عصابة المملوك شــي حــا أغا

د. أحمد يونس   في الجمعة ٢٦ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


يقال أن اســطــبل البـاب العالي، أصبح أهم من كـل الدواوين، وأنه ـبدلاً من الأمةـ صار مصدر جميع السـلطـات. أي نعم، المـآدب الفاخرة استعاضت عن التبن أو البرسـيم بالسيمون فيميه أو الفواجراه. أي نعم، قصعة البوظة حلت مكانها أقداح الويسكي المعتق أو الكورفوازييه. إلا أن اللجــام ـبعيداً عن البروتوكولاتـ ظلت نفــس اليد قابضـة عليه، وأن الكرباج لا يمحو آثـاره من عـلى الظـهـر تبـوء أرقـى المـناصب أو التنفـيس عن العُقد القديمة بالغطرسة أو إذلال المستضعفين. جناب الوالي هو الوحــيد الذي من حقه أن يصرخ آمراً: شــي! أو: حــا! من هنا اكتسب اسمه المتميز دوناً عن سائر الأغاوات. جناب الوالي هو الوحيد الذي من حقه أن يعطي الإشارة بالبدء في الرفص.


القابع فوق العرش يقوم برحلات مكوكية، ليزيل الإحـسـاس القـاتل داخله بالخوف. حتى عندما لا يكون مسافراً، يقضي أغـلب العـام في مخبئه المطل على خليج العقبة. هناك، على بعــد خطوتين من الحدود مع العدو، يتخلص ـإلى حد ماـ من الهلع الذي يعتريه. لا يظهر إلا محاطاً بالمئات من فصيلة الحمار الوحشي. لولا أن كــل هذه التدابير ليست كافية لتنزع عنه الشـعور الفـطـري بالدونية. البعض في دخانيق المدن المكللة بالحداد يطلقون عليه: المملوك شي حا أغا. الطريف أنه لا يتضايق من هذا اللقب، طالما هو يصيب الأهالي بالفزع، فلا بأس!
وعلى سبيل التسالي ـليس إلاـ اعتاد أن يوزع في أوقات فراغه ألقاباً ونياشين ما لهــا من آخر. ألقاباً ونياشـين صارت تُهدى بمرسوم من ولي النعم إلى أفراد الحاشية أو الذين يثبتون تفوقاً في مجالات النصب أو التملق أو التعذيب. ألقاباً ونياشين تعفي أصحابها من المساءلة القانونية، أياً ما كان نـوع الجــرائم أو كــم الضحايا. جــرائد الصباح لا شغل لها سوى أن تنشـر أخباراً مـطـولة بالصور عن منحها إلى الأعلى نهيقاً،أو لمن لا ينجو من حوافره أحد. ألقاباً على طريقة الشطار أو العُياق أيام المماليك،دونها من حيث النفوذ الباشـوية أو البهـوية أو صـاحـب العزة أو السعادة أو المقام الرفيع، ونياشـين معناها التصرف في المرافق العامة بالبيع أو التنازل أو الوقف أو الإنعام لصالح المطايا أو الذين يستعذبون غزة المــهماز أو البصـق على الوجه.
وعلى ما يقال، فإن المــرأة الذكـية هي من تضع عينهـا على جـحـش سهل الركوب،ينتظره مسـتقبل مشـرق مع الباركـين على مقاعد السلطة، عندما يغدو حماراً كبيراً له كـرش محترم وذيل يلوح به إلى جناب الوالي في الحضرة الرئاسية المباركة، بينما هو يتطوح ـكالمجذوبـ شاهقاً على إيقاع الهتاف الرسمي المتوارث،وقد تدلت أذناه المفرطحتان كفردتَي شـبشـب حمام: بالروح! بالدم! نفديك يا أفندينا! وعلى ما يتردد أيضاً، فإن العـبرة في أمور الزواج ليست بالحب أو التوافق العـقـلي أو الجـنسـي أو العـاطـفـي كما يزعم المتفرنجون. المهم البردعة. كذلك فإن هناك من يشيع أن سـعـيد الحـظ هو من يطلب هـذا البغـل أو ذاك يـد ابنـته، شريطة ألا يتمـسـك كثيراً بالشكليات التي لا قـيمـة لها، كمسألة الشـبكـة أو المهر أو الإصــرار على تأجيل الدخلة إلى ما بعد الفرح أو مؤخر الصداق. شريطة ألا يتصـرف كقفل، متشبثاً بالتقاليد السخيفة البالية، كضرورة عـقـد القران أمام مأذون، وأن يقمع البنت بشتى وسائل التعذيب المعترف بها لاظوغلياً، إلى أن تقتنع بأن البغــل الخنثى بطبيعة تكوينه، ما هو إلا التعــبير الأمـثـل عن الذكورة بمفهوم المرحلة. المنتمون إلى اسـطــبل البـاب العالي لا يتعاملون إلا بكلمة الشـرف. تاريخهم في هذا الصدد لا يحتاج إلى إثبات. يكفيه فخراً أن العريس البغــل قد اختار كريمته هو دوناً عن سائر بنات البلد. وقد يجري تصعـيده حزبياً مــن العربخـانة إلى الحكـومخانة. هناك على القـمة سيبرطع اعتماداً على هذه المـصـاهـرة في سوق الحـديد أو الإسمنت أو الفياجرا أو الغاز الطبيعي أو العـمـلة أو الهروين أو السلاح. هناك على القـمة سيضيف إلى ميزان حسناته آخر السنة من الثواب ما لا يحلم بنصفه الشهداء أو القديسون. الأسرة التي لا يكاد يجد أفـرادهـا ما يأكلونه، سيساعدها هو من مليارات التأمين. الأسرة الغلبانة التي يغترب عائلها في السعودية حتى يتصحر قلبه، ليعود آخر الأمر بمصاريف المدارس أو نفقات علاج الابن المـريض بسبب المبيدات المـسـرطـنة أو ثـمن شقة ـكالجحرـ في العشوائيات، ستتقاضى ـعندما تلتهمه أسماك القـرش في قاع البحر الأحمرـ تعويضاً ما كان يستطيع هو أن يدبره لها حتى لو عاش ألف عام. بل إن الخـبثـاء يحلفون برحمة موتاهم أن اســطــبل البـاب العالي أصبح جامعةً لتخـريج الأغـاوات، كلاباً كانوا أو تيوساً أو بغالاً أو ثيراناً بقرون كقلاع المـراكب أو من أجود أصناف الحـمـير الحصاوي، ليحتلوا أخـطر المـواقع في سائر أجهزة الدولة. كل أنواع الســلالات، صار هو من يرعاها. باستثناء الخيل. كلها إلا الخيل.
وقد سـألت نفسي مراراً: ما العمل في وطـن باع حكامه أسوار المدن، لا ليبنوا بأحجارها بيوتاً لساكني القبور، بل حـظـائر فـارهـة ـكـسرايات مــلوك الحــواديتـ ليتبول في نوافـيرهـا المـعـطـرة بماء الورد خنازير الوالي؟ ما العمل في وطـن صنع جـنرالاته من السيوف مـفـاتيح مقلدة، ليحيلوا الغلال التي يسرقونها من أجران الفلاحين إلى بتيفور تتبادله ثعالب لجنة السـياسـات في عـيد جـلوس ولي النعم على العرش؟ ما العمل في وطـن أكـل سلاطينه لحم الجياد. ليس لأنهم كانوا جوعى. بل لكي لا يطالبهم أحـد بعد الآن بـأن يقاتلوا دفاعاً عن ترابه؟

 

اجمالي القراءات 8911
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more