كانت "إلا" توافقية أم شرطية، فالنتيجة واحدة.

 

حوار الله جل وعلا مع خلقه أعظم دليل على حرية الدين 

مقدمة

1 ـ لو تخيلنا حاكما صاحب فضل على شعبه ، ولكن ثار شعبه عليه ، ولم يلجأ الحاكم صاحب الفضل إلى القوة واتبع بدلها طريق الحوار والإقناع بأن منهجه في الحكم هو العدل وهو الأمثل ، وفى نفس الوقت لم يجبرهم على طاعته وترك لهم الحرية ، لو تخيلنا وجود هذا الصنف من الحكام بين البشر لوجدنا أنفسنا في خيالات وأحلام. ولكن إذا قرأنا القرآن الكريم وجدنا أن الله سبحانه وتعالى ـ وهو الخالق الرازق ــ لم يشأ أن يجبر البشر على الإيمان به وبكتبه ورسله ، ولأنه فطرهم  على حرية الإرادة فقد أجرى معهم حوارا كي يؤمنوا عن رغبة واقتناع ، لا عن إكراه وإجبار .

2 ـ وفى الوقت الذي ترفض فيه المؤسسات الكهنوتية إجراء حوار وتكتفي بإصدار قرارات التكفير والردة والحرمان ضد من يخالفها في الرأي ، ترى رب العزة وهو قيوم السماوات والأرض يجرى حوارا مع عبيده أبناء آدم ليقنعهم بأنه الله الواحد ألذي لا شريك له .

وهنا نكتفي بالإشارة إلى لمحات سريعة :

أولا : الاحتكام الى العقل الانسانى

1ـ فالله سبحانه وتعالى يحتكم إلى العقل الإنساني في إثبات زيف الادعاءات الضالة ، ويتردد في القرآن قوله تعالى" أفلا تعقلون ؟ .. أفلا تبصرون ؟ . أنى تؤفكون ؟".

 وأن يحتكم رب العزة للعقل البشرى ــ  فيه التكريم لهذا العقل الذي هو منبع حرية الإرادة . هذا في الوقت الذي تطالب فيه المؤسسات الكهنوتية بتعطيل العقل وحجب التفكير ومصادرة حق المناقشة لعقائدها وأفكارها.

 2ـ والله تعالى ينزل في القرآن أدلة عقلية على أنه لا إله إلا الله .

 يقول سبحانه وتعالى :

2 / 1 : (  لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) (22) الأنبياء )، أي لو كان مع الله آلهة أخرى لاختل نظام الكون ، ووحدة الخلق في الكون من جماد وحيوان تقطع بأن الخالق واحد ليس معه شريك ، ولو كان معه شريك لحاول أن ينازع الله تعالى في ملكه ، ولأن ذلك لم يحدث إذن فليس هناك شريك مع الله .

2 / 2 : ( قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) الاسراء ) ، أى ولو كانت هناك آلهة متعددة ، ولكل منهم مخلوقات لحدث بينهم تنافس وشقاق اختلف معه مصير الكون .

2 / 3 : أسئلة عقلية عن الخالق والمخلوقات ، منها :

2 / 3 / 1 : ( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)  الرعد ). الذين يعبدون محمدا أو الحسين أو المسيح أو بوذا ..ماذا خلقوا من البشر ؟

2 / 3 / 2 : (  قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِاِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) الأحقاف )

2 / 3 / 3 : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) الطور )

2 / 4 : ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) المؤمنون )  . هى أدلة عقلية موجهة للبشر من الخالق جل وعلا لاقناعهم عقليا بأنه لا إله معه ولا إله غيره،وليس لاقناعهم أنه ( موجود ) ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

3 ـ مشكلة البشر فى أنهم يؤمنون بالله جل وعلا ولكن :

3 / 1 : لا يكتفون به وحده جل وعلا وليا ، ويحاورهم رب العزة جل وعلا باسلوب عقلى بأنه وحده الولى المعبود : (  قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14)  الأنعام ).

3 / 2 : لا يكتفون به وحده جل وعلا إلاها ، ويحاورهم رب العزة جل وعلا باسلوب عقلى بأنه لا إله معه : (  أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أإله مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإله مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإله مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئإله مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإله مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) النمل )، تفكروا فى سؤاله جل وعلا الذى تكرر : ( أَإله مَعَ اللَّهِ ) .

3 / 3 : لا يكتفون بالقرآن الكريم وحده حديثا ويحاورهم رب العزة جل وعلا باسلوب عقلى بأن الايمان يكون بحديث واحد هو حديثه فى القرآن الكريم  :

3 / 3 / 1 :( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الاعراف ) .

3 / 3 / 2 :(  وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) المرسلات ) .

3 / 3 / 3 : (  تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)  الجاثية ).

4 ـ هى أدلة عقلية يستشهد بها الخالق جل وعلا على أنه الإله الذي لا إله معه ويرد بهذه الأدلة على آراء بعض مخلوقاته من البشر الذين يعتقدون بوجود آلهة أخرى مع الله .. ولولا أن الله سبحانه وتعالى قرر لهم حرية التفكير وحرية الاعتقاد والرأي ما سمح لهم بأن يعتقدوا تلك الاعتقادات التي تسئ إلى جلال الله سبحانه وتعالى ، ولولا أن الله سبحانه وتعالى ضمن لهم هذه الحرية في دينه ما أجرى معهم هذا الحوار وما احتكم إلى عقولهم في إثبات فساد تلك العقائد .

5 ـ  والله سبحانه وتعالى لم يستنكف أيضا أن ينزل بالحوار إلى مستوى عقلية البشر كي يفهموا ويعقلوا وتقوم عليهم الحجة ، فمثلا فى حوار مع أهل الكتاب يقول جل وعلا لهم :

5 / 1: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65) هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) آل عمران ) . هذا عن مزاعمهم عن إبراهيم عليه السلام .

5 / 2 : (  وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) آل عمران ).

 5 / 3 : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) النساء ). أعظم تقدير لحرية البشر ، أن ينزل الخالق جلا وعلا  قرآنا يرد  به على آراء لبعض مخلوقاته ليقنعهم في الوقت الذي يستطيع فيه أن يدمر الأرض والسماوات .  

ثانيا : الله جل وعلا لا يصادر آراء خصومه بل يسجلها قرآنا ويرد عليها

 هذا  مع أن بعض آرائهم سباب وتطاول . ونعطى أمثلة :

1 ـ عن الكافرين من أهل الكتاب :  

1 / 1 : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) وجاء الردُّ عليهم باللعنة : ( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) (64) المائدة )

1 / 2 : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) وجاء الرد تهديدا : ( سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ) (181) آل عمران )

1 / 3 : ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ) وجاء الرد عقليا : ( قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) آل عمران )

1 / 4 : (  وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) وجاء الردُّ عقليا : ( قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) البقرة )

1 / 5 : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) آل عمران ) . المحمديون يؤمنون بالخروج من النار بالشفاعة تحديا منهم لرب العزة جل وعلا وكفرا بكتابه .!

2 ـ فرعون موسى :

2 / 1 : ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)  ) النازعات )

2 / 2 : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) القصص ) .

2 / 3 : (   وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِفَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنْ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ (37) غافر )

2 / 4 : (  وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56) الزخرف ). قال جل وعلا عن فرعون وقومه :( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ ) والفرعون الحالى فى مصر نقش فى أحدث قصر له : (  أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51)  فهل سيتحقق فيه وفى قومه قوله جل وعلا : ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) ؟ دعنا ننتظر .!

3 ـ العرب وقت نزول القرآن الكريم :

3 / 1 : الرد على جماعة منهم :

3 / 1 / 1 :  ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) يس )

3 / 1 / 2  : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) العنكبوت )

3 / 1 / 3 : (  وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)  النحل ).

3 / 2 : الرد على فرد واحد :

3 / 2 / 1 : ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) يس  ) .  

3 / 2 / 2  : ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80) مريم ). هذا قول شخص واحد .

4 ـ كان من الممكن أن يصادر الله سبحانه وتعالى هذه الأقوال فلا نعلم عنها شيئا . ولولا القرآن ما علمنا عنها شيئا . ولكن بذكرها فى القرآن الكريم صارت جزءا منه ، يتعبد المؤمن بتلاوتها مع الرد الالهى عليها . ومصادرة الكتب والمؤلفات هي الهواية المفضلة للكهنوت الديني والسياسي . وكم شهد العالم في العصور الوسطى وفى كوكب المحمديين مذابح للكتب والمؤلفات والمؤلفين.    

5 ـ لذا أوجب الله جل وعلا القتال الدفاعى لتقرير الحرية الدينية وصيانة كل بيوت العبادة . 

التعليقات

يحيى فوزى نشاشبى

الفهم الصحيح الذي ما زال صعبا وغير مستساغ لدى الأغلبية الساحقة من المسلمين.

: ( كان من الممكن أن يصادر الله سبحانه وتعالى هذه الأقوال فلا نعلم عنها شيئا . ولولا القرآن ما علمنا عنها شيئا . ولكن بذكرها فى القرآن الكريم صارت جزءا منه ، يتعبد المؤمن بتلاوتها مع الرد الالهى عليها . ومصادرة الكتب والمؤلفات هي الهواية المفضلة للكهنوت الديني والسياسي . وكم شهد العالم في العصور الوسطى وفى كوكب المحمديين مذابح للكتب والمؤلفات والمؤلفين.  5 ـ لذا أوجب الله جل وعلا القتال الدفاعى لتقرير الحرية الدينية وصيانة كل بيوت العبادة . )  

شكرا  جزيلا  أستاذنا  أحمد صبحي  منصور، وكم تعجبني هذه الفقرة الأخيرة الواردة في المقال الهام الهادف ، لاسيما ما يلي (لذا  أوجب الله جل وعلا القتال الدفاعي  لتقرير الحرية  الدينية وصيانة كل بيوت العبادة) ، وحسب رأيي فمن بين أصعب المفاهيم أن تقتنع الأغلبية الساحقة من المسلمين بهذا  الفهم  وتهضمه ). ودمتم  موفقين.

أحمد صبحى منصور

شكرا استاذ يحيى ، وأكرمك الله جل وعلا ، وأقول:

صدقت أخى الحبيب. هى فعلا مهمة صعبة ، ولكن نتعاون معا فيها إبتغاء رضوان الله جل وعلا ، ونحن بحمد الله جل وعلا وعونه وفضله مستمرون وناجحون ومنتصرون. يكفى أننا الذين نمسك بزمام المبادرة ، وهم الأغلبية الساحقة ومعهم الموارد والمعاهد والمراكز والجاه والأموال ـ ومع ذلك فنحن نحصرهم فى دائرة رد الفعل ، ولا يملكون أمام حجتنا إلا الاتهامات والافتراءات وحجج واهية مكررة معتادة سبق الرد عليها. 
أدعو الله جل وعلا أن يتم نصرنا عليهم فى الدنيا وأن ينصرنا عليهم يوم يقوم الأشهاد. 

 

الرسول مهمته البلاغ فقط وليس مسئولا عن هداية أحد

 

1 ـ  الهداية شأن شخصى . ومهمة الرسول الوحيدة هى تبليغ الرسالة ، والحكم لرب العالمين يوم الدين . وليس فى الدولة الاسلامية إكراه فى الدين وليس فيها ( حدُّ الردّة ) .

