الفجوة تتسع بين أصحاب الثروات والفقراء: كيف ننظر إلى اللامساواة؟

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٠ - يونيو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: رصيف 22


الفجوة تتسع بين أصحاب الثروات والفقراء: كيف ننظر إلى اللامساواة؟

كشف البنك الدولي في وقتٍ سابقٍ أن معدّلات نموِّ الفقر واللامساواة تتسارع أكثر بكثيٍر مما كان الوضع عليه بعد انتهاء الحقبة الشيوعيّة.

ففي حين أنه كان من المتوقّع أن تكون الأعباء الناجمة عن الانهيار الشيوعي قابلةً للتحمّل، فإنه اتضح أن تكلفة هذه الأعباء كبيرةٌ وتأثيرها أشدُّ عمقاً من التكهّنات السابقة، لكونها ساهمت في زيادة التفاوت في توزيع الثروات واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقرفقد سبق وأكّدت منظمة "اوكسفام" البريطانيّة أن الهوّة بين أغنى الأغنياء وبقيّة العالم ما زالت في اتساع، إذ ما زالت الثروات بيد أقليّةٍ صغيرة، كاشفةً أن ثروة واحد بالمئة من أغنى أغنياء العالم تفوق ثروات بقيّة العالم مجتمعة.

لماذا ينصبّ اهتمام العالم اليوم على مسألة غياب المساواة والتفاوت في الثروات، هل بسبب وجود أغنياءٍ وفقراء، أم بسبب عدم تكافؤ الفرص؟

التحدّي الأكبر

في الوقت الراهن يكثر الحديث عن اتّساع الفجوة بين أصحاب الثروات والفقراء، بخاصّةٍ في ظلِّ التفاوت الكبير في مستويات الدخل، والتقديرات التي تشير إلى أن 1% من سكان العالم يملكون 50 % من ثروات العالم.

ويعتبر حلّ مشكلة عدم المساواة "التحدّي الأكبر" الذي يواجهه العالم، ولكن هل هذه هي الطريقة الأنسب التي ننظر من خلالها إلى هذا الموضوع؟

يرجّح بعض الباحثين ألا يكون التفاوت الحاصل في مستويات الدخل هو المشكلة الرئيسيّة، إذ يعتبرون أن المسألة ليست مرتبطةً فقط في وجود فجوة بين الأغنياء والفقراء، إنما في وجود الظلم، بحيث يُعامَل بعض الأشخاص معاملةً تفضيليّةً في حين أن الأشخاص الآخرين يعانون من الظلم والإجحاف، وعليه يمكن القول إن الاعتراف بوجود علاقةٍ بين الفقر والظلم هو التحدّي الأهم في القرن الحادي والعشرين.

وفي حين أن الكثير من الناس قد ينظرون بالفعل إلى عدم المساواة على أنه أحد جوانب الظلم، فإنه من المهمّ توضيح هذه النقطة: لتحسين المجتمع الذي نعيش فيه، يرى الباحثون أننا بحاجة لأن نتفق جميعاً على تعريف مصطلح عدم المساواة، وعندها سيكون بإمكاننا توجيه الموارد نحو المسائل الضروريّة.

فكيف نُعرّف إذاً عدم المساواة؟

يشدّد الباحثون على أننا بحاجة إلى الاتفاق على تعريفٍ موحّدٍ لمصطلح "عدم المساواة".

يوضّح موقع "بي بي سي" أنه يجب أن نتذكّر أن هناك ثلاث أفكار منفصلة، ولكنها مترابطة، تندرج ضمن عدم المساواة.

الفكرة الأولى هي حقُّ الناس في الحصول على فرصٍ متكافئة في المجتمع، بغض النظر عن خلفيّتهم أو عرقهم، أو ميولهم الجنسيّة، أو نوعهم الاجتماعي...

الفكرة الثانية هي التوزيع العادل، أي توزيع المنافع والمكافآت بشكلٍ عادلٍ على أساس الجدارة.

والفكرة الأخيرة هي مفهوم المساواة في النتائج، أي أن يحصل الناس على نتائج متساويةٍ بمعزلٍ عن الظروف.

تمثّل كلُّ فكرةٍ من هذه الأفكار الثلاث نوعاً مختلفاً من عدم المساواة الذي يتجلّى في حياتنا اليوميّة، وتصبُّ جميعها في الاتجاه العام الذي تندرج تحته هذه الأفكار، والذي اعتاد الكثيرون على تسميته "التفاوت الاقتصادي".

