سعيد شهيب :
القتـــــل بـلا حـدود

  في السبت ٠٣ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


 
بسبب حد الردة سالت دماء المسلمين ومازالت تسيل، منذ الفتنة الكبرى وحتى الحرب الأهلية فى العراق، حروب رفعت فيها المصاحف، كل طرف يعتبر الآخر خارجا عن الدين، أى مرتد لابد من قتله.. مفكرون ومثقفون وكتاب ومواطنون وسياسيون تم تكفيرهم وذبحهم على امتداد أكثر من 14 قرنا والتهمة الجاهزة دوما هى أنه «مرتد».. من د.فرج فودة إلى نجيب محفوظ وصولا إلى السفير المصرى فى العراق إيهاب الشريف.. وهناك الذين كفروا غيرهم طالهم التكفير مثل د.عبدالصبور شاهين.. والقائمة طويلة ويبدو أنها لن تنتهى قريبا.  


 
فعلي سبيل المثال شكرت رابطة العالم الإسلامى التى تنفق عليها الحكومة السعودية الرئيس السودانى الأسبق جعفر نميرى «جازاه الله خيرا» لماذا؟ لأنه أعدم «الزنديق الصوفى الباطنى محمود محمد طه»، وذلك فى المرحلة التى أعلن فيها نميرى تطبيق الشريعة! وبذات المنطق قرر تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين بقيادة أبومصعب الزرقاوى قتل السفير المصرى فى بغداد إيهاب الشريف، والسبب أنه سفير الكفار، أى طبقوا حد الردة على نظام سياسى كامل «كله على بعضه»، لأنه من وجهة نظرهم «موال لليهود والنصارى ويحارب الإسلام»! وربما كثير منا مازالوا يتذكرون المفكر د.فرج فودة الذى دفع حياته ثمنا لمواقفه الرافضة للدولة الدينية، ومازلت أتذكر الفرحة فى عيون بعض الزملاء الصحفيين لأنه من وجهة نظرهم، ومن وجهة نظر من قتلوه «مرتد»، فقط لأنه كان ينتقد الدولة الدينية التى يريدها هؤلاء وليس لأنه ينتقد القرآن الكريم، ماعاذ الله. وكانت البداية صراعه مع الشيخ صلاح أبو إسماعيل، عندما كانا فى حزب الوفد عام 1984، حيث أصر فوده على علمانية الوفد، أى حزب يجمع أصحاب كل الأديان على أساس مدنى، بينما كان الشيخ صلاح يريد أن يكون حزب الوفد إسلاميا.. وكانت الفاجعة عندما أعلن رئيس الحزب وقتها فؤاد سراج الدين إنه على رأى الشيخ صلاح، وكان ذلك بداية تحالف مع جماعة الإخوان فى الانتخابات البرلمانية فى ذات العام!  
 
وانسحب الرجل من الحزب وقرر تأسيس حزب جديد هو «حزب المستقبل»، وكان معه د. أحمد صبحى منصور الذى تعرض أيضا للتكفير وتم طرده من جامعة الأزهر، ولكنه مات قبل أن يحقق حلمه.. وكانت تفاصيل محاكمة القتلة مدهشة وكاشفة فقد وقف الشيخ محمد الغزالى، الذى كانوا يقدمونه لنا باعتباره إمام المعتدلين، يدافع عن القتلة فى المحكمة وحولها إلى محاكمة للقتيل وليس للقاتل، فقال الغزالى أن القتلة «افتأتوا فقط على السلطة حين بادروا بقتل فرج فوده.. وهو مستحق للقتل باعتباره مرتدا»، ومن عجائب الزمن أن الغزالى فى سنة 1996 أعطته الدولة الجائزة التقديرية فى العلوم الاجتماعية! وكان أول من رحب بالاغتيال هو المستشار «المفترض رجل قانون» مأمون الهضيبى رئيس جماعة الإخوان «صوت الكويت 8/6/1992» للغدر بفرج فودة مرددا نفس اتهامات الغزالى. وكان الاثنان الهضيبى والغزالى ومعهما د.محمد عمارة «الذى كفر المسيحيين مؤخرا وتراجع تحت ضغط» قد شاركوا فى مناظرة ضد د.فرج فودة فى معرض الكتاب قبل قتله بشهور وكان معهم د.محمد أحمد خلف الله، واستطاع فوده وخلف الله كشف أكذوبة الدولة الدينية وغيرها من أكاذيب هؤلاء المتطرفين والذين يرددونها حتى الآن، تأمل تصريحات زعماء الإخوان مهدى عاكف ومحمود عزت ود. عبد الحميد الغزالى. نعود لمحاكمة قتلة فرج فودة التى امتدت إلى ثلاثين جلسة واستمعت المحكمة إلى 300 شاهد منهم الدكتور محمود مزروعة وكان رئيساً لقسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين فى جامعة الأزهر، ووكيلا وعميدا سابقا لها، وأستاذا فى جامعة بنغازى، وجامعة الملك سعود، والجامعة الإسلامية بإسلام آباد، وجامعة قطر، الذي أعلن أمام المحكمة أن «فرج فوده» مرتد، ويجب على آحاد الأمة تنفيذ حد الردة فى القاتل إذا لم ينفذه ولى الأمر.. وهل هناك تحريض أكثر من ذلك على القتل؟!  
 