2 ـ نتتبع الآيات فى التنزيل المكى مع النبى داعية والمدنى معه قائدا :

 أولا :

التبليغ :

ما على الرسول إلا البلاغ

صارت مثلا يقال بسبب كثرة ورودها فى القرآن الكريم . ومع هذا فالمحمديون يكفرون بها إذ يضعون فوقها إفترءاتهم بأن النبى حىُّ فى قبره تُعرض عليه الأعمال فيراجعها وأنه يشفع متحكما فى يوم الدين .

ونتتبع الآيات القرآنية الكريمة عن حصر مهمة النبى فى التبليغ . قال جل وعلا :

  عن الأنبياء السابقين :

  1 : ( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) النحل ) . من عادات المشركين السيئة أن ينسبوا ضلالهم للخالق جل متناسين حريتهم فى الكفر ، وأن أبرز مظهر لهذه الحرية هو ذلك الإفتراء بأن كفرهم مشيئة الرحمن .

2 ـ(  وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) يس ). قال هذا ثلاثة من الرسل لقومهم .

 3 ـ ( مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) المائدة  ). هذا عن كل الرسل .

4 ـ ( وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) العنكبوت )

هذا عن كل الرسل .

عن النبى محمد خاتم النبيين :

(  فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) الغاشية )

تخصيص البلاغ بالرسول وتخصيص الحساب بالخالق جل وعلا ، ولا توسُّط  :

1 ـ  ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) الغاشية )

2 ـ ( فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) الرعد )

 التبليغ مع الإعراض عنهم  

فى مكة :

قبل أن تكون له دولته الاسلامية  

1 ـ ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) النحل )

2 ـ ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (94)  الحجر )

3 ـ ( خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ (199) الاعراف )

4 ـ ( سورة الأنعام )

4 / 1 : ( ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)  

4 / 2 : ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا (70)

4 / 3 :(  اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (106)   

4 / 4 : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)

4 / 5 : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)  

 5 / 1 ـ ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) الزخرف )

5 / 2  ـ ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) المعارج )

6 ـ ( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) المزمل ).

7 ـ  (  فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ (30) السجدة )

8 ـ ( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) النجم )

فى المدينة :

وهو قائد للدولة الاسلامية :

1 ـ عموما : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) التغابن ) .

2 ـ  عن أهل الكتاب المجادلين : ( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)آل عمران )

3 ـ عن الصحابة المؤمنين سلوكيا فقط : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ) هذا من أواخر ما نزل ، وهو خطاب مباشر يعظ الصحابة المؤمنين سلوكيا بمعنى الأمن والأمان ، وقد كانوا كافرين عقيديا ، يقدسون الأنصاب ( أى القبور ) ويشربون الخمر ويلعبون القمار ، ويستقسمون بالأزلام الجاهلية . ما يهمنا إستمرارهم فى هذا ، وقوله جل وعلا لهم : ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ  ). والتنبيه على أن مهمة الرسول هى مجرد التبليغ ، وهم يتحملون المسئولية : (  فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ).

4 ـ  عن المنافقين : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) النور ).  

  عليه البلاغ فقط وليس حفيظا عليهم أو وكيلا عنهم مسئولا عنهم  :

فى مكة :

 قبل أن تكون له دولته الاسلامية  :

1 ـ ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ  )(48) الشورى )

2 ـ ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) الشورى )

3 ـ (  نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق )

4 ـ فى سورة الأنعام :

4 / 1 :( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104).

4 / 2 : ( وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) ،

5 ـ ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) يونس )

6ـ (  إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر)

7 ـ ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)الشورى )

8 ـ  ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) الطور )

فى المدينة :

وهو قائد للدولة الاسلامية :

1 ـ ( مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) النساء )

2 ـ ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) البقرة )

( إعملوا على مكانتكم )

تقرير حريتهم فى الكفر وإنتظار الحكم يوم القيامة :

 1 ـ ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الانعام )

2 ـ ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) الزمر )

3 ـ ( وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود )

4 ـ ( قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنْ اهْتَدَى (135) طه

5 ـ ( قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ )(15) الزمر )

لا جدوى من هداية المتمسك بالضلال

فى مكة :

قبل أن تكون له دولته الاسلامية :

1 ـ ( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) النمل )

2 ـ  ( فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) الروم )

3 ـ ( طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) طه )

4 ـ ( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10)  يس  )

 فى المدينة :

وهو قائد للدولة الاسلامية :

1 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) البقرة )

2 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) الأنفال )

ثانيا :

 آثار جانبية للإقتصار على التبليغ فقط  ( الحزن والصبر )

الحزن :

كان يحزن بسبب كفرهم وأقوالهم وإفتراءاتهم  ، وينهاه ربه جل وعلا :

فى مكة :

قبل أن تكون له دولته الاسلامية  

1 ـ ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) ( 88 ) الحجر )

2 ـ ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) الكهف )

3 ـ ( وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) يونس )

4 ـ ( فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) يس )

5 ـ ( وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ) (23) لقمان )

6 ـ ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر )

فى المدينة :

وهو قائد للدولة الاسلامية :

1 ـ  ( وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) آل عمران )

2 ـ ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (41) المائدة )

 الصبر مع الحزن وضيق الصدر بسبب إفتراءاتهم ومكائدهم

1 ـ ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) المزمل )

2 ـ ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر )

3 ـ  ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) النحل )

4 ـ  ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) النمل )

 الأمر بالصبر

ترغيبا :

1 ـ (  وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) هود )

2 ـ ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) (77) غافر )

ترهيبا :

( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) الروم

الصبر على أقوالهم الكافرة :

1 ـ ( اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) (17) ص ).

2 ـ ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) المزمل )

أوامر الصبر والتسبيح  :

1 ـ  ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) طه )

2 ـ ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (55) غافر )

3 ـ ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) ق )

4 ـ ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) الطور)

5 ـ ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) الانسان )

 أخيرا

هذا هو النبى محمد عليه السلام داعية وقائدا لدولة إسلامية . فماذا عن أكابر المجرمين من المستبدين ورجال الدين فى كوكب المحمديين فى عصرنا الحزين ؟ 

 

 

 الفصل الثانى : التطبيق :

   تطبيق حرية الدين والرأى في الدولة الاسلامية للنبى محمد عليه السلام  

 

 تطبيق حرية الدين في دولة النبى محمد عليه السلام  

 مقدمة  :

1 ـ لم يكن النبي محمد عليه السلام مجرد قائد للمسلمين فى المدينة وإنما كان رسولا نبيا يأتيه الوحي الألهى ، ويقوم بنشر دينه سلميا داخل حدود دولته وخارجها . وكان  المنافقون هم عنصر المعارضة ضد حكومة النبي ، وكانوا يعارضون الإسلام  دينا ويعارضون سلطة النبي وسياسته،وقد منعهم خوفهم  من التمرد المسلح ضد الدولة وكانو اضعف جندا من القيام بثورة , قال جل وعلا عن خوفهم : ( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)  التوبة ) ، فاكتفوا بالكيد والتآمر ثم يقسمون بأغلظ الإيمان ببراءتهم مما يفعلون .وتمتعوا في مسيرة التآمر تلك بالحرية الهائلة التي كفلها لهم القرآن الكريم في القول والفعل ضد الدولة التي يعيشون في كنفها ويعملون ضدها .واكتفى القرآن الكريم بالرد علي مكائدهم وادعاءاتهم  وفضح تآمرهم مع التنبيه المستمر علي النبي والمسلمين بالإعراض عنهم  والاكتفاء بما ينتظرهم من عذاب يوم القيامة.

2 ـ أساس الدولة الاسلامية ليس الاسلام العقيدى بإخلاص الدين لله جل وعلا وحده ، وبإخلاص العبادة له جل وعلا وحده . اساس الدولة الاسلامية وأساس شريعتها هو الاسلام السلوكى بمعنى السلام والإيمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان وأن يأمنك الآخرون .

وطبقا لهذا فالمنافقون كانوا مواطنين طالما لا يرفعون السلاح ؛ تمتعوا بحريتهم الدينية المطلقة فى الدين وفى المعارضة السياسية قولا وفعلا وحركة فى الشارع ، بل وتقاعسا عن المشاركة الايجابية فى الدفاع عن الدولة التى تحميهم ، والتى صاروا فيها من الأثرياء .

3 ـ  وفى حالة نادرة نهى الله جل وعلا النبى عن الاعجاب بأموالهم وأولادهم . قال له جل وعلا فى خطاب مباشر : ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) التوبة ) ( وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) التوبة ). بسبب ثرواتهم فى المدينة ونفوذهم فيها بقوا فيها متمتعين بالحرية المطلقة فى الدين وفى السياسة .

4 ـ والله جل وعلا توعّد معظمهم بالنار يوم القيامة وأنهم فى الدرك الأسفل منها ،( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) النساء )

5 ـ  وكانوا أصحاب نفوذ ، ومن أهل المدينة المؤمنين من كان مدمنا على السماع لهم ، ، أو ( سمّاعون لهم ) بتعبير القرآن الكريم ، حتى لو حضروا معركة مع المؤمنين أفسدوهم ، قال جل وعلا : ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)  التوبة ) . كانوا من نسيج المجتمع ، منهم الأب والابن والأخ والاخت والزوجة والزوج والأصهار والجيران ، يتزاوجون من غيرهم ويزوجون غيرهم . ولو وجدوا مجتمعا أفضل لهاجروا اليه بأموالهم ، ولكن كانت دولة الاسلامية فى عهد النبى محمد عليه السلام هى الموطن الأمثل لهم .

ومن خلال القرآن نرصد إلي أي حد كانوا يتمتعون بحرية الرأي ضد الاسلام وضد الدولة الاسلامية ، والرد الإلهى عليهم بتذكيرهم بعذاب الآخرة .  

أولا :   

1 – كانت حرية الرأي تصل بالمنافقين إلي سب المؤمنين ووصفهم بالسفهاء ولا يرد عليهم إلا رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم :  ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) البقرة )  . هنا فضح حقيقتهم وخداعهم وفسادهم وقلبهم الحقائق وجلساتهم السرية التآمرية .

2-وكان يحلو لهم الاستهزاء بالمؤمنين خصوصا في أوقات الاستعداد للحرب فمن يتطوع بالصدقة يصفونه بالرياء إذا كان غنيا ويتندرون عليه إذا كان فقيرا ،بينما هم يمسكون أيديهم عن التطوع بالمال والتطوع للقتال وكان النبي مع ذلك يستغفر لهم ويطلب لهم الهداية فنزل قوله سبحانه وتعالي : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) التوبة )  

ثانيا :   

  وكانو يعبرون عن رأيهم بصراحة فيما يخص القرآن الكريم ؛ يستهزئون به علنا، واتخذ ذلك صورا شتى:

  1 : - كانوا يتندرون علي نزول آيات القرآن التي تحكي حالهم ، وكانوا إذا سئلوا عن هذا الاستهزاء بالقرآن أجابوا باستخفاف إنهم يلعبون ،ولا يتخذ معهم النبي وهو الحاكم أي إجراء . ويأتي الوحي يخبر بذلك ويثبت كفرهم ولكن يجعل عقوبتهم من لدن الله تعالى إن شاء: ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)  التوبة )".

  2 : وكانوا إذا نزلت سورة يتساءلون في سخرية عمن ازداد إيمانا بهذه الآية : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة ).  

  3 -ومنهم من كان يدخل علي النبي ويسمع القرآن ثم يخرج من عنده يتساءل باستخفاف عما سمع ، ويحكم رب العزة جل وعلا بكفرهم : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ )  ( 16) محمد ) .  

  4 : كان كفار قريش قبل الهجرة يعقدون مجلس للخوض فى القرآن الكريم والاستهزاء به ، وكان النبى ـ حرصا على هدايتهم ــ يحضرها ، ونزل له التنبيه ألا يحضر مجالسهم حين يخوضون فى آيات الله ، والّا يقعد معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) (70 )  الأنعام ) .

وفى المدينة أتاحت دولة النبى الاسلامية للمنافقين حرية الدين فأقاموا نفس المجالس العلنية للاستهزاء بالقرآن الكريم ،وكان يحضرها المؤمنون السّمّاعون لهم ،ونزل القرآن يحذر المؤمنين من حضور تلك المجالس . قال سبحانه و تعالي يذكّرهم بما نزل قبل ذلك فى مكة : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) النساء )  . 

ثالثا :  

 واختصوا النبي بكثير من الأذى مع أنه الحاكم السياسي والرسول صاحب الوحي .

1 ـ كان النبي يسمع لهم ويطيع فنزل الأمر له بأن يتبع الوحى وبأن لا يطيع المنافقين والكافرين : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)  الأحزاب ) . والله سبحانه وتعالى أمر النبي بأن يعرض عن أذى المنافقين ونهاه فى نفس الوقت عن طاعتهم وأن يتوكل على ربه جل وعلا ( وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) الاحزاب ).

2 ـ والله سبحانه وتعالى أمر النبي بأن يعرض عن أذى المنافقين ونهاه فى نفس الوقت عن طاعتهم وأن يتوكل على ربه جل وعلا : ( وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) الاحزاب ).

3 ـ ومع إستمرار إيذائهم للنبى والمسلمين  لعنهم الله جل وعلا وتوعدهم بالعذاب : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) الأحزاب )

4 ـ وكان النبى ــ بإعتباره قائد الدولة ــ مأمورا بإقامة الشورى الاسلامية التى تعنى مشاركة الناس جميعا فى إتخاذ القرار في جمعية عمومية ، أو بالتعبير القرآنى ( أمر جامع ) يجب على الجميع حضوره ، نفهم هذا من قوله جل وعلا فى أوائل ما نزل فى المدينة ودولتها المدنية :(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) النور ) . طبقا للشورى الاسلامية كان النبى يستشير الناس جميعا ومن بينهم المنافقون الذين كانوا سادة يثرب من قبل . ولما رأوا النبي قد أوسع صدره لجميع الناس  وليس هم فقط إتهموا النبي بأنه (أذن ) أي يعطي إذنه لكل من هب ودب ، وأشاعوا هذا القول الساخر عن النبي فنزل قوله سبحانه وتعالى يدافع عن النبي ( وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) التوبة ) . فالله سبحانه وتعالى هو الذي يدافع عن النبي ويصفه بأنه يثق بالمؤمنين ورحمة لهم ويتوعد من يؤذي النبي بعذاب أليم ، أما سلطة النبي كحاكم فلا مجال لها هنا في ذلك المجتمع الحر الذي يكفل للمعارضة ـ الكافرة المتسترة بالايمان ـ  كل الحرية في أن تقول ما تشاء .

5 ـ وفي غير الشورى كانوا يلمزون النبي إذا حرمهم من الصدقة وهم  غير مستحقين لها لكونهم أغنياء وكانوا يحتجون عليه ويطاردونه بأقوالهم الساخطة : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)  التوبة ) ويعظهم رب العزة جل وعلا : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59):التوبة )" .

6 ـ وكانوا يصفون النبى بالأذل وأنهم الأعز ، مع قولهم إنه رسول الله ، ويتوعدون بطرد النبى والمؤمنين من المدينة وينهون عن النفقة عليهم . (  هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8)  المنافقون ).

والخلاصة أن المنافقين في حكومة النبي عليه السلام تمتعوا بحرية الرأي والدين والتي عبروا من خلالها عن رأيهم في الإسلام و القرآن وآذوا الرسول عليه السلام ،وكان الضمان الوحيد لهذه الحرية هي تعاليم القرآن نفسه ،وكان الرسول يستغفر لهم وينزل الوحي القرآنى يخبرنا بذلك . 

 

 

 

 

 

 مظاهراتهم العلنية فى الدعوة الى الفساد

 1 ـ  الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فريضة إسلامية . ولكنها :

1 / 1 : مرتبطة بالتواضع والرفق ، أى لا تتعدى حد النصيحة القولية دون إكراه أو إيذاء ودون تبرؤ من الشخص الواقع في المنكر بل من فعله المنكر . وسبق أن قال جل وعلا للنبى محمد وهو فى مكة فى تعامله مع أصحابه المؤمنين :( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) الشعراء ) . لم يقل له : فإن عصوك فتبرأ منهم ، أو إن عصوك فالعنهم أو فاضربهم بالسلاسل والجنازير .!

1 / 2 : إنها وظيفة تفاعلية يقوم بها الجميع ، ولا تنفرد أو تتخصص فيها طائفة معينة تأمر غيرها وتنهاها وتعلو عليها وتتحكم فيها ، وتستنكف أن يأمرها غيرها . هى ( التواصى ) بين الجميع بالحق وبالصبر وبالمرحمة . قال جل وعلا :

1 / 2 / 1 :   (  ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) البلد ).

1 / 2 / 2 : (  وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر ). وهذا دستور للتعامل جاء فى آيات مكية ،

2 ـ وجاء فى سورة البقرة المدنية قوله جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)). ونلاحظ :

2 / 1 : إنه ينطبق على أى مجتمع فيه ناس ، فحيث يوجد ناس فمن الناس من يصلون بالنفاق الى خداع الآخرين ، ويتسيدون عليهم بزعم التدين الظاهرى ، يعظون غيرهم ، ويستنكفون أن يعظهم غيرهم . ويتخذون من إسم الله جل وعلا والحلف به تأكيدا على نقاء قلوبهم ، وإذا قيل لهم : إتّق الله أخذتهم العزة بالإثم . وإذا أتيحت لهم فرصة التخلص من النفاق وإنطلقوا على سجيتهم أفسدوا فى الأرض . هذا الصنف تراه فى كوكب المحمديين حيث يسيطرون على المجتمع وأجهزته الاعلامية والأمنية والتعليمية . لا يتخيل أحد ــ مجرد تخيل ـ أن يعظ شيخ الأزهر أو مجرد خطيب فى مسجد .

2 / 2 : إن فيه إشارة لمنافقى المدينة الصحابة الذين إتخذوا أيمانهم أو حلفهم بالله جل وعلا وقاية أو ( جُنّة ) . قال جل وعلا عنهم : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) المجادلة ) ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) المنافقون ).

2 / 3 : وفيه إشارة الى الصحابة المؤمنين السابقين من المهاجرين والأنصار : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) .

 3 ـ فى دولة النبى الاسلامية كانت للمنافقين حرية الفساد والدعوة إليه دون عقاب أو مساءلة  جنائية ،وإذا سئلوا عن ذلك أجابوا بكل حرية أن ذلك هو الإصلاح من وجهة نظرهم ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12)  2/ 11 : 12 ) .

4 ـ وبينما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، كان المنافقون في المدينة يفعلون العكس ، كانوا دُعاة للفساد فى مظاهرات تطوف بالمدينة رجالا ونساءا، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ،ويعلنون هذا في جو من الحرية يسجله القرآن الكريم : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض  يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) التوبة 67 ).

5 ـ والرد عليهم جاء :

5 / 1 : من رب العزة جل وعلا بالوعظ والتهديد فى قوله جل وعلا: ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) التوبة ) .

5 / 2 : من المؤمنين فى المدينة . كانوا في المقابل يردون عليهم بمظاهرات ، قال رب العزة جل وعلا عنهم : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ) التوبة  71 ) .  وجاء مدحهم بما ينتظرهم يوم القيامة : (  وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)  التوبة ). مشكلة المحمديين واصحاب الأديان الأرضية أن الآخرة والخلود فى العذاب أو الخلود فى النعيم غائبة تماما عنهم . هم مستغرقون فى الدنيا لا يبغون عنها حولا .

6 ـ ولأن الآخرة هى الأولى والأبقى فالوعظ بها هو الأساس . ومشيئة الهداية أو الضلالة من البشر هو الاختبار الحقيقى .ولهذا فلم ينزل عقاب للمنافقين على تبجحهم بمظاهرات الفساد ، بل جاء فى الآيات التالية جهادهم سلميا بالوعظ القرآنى تخويفا لهم من جهنم وبئس المصير . قال جل وعلا فى خطاب مباشر للنبى محمد قائد الدولة الاسلامية : (  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) التوبة ).  كان جهاد المنافقين هو وعظهم بالقرآن الكريم إذا قالوا كفرا أو فعلوا كفرا أو همُوا بحمل السلاح . كانت كل نقمتهم أن أغناهم الله جل وعلا ورسوله ، إذ أن الهجرة للمدينة أحدثت رواجا استفاد به المنافقون وهم أصحاب رءوس الأموال . وبدلا من الشعور بالامتنان للدولة الجديدة التى تمتعوا فيها بالثراء وبالحرية المطلقة فى التعبير والمعارضة السلمية كان ردهم كفران النعمة . ومع ذلك فالتوبة معروضة عليهم وهم أحياء ، وإن تابوا فهو خير لهم ، وإن أصروا على ما هم فيه فالله جل وعلا هو وحده الذى يتولى عذابهم فى الدنيا والآخرة . وليس لقائد الدولة الاسلامية والذى يأتيه الوحى أن يعاقبهم ، بل ينزل عليه الوحى بالاعراض عنهم .

رفض الاحتكام القضائى للنبى فى الدولة الاسمية

  الحرية الدينية فى الدولة الاسلامية أتاحت هذا للمنافقين . ونعطى بعض ملاحظات :

1 ـ كان بعض أهل الكتاب يأتون للنبى محمد عليه السلام يحتكمون اليه . بعضهم يفعل هذا بسوء نية ، ولكن ما يهمنا أن النظام القضائى فى دولة النبى الاسلامية جعلت بعضهم من خارج الدولة يلجأون اليه . ونقرأ قوله جل وعلا : (  فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)   المائدة ).

2ـ على النقيض من ذلك ، كان المنافقون يرفضون الاحتكام للرسول وهو الحاكم الرسمي للمدينة تعبيرا منهم على عدم اعترافهم بسلطته ، ويسكت عنهم النبي وينزل القرآن ينعى عليهم  تحاكمهم للطاغوت مع أنهم يزعمون الإيمان . إقرأ قوله جل وعلا عنهم :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)( النساء ) . ونلاحظ :

2 / 1 : كانوا يزعمون الايمان بالكتب الالهية ( القرآن وما قبله ) ومع ذلك يريدون الاحتكام للطاغوت . والطاغوت هو الدين الأرضى الشيطانى القائم على أحاديث شيطانية .

2 / 2 : كانت النصيحة تأتى لهم وعظا بالاحتكام للنبى الذى كان يحكم بالقرآن الكريم ، فكانوا يرفضون ويصدون صدودا .

2 / 3 :عقابهم المفترض لن يأتى من قائد الدولة الاسلامية الذى يستهينونه به بل من الله جل وعلا ، والله جل وعلا يهددهم بأنه إذا أصابيتهم مصيبة بسبب ذلك فسيأتون الى الرسول يعتذرون بأنهم ما أرادوا إلّا إحسانا وتوفيقا .