لماذا يفضّل البعض التفاوت الاجتماعي؟

في مقالٍ نُشر في مجلة Nature Human Behavior تحت عنوان "لماذا يفضّل الناس المجتمعات غير المتكافئة"، وجد فريق من الباحثين من جامعة "ييل" أن البشر، حتى الأطفال والرضّع، يفضّلون العيش في عالمٍ يسوده منطق اللامساواة.

إذ تشير الدراسات إلى أن الناس إذا وجدوا أنهم على قدم المساواة مع الجميع، فإن الكثير منهم سيشعر بالغضب في حال لم يُكافأ المجتهد، أو إذا تمّت مكافأة أولئك الذين لا يتمتّعون بالكفاءة.

ففي إحدى الدراسات تمَّ تكليف مجموعةٍ من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و8 أعوام بتوزيع عددٍ من المماحي على صبيّين ينظّفان إحدى الغرف، كنوعٍ من المكافأة.

ووجد الباحثون أنهم عندما أخبروا مجموعة الأطفال أن الصبيّين قاما بعملٍ جيدٍ، ثم أعطوا الأطفال عدداً فرديّاً من المماحي، فقد اتخذ الأطفال قراراً بالإجماع برمي الممحاة الزائدة بدلاً من إعطائها لصبيٍّ من الصبيين كمكافأةٍ غير عادلة، أما حين أخبر الباحثون الأطفال أن أحد الصبيين اجتهد أكثر من الآخر، منحت المجموعة الممحاة الإضافيّة للصبي المجتهد.

تعليقاً على هذه المسألة، تقول "كريستينا ستارمانز"، باحثة في علم النفس في جامعة ييل: "نحاول أن نبرهن أن الاعتقاد الشائع بأن أغلب الناس يكرهون التفاوت الاجتماعي في حدِّ ذاته هو أمرٌ غير صحيح، وأن نثبت في المقابل أن ما يهمّ الناس حقاً هو مسألة  الظلم".

من جهته، لخّص "مارك شيسكين"، الباحث في العلوم المعرفيّة بجامعة ييل، نتائج البحث بالقول: "في العادة، يفضّل الناس عدم المساواة العادلة على المساواة غير العادلة".

أما الاهتمام بهذه المسألة فيعود إلى حقيقة أن خَلْقَ عالمٍ خالٍ من التفاوت الاجتماعي يتعارض مع إدراك الناس لمفهوم العدالة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى زعزعة الاستقرار، وفق ما يؤكّده أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد "نيكولاس بلوم": "إن المجتمع الذي يخلو من الفقر يبدو مثاليّاً إلى حدٍّ ما، ولكن إذا كان هذا المجتمع متساوياً من دون عدل، فإنه معرّض للانهيار".

ويوضّح "بلوم" أن الناس لا تعمل ولا تبتكر ولا تجتهد من دون وجود دافعٍ للقيام بذلك: "إذا كنتُ رساماً، أو طبيب أسنان، أو عامل بناء، لماذا عليّ أن أعمل 50 ساعة في الأسبوع إذا كنت سأحصل على كلِّ شيءٍ بشكلٍ مجاني؟"، مضيفاً أنه عند إدارة فرقٍ كبيرةٍ من الناس، يتضح أنه لا شيء يثير غضب الناس أكثر من حصول الأفراد الكسالى على نفس المكافآت والترقيات التي حصل عليها المجتهدون".

محاربة القضية الحقيقيّة

يعتبر العديدُ من الباحثين والخبراء الاقتصاديّين أنه يتمُّ إعطاء الكثير من الأهمية لنسبة الواحد في المئة من سكّان العالم الذين يملكون نصف الثروات.

وبدلاً من حصر المشكلة بذلك، يشدّد الخبراء على أنه من الأفضل التركيز بشكلٍ أكبر على مساعدة الاشخاص الأقلِّ حظّاً، الذين لم يتمكّنوا من تحسين أوضاعهم بسبب غياب العدالة.

ومن هذا المنطلق، يشير "هاري جي فرانكفورت"، الأستاذ الفخري للفلسفة في جامعة "بيرنستون"، أن الالتزام الأخلاقي ينبغي أن يتمثّل في القضاء على الفقر، وليس تحقيق المساواة، والسعي للتأكّد من أن كلَّ شخصٍ لديه الوسائل اللازمة لكي يعيش حياةً لائقة.

ويرجّح "رانفكورت" أن يستجيب الناس بمزيدٍ من التعاطف مع المعاناة التي يتكبّدