ماذا يعني دخول اتفاقية دول نهر النيل حيز التنفيذ.. هذه آثارها على مصر
دخلت اتفاقية الإطارية للتعاون في حوض النيل، المعروفة بـ "اتفاقية عنتيبي"، الأحد 13 أكتوبر حيز التنفيذ بعد ما يقرب من عشر سنوات من المفاوضات التي جرت بين الدول المطلة على نهر النيل.
وتهدف هذه الاتفاقية، بحسب ما أوضحته مفوضية دول حوض النيل، إلى تحقيق استغلال مشترك ومستدام لمياه النهر بما يخدم مصالح جميع الدول المعنية، مع ضمان استخدام عادل ومستدام لموارد النهر لصالح الأجيال القادمة.
لكن وزير الري والموارد المائية المصري أكد، أن مصر "لن تعترف" بهذه الاتفاقية، قائلاً أن "لا يمكنها التنازل عن متر مكعب واحد من مياه النيل".
في هذا التقرير، سنستعرض ما هي اتفاقية عنتيبي، أسباب رفض مصر والسودان لها، وما يمكن أن تترتب عليه هذه الخلافات من تداعيات؟ما هي اتفاقية عنتيبي؟
تعد اتفاقية الإطار التعاوني، والمعروفة باسم "اتفاقية عنتيبي"، أول محاولة شاملة لوضع إطار قانوني ومؤسسي يجمع دول حوض النيل. وتحاول "عنتيبي" أن تستند إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لعام 1997، التي تهدف إلى تنظيم استخدام المجاري المائية الدولية في غير الأغراض الملاحية، وتطالب الدول المشاركة في كل حوض بوضع إطار قانوني ملزم لتحديد كيفية استخدام الموارد المشتركة وآليات حل النزاعات المحتملة بينها.
وقد جاءت اتفاقية عنتيبي كبديل لمبادرة حوض النيل التي وُقّعت في عام 1999، والتي كانت تهدف إلى وضع استراتيجية للتعاون بين دول الحوض، بهدف تحقيق المنفعة المشتركة وعدم الإضرار بالدول الأخرى.
ورغم أهمية هذه المبادرة، إلا أنها كانت مجرد آلية مؤقتة ولم تستند إلى معاهدة قانونية دائمة، مما دفع الدول إلى البحث عن إطار قانوني أكثر ثباتًا واستدامة، وهو ما تحقق في اتفاقية عنتيبي.
و بعد 10 سنوات من المفاوضات، تم توقيع اتفاقية عنتيبي، التي تعد أيضًا نقطة انطلاق للأزمة المتعلقة بـ سد النهضة الإثيوبي. ورغم أنها كانت تهدف إلى تأسيس إطار قانوني مؤسسي لمبادرة حوض النيل، فإن مصر والسودان اعتبرتا الاتفاقية مخالفة للاتفاقيات الدولية القائمة.
بينما صادقت 5 دول على الاتفاقية: إثيوبيا، تنزانيا، أوغندا، رواندا، وكينيا. وفي الثامن من يوليو/تموز الماضي، انضمت جنوب السودان، لتصبح الدولة السادسة المصادقة على الاتفاقية، ما يعني اكتمال نصاب الثلثين من دول الحوض اللازم لتنفيذها. في المقابل، رفضت دول أخرى مثل مصر، السودان، الكونغو، بوروندي، وإريتريا الانضمام إليها.
وتنص المادة 43 من الاتفاقية على دخولها مضمار التنفيذ في اليوم الـ60، الذي يلي إيداع وثيقة التصديق لدى الاتحاد الأفريقي.