2 / 4 : والله جل وعلا يعلم كذبهم وما فى قلوبهم ويأمر النبى بالاعراض عنهم .

2 / 5 ـ وأنه كان ينبغى عليهم الطاعة والاستغفار أمام النبى علنا ، وعندها يتوب الله جل وعلا عليهم ، أى إن باب التوبة كان مفتوحا لهم برغم ذلك .

2 / 6 : المؤمنون هم الذين يحتكمون أمام النبى فى أى شجار بينهم ، ثم يرضون بحكمه ويستسلمون له .  

3 ـ والواقع أن المنافقين من البداية كانوا يرضون الإحتكام للرسول إذا كانوا يعتقدون أنه في مصلحتهم وينتظرون الإنصاف . إما إذا كانوا ظالمين فيرفضون المثول أمام النبى . قال جل وعلا عنهم فى أوائل ما نزل فى المدينة : ( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (52) النور). ونلاحظ :

3 / 1 : كانوا يزعمون الايمان والطاعة ولكن أعمالهم تنفى ذلك .

3 / 2 : ويتجلى هذا فى أنه إذا تقدمت شكوى بشأنهم رفضوا المثول للمحكمة طالما هم ظالمون ، أما إن كان لهم الحق أسرعوا بالحضور طلبا للإنصاف .

3 / 3 : المؤمنون حقا هم الذين يأتون للرسول للحكم بينهم يقولون سمعنا وأطعنا .

3 / 4 : تأنيب المنافقين ووصفهم بالظالمين ، ومدح المؤمنين ووصفهم بالفوز والفلاح .

3 / 5 : قال جل وعلا : ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ) ، ( إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ) الكلام هنا عن الله جل وعلا ورسوله . ولكن تعبير الحكم جاء بالمفرد ( ليحكم ) ولم يقل بالمثنى ( ليحكما ). والمعنى أن الرسول ينطق بحكم الله جل وعلا وليس بهواه . الرسول هنا هو الرسالة ، القرآن المجيد .

3 / 6 : لم يرد فى هذه السورة لفظ ( المنافقين ) مع إنه جاءت أعمالهم من حديث الافك فى البداية الى عدم حضور جلسات الديمقراطية المباشرة فى النهاية .  

 

 

حريتهم فى التآمر وفى التحالف مع العدو   

 مقدمة :

1 ـ كانت دولة النبى محمد الاسلامية ( العلمانية ) جزيرة يحيط بها أعداؤها ، اليهود على تخومها ، والأعراب بقبائلهم وقريش على مدى إتساع شبه الجزيرة العربية . كانت المدينة فى موقعها الثابت تواجه هذا وذاك ، ولم يكن فيها حصون حربية بينما كانت القبائل اليهودية حولها تعُجُّ بالحصون والقرى المحصنة والأسوار :( الحشر 2 ، 14 / الأحزاب 26 ). هؤلاء كانوا قوى معادية معتدية ، يشكلون خطورة محققة على الدولة التى كانت مفتوحة الأبواب للقادمين اليها الداخلين فى دينها وهو ( الاسلام السلوكى حسب الظاهر ).

2 ـ  الخطورة الأكبر كانت فى المنافقين وهم العدو الداخلى الذى يتمتع بالحرية المطلقة فى الدين وفى المعارضة السياسية . ثم فى منافقين مسلحين من الخارج كانوا أكثر خطورة من منافقى الداخل . ونتوقف هنا مع نوعى المنافقين :   

2 ـ التحالف مع العدو المعتدى أو بالتعبير القرآنى ( الموالاة ) .

    كانت الهجرة الى الدولة الاسلامية تعنى موالاتها فى حربها الدفاعية ضد من يهجم معتديا عليها . وبدأ هذا مبكرا ، مع تأسيسها . ثم فى التعامل مع الأعراب .

  1 :  سُكان الدولة كانوا من مهاجرين وأنصار ، ولا بد من أن تجمعهم الموالاة . وليست موالاة لمن يتفق معهم فى الدين إلا بأن يهاجر الى الدولة ويتمتع بالمواطنة فيها . إذا تعرضوا للإضطهاد وهم خارج الدولة الاسلامية فعلى الدولة مناصرتهم إلا إذا كان هناك معاهدة بين الدولة الاسلامية وتلك الدولة التى تضطهد المؤمنين فيها .

2 ـ قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) الأنفال ). بعدها جاءت القاعدة التشريعية بأن الكفار المعتدين يوالى بعضهم بعضا ، وفى المقابل لا بد للمؤمنين أن يوالى بعضهم بعضا لمنع الفساد ومنع الفتنة أى الاضطهاد فى الدين . قال جل وعلا :  ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) الأنفال )

  2 : المُعضلة الكبرى كانت فى المنافقين الخارجيين من الأعراب . كانت دولة المدينة تستقبل من يأتى اليها يريد التعرف على الاسلام . إنتهز هؤلاء الفرصة فكانوا يأتون بهذه الحُجّة ، يدخلون المدينة يتعرفون على معالمها ، ثم يغيرون عليها . أو يلتقون فيها بالمنافقين فى مسجد الضرار الذى إقامه المنافقون وكرا وإرصادا لمن حارب الله جل وعلا ورسوله .

دار نقاش حول التعامل مع أولئك المنافقين الخارجيين ؛ هل بالمنع من الدخول للمدينة أو الحرب . إنقسم المؤمنون الى قسمين . نزلت الآيات تحسم الخلاف .

2 / 1 : قال جل وعلا :

( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (89) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (91) النساء ).

نلاحظ :

  2 / 1 / 1 : الحكم الالهى عليهم بالضلال العقيدى ولا أمل فى هدايتهم . ولكن الأمل فى إسلامهم السلوكى . وهذا يتحقق بأن يهاجروا الى المدينة ويستقروا فيها مواطنين يتمتعون مثل بقية المنافقين بالحرية الدينية وحرية المعارضة طالما لا يرفعون السلاح . فالهجرة هنا هى الأساس ، أو المواطنة هى الأساس .

  2 / 1 / 2  : إن رفضوا الهجرة وإستمروا فى الإغارة على المدينة فلا بد من قتالهم . فإذا إعتزلوا وسالموا فلا سبيل لقتالهم .

  2 / 1 / 3 : هناك من تردد بين المسالمة والإعتداء فلا بد من حسم الأمر ؛ إن لم يعتزلوا الاعتداء فلا بد من مواجهتهم حربيا .

تحالف منافقى الداخل مع اليهود المعتدين

  تحالفوا معهم أن ينصروهم في القتال ضد المسلمين . وإذا انهزموا وخرجوا فسيخرجون معهم، وأخبر الله جل وعلا بهذا التحالف السّرّى ، وأنبأ مسبقا بأن المنافقين سيتقاعسون عن نصرة اليهود لأنهم يخافون المؤمنين . قال جل وعلا : (  أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) الحشر ) .

وعن تحالفهم مع اليهود المعتدين وكذبهم وتأحيل عقوبتهم الى يوم الدين قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (19) المجادلة )

تحالف منافقى الداخل مع المشركين المعتدين

1 ـ جاء هذا صراحة فى قوله جل وعلا : ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) النساء ). واضح هنا تأجيل عقابهم الى يوم القيامة .

2 ـ وهناك إشارة ضمنية الى اتصالهم بالمشركين المعتدين وقت الحروب. قال جل وعلا : ( الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141) النساء ).

2 / 1 : كانوا يتربصون بالمؤمنين في أوقات الحرب ، وتلك خيانة عظمى في القوانين الوضعية ، ولكن الله تعالى جعل العقوبة عليها مؤجلة إلى يوم الدين حيث سيحكم فيه بين المؤمنين والمنافقين على قدم المساواة .

2 / 2 : وتعبير ( يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ )  يعنى تآمرا واتصالات سرية مع جيش يعتدى ، ومقصدهم  الاستفادة من الجانبين ، إن إنتصر المؤمنون قالوا ألم نكن معكم ؟ وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نكن معكم ونمنعكم من المؤمنين.  أي كانوا يلعبون على الطائفتين؛ وتلك طبيعة النفاق . فهم حتى لا يوالى بعضهم بعضا لأنهم لا يثق بعضهم ببعض . قال جل وعلا عنهم ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) (67) التوبة ) ، وفى المقابل قال جل وعلا عن المؤمنين : (  وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )  (71) التوبة ) ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )(29)الفتح )

 3 ـ  ومجرد الاتصال بحكومات معادية وقت الحروب يعنى الخيانة العظمى في اعتى الديمقراطيات الحديثة . ولكنها دولة النبى محمد الاسلامية التى لا نظير لها .

 التآمر

  التآمر على النبى محمد قائد الدولة  بصناعة أحاديث منسوبة له :

  قال جل وعلا : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) النساء ) ، أى يدخلون عليه يقدمون فروض الطاعة والولاء ثم يخرجون من عنده يتآمرون عليه وينسبون له أحاديث لم يقلها . والله جل وعلا يفضح تآمرهم ، وفى نفس الوقت يأمر النبى قائد الدولة بالعلاج ، وهو الإعراض عنهم والتوكل على الله تعالى وكفى به مدافعا وكفى به نصيرا .  

   التآمر على الدولة  بمسجد الضرار :

  كانوا يجتمعون فى اوكار سرّيّة ، يخلو بعضهم ببعض ، وبدأ هذا مبكرا ، وأخبر به رب العزة جل وعلا فقال : ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) البقرة ) .

تطور الأمر أخيرا بأن جعلوا الوكر علنيا فى شكل مسجد يؤدون فيه الصلاة ، وإنخدع النبى محمد عليه السلام بهذا المسجد فكان يقيم فيه يصلى الى أن نزل قوله جل وعلا : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(110) التوبة ).

ونلاحظ :

1 ـ إن النبى كان لا يعلم الغيب ، ولولا أن الله جل وعلا كشف له حقيقة هذا المسجد لظل يرتاده يصلّى فيه .

2 ـ تحت لافتة المسجد فقد كانت حقيقته أنه مسجد للإضرار بالدولة الاسلامية ، والكفر بمعنى الاعتداء ، ولإيقاع الخلاف والفُرقة بين المؤمنين ، ولاستقبال جواسيس المحاربين للدولة الاسلامية الذين يأتون بزعم الاسلام ، ثم يلتقون بالمنافقين فى هذا المسجد يتشاورون .

3 ـ أخبر الله جل وعلا مقدما أنه بعد إفتضاح أمرهم بهذه الآيات سيحلفون أنهم ما أرادوا إلا الحسنى. والله جل وعلا يشهد مقدما بكذبهم . وقد جاء هذا بأسلوب التأكيد ( وَلَيَحْلِفُنَّ ) ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) . ولمجرد التذكير فإن أولئك الذين يشهد الله جل وعلا على كذبهم هم صحابة ، جعلهم أرباب الدين السُنّى عُدولا منزهين عن الكذب ، أى يتهمون رب العزة جل وعلا بالكذب .

  4 ـ لا عقوبة عليهم فى الدنيا ، فهى تنتظرهم فى الآخرة كما جاء فى الآية 109 .

5 ـ زعموا أن النبى محمدا أحرق هذا المسجد ، وهذا يخالف ما جاء فى بقائه فى قوله جل وعلا : ( لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا ) أى ظل لا يزال ، وهذا يتفق مع الإعراض عنهم .           

اكتفى النبي والمؤمنون بمقاطعة ذلك الوكر. وتلك هي السياسة التي كان يتبعها النبي وفقا للحرية المطلقة فى الدولة الاسلامية ، ويكفى ما ينتظرهم يوم الدين .