إنه القتل بدم بارد والذى يطال كل من يختلف مع هؤلاء المتطرفين الإرهابيين سواء بالقول أو الفعل.. لا فرق بين من يحمل السلاح ومن يقتل، فتوى ظالمة لا علاقة لها بالدين، «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» و«لكم دينكم ولى دين». ولكن القتلة لا يفكرون بهذه الطريقة.. لا يفكرون فى كيف يمارسون حقهم فى أن يعيشوا كيفما يشاءون.. ويتركوا الآخرين يعيشون بالطريقة التى يرتضونها.. وهذا ما تكرر عندما نشرت وزارة الثقافة الرواية الشهيرة «وليمة لأعشاب البحر»، وكان المحرض الأكبر فيها د.محمد عباس الذى اتهم المؤلف حيدر حيدر بالردة عن الإسلام ومعه وزير الثقافة.. وإذا شاهدت موقعه على شبكة الإنترنت، فإنه يكفر كل ساعة الكثيرين.. وكان البطل معه أيضا الشيخ محمد الغزالى، على فكرة هو نفسه الذى كتب تقريرا تم رفعه لعبدالناصر يكفر فيه نجيب محفوظ وروايته الشهيرة أولاد حارتنا. وهذا ما تكرر أيضا مع ما فعلوه مع د.نصر حامد أبوزيد فى قضيته الشهيرة والتى انتهت بأن هجر البلد كلها، وقد بدأت الوقائع عندما تقدم د.نصر ببحث للحصول على درجة الأستاذية، ولكن د.عبدالصبور شاهين كتب تقريرا ضده يخلو من أى طابع علمى، وعلى حد وصف د.جابر عصفور فى كتابه «ضد التعصب» كتب عبدالصبور تقريره بانفعالية معادية، ثأرية، خطابية، محسومة نتائجها قبل كتابتها، مندفعة إلى غايتها التى تريد أن تصل إليها على أسرع وجه بلا روية، لغة من قبيل «هذا كفر صريح». وهذا رأى كافر مردود عليه. فهل هذه لغة لها علاقة بالعلم؟!  
 
