لماذا لا تزال مصر طاردة للشركات الخاصة والمؤثرين؟
رغم أن أحد شروط صندوق النقد الدولي تعزيز دور القطاع الخاص، زادت الشكوى أخيراً في مصر من هروب شركات خاصة وأفراد، بخاصة المؤثرين على مواقع التواصل الذين يتابعهم الملايين. وخلال لقاء مع رئيس الوزراء يوم 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشف محمد الإتربي، الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي المصري، أن نحو 2360 شركة مصرية هربت إلى الإمارات في النصف الأول من عام 2024، ما يُعد تهديداً خطيراً على السوق المصري، والسبب بيئة العمل الجاذبة في الإمارات، أي الطاردة من مصر.
وتساءل خبراء اقتصاد عما إذا كانت 2360 شركة انسحبت من مصر وذهبت إلى دول الخليج في النصف الأول من عام 2024، فكم العدد النهائي للشركات التي هربت من مصر؟ وما سر هربهم؟ وما الضغوط التي فرضتها عليهم الحكومة المصرية كي يهربوا ويحرموا مصر أموالاً ودولارات كثيرة؟
وأثار اعتقال أحد أشهر المؤثرين (الإنفلونسرز) وصناع المحتوى التعليمي بمصر والعالم العربي، أحمد أبو زيد، بحجة حيازته 163 ألف دولار في منزله، تساؤلات اقتصادية عن مخالفة الحكومة والنيابة نفسها، لقرارات رسمية تسمح بحيازة النقد في المنزل وتعتبره "مشروعاً". كذلك أثار اعتقال "أبو زيد"، وهو من أبرز المبدعين في مجال التعليم الرقمي، ومحتواه بعيد عن الشؤون السياسية ولا يخالف القيم والأخلاق، تساؤلات عن تعارض وتضارب ذلك مع دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للشباب بالتركيز على التعليم الرقمي.
هروب المؤثرين من مصر
وتزايدت الدعوات بين الشباب المصري على مواقع التواصل، خصوصاً الأنفلونسرز، لنقل نشاطهم إلى دول أخرى، منها الإمارات، بعد اعتقال أجهزة الأمن المصرية الشاب أحمد أبو زيد، صاحب فكرة "دروس أون لاين"، والذي كان مرشحاً لجائزة المليار متابع، وهي مليون دولار في دبي، وضاعت عليه بسبب اعتقاله، بحجة حيازته دولارات من نشاطه الإلكتروني.وقال مصدر في أحد البنوك لـ"العربي الجديد"، إنه لاحظ قيام عملاء، غالبيتهم من المؤثرين على مواقع التواصل، ممن تصل إليهم أرباح بالدولار عبر البنك بسحب أموالهم أو تحويلها لحسابات خارج مصر. ورجح أن يكون للأمر صلة بالقبض على الانفلونسر أحمد أبو زيد من منزله بحجة وجود آلاف الدولارات في منزله، وقول وزارة الداخلية المصرية إنه متهم بالاتجار بالعملة وإن له "نشاطاً آثماً" بتجارة العملة، رغم أن نشاطه ومصدر أمواله معروف.
وكتب المحلل المالي "محمد النادي" يؤكد تفكير إنفلونسرز ونشطاء في نقل نشاطهم خارج مصر وتحويل أموالهم، مؤكداً أن 11 من صنع المحتوي ممن لهم متابعون أكثر من مليونين، تواصلوا معه لمعرفة طرق تحويل أرباحهم من السوشيال ميديا لأميركا.
وهو ما أكده نشطاء أكدوا حدوث عمليات سحب للدولار من البنوك من جانب مؤثرين على مواقع التواصل (إنفلونسر) وغيرهم.
وتوقع خبراء اقتصاد ونشطاء آخرون، منهم الإنفلونسر الشهير وائل عباس، أن يؤدي هذا إلى رفع سعر الدولار بسبب هذه القرارات الأمنية الخاطئة.
وتحدث آخرون عن حجم الخسائر المادية التي ستترتب عن هذا القرار ونقل رجال الأعمال وصانعي المحتوى نشاطهم خارج مصر، بدل إسهامهم في تدفق العملة الصعبة من خلال العائدات التي يحققونها من منصة يوتيوب ومواقع التواصل. وانتقد شباب دعوة الرئيس عبد الفتاح السياسي لهم إلى التركيز على التعليم الرقمي والمجالات الجديدة الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والإنترنت لأنها وظائف راتبها آلاف الدولارات شهريًا، بينما رُفعَت أسعار الإنترنت، وفُرضَت ضريبة على الموبايلات وحُبس صناع محتوى، مثل أحمد أبو زيد.