6 ـ المقت الإلهى لهم ، والذى نستشعره من قوله جل وعلا عنهم : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110).

أخيرا  :

1 ـ وقد يقال أن تلك السياسة لا تجدي في عالم اليوم إذا لابد من اتخاذ تدابير وقائية و تشريعات استثنائية لمواجهة التآمر على الحرية . ولكن القرآن الكريم يضع العلاج  الأمثل للوقاية من ذلك التآمر .وهو المزيد من الحرية مع التوكل على الله الذي خلق الإنسان حرا ولا يريد لأحد أن يتحكم في حريته أو يصادرها على مراحل بسبب التخوف من أشياء محتملة قد تكون مجرد شكوك لدى أولى الأمر . وفتح باب الاستثناء والاعتداء على الحرية ينتهي بالاستبداد المقنع ثم بالاستبداد المكشوف .

2 ـ ما رأيكم ــ دام فضلكم ـ فى المستبد الشرقى فى كوكب المحمديين الذى يزعم الاسلام ، وهو يقهر الناس بالتعذيب والسجون بتهم ملفقة ؟  

 

 

 

 

 

 

 

تقاعسهم عن القتالالدفاعى   

مقدمة

الدولة الاسلامية فى المدينة فى عهد النبى كانت لها وضع خاص ، لم تكن مثل مكة المحمية بالبيت الحرام ،  ولم تكن مثل بقية المدن كالطائف ومدن أهل الكتاب المُحاطة بحصون وقلاع . ولم تكن مثل قبائل الأعراب الرُّحّل فى الصحراء . كانت المدينة مفتّحة الأبواب لمن يأتيها مهاجرا ، وفى نفس الوقت كانت هدفا ثابتا لأعدائها المتربصين بها . إستلزم هذا :

1 ـ أن يكون للنبى جهاز تجسس من المؤمنين القادمين اليه ، أن يرجعوا ليكونوا عيونا على أقوامهم ينبئون النبى بأى تحرك آت ضده .

2 ـ أنه يكون سكان المدينة جميعا على أهُبّة الاستعداد للخروج  الفورى لملاقاة الغزو القادم قبل أن يقتحم المدينة ، وحتى لا تتكرر محنة الأحزاب . ولذا كان الأمر بالقتال يأت فيه تعبير ( الخروج ) و ( النُفرة ).   

3 ـ أن يكون سُكّان المدينة يدا واحدة فى الدفاع عن دولتهم . والواقع المؤلم أن سكان المدينة لم يكونوا يدا واحدة . المنافقون كانوا يتقاعسون عن الدفاع . حريتهم الكاملة إستخدموها ضد الدولة التي يعيشون فيها .  

ونعطى أمثلة  :  

 أولا : معركة أحد

قال جل وعلا فى سورة آل عمران :

1 ـ (  وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ) 154 ). هنا وصف للانتصار الأولى للمؤمنين ، ولكن حب الدنيا وغنائم الحرب قلبت ميزان ، فانهزموا ، وضاع صياح النبى لهم بالثبات والرجوع .  

2 ـ ( وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ )   (154) . هذا عن المنافقين الذين تقاعسوا عن الخروج لملاقاة العدو . وبعد الهزيمة وفى جلسة الشورى التى ناقشت الأمر رأوها فرصة اللوم ، وأن على النبى والمؤمنين تقع مسئولية القتلى فى المعركة ، وجاء الرد بأن موضوع الموت من الحتميات ، وكل إنسان محدد مكان وموعد موته.

3 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155). هذا عن الذين فروا وقت المعركة .

4 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإٍلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158). هذا ردُّ على الدعاية السوداء للمنافقين بشأن الخسائر البشرية .

5 ـ (  فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)   . هذا تعليق على مجلس الشورى ، وتذكير للنبى محمد بأنه يستمد سلطته السياسية قائدا من إجتماعهم حوله ، ولذا جعله الله جل وعلا هيّنا ليّنا متواضعا معهم . ولو كان فظّا غليظا لاتركوه وانصرفوا عنه وضاعت دولته ، لذا أمره الله جل وعلا بالاستغفار لهم والعفو عنهم والتشاور معهم فى كل أمر لأنهم أصحاب الأمر . الأمّة هنا هى مصدر السلطات ، أما فى كوكب المحمديين فالتعذيب هو مصدر السلطات .!

6 ـ (  أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166).

هذا خطاب للمؤمنين يجب أن يعلموه ، وهذه الهزيمة درس لهم ، فهم السبب ، وجاء بإذن الله مترتبا على عصيانهم . وهنا إشارة الى أن إنتصار المؤمنين قبلها فى معركة بدر تعدل مرتين إنتصر الكافرين فى ( أُحُد ).

7 ـ (  وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167). قيل للمنافقين قاتلوا فى سبيل الله أو دافعوا عن وطنكم ، فردوا بأنهم لا يعرفون القتال . وهم حين قالوا هذا كانوأقرب الى الكفر منهم الى الإيمان . الذى قال هذا هو الأعلم بالسرائر وما كانوا يكتمون . والمعنى أن الايمان يزيد وينقص ، كأرض متحركة يسير عليها الانسان ، تعلو درجة الايمان أو درجة الكفر حسب ما يتخذه من مواقف ، خصوصا وقد الشّدة والمحنة مثل التضحية بالنفس .

8 ـ (  الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) . هذا عن المنافقين الذين قعدوا عن النُّفرة والخروج للقتال ونصحوا غيرهم بعدم الخروج للقتال ثم توجهوا باللوم لمن قُتل منهم . يفتخرون بأنهم ظلوا أحياء ، والرد عليهم إنهم لا يستطيعون الفرار من الموت .

9 ـ وجاء الردُّ التالى عمّن قُتل فى سبيل الله جل وعلا : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)) آل عمران ). سبق القول عمّن يُقتل فى سبيل الله جل وعلا : (  وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) البقرة ). هنا نهى عن القول بأنهم أموات بل أحياء فى البرزخ عند ربهم يُرزقون . جاء التأكيد على نفس المعنى ردا على المنافقين مع إضافات أخرى عن نعيمهم وإحساسهم بمن هم فى الدنيا.

 10 ـ ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ  عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175). هنا حقيقة تاريخية : بعد النصر السريع للكافرين أسرعوا بالفرار حفاظا عليه ، وصمّم بعض شجعان المؤمنين الجرحى على مطاردتهم برغم تخويف البعض لهم . ورجعوا لم يمسسهم سوء وقد فازوا برضى الله جل وعلا . والدرس المستفاد : إنك إذا خفت ربك جل وعلا كنت فى أمن ، أما إذا لم تخفه فإن الشيطان يُخيفك من أى شىء .

ثانيا : غزوة الأحزاب :

  قال جل وعلا فى سورة ( الأحزاب )

 1 ـ  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا ) (9). هزمهم هو الله جل وعلا بالرعب الذى بثّته الملائكة فى قلوبهم وبالريح التى سلّطها عليهم .

2 ـ  ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) ( 10 ) . تصوير للحصار .

3 ـ ( وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10)هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) . تصوير لهلع المؤمنين فى الداخل .

4 ـ ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) . سخرية المنافقين من الله جل وعلا ورسوله .

5 ( وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً (13).التخلف عن الحراسة بأعذار كاذبة .

6 ـ ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً (14) . لو إقتحم الأحزاب المدينة لأسرعوا باعلان الكفر .

7 ـ ( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً (15). حين وصلت أنباء تحرك الأحزاب عقد الجميع عهدا مع الله جل وعلا بالصمود . ونقض المنافقون هذا العهد ، وهم عنه مسئولون أمام رب العالمين .

8 ـ ( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنْ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (17). لا مهرب من الموت ولا مهرب من حتميات القضاء الالهى .

9 ـ ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (18) . كانوا يعوقون المؤمنين عن القتال ولا يقاتلون .  

10 ـ ( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ) (19). كانوا عند الخوف على وشك الموت ، إذا ذهب الخوف إنطلقت ألسنتهم فى المؤمنين .

11 ـ ( يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (20). لو إقتحم الأحزاب المدينة لتمنوا لو كانوا بدوا من الأعراب يحتمون بالصحراء .  

 12 ـ ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) . قاموا بنشر الإشاعات والأراجيف ، وفكّر بعضهم فى حمل السلاح فهددهم الله جل وعلا بأنهم إذا ( ثُقُفوا ) أى اصطدموا حربيا بالمؤمنين فلن تقوم لهم قائمة .    

ثالثا : غزوة ذات العسرة :

قال جل وعلا فى سورة التوبة :

1 ـ ( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) . لو كانت رحلة قصيرة مأمونة لخرجوا ، وأخبر الله جل وعلا مقدما بأنهم سيحلفون بالله كذبا أنهم لو إستطاعوا الخروج لخرجوا . وبهذا الحلف الكاذب يهلكون أنفسهم .

2 ـ ( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) . هذا عن إستئذانهم الكاذب المُخادع بالتخلف عن الخروج .

3 ـ ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) . لو كانوا جادّين لاستعدوا .

4 ـ ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ) (47). لو خرجوا لأشاعوا الفتنة بين المؤمنين.

5 ـ ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81). فرحوا بتخلفهم ، وجاء الردُ عليهم بما ينتظرهم من نارجهنم .  

6 ـ ( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) .

العقوبة هى ما يحبون : حرمانهم من شرف الجهاد مستقبلا  وعدم الصلاة عليهم فى قبورهم . ونعرف أنه ليس فى الدولة اسلامية تجنيد إجباري، بل هو تطوع بالنفس والمال فى سبيل الله جل وعلا .

المستبد فى كوكب المحمديين يفرض التجنيد ليحمى سلطانه . 

التعليقات

بن ليفانت 

وجهة نظر

"... لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ )   (154) . هذا عن المنافقين الذين تقاعسوا عن الخروج لملاقاة العدو . وبعد الهزيمة وفى جلسة الشورى التى ناقشت الأمر رأوها فرصة اللوم ، وأن على النبى والمؤمنين تقع مسئولية القتلى فى المعركة ، وجاء الرد بأن موضوع الموت من الحتميات ، وكل إنسان محدد مكان وموعد موته." القصد كما أفهمه من قول المنافقين "ما قتلنا هاهنا" هو "لو لم نكن هنا لما قُتل منا من قُتل".

في الرد جاءت عبارة "لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم". الكلام هنا على ما أفهمه عن القتلة "أنهم برزوا" وليس على المقتولين. فعل "كُتب" فعل مبني للمجهول. من الفاعل؟ هل الله تعالى هو من كَتب على القتلة (أمر القتلة) أن يبرزوا إلى مضاجع الذين قُتلوا ليقتلوهم؟ إذا كان كذلك، فالقتلة قتلوا بأمر الله وليس بإرادتهم (يعني بيطلعوا براءة كمن قتل الغلام في الآية 74 من سورة الكهف). بصراحة لا أعتقد ذلك، وإنما المقصود من"كُتب عليهم القتل" تعني من "سُجِّلت عليهم جريمة القتل"، أي أنها ليست أوامر إلاهية.  إذا كان الأمر كذلك، فالمقصود هنا هو علم الله تعالى بالغيب، بأن من قُتلوا في المعركة كانوا سيُقتلون لو بقوا في بيوتهم – مع العلم أن هذا لم يحصل. الله يعلم متى وكيف سنموت ولكن ليس بقرار. طبعًا مع إعطاء الضوء الأخضر. من الصعب على العقل الأنساني أن يتصور أحدًا يعلم المستقبل (الغيب)، بغير دلالة عليه، دون أن تكون له يد في صنعه. لهذا فعلم الله بالغيب هو مستحيل للبشر.