وقد حاول د.عبد الصبور التراجع فى ندوة عقدتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فيما بعد عن حرية الإبداع، زعم أنه لم يكفر نصر (وكأننا لم نقرأ ما كتب) ولم يستخدم فى تقريره كلمة عن الدين أو العقيدة، وقال إنه عرض على د.نصر تشكيل لجنة جديدة لقراءة بحثه، ولكن أبوزيد تمسك بتقريرى لأنه سيقدمه للرأى العام. ومن المضحكات المبكيات أن د.عبدالصبور تعرض لحملة تكفير على خلفية صدور كتابه «أبى آدم» وقاد حملة التكفير الشيخ يوسف البدرى (أحد المكفرين الكبار) الذى أقام دعوى قضائية ضده، ومن المفارقات المدهشة أيضا أن مجمع البحوث الإسلامية أكد أن عبدالصبور برئ، ولو كان هذا الكتاب لشخص آخر لتغير الموقف؟! ومن المضحكات المبكيات أيضا د.محمد عمارة طالب أثناء إحدى زيارات د.نصر للقاهرة بمصادرة كتب أبوزيد بل وتكفيره حماية له من التكفيريين! ود.نصر فى كتاباته لم يخرج عن الدين ولم يوجه أية إهانة أو سبا له.. ولكنه اجتهد مجرد اجتهاد، قد يخطئ، فله أجر، وقد يصيب فله أجران.. فقد فرق بين الدين وبين الفكر الدينى، لأن الأول من عند الله سبحانه وتعالى، والثانى إنتاج بشرى قابل للنقاش والاختلاف، ولكنهم لايريدون إعمال العقل، لأنه ضدهم، ضد وجودهم، يريدون أمة من القطيع، لا عقل لها، تسير وراءهم وتنفذ لهم رغباتهم.. وكانت نتيجة هذا الاجتهاد أن رفع أحد المحامين قضية يكفره ويعتبره مرتدا ويطالب بالتفرقة بينه وبين زوجته.. والمحزن أن كل درجات القضاء أقرت هذا الرأى الجائر.  
 
ما حدث مع د.نصر حامد أبوزيد تكرر مع نجيب محفوظ رحمه الله ولكن بصورة أبشع، فقد أفتى قبل جريمة محاولة اغتياله الشيخ عمر عبدالرحمن مفتى الجماعة الإسلامية والمسجون الآن فى الولايات المتحدة على خلفية قضية تفجيرات قائلا: لو قتلنا نجيب محفوظ ما تجرأ سليمان رشدى على الإسلام، وبعدها طعن شاب محفوظ فى رقبته، وقال فى التحقيقات أنه لم يقرأ رواية «أولاد حارتنا»، ولكن الأمير قرأها وأفتى بأن محفوظ كافر مرتد!! ما حدث مع هؤلاء يحدث من المحيط إلى الخليج وإليكم بعض منه: ففى الكويت، حوكم أحمد البغدادى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، بالسجن بدعوى الإساءة للدين، بسبب مقال نشره فى شهر يونيو 2005 عن التعليم الدينى (لاحظ التعليم الدينى وليس الدين)، كما صدر حكم جائر قبل ذلك بحق ليلى النجار فى العام 2000، وهو ذات ما حدث مع الكاتبة ليلى العثمان، فقد خاضت معركة المتشددين فى عام 2000 بعد رفع دعوى قضائية عليها بتهمة «كتابة أدب يتضمن عبارات تخدش الحياء العام وقصصا ماجنة تحض على ممارسة الرذيلة بشكل فاضح»، وقد حكمت عليها المحكمة بالسجن شهرين أو بدفع غرامة مالية مقدارها خمسون دينارا، دفعت ليلى الغرامة وأخلى سبيلها. ولم تكن هذه المحكمة الأولى لـ «ليلى العثمان»، بل جاءت عقب دعوى قضائية رفعها عليها رجال أربعة ينتمون إلى التيار المتشدد فى الكويت «نيابة عن المجتمع» فى العام 1997. والغريب أن الحكومة الكويتية قد صادرت روايتها «صمت الفراشات» ثم سمحت بتداولها ومازالت لها روايات أخرى ممنوعة مثل رواية «العصعص» التى تتناول فيها ظاهرة تحول تزويج الفتيـــات الصغــيرات فى الســن إلى «تجارة وبيع» لرجال متقدمين فى السن وبشكــل خاص من دول خليجية.  
 