بزنس صناعة المحتوى في مصر
تُمثل صناعة المحتوى، أو "بيزنس الإنفلونسرز" واحدة من سمات التقدم التكنولوجي، وواحدة من أوجه التحول الاقتصادي الرقمي، بما تحويه من سوق ضخم للإعلانات، ورغم ما توفره صناعة المحتوى من مصادر للدخل، فإنها تظل بعيدة عن التنظيمات المؤسسية بشكلها التقليدي، ولا تحتاج إجراءات قانونية أو حكومية معقدة، وهذا يضمن، بجانب عوامل اقتصادية واجتماعية، ازدهارها ورواجها.
وسعى عدد من الدول لتنظيم صناعة المحتوى، واشتراط ضرورة الحصول على تراخيص لمزاولته، منها الإمارات التي فرض المجلس الوطني للإعلام فيها رخصة لصناع التأثير برسوم تصل إلى خمسة آلاف درهم، وتجديدها بنحو 2.5 ألف درهم، وغرامة مالية خمسة آلاف درهم على المخالفين.ولم تنظم مصر هذه الصناعة بعد، وهي بذلك تندرج تحت مظلة الاقتصاد غير الرسمي، أو ما يُطلق عليه اقتصاد الظل، الذي تعاني مصر من تضخم قيمته، إذ يسهم الاقتصاد غير الرسمي بنحو 23.12% من الناتج في مصر، وفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي.
وسبق أن ناقش البرلمان المصري إخضاع أنشطة اليوتيوبرز للضرائب، وحُصر من 300 إلى 400 يوتيوبرز ممن تُحقق قنواتهم دخولاً مرتفعة، لفرض ضرائب عليهم، مثل قنوات الطبخ والترفيه والمطربين والفنانين، دون قرار نهائي.
لماذا تهاجر آلاف الشركات من مصر؟
وكانت إشارة محمد الإتربي رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري (أكبر بنك حكومي)، خلال لقاء رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مع مجموعة من كبار رجال الأعمال والمستثمرين، إلى هروب 2360 شركة مصرية خلال النصف الأول من عام 2024 إلى الإمارات، لأن بيئة العمل جاذبة هناك أكثر من مصر، مجرد مؤشر على حجم هروب أصحاب الأعمال والقطاع الخاص خارج مصر.
وتواجه الشركات المصرية تحديات كبيرة داخل السوق المحلي، أبرزها التعقيدات البيروقراطية، مقابل تسهيلات استثمارية جذابة توفرها دول أخرى مقارنة بالبيئة الاستثمارية الصعبة في مصر، التي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة. وتشكو القطاعات الصناعية من عدم إلزام البنوك بتطبيق قواعد التعامل مع الشركات حال تعرضها للتعثر في السداد واللجوء إلى شيكات الضمان في التقاضي والحجز على أموال وممتلكات صاحب المنشأة وملاحقته.
ويقول صاحب شركة مصرية يعاني من هذه المشكلات والتعقيدات البيروقراطية، وفضل عدم ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد" إن بعض أصحاب الشركات والمصانع يواجهون مشكلات عديدة تبدأ باستخراج التراخيص والضرائب وإتاوات ورشى في بعض الجهات الحكومية لتسهيل أعمالهم. وأوضح أن الشركات والمصانع الكبيرة يمكنها التعامل مع هذه المشكلات، والصمود، لكن الشركات الصغيرة وصغار المستثمرين لا يصمدون أمام هذه العراقيل والتعقيدات البيروقراطية والأعباء الضريبية المرتفعة، ومن ثم صعوبة الاستمرار والمنافسة، فيلجأ كثير منهم لنقل أنشطته لدول أخرى قريبة، مثل الإمارات تحت مسمى "توسع أعمال".ويدفع صندوق النقد الدولي نحو تعزيز دور القطاع الخاص المصري في الاقتصاد المحلي، ووضع شروطاً بذلك في المراجعة الرابعة على قرض بقيمة ثمانية مليارات دولار. وبحسب إحصائيات "غرفة تجارة دبي" احتل المصريون ثالثة الجنسيات الأكثر تأسيساً للشركات، حيث بلغ عدد الشركات المصرية المسجلة بعضوية الغرفة 4837 شركة، ويليهم الهنود ثم الباكستانيون.
وزاد نمو عدد الشركات المصرية الجديدة المنضمة إلى عضوية الغرفة في النصف الأول من 2023، بنسبة 102%، منها 2154 شركة جديدة. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، كشف رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي أن عدد الشركات المصرية التي استثمرت في السعودية تجاوز 5700 شركة.
اجمالي القراءات
196