أحمد صبحى منصور

شكرا استاذ بن ليفانت وأقول :

 الحتميات المكتوبة التى لا مهرب منها هى الميلاد والموت وما بينهما من الرزق وما يصيب الانسان مما يقع عليه من خير او شر . الانسان له دخل فى هذه الحتميات فى خضم تعامل البشر مع بعضهم البعض ، ولكن الانسان لا يعلم الغيب كما انه يتصرف بحريته . الانسان لا يستطيع الافلات من الحتميات كما هو حاله مع الجاذبية الارضية ، كما ان الجاذبية الارضية لا ترغمه على تصرف لا يريده . هو موضوع غاية فى التعقيد وشغل الفلاسفة والمفكرين ، ولا يزال . ونحن نقول وجهة نظرنا من القرآن الكريم.

 

 

 

 حرية المنافقين فىالبخل فى الدولة الاسلامية   

أولا : فى الدولة الاسلامية :

1 ـ حرية الإنفاق فى سبيل الله جل وعلا جهادا ، والانفاق على المحتاجين ، ولا إلزام فى هذا وذاك .

2 ـ حرية الحركة الإقتصادية بما يوفّر سرعة دوران رأس المال ، خصوصا مع كثرة السكان حيث يكون البشر عاملا أساسا فى خلق الرخاء الاقتصادى .

3 ـ فى  الدولة الاسلامية الناهضة إستفاد المنافقون وهم أصحاب الأموال.

عن وصفهم بالغنى والثراء قال جل وعلا :

3   / 1 : ( وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (74) التوبة )

3 / 2 : ( يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ) ( 93 ) التوبة ) .

3 / 3 : ( كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً )(69) التوبة ).

 3 / 4 : ( لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) المجادلة )

  5 ـ الغريب أن النبى محمدا كان مُعجبا بثرائهم الفاحش فنهاه الله جل وعلا مرتين عن الاعجاب بأموالهم وأولادهم ، وكرّر أنه جل وعلا سيعاقبهم بأموالهم وأولادهم فى الدنيا وسيموتون بها كافرين . قال جل وعلا :

5 / 1 : ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) التوبة )

5 / 2 : ( وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) التوبة).

6 ـ ثراؤهم وأولادهم أو ( جاههم ) لم يجعلهم يشعرون بالقوة بل كانوا فى خوف مستمر. بعد نهى النبى عن الاعجاب بثرائهم قال جل وعلا عن مدى خوفهم : ( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)  التوبة ). عالجوا هذا الخوف بالتقرب نفاقا للمؤمنين الأقل منهم فى الثروة .

7 ـ وحرصا منهم على مصالحهم وثرواتهم وأملاكهم رفضوا مغادرة المدينة الى خارجها إذ سيكونون تحت سيطرة غيرهم حتى لو إتفقوا معهم فى الكفر .

8 ـ   بخلهم بالأموال وتقاعسهم عن القتال جعلهم يحتكرون ملامح خاصة بهم أزرت بمكانتهم   ، وهى :

8 / 1 : فى إضطرارهم الى مُداراة المؤمنين والنبى كانوا يحلفون كذبا ، لحق بهم وحدهم التعبير القرآنى ( إتّخذوا أيمانهم جُنّة ). قال جل وعلا عنهم :

8 / 1 / 1 : (  اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16)  المجادلة )

8 / 1 / 2 : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) (2) المنافقون )

8 / 2 ـ كان رب العزة يخبر مقدما بأنهم سيحلفون كذبا ويؤّكد شهادته عليهم بأنهم كاذبون . قال جل وعلا :

8 / 2 / 1 : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة )

8 / 2 / 2 : (   أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)  )

8 / 2 / 3 : (  إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون     )

8 / 2 / 4 : (  وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)  التوبة ) .

 8 / 3 ـ فى تقاعسهم عن الخروج للقتال لحق بهم وصف أنهم رضوا لأنفسهم أن يكونوا مع الخوالف القاعدين عن القتال من الأطفال وكبار السن . قال جل وعلا :

8 / 3 / 1 : ( رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) التوبة )

8 / 3 / 2 : ( رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) التوبة )

9 ـ كانت قوة المؤمنين الحقيقيين تزداد بتفاعلهم فى مجالس الشورى وفى التبرع للمجهود الحربى وفى القتال ، بينما تتضاءل مكانة المنافقين مع فضح القرآن الكريم لهم وحديثه عنهم بإحتقار يتضح فى قوله جل وعلا للمؤمنين عنهم :

9 / 1 : ( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ) . أى لا يستحقون الاهتمام بهم وبأيمانهم الباطلة .

9 / 2 : ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)   التوبة )

9 / 3 : ( يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)   التوبة )

10 : زاد من وقع هذا الاحتقار نزول القرآن بكفرهم ( على المستوى الدينى ) ومخالفتهم للأعراف العربية التى تمتدح الكرم والمروءة والشجاعة والنجدة .

ثانيا : بخلهم فى الانفاق على المحتاجين

1 ـ حديث الإفك فى سورة ( النور ):

لا علاقة له بعائشة بل بفقراء المهاجرين ومن يحسن اليهم من الأنصار  

فى البداية إزدحمت بالمهاجرين ، ومنهم فقراء تركوا أموالهم وبيوتهم فى مكة ، وإحتضنهم المؤمنون الأنصار ، وآثروهم على انفسهم مع ما فيهم من خصاصة وفقر ، ولهذا كان لهم نصيب فى الفىء ( أى ما يفىء الى بيت المال بلا حرب دفاعية ) ل: ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ )(9)  الحشر ).

فى هذا الوقت أشاع بعض المنافقين إتهامات كاذبة فى قذف المؤمنين والمؤمنات  من المهاجرات والأنصار. آيات سورة النور تتحدث عن اتهام جماعة من أهل المدينة لجماعة من المؤمنين الأبرياء، في ذلك يقول الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين جميعا في المدينة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ فالخطاب هنا عام للمؤمنين جميعاً ، فليس ذلك الحديث الإفك شراً للمؤمنين بل هو خير لهم لأنه بسببه أنزل الله جل وعلا في السورة التشريعات التي تنظم الحياة الاجتماعية للمسلمين حتى لا يتكرر المجال للتقولات والإشاعات. ثم تقول الآية التالية تتحدث عن عموم المؤمنين أيضاً ﴿ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ إذن هي تهمة عامة تمس مجتمع المسلمين جميعاً وكان ينبغي عليهم أن يرفضوها وأن يظنوا بأنفسهم خيراً، وتمضى الآيات على نفس الوتيرة تخاطب جموع المسلمين  ، تقول الآيات ﴿ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ  وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ  وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ  يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ  وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.   

2 ـ لم يرد لفظ النفاق ومشتقاته فى سورة النور ، ورد كثيرا فى سورة النساء ، وورد فيها عنهم ضمنيا فيما يخصُّ بخلهم وتواصيهم به قوله جل وعلا : ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (37) وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً (38)  النساء ).

3 ـ وجاء فى سورة المنافقين عنهم : ( هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) (7)).  أى كانوا يتواصون بالبخل ويأمرون به .

4 ـ وكانوا يقومون بمظاهرات تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف وتدعو للبخل . قال جل وعلا : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ) (67)  التوبة )

5 ـ بعض فقراء المنافقين كان :

5 / 1 : يتسابق فى الحصول على الصدقات ، بل ويلمز النبى يطلبها ، إذا أعطاه  النبى رضى وإن لم يعطه سخط . قال جل وعلا :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) التوبة ) قال جل وعلا يعظهم : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)  التوبة ) جاء بعدها توزيع الصدقات الرسمية على مستحقيها : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ) .

5 / 2 : عاهد الله جل وعلا إن جعله غنيا أن يتصدّق ويكون من الصالحين . أى نذر نذرا مشروطا . فلما حقق الله جل وعلا له أمنيته بخل فكانت عقوبته أنه لا توبة مقبولة له ، وسيلقى الله جل وعلا بنفاقه يوم القيامة . قال جل وعلا : ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78) التوبة ).

ثالثا : بخلهم فى الانفاق فى سبيل الله جل وعلا مع تقاعسهم عن القتال

1 ـ قال جل وعلا : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) التوبة )

2 ـ بل كان بعضهم يتصدّى لمن يتبرع للمجهود الحربى ، إذا كان فقيرا سخر منه ، وإن لم يكن فقيرا لمزه بالسوء من القول . قال جل وعلا : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) التوبة ) . وبسبب هذا قال جل وعلا للنبى : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) التوبة ).

أخيرا

1 ـ ولأنه لا إلزام فى القتال الدفاعى ولا إلزام فى التبرع له فقد قال جل وعلا :

1 / 1 : (  قُلْ أَنفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) التوبة ).

1 / 2 : : ( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)التوبة )، أى إن عقوبتهم مؤجلة الى يوم الدين . 

 

 

 

 

 

 

 

  حرية المؤمنين الحقيقيين  فى دولة النبى الاسلامية  

أولا :  

مفهوم الايمان وتقسيم المؤمنين

1 ـ التقسيم السهل هو أن المؤمنين نوعان :

1 / 1 ـ مؤمنون مسالمون وعقائدهم تخالف عقيدة الاسىم . والتعبير عنهم ب ( آمن ل ) بمعنى وثقق وإطمأن . الذى يوثق فى عدم إعتدائه يكون مؤمنا بسلوكه السلمى . وفى الدولة الاسلامية يحظى بالمواطنة القائمة على الاسلام السلوكى . وفيها فى عهد النبى محمد فى المدينة كانوا اكثرية فى تصورنا .

1 / 2 : مؤمنون مسالمون ، وأيضا هم مؤمنون بالله جل وعلا وحده لا شريك له ، ولا تقديس عندهم لبشر أو حجر . أى جمعوا بين الاسلام السلوكى بمعنى السلام والإيمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان مع الايمان القلبى بالله جل وعلا وحده لا شريك له وبالاسلام القلبى بمعنى التسليم للخالق جل وعلا وحده ، وإخلاص الدين والدعاء والعبادة له جل وعلا وحده .

2 ـ يجمع بينهما قوله جل وعلا عن النبى محمد عليه السلام : ( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (61) التوبة ) ( يؤمن بالله )أى الايمان القلبى بالخالق جل وعلا وحده ، و( يؤمن للمؤمنين ) أى يثق فيهم ويطمئن اليهم .

ثانيا : ديناميكية الايمان

1 ـ ليس الايمان شيئا ثابتا . فالكفر فى داخله إيمان بالله وإيمان بغيره ، وهو إيمان قليل لا ينفع صاحبه يوم القيامة . قال جل وعلا : (  قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ ) (29) السجدة )، بل يستحق عليه. اللعنة . قال جل وعلا : ( بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ (88) البقرة ) (  وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46 ) النساء  ) .

2 ـ ويتقلب بعضهم بين إيمان  حقيقى الى كفر ، قال جل وعلا :

2 / 1 : عن المنافقين  : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) المنافقون )

2 / 2 : عموما :

2 / 2 / 1 : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ (90) آل عمران )

2 / 2 / 2 : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء ).

