تعيش محافظة قنا علي قطعة من الجحيم، أهلها في انتظار نتائج محاكمتين من أخطر المحاكمات، الأولي بطلها حمام الكموني المتهم بقتل شباب الأقباط أمام مطرانية نجع حمادي ليلة العيد (الجلسة القادمة في 20 مارس القادم)، والثانية بطلها جرجس بارومي المتهم باغتصاب فتاة فرشوط (الجلسة القادمة في 24 مارس القادم).

لكن الأهم من هذه المحاكمات هو ما يجري في قنا الآن ويتحدث عنه أهلها، لن التفت كثيرا إلي التخمينات، لكن لدي ثلاثة كليبات يمكن أن نعرف من خلالها الكثير، فما حدث في قنا لم يكن مجرد حادث طائفي، لكنه يعكس أن هناك غولا يعيش هناك له ثلاثة أذرع هي السلطة والطائفية والبيزنس، بينهم كيمياء لا يمكن أن يفصل فيها أحد، لكنها في النهاية تخلق حالة من البغض والكراهية والجحيم.

علي هواتف أقباط قنا الآن كليب قصير لحفل خطوبة يقال إنه حفل خطوبة حمام الكموني، آلاف الطلقات تتوالي من أسلحة آلية، ووسط ضرب النار يدخل أحدهم يسلم علي الموجودين، من يروجون للكليب يؤكدون أنه لطارق رسلان، وهو عقيد شرطة سابق ورجل أعمال شهير في قنا.

الكليب لا يظهر وجه من يدخل حفل الخطوبة، لكن من ينشرونه يريدون أن يوجدوا علاقة وثيقة بين طارق رسلان وحمام الكموني، منها مثلا أن رسلان يملك معرضين للسلع هما الجزيرة والمعرض الصيني، يقوم الشباب بتأجير مساحات فيه لبيع المنتجات، ولأن رسلان لن يقوم بنفسه بجمع الإيجارات فإنه يكلف حمام الكموني بجمع هذه الإيجارات، كما أن هناك كثيرا من المشاكل تحدث في المعارض ولابد أن يكون هناك من يتصدي لها ويمنعها.

وهنا يأتي أيضا حمام الكموني الذي يمتلك في قنا صالة كمال أجسام، يدرب فيها عددا من الشباب ذوي العضلات البارزة، وهؤلاء يربيهم في الأساس لأيام الانتخابات حيث يعملون ناضورجية دعاية للمرشحين، وبعد أن تنتهي الانتخابات تكون لهم وظيفة بل وظائف مهمة، فهم يستأجرون لإنهاء الخلافات والخصومات، فإذا كان لك دين عند أحدهم ويماطلك في دفعه، فليس عليك إلا أن تطلب من الكموني أن يعيد لك أموالك فيفعل ذلك علي الفور. الغريب أن الكموني لم يكن متاحا ولا سهلا، فإذا أردت أن تطلب منه شيئاً، فلابد أن توسط له أحداً، وهناك سمسار، لا يصل أحد للكموني إلا من خلاله، وقد تكون كل هذه القدرات في رأي أهالي قنا هي التي رشحت الكموني ليعتمد عليه رسلان في إنجاز أعماله الكثيرة.

ولأن العلاقة موجودة من جانب ما، فإن الأقباط يتبنون وجهة نظر أن الكموني تم القبض عليه وهو في فيللا طارق رسلان، وهي بالمناسبة فيللا شهيرة جدا، فقد تم فيها تصوير المسلسل الشهير "حدائق الشيطان" الذي كان بطله جمال سليمان.

قبل القبض علي حمام الكموني جرت مفاوضات كثيرة بينه وبين هيثم عطا وهو رئيس مباحث بمركز نجع حمادي، هدده هيثم بأنه إن لم يسلم نفسه فسوف يأتي بزوجته وأولاده كنوع من الترهيب، إلا أن الكموني رد عليه بثبات قائلا له:لو عملتها فسوف أقتل لك زوجتك وأولادك، لكن بتدخل من طرف ما سلم الكموني نفسه.

لكن هل تم القبض علي حمام الكموني بالفعل في فيللا طارق رسلان، هذا ما نفته مصادر مقربة من الحادث، فقد كان مختفيا في إحدي الجزر بالنيل، ويبدو أن الجزيرة كانت قريبة من جزيرة طارق رسلان فاعتقد البعض أنه مختبئ عنده.