جيبوتي تعرض منح إثيوبيا ميناءً.. فهل يكبح ذلك طموحات آبي أحمد البحرية؟
رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد/رويترز
وفي يوم الأحد 13 أكتوبر الجاري، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عن بدء تنفيذ الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، والمعروفة باسم اتفاقية عنتيبي، واصفًا هذه الخطوة بأنها لحظة تاريخية وتمثل تتويجًا لرحلة طويلة نحو تحقيق الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل.لماذا ترفضها مصر والسودان؟
ترفض مصر والسودان اتفاقية عنتيبي، إذ يرونها تمثل تهديدًا لحصصهما التاريخية في مياه النيل، حيث تحدد الاتفاقيات السابقة حصة السودان بـ18.5 مليار متر مكعب، بينما تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب سنويًا. وتعتبر الدولتان أن الاتفاقية تقوّض هذه الحصص وتفتح الباب أمام تغييرات غير مقبولة.
في الوقت نفسه، تستمر الخلافات بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، حول سد النهضة، حيث يتبادل الأطراف الاتهامات بشأن مسؤولية تعثر المفاوضات التي بدأت منذ أكثر من 10 سنوات.
تعتبر مصر والسودان أن اتفاقية عنتيبي تتعارض مع كافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمياه النيل، ولذلك رفضتا التوقيع عليها إلا بعد تضمين مجموعة من المبادئ الأساسية ومنها:
ضرورة الاعتراف بالحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل
ووجوب الإخطار المسبق عن أي مشروعات تقام على النهر
عدم تعديل أي من بنود الاتفاقية إلا بإجماع كافة الدول الموقعة، بما في ذلك دولتا المصب (مصر والسودان).
إذ تخشى مصر والسودان من أن تقوم دول المنبع بتنفيذ مشروعات مائية كبيرة قد تستهلك كميات كبيرة من مياه النيل، مما يهدد حصصهما التاريخية.
تمثل أزمة سد النهضة أكبر التحديات الخارجية أمام مصر/رويترز
بالإضافة لذلك، ستعتبر اتفاقية عنتيبي عائقًا أمام أي مفاوضات مستقبلية بشأن هذه الحصص، حيث أنها تغلق الباب أمام أي مفاوضات ممكنة حيال هذه الحصص لهذا السبب، جددت مصر والسودان موقفهما الرافض للاتفاقية، وذلك بعد الاجتماعات التي عقدتها الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل يومي 11 و12 أكتوبر الجاري، لتأكيد تحفظاتهما على هذه الاتفاقية.
ما موقف دول المنبع من الاتفاقية؟
تستند مصر والسودان في موقفهما الرافض لاتفاقية عنتيبي إلى اتفاقية 1959، التي وُقعت بين الدولتين فقط باعتبارهما الدولتين المستقلتين الوحيدتين في حوض النيل آنذاك. لم تشارك في تلك الاتفاقية دول أخرى من حوض النيل، مثل تنزانيا، أوغندا، رواندا، بوروندي، وكينيا، لأنها لم تكن قد نالت استقلالها بعد. حصلت هذه الدول على استقلالها في فترة ما بين 1962 و1963.
حينها كانت الاتفاقية مدفوعة بمشاريع مائية كبيرة خططت لها الدولتان. فمصر كانت تستعد لبناء السد العالي، بينما كانت السودان تخطط لبناء سد الروصيرص. وبموجب الاتفاقية، تم رفع حصة السودان من مياه النيل من 4 مليارات متر مكعب إلى 18.5 مليار متر مكعب، في حين حصلت مصر على 55.5 مليار متر مكعب.
على الجانب الآخر، تدعم إثيوبيا بشكل قوي اتفاقية عنتيبي، وتشاركها هذا الموقف الدول الخمس الأخرى الموقعة على الاتفاقية.
وفي تعليق على بدء تنفيذ الاتفاقية، كتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على منصة إكس، الأحد، قائلاً: "إن 13 أكتوبر/تشرين الأول 2024 يمثل تتويجا لرحلة طويلة نحو الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل، سيُذكر هذا اليوم باعتباره معلما تاريخيا في جهودنا الجماعية لتعزيز التعاون الحقيقي في حوض النيل". ودعا آبي أحمد الدول غير الموقعة إلى الانضمام إلى "عائلة النيل، للتمكن معا من تحقيق أهدافنا المشتركة في التنمية والتكامل الإقليمي".
إذ ترى دول حوض النيل، باستثناء مصر والسودان، أن الاتفاقيات التي عُقدت قبل استقلالها، مثل اتفاقية 1959، غير ملزمة لها.
إذ تعتبر هذه الدول أن تلك الاتفاقيات كانت من صنع القوى الاستعمارية ولم تأخذ في الاعتبار مصالح دول حوض النيل التي لم تكن مستقلة في ذلك الوقت. ولذلك، ترفض هذه الدول الاعتراف بتلك الاتفاقيات، وتؤكد أنها لم تنضم إليها بعد استقلالها.
كما ترى الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي أن الاتفاقيات السابقة منحت مصر هيمنة مطلقة على مياه النيل دون مراعاة احتياجات دول الحوض الأخرى. وتعتبر أن هذه الاتفاقيات لم تأخذ في الحسبان حقوقها في استغلال مياه النيل لتنميتها الحالية والمستقبلية.
وترتكز مصر في موقفها من اتفاقيات مياه النيل على حكم محكمة العدل الدولية الصادر عام 1989، الذي أقر بأن اتفاقيات المياه لا تختلف عن اتفاقيات الحدود، وبالتالي لا يجوز تعديلها بشكل أحادي أو من دون موافقة الأطراف المعنية.
أبرز الاتفاقيات السابقة لاتفاقية عنتيبي لدول حوض النيل:
اتفاقية 1902: وُقعت بين بريطانيا، بصفتها ممثلة لمصر والسودان، وبين إثيوبيا. نصت الاتفاقية على عدم إقامة إثيوبيا لأي مشروعات على منابع النيل تؤثر على تدفق مياه النهر.
اتفاقية 1929: عقدت بين مصر وبريطانيا (التي كانت تمثل السودان، أوغندا، كينيا، وتنزانيا). تضمنت الاتفاقية شرطًا بعدم القيام بأي مشروعات على النيل أو روافده من دون موافقة مسبقة من مصر، وذلك لضمان عدم إنقاص حصتها المائية.
اتفاقية 1959: جاءت مكملة لاتفاقية 1929 بين مصر والسودان، وهدفت إلى توزيع كامل لمياه النيل بين البلدين. نصت على تخصيص 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان. هذه الاتفاقية ترفضها بقية دول حوض النيل لأنها لم تكن طرفًا فيها.
على مر العقود، لم تتوقف المشاورات عند اتفاقية 1959 بين دول حوض النيل حول سبل تحقيق التعاون المستدام بهدف الحفاظ على حقوق المياه وضمان استخدامها العادل. تمثلت أبرز المبادرات في:
مبادرة هيدروميت (1967): أطلقت هذه المبادرة بسبب الارتفاع الكبير في مستوى مياه بحيرة فيكتوريا في أوائل الستينيات، مما تسبب في فيضانات وأضرار كبيرة.
شاركت معظم دول الحوض في المبادرة باستثناء إثيوبيا، إلا أن بعض الدول شككت في نوايا مصر والسودان فيما يتعلق باستخدام هذه البيانات في التخطيط المستقبلي، مما أثر على الثقة بين الدول.
مبادرة أندوغو (1983): كانت مبادرة غير رسمية اقترحتها مصر، هدفت إلى مناقشة قضايا المياه والزراعة وتعزيز التعاون الاقتصادي والفني بين دول الحوض.
انضمت إليها السودان وأوغندا وعدة دول أخرى، بينما بقيت كينيا وإثيوبيا في موقع المراقب. ومع ذلك، فشلت المبادرة في تلبية توقعات الدول المشاركة بسبب غياب اللوائح الملزمة واتهام مصر بعدم الالتزام بها.
المبادرة الانتقالية (1993): بعد فشل مبادرة أندوغو، تم إنشاء لجنة تيكونيل لتعزيز التعاون الفني وحماية البيئة. شاركت فيها مصر ورواندا والسودان وتنزانيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية.
كانت تهدف إلى أن تكون مبادرة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، إلا أن تركيزها على الجوانب الفنية فقط، كما حدث في هيدروميت، أدى إلى عزوف بعض الدول الأخرى عن الانضمام.
في عام 1997، أطلقت لجنة النيل شراكة مع الوكالة الكندية للتنمية الدولية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي، الذي تم تكليفه بقيادة وتنسيق أنشطة المانحين لدعم إنشاء آلية استشارية على مستوى الحوض.
مبادرة حوض النيل (1999): وفي عام 1998، وافقت اللجنة الاستشارية الفنية لحوض النيل على مقترحات تتعلق بـ "المبادئ التوجيهية لسياسة مبادرة حوض النيل" و"خطة العمل لإنشاء مبادرة حوض النيل". ونتيجة لذلك، تم الإعلان رسميًا عن مبادرة حوض النيل في فبراير/شباط 1999، حيث وقعت عليها 9 من دول الحوض. إلا أن هذه المبادرة كانت مؤقتة ولم تستند إلى معاهدة قانونية دائمة.
وفقًا للتقارير، كانت مساحة الاتفاق في مبادرة 1999 واسعة، حيث تم التوافق على أكثر من 90% من بنود الاتفاقية.
ومع ذلك، برزت الخلافات بشكل واضح خلال اجتماع كنشاسا عام 2009، الذي شهد تصاعد التوترات وفشل جميع اللجان الفنية والوزارية في التوصل إلى حلول شاملة.
فكانت أهم تحفظات مصر والسودان حول ضرورة الحفاظ على حصصهما التاريخية من مياه النيل، أو إدراج بند يضمن عدم اتخاذ أي قرارات جوهرية دون موافقتهما.
في المقابل، تحفظت إثيوبيا بشأن شرط الإخطار المسبق وتعريفات الأمن المائي، بينما دول المصب الأخرى رفضت بشكل قاطع التشاور المسبق حول المشروعات الجديدة على مجرى النيل. هذه النقاط الخلافية عمقت الفجوة بين الأطراف وأصبحت عائقًا أمام التوصل إلى اتفاق شامل.
تداعيات دخول الاتفاقية حيز التنفيذ
في بيان صادر عن وزارة الموارد المائية والري المصرية، أكدت مصر والسودان أن مفوضية الدول الست الناشئة عن الاتفاق الإطاري غير المكتمل لا تمثل حوض النيل بشكل شامل، ودعت الدولتان إلى إعادة توحيد الصفوف ضمن مبادرة حوض النيل، وأعلنت أن الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل غير ملزم لهما.
كما شدد البيان على التزام الدولتين بالتعاون مع دول الحوض وفقًا للمبادئ الدولية التي تضمن المنفعة المشتركة دون التسبب في أضرار لأي طرف.
تأتي الاتفاقية في وقت، تتصاعد فيه التوترات بشكل مستمر منذ أكثر من عقد بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، خصوصًا فيما يتعلق بعمليات الملء والتشغيل.
لكن إثيوبيا ترفض التوقيع على اتفاق قانوني ملزم بشأن السد، وهو ما تطالب به مصر لضمان استمرار تدفق حصصها المائية، خاصة في أوقات الجفاف. في المقابل، ترى إثيوبيا أن السد يمثل عنصرًا أساسيًا في جهود التنمية عبر توليد الكهرباء، وتؤكد أنه لن يضر بمصالح أي دولة أخرى، مما أدى إلى تجميد المفاوضات لعدة سنوات حتى استئنافها في عام 2023.
في ديسمبر 2023، عُقدت الجولة الرابعة من المفاوضات الثلاثية بين إثيوبيا، مصر، والسودان في أديس أبابا، إلا أن القاهرة أعلنت بعدها فشل المفاوضات بسبب ما وصفته بـ رفض إثيوبيا لأي حلول وسط. وأكدت مصر مجددًا تمسكها بحقها في الدفاع عن أمنها المائي.
منذ 2020، تشهد عمليات ملء السد السنوية رفضًا مصريًا مستمرًا، دفع القاهرة إلى رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي في عام 2021.
اجمالي القراءات
165