3 ـ ويزداد المؤمن إيمانا ، ويزداد الكافر كفرا ، فالايمان يزداد وينقص . ليس ثابتا . قال جل وعلا :  

3 / 1 : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال )

3 / 2 : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة ).

4 ـ عدم الثبات هذا سببه المواقف التى يتخذها الانسان . أى ( العمل ) .

4 / 1 : فى حياتى عرفت أشخاصا آمنوا بالله جل وعلا وحده إلاها وبالقرآن الكريم وحده حديثا ، وصحبونى ثم إتخذوا مواقف مشينة بمحض إرادتهم ، وترتب عليها سقوطهم أخلاقيا . كنت فى حيرة ، كيف يحدث هذا مع إيمانهم وثقافتهم القرآنية ؟ وجدت الاجابة فى قوله جل وعلا : ( ثم كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون (10) الروم ). أنبأت الآية الكريمة بما سيحدث منهم ، وحدث . إذ تنكروا لما كانوا يؤمنون به ، وإستهزأوا بما كانوا يؤمنون به .

4 / 2 : هذا يذكّرنا بمن راق له أن يكون قرآنيا ، ولم تكن خلفية فى التدين ، لم يكن يُصلّى . ووجد هواه فى أن يرفض التراث وأن يرفض الصلاة أيضا بحُجّة أن تفصيلاتها لا توجد فى القرآن الكريم . فأصبح دينه هو إنكار الصلوات الخمس والعبادات . ولا يملُّ من الدعوة لهذا الإفك . وهو بهذا كافر بالقرآن الكريم لأنهما مهما توضّح له أن القرآن الكريم نزل لتصحيح ملة ابراهيم ، لم يذكر الموروث المتواتر الصحيح بل تصحيح الخطأ ، وهذا ليس فى العبادات فقط من صلوات وصدقات وحج ، بل أيضا فى الزواج والطلاق والمعاملات .

4 / 3 : إنه الموقف الذى يختاره الانسان بمحض إرادته ، وبه يتغير إيمانه . حدث هذا مع بعض المنافقين ، قال جل وعلا عنهم : ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ )167) آل عمران ). حين قالوا هذا وحين إتخذوا هذا الموقف كانوا للكفر أقرب منهم للإيمان .

ثانيا :

ضرورة الإبتلاءات والإختبارات للمؤمنين :

1 ـ الابتلاء بالخير والشر هو للعموم من البشر ، وقد خلقهم الله جل وعلا ليختبرهم ، ومن ينجح فى الاختبار سيكون مصيره الخلود فى الجنة ، ومن يرسب فيه يخلد فى الجحيم . يقول جل وعلا :

1 / 1 : ( إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ ) (2) الانسان ). هذا عن خلق الانسان لابتلائه .

1 / 2 : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الانبياء ).

2 ـ جاءت للمؤمنين بأسلوب التأكيد تنبىء مقدما بما ينتظرهم من إبتلاءات ، قال لهم ربهم جل وعلا : 

2 / 1 : (  لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) آل عمران ).

2 / 2 :   ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة )

2 / 3 : (  وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) محمد )

2 / 4 : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) البقرة )

2 / 5 : ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران ).

2 / 6: (  أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) التوبة ) .

3 ـ كان المؤمنون فى دولة مُحاطة بالأعداء المعتدين ، وهذا أعظم إختبار تميّزوا فيه . هم جميعا كانوا مُسالمين ، ولكن توجّب عليهم أن يهبوا دفاعا عن دولتهم وحياتهم ضد غارات تقع عليهم . قال جل وعلا : (  وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)  البقرة ) . فى البداية كانوا مأمورين بكفّ اليد وعدم المواجهة حتى يستعدوا . فلما نزل عليهم الأمر بالدفاع ضجّوا وإحتجوا مع إن القتال الدفاعى هو الخير لهم . قال جل وعلا :

3 / 1 : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77)  النساء )

3 / 2 : (  كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)   البقرة ) . القتال الدفاعى كان هو الخير لهم وإن كرهوه .

4 ـ قبلها نزل الأمر بالاستعداد الحربى للردع وليس للإعتداء ومعه الأمر بالإنفاق المالى تبعا للمجهود الحربى : (  وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) الأنفال ).

5 ـ بعدها تعين عليهم القتال الدفاعى ، ونزل الأمر به إذنا لهم وفيه حيثيات القتال لمن يقع عليه القتال : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)  الحج ).

ثالثا :

نصائح للمؤمنين للنجاح فى الابتلاءات

قال لهم ربهم جل وعلا :

فى إختبار القتال الدفاعى :

1 ـ ( إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160) آل عمران )

2 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد )

3 ـ ( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإٍلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) آل عمران )

4 ـ ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة  )

5 ـ ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) التوبة  )

فى إختبار القتال الدفاعى والتطوع للمجهود الحربى معا :

1 ـ ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) البقرة ) . ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ  ) لا علاقة لها بالانتحار ، بل هى فى سياق القتال الدفاعى الذى يتطلب إنفاقا فى سبيل الله جل وعلا ، بدونه تكون التهلكة للمؤمنين التى يحاصرها أعداؤها .

2 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13) الصف )

فى إختبار التطوع للمجهود الحربى معا :

1 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعفو ا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن )

2 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون ) .

كيف كانت إستجابة المؤمنين الحقيقيين ؟

 

    

  مواقف المؤمنين الحقيقيين فى دولة النبى الاسلامية  

أولا : من هم ؟

1 ـ نقصد بهم الصحابة الذين جمعوا بين الاسلام القلبى والاسلام السلوكى معا .

2 ـ كان منهم أثرياء ضحوا بأموالهم وبيوتهم ومكانتهم وهاجروا ليعيشوا فقراء فى المدينة ، يبتغون فضلا من الله جل وعلا ورضوانا ، وظلوا ينصرون الله جل وعلا ورسوله فاستحقوا مبكرا أن يصفهم الله جل وعلا بالصدق . وجعل لهم وللأنصار الذين آووهم نصيبا فى الفىء ، قال جل وعلا : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (8) الحشر ) وقال جل وعلا عن المؤمنين الصادقين من الأنصار الذين آووهم ونصروهم : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ )(9)الحشر ).  

 ثانيا : مواقف المؤمنين الحقيقيين فى إبتلاء ( المعارك )

فى معركة بدر

1 ـ المهاجرون الذين كانوا أثرياء فى مكة صادرت قريش أموالهم وبيوتهم ، كما صادرت أسهمهم التجارية فى رحلتى الشتاء والصيف . كانت قريش تهاجم دولة النبى فى البداية وقت أن كان المؤمنون فيها مأمورين بكفّ اليد عن الدفاع الى أن يستكملوا تدريبهم العسكرى وإعدادهم للقوة العسكرية ومستلزماتها . فلما إستكملوها نزل لهم الإذن بالقتال . كان الهدف الأول هو إسترداد أموالهم التى تتاجر بها قريش فى قوافلها ، وهى فى طريقها الى الشام تمر قريبا من المدينة . لذا حدثت معركة بدر . وبالوحى التوجيهى للنبى محمد عليه السلام جاءت البشرى بالحصول على القافلة واسترداد أموالهم أو بالانتصار على قريش . ولأنهم مُسالمون   ولا عهد لهم بالحروب ،فقد كانوا يفضلون الهجوم على القافلة بجيشهم القليل واسترجاع أموالهم . عرف أبوسفيان بترصّد النبى وصحبه ، فقام بتغيير مسار القافلة ، وأرسل لقريش يستنفرها ضد النبى . وفوجىْ النبى والمؤمنين بأنه تعين عليهم أن يواجهوا جيشا قريشيا يفوق عددهم ثلاث مرات ، وأنه لا سبيل الى تفادى المواجهة لأن هذا الجيش لو تفادوه فسيغزو المدينة . مع وضوح الحق فإن فريقا من المؤمنين الحقيقيين إرتعب مقدما وأخذ يجادل النبى فى الحق الذى تبين وفى الصدام المُقبل الذى تحتم . أروع تصوير لهذا جاء فى قوله جل وعلا للنبى وعن المؤمنين : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) الانفال ). هذا يخالف ما رواه الملعون إبن إسحق الذى زعم حماس المهاجرين والأنصار لمواجهة الجيش القرشى . أى إنه يكذّب قوله جل وعلا : ( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) الأنفال ).

2 ـ كان تقسيم الأنفال ( الغنائم ) وضعا جديدا ، هل يستحقها الذين صادرت قريش أموالهم وبيوتهم ؟ ومنهم من لم يشارك فى المعركة ؟ وهل يشارك فيها الأنصار المشاركون فى المعركة ولم تُصادر قريش لهم شيئا ؟ سألوا النبى محمدا فانتظر حتى نزل الوحى بالاجابة : (  يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)الأنفال )، وبعدها كيفية التوزيع ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ  (41)الانفال)، وتحليلها ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ  (69) الانفال ).

3 ـ من الجديد أيضا موضوع الأسرى. لم يكن هناك تبادل أسرى ، فكان الحل هو إطلاق سراحهم بالمال . جاءهم لوم شديد بسبب هذا : (  مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) الأنفال ).

فى معركة أُحُد :

جاءت قريش تنتقم لهزيمتها وهيبتها ، وتحمّس المؤمنون لملاقاتهم ، كان منهم من يطمع فى الغنائم وحُطام الدنيا ، وكان منهم من يريد الآخرة والجنة. تسبب الطامعون فى الغنائم فى الهزيمة بعد إنتصار أولى ، أسرع الجيش القريشى بالمغادرة حفاظا على النصر السريع . صمّم بعض المؤمنين الحقيقيين الجرحى على مطاردتهم . نزلت الآيات فى التعليق لوما وعتابا ومدحا حسب المواقف ( آل عمران 152 : 158 ، 174 : 175 ).

فى موقعة الأحزاب

حوصرت المدينة وكان المؤمنون فى موقف عصيب . قال جل وعلا : ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) الاحزاب ). فى هذه المحنة ظهرت عظمة المؤمنين الحقيقيين وصدقهم . قال جل وعلا : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) الاحزاب ). موصوفون هنا بالصدق ، وسبق نفس الوصف فى سورة الحشر ( الآية 8 ).

فى موقعة ذات العسرة

1 ـ تخلف عنها المنافقون بينما خرج مع النبى المؤمنون الحقيقيون برغم كل الصعوبات . قال جل وعلا عنهم : ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) التوبة ). بعضهم كاد قلبه يزيغ ، وتاب الله جل وعلا عليهم جميعا بما فيهم النبى. وهذه الآية تصفع من يزعم عصمة النبى محمد عليه السلام .

2 ـ وجاء عتاب آخر رقيق بأنه لا ينبغى : (  مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) التوبة )

3 ـ المرضى والضعاف كان لهم العذر فى التخلف ، فاكتفوا بالنصيحة ، وإعتبرهم رب العزة جل وعلا محسنين . وبعضهم كان فقيرا يريد الجهاد ولكن لا يملك راحلة يركبها فجاء للنبى يطلب راحلة ، ولأنه لم يتحقق طلبه فقد رجع باكيا . قال جل وعلا :  ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) التوبة )

4 ـ ولأنه موقف يتخذه الانسان فإن بعض المؤمنين الحقيقيين تخلف عن موقعة ذات العسرة ، ثم ندم وتاب ، واستحقوا أن يذكرهم رب العزة جل وعلا : ( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة )

  ثالثا :

مواقف المؤمنين الحقيقيين فى التبرع للمجهود الحربى  

1 ـ فى الوقت الذى بخل فيه المنافقون الأثرياء بادر الأغنياء من المؤمنين الى التبرع ، فلاحقهم المنافقون بالهمز واللمز ، وبادر الفقراء منهم بالتبرع فلاحقهم المنافقون بالسخرية : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ) (79) التوبة )

 2 ـ بعضهم كان يتبرع بالمال للمحتاجين ، ولكن مع المنّ والأذى ، فنزلت آيات فى تشريعات إعطاء الصدقة منها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) (264) البقرة )

رابعا :

مقارنات :  

إختلاف المواقف المُختارة بالحرية الانسانية أتاحت للجميع التصرف بمشيئتهم دون إلزام . وترتب عليه مقارنات :

1 ـ بين المؤمنين الحقيقيين والمنافقين فى :

 1 / 1 : الاحتكام والتقاضى أمام النبى . قال جل وعلا : ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51) النور)

1 / 2 : فى بناء المساجد وارتيادها .