طارق رسلان اسم قادم، ففي الغالب لن يخاطرالحزب الوطني ويرشح عبد الرحيم الغول مرة أخري عنه في قنا، والبديل موجود وقوي ومؤثر وله أرضية، وهو طارق رسلان الذي سيكون رجل الحزب الوطني القادم في قنا.

الكليب الثاني لمجموعة من الرجال الأشداء في غرفة منزل أحد المواطنين الأقباط، يجلس القبطي علي كنبة في الغرفة، يوجه له الرجال صفعات شديدة أمام الجميع، ولا يكتفون بذلك بل يقومون بالتصوير كنوع من الإذلال.

لم يكن الرجل القبطي وحده في الكليب كانت هناك فتاة اسمها حنان، ومن هنا تأتي تفاصيل القضية فقد كشفت عما حدث في بلاغ مفصل إلي النائب العام قدمه نيابة عنها المحامون نبيل غبريال وسعيد فايز وأسامة ميخائيل .

اسمها حنان محمود سالم حسين خريجة كلية الدراسات الإسلامية، تقيم في شارع التحرير حارة علام بنجع حمادي، تقدمت ببلاغها ضد نائب قنا في مجلس الشعب محمد أبو الطيب فخري قنديل الشهير بفتحي قنديل، ومدير أمن قنا بصفته، وكامل رضوان ضابط أمن الدولة بنجع حمادي، والمتهمين سعيد السمان وحمادة مهران ومحمد رمضان وهو سائق ناصر شقيق فتحي قنديل ومحمد الشهير بتيحة وهو سائق النائب نفسه وأحمد بعرور وسيد عباس ومصطفي البالع، وجميع من كانوا في الكليب ويصل عددهم إلي 15 متهما، وقد أرفق المحامون نسخة من الكليب علي سي دي مع البلاغ. كانت حنان في 10 أكتوبر 2009 قد ذهبت إلي سكن أسرة هاني نصر الله، لأنها تتعامل معهم في جمعية شهرية، ولم يكن غريبا أن تفعل ذلك فهي تتعامل منذ سنوات مع هذه الأسرة المسلمة، اتصلت بزوجة هاني لتسترد أموالها عندها فقالت لها أهلا بك في أي وقت، ذهبت إلي هناك الساعة السادسة، فتح لها هاني نصر الله (هاني يعمل موظفاً في شركة الألومنيوم ويصور الأفراح مساء لزيادة دخله)، دعاها للدخول حتي يحضر لها المبلغ المطلوب، وفجأة سمعت حنان طرقات عنيفة علي الباب، ذهب هاني ليفتح فوجد أكثر من 15 شخصا، أخذوا في سب حنان وهاني، وقالوا له كيف تكون أنت وامرأة مسلمة في بيتك؟ وبدأوا في تصويرهما. تقول حنان: تجمع عشرة أشخاص حولي وقال أحدهم إنه ضابط شرطة (هذا ثابت في الكليب) وبدأ باقي الموجودين يفتشون غرف الشقة وسرقة ما يجدونه فيها، وهم يفعلون ذلك كانوا لا يتوقفون عن ضرب هاني وسب حنان.

بعد أيام من هذه الواقعة كما يقول البلاغ فوجئت حنان وهاني بأن من هاجموهما يساومونهما من أجل الحصول علي المال، فقد كان ما حصلوا عليه عبارة عن هاتفي محمول و2 هارد ديسك و5 آلاف جنيه، وقد قالوا لهاني إنهم وجدوا صور سيدات علي الهارد ويريدون أموالا أخري، ثم تطور الأمر عندما تم تسريب الكليب المصور عبر البلوتوث إلي هواتف شباب قنا، وتم تصوير حنان وكأنها علي علاقة جنسية بهاني.

حنان أكدت في البلاغ أنها لاتزال عذراء وأنها مستعدة للكشف عليها، واتهمت ناصر قنديل شقيق فتحي قنديل بأنه فعل ذلك حتي يضع أخاه في حرج، فقد استخدم رجاله لصنع أزمة بين مسلم ومسيحي، وهو ما سيؤدي إلي أن تتوتر العلاقة بينه وبين الكنيسة، مما يجعلها لا تسانده في الانتخابات القادمة، بما يمنحه فرصة أن يصبح هو نائب نجع حمادي.