كما اتهمت حركة «النهضة» التونسية، برئاسة راشد الغنوشى، من خلال موقعها على الإنترنت www.nahada.net الكاتب الجزائرى العفيف الأخضر بسبب كتابه «المجهول فى حياة الرسول» بالتجديف ضد النبى (ص) ودعت إلى تنفيذ حد الردة وقتله. وفى 30 أغسطس 2005 أصدر «أبوجهاد المغربى» الناطق الشرعى باسم «الجماعة الإسلامية للتوحيد والجهاد» فتوى بقتل سعيد الكحل، كما أصدر فتوى بقتل عبدالسلام ياسين رئيس جماعة العدل والإحسان الأصولية، وأجاز فقهاء الإرهاب من المغرب فتاوى بقتل الشاعرة حكيمة الشاوى، والباحث عبدالصمد بالكباس والكاتب محمد الحنفى. وأجازت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، التى تعتبر وكرا لفقهاء الإرهاب وشيوخ القاعدة، رسالة دكتوراه لناصر الغامدى، نشرها هذا الأخير فى كتاب بدار الأندلس الخضراء سنة 2003 والتى تتهم 200 مفكر ومبدع فى العالم العربى بالكفر والارتداد عن الإسلام وإهدار دمائهم. من وقائع التكفير المأساوية اتهام الفنان اللبنانى الشهير مارسيل خليفة بالكفر، وكانت النيابة العامة فى لبنان قد وجهت إلى مارسيل خليفة تهمة «تحقير الشعائر الدينية» بسبب تلحين وغناء قصيدة من نظم الشاعر الفلسطينى محمود درويش تنتهى بمقطع من آية قرآنية، ويقول فى القصيدة: «هل جنيت على أحد عندما قلت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين». واعترضت مراجع إسلامية لبنانية على ذلك - أولهم مفتى الجمهورية الشيخ محمد رشيد قبانى - باعتبار أن تلحين القرآن من المحرمات، ودافع خليفة ومحاموه عن الأغنية مؤكدين عدم وجود نوايا سيئة، وأن الأغنية «لم تتضمن الآية كاملة» كما أن مارسيل خليفة «رتل كلماتها بخشوع»، وقال خليفة إن السلطة اللبنانية عندما حاكمته إنما كانت «تحاكم الناس الذين يدافعون عن حقهم فى الغناء»، وأضاف أن هناك إجماعا عربيا على وجوب عدم المس بقضايا الحرية والثقافة والإبداع»، والمفارقة أن القصيدة تتناول معاناة الشعب الفلسطينى الذى تخلى عنه أشقاؤه!! يعتبر مارسيل خليفة واحدا من أبرز المغنين والموسيقيين العرب الذين كرسوا فنهم للدفاع عن قضايا الحرية والمقاومة والطبقات الفقيرة، وقد ذاعت شهرته منذ بدايات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) حين كان بمثابة الصوت المسموع للقوى اليسارية، وارتبط اسمه باسم محمود درويش الذى أخذ منه معظم أغنياته ومنها: «ريتا» و«جواز السفر» وكثير غيرهما.  
 
وقد برأته محكمة لبنانية من تهمة الإساءة إلى الدين الإسلامى وأرجعت قرارها إلى عدم وجود أدلة كافية على التهمة المنسوبة إلى الفنان، ولكن مارسيل عبر عن شعوره بالمــرارة لمثوله أمام القضاء وكأنه واحد من المجرمين، وأكــــد أنه لم يطلب البراءة لأنـه لم يرتكب أى جرم من الأساس».

اجمالي القراءات 9328
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   اشرف ابوالشوش     في   الخميس ١٥ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[3998]

مثال على هشاشة الفكر

من امثلة ضياع وضعف الفكر في امتنا التي تركت كتاب الله وراء ظهورها هو موضوع الفنان مارسيل خليفة.
اذك وقتها انني كنت سنيا على السكين كا يقولون وان امام مسجدنا وخطيب جمعتنا خريج جامعة المدينة المنورة عالم السودان الفذ قد ذكر انه حكي له ان فنانا لبنانيا غنى سورة يوسف (غنى جزء كبيرا من الايات) واقسم له ناقل الخبر (راوي الحديث) انه غنى الكثير من الايات وعليه ازبد وغلى الشيخ واتهمه بالكفر وبالتعلي على كتاب الله والسخرية منه وعمل من الحبة قبة.
كسني جاهل في وقتها ازبدة مع المزبدين غليت معهم , ثم عرفت فيما بعد حقيقة الامر ان الفنان مارسيل خليفة فنان عظيم (وبالطبع فان احد السنيين الذينسيقراون هذا المقال سوف يقول استغفر الله العظمة لله وحده) .

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق

اخبار متعلقة