1 / 2 / 1 : عن مسجد الضرار للمنافقين جاءت هذه المقارنة :  ( لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة ).

1 / 2 / 2 : جاء قبلها عن مساجد أقامها المؤمنون الحقيقيون : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) النور). عبادتهم فى المساجد لم تمنعهم من السعى للرزق ، وإيتاء الزكاة المالية . كانت لهم تجارتهم وتنمية أموالهم ، ولم يكن تلهيهم عن عبادتهم .

2 ـ بين المؤمنين الحقيقيين أنفسهم فى الجهاد وفى التبرع للمجهود الحربى

كانت لهم مواقف مختلفة نتج عنها عدم تساويهم فى الدرجة . فى هذا قال جل وعلا :

2 / 1 : ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) النساء

2 / 2 : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد ).

خامسا :

تنوع سكان المدينة فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم فى سورة التوبة :

1 ـ كان منهم السابقون من المهاجرين والأنصار : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100). نلاحظ أن الآية الكريمة تصفهم بهذا وهم أحياء . فالمعنى إنهم سيحافظون على هذا السبق تمسكا بالاسلام حتى موتهم . يعنى لن يشاركوا فى الفتوحات أفظع كفر بالاسلام . ولهذا فلا ذكر لهم فى التاريخ الذى ينام فى أحضان الطُّغاة .

2 ـ الأعراب وهم قسمان مؤمن وكافر . قال جل وعلا : ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ )101 )

3 ـ صحابة تابوا ، إعترفوا بذنوبهم أمام النبى وكان عليهم أن يقدموا صدقة عسى أن يتقبل الله جل وعلا توبتهم : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) . نلاحظ كلمة ( عسى ) أى إن التوبة متوقفة على عملهم المستقبلى ومدى صدقهم القلبى . لذا جاء فى الآية التالية الأمر لهم بالعمل الصالح : ( وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) .

4 ـ أخطر المنافقين الذين مردوا على النفاق : (  وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101). هم صحابة الفتوحات ، وقادتهم الخلفاء الفاسقون : أبو بكر وعمر وعثمان وعلى .

5 ـ  صحابة أرجأ الله جل وعلا الحكم عليهم تبعا لسلوكياتهم ، إذ لم يتوبوا ، وربما يتوبون : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) التوبة )

 

 

   حرية المؤمنين المسالمين الكافرين عقيديا فى دولة النبى الاسلامية  

 

  مقدمة :

1 ـ هناك مهاجرون دخلوا الاسلام بمعناه السلوكى ، مع تمسكهم بتقديس الأنصاب ( القبور المقدسة ) وما يرتبط بها من عادات جاهلية . وأصبحوا جزءا من التركيبة السكانية فى الدولة الاسلامية . ونزل فى القرآن الكريم خطاب وعظى  فيه التأكيد على حريتهم ، دون إيقاع عقوبة عليهم من الدولة الاسلامية . فطالما لا يرقعون السلاح فلهم حرية الكفر العقيدى وحرية العصيان .

2 ـ حين تتخيل واعظا يعظ الناس فالمعنى أنه لا يملك إلزامهم فيكتفى بوعظهم . وحين تقرأ هذا الخطاب الإلهى الوعظى للمؤمنين فى دولة اسلامية فالمعنى حريتهم الكاملة فى الدين وفى السلوك طالما لا يرفعون سلاحا . ولا تملك إلا الإعجاب بالدولة الاسلامية فى هذا العصر التى تتمسك بهذه الحرية غير المسبوقة بينما تكتنفها الأخطار فى الداخل والخارج . وحين تدرك أنها إنتصرت وتغلبت على تلك الأخطار تدرك أن الحرية هى الحل ، وتدرك سبب التخلف والشقاء وسفك الدماء الذى يعانيه كوكب المحمديين .

ونعطى تفصيلا بآيات قرآنية نزلت فى المدينة :

أولا :

وعظهم بالايمان العقيدى والاسلام العقيدى :

قال جل وعلا :

1 ـ  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) النساء ). الخطاب للذين ( آمنوا ) سلوكيا بمعنى الأمن والأمان أن ( يؤمنوا ) عقيديا بالله جل وعلا ورسوله والقرآن الكريم وما سبقه من كتاب . وإلا فالكفر يعنى الضلال البعيد . ليس هنا حدُّ للردة . أليس كذلك ؟

 2 ـ ( وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ ) (8) الحديد ). أى مع ذلك لم يؤمنوا عقيديا فجاءهم وعظ توبيخى : لماذا لا تؤمنون بالله جل وعلا وحده عقيديا مع أن الرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ؟

3 ـ  ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج ). نزل عليهم الأمر بإجتناب الأوثان التى يعبدونها وبإجتناب أقوال الزور عن معجزاتها و ( كراماتها ) و ( شفاعتها) . الأمر بالاجتناب يعنى الابتعاد ، يعنى الإبتعاد عن الأوثان وليس تدميرها . فهى مجرد أحجار ومواد بناء مثل مثيلاتها فى أى مبنى . المشكلة فى قلوب من يقدسها ، فالمطلوب هو محو هذا التقديس لتظل مجرد أحجار ومواد بناء . كان هذا فى بداية التنزيل القرآنى فى المدينة. فلم يطيعوا.  

4 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ). هذا فى أواخر ما نزل فى المدينة ، ونعرف منه أن أولئك الصحابة كانوا مشركين كافرين عقيديا ، ومصممين على العكوف على الأنصاب ( القبور المقدسة ) ومستلزماتها من الخمر والميسر والأزلام ( الزعم بعلم الغيب ). جاءهم الوعظ بصيغة مؤثرة وسؤال مباشر من رب العزة جل وعلا : ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ، وإذا لم ينتهوا فلا عقاب من الدولة عليهم ، وليس الرسول   سوى البلاغ .

ثانيا :

الوعظ تنديدا بموالاتهم العدو المعتدى  :

الموالاة تكون فى حالة الحرب ، بأن توالى وتتحالف وتناصر وتوادّ خصما ضد خصمه . فى الدولة التى تعيش فيها متمتعا بحقوقك  قد تواليها إذا كانت معتدية ضد الطرف المعتدى عليه . وبالتأكيد ستواليها ضد خصمها المعتدى عليها . لكن هنا وضع غريب ، فالدولة الاسلامية تواجه إعتداءا ، ومع ذلك فبعض ( المؤمنين سلوكيا ) يوالون المعتدى ضد دولتهم . الأغرب أنه لا إتهام لهم بالخيانة العظمى . بل مجرد وعظ إستنكارى . والأشد غرابة هو إدمانهم على هذه الخيانة العظمى وتكرار وعظهم . ونتتبعه كالآتى :

1 ـ فى أوائل ما نزل فى المدينة كان المهاجرون من المؤمنين سلوكيا يشعرون بالحنين لمكة وأهلهم الكافرين الذين أخرجوهم من مكة ، وتحول هذا الحنين الى موالاة للعدو . قال جل وعلا لهم يذكّرهم ويعظهم :  (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) الممتحنة ). وتوالت الآيات وعظا ( الممتحنة 2 : 9 ).    

2 ـ عصوا ولم يتعظوا ، فتوالت الآيات :

2 / 1 : ( لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) آل عمران )

2 / 2 :  ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) (22) المجادلة ).

2 / 3 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (144) النساء ).

3 ـ فى أواخر ما نزل فى المدينة :

3 / 1 : فى حروب ضد معتدين من أهل الكتاب ـ لم تأت تفصيلاتها فى القرآن الكريم ـ تحالفوا  مع المعتدين من أهل الكتاب ، فوعظم رب العزة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) المائدة ) ، وتوالت الآيات ( المائدة 52 : 57 ) .

3 / 2 : هذا مع تحالفهم مع ذويهم الكفار المعتدين . فقال لهم جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة ) .

ثانيا :

جُملة من المعاصى

1 ـ فى أوائل ما نزل فى المدينة جاءهم هذا الوعظ  بعد إنتصارهم فى موقعة ( بدر ) :  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) الانفال ). أى كانوا لا يستجيبون لله جل وعلا ورسوله ، بل كانوا يخونون الله جل وعلا ورسوله .!

2 ـ كان هناك من يتحرّش بالنساء فى الطرقات ، لا فارق بين نساء النبى وبناته ونساء المؤمنين . نزل الأمر لهن بالتمسّك بالحشمة فى الملبس منعا لذلك : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) الاحزاب )

3 ـ كانوا يؤذون النبى ويتهمونه بمثل كان بنو إسرائيل يؤذون موسى ويفترون عليه ، فقال لهم رب العزة جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) الاحزاب ).

4 ـ منهم من إحترف الربا . أى ربا الصدقة. يأتيه الفقير محتاجا لقرض فيعطيه قرضا بربا ، هذا مع إن للفقير حقا عنده فى الصدقة الواجبة عليه ، أى يجب أن يعطيه حقه فى الصدقة ، أو على الأقل يعطيه قرضا بلا فائدة . تراكمت الديون على الفقراء بفوائدها وعجزوا عن السداد ، فقال جل وعلا لهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281) البقرة ). ومنشور لنا هنا مقال ( معركة الربا ) ، فيه التفصيلات .

5 ـ كانوا يقولون ما لا يفعلون ، فقال لهم رب العزة جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3) الصف ).

6 ـ بسبب التجارة واللّهو تركوا النبى فى صلاة الجمعة وهو يخطب فقال لهم جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) الجمعة ).

7 ـ كانوا يتثاقلون عن الخروج للقتال الدفاعى فقال جل وعلا لهم مؤنّبا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) التوبة) ، ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) التوبة )

8 ـ كان بعضهم يسارع بالهرب أثناء القتال ، فجاءه التهديد بالخلود فى النار :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) الانفال ) .

9 ـ كانوا يبخلون عن التبرع للمجهود الحربى برغم الدعوات المتكرّرة فقال لهم رب العزة جل وعلا مهددا : ( هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) محمد ).

أخيرا :

تضاءلت الفوارق بينهم وبين المنافقين . ونعموا جميعا بحرية التعبير وحرية الدين . وانتصرت الدولة الاسلامية بهذه الحرية .. 

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )
يتناول قرآنيا ماهية الدولة الاسلامية وعلمانيتها .
يتناول الكتاب القيم الأساس للدولة الاسلامية ، وحرية الدين والديمقراط ية المباشرة بين التنظير والتطبيق ، ومظاهر العلمانية فى الدولة الاسلامية وشريعتها ، كيف نقيم دولة اسلامية علمانية . ثم الخاتمة عن شهادة العصر عن مصر
more