حاولت حنان أن تحرر محضرا في قسم الشرطة أكثر من مرة لكنها لم تنجح في ذلك، وتم إجبار هاني وزوجته وأولاده وأخيه علي أن يتركوا القرية، وذلك من أجل الحفاظ علي أمن القرية، وبقيت حنان كما تقول نصا في البلاغ:ليضيع شرفي وكرامتي.

الكليب الثالث هو اعترافات كاملة من حنان عما حدث معها، الغريب أننا أمام حالة من استخدام السياسة للحالة الطائفية في تحقيق أهدافها، فلو صح ما فعله شقيق النائب واتهمته به حنان، فإن معني ذلك أنه يعرف أن الخلاف الطائفي يمكن أن يهدم أخاه ويحرمه من مجلس الشعب، لكن الأكثر إيلاما من ذلك أن مجموعة الـ15 المتهمين ذهبوا وهم يرتدون رداء الطهارة، ادعوا أنهم لا يرضيهم أن تدخل امرأة مسلمة بيت مسيحي، رغم أنهم اعتدوا عليه وسرقوه والآن يبتزونه، فبعد أن قال له إن علي الهارد ديسك صور سيدات، يقولون إنهم وجدوا عليهم أيضا صور آثار، بما يعني أنه تاجر آثار أيضا وأنه يريدون مليون جنيه.

الغريب والذي يتناقله الأقباط والذي قالته حنان أن الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادي تدخل لدي الفتاة حتي تسحب بلاغها الذي تقدمت به للنائب العام، وذلك حتي لا يتعرض هاني لأي أذي، ولأنه يريد أن يترك قنا كلها، لكنهم يرفضون أن ينقلوه في شركة الألومنيوم، وأنها لو تنازلت عن البلاغ فيمكن أن تحل المشكلة من الأساس، رفضت حنان ما قاله لها الأنبا كيرلس، فهي تدافع عن شرفها وكرامتها ولا تشغلها صراعات السياسة.

في 14 فبراير الحالي وقع وزير العدل ممدوح مرعي علي إحدي المذكرات بقوله: نظر ويخطر السيد محرر المذكرة باتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات تتفق وصحيح القانون، تأشيرة وزير العدل كانت علي مذكرة تقدم بها بيتر رمسيس النجار إلي رئيس محكمة استئناف قنا عبر مكتب وزير العدل وذلك للإحاطة يطلب منه فيها بصفته الرئيس للمحكمة والمنورط بحماية وتوزيع الجلسات علي الدوائر كل حسب اختصاصه طبقا لنص المادة 368 من قانون الإجراءات الجنائية أن ينقل محاكمة المتهم باغتصاب فتاة فرشوط لأي محكمة جنايات أخري لنظرها، وذلك ليتسني للدفاع كافة حقوقه المكفولة للدفاع عن امتهم دون الوقوع تحت تأثير الضغوط النفسية والعقائدية.

قد تكون المذكرة التي تقدم بها بيتر النجار غريبة، لكن عندما تعرف أن هيئة الدفاع عن جرجس بارومي المتهم باغتصاب فتاة فرشوط تكون علي يقين قبل أن تذهب إلي جلسات المحاكمة التي تدور في قنا أنها يمكن أن تذهب ولا تعود، تجد أن هذه المذكرة منطقية جدا. قد لا يستجيب رئيس محكمة استئناف قنا لهذه المذكرة، لكن يبقي أن المتهم الذي فاجأ محاميه في الجلسة الماضية بأنه يريد أن يوقع الكشف الطبي عليه لأنه مولود بعيب خلقي لا يمكنه من أن يمارس الجنس من الأساس ولذلك يكون من العبث أن يقوم باغتصاب الفتاة، هذا المتهم تؤكد مصادر قانونية أنه لن يحصل علي البراءة، فكثير من الأدلة ضده، ثم إن صراع المحامين علي القضية وعدم تنسيقهم المشترك سيضر بموقفه.

بيتر رمسيس النجار قال لي إنه لا يتعامل مع هذه القضية علي أنها قضية جنائية، رغم أنه درسها قانونيا من كافة أطرافها، لأنها في النهاية قضية سياسية، ولا يمكن ان تنتهي دون إدانة، لأن المجتمع هناك لا يتحمل أن تتم تبرئة جرجس والتهمة الموجهة إليه هي اغتصاب مسلمة، وهذا ما يصعب مهمة المحامين في القضية.

يجزم بيتر النجار أنه يملك دليل براءة جرجس بارومي، لكن يبدو أن دليل البراءة لن يكون وحده كافيا هذه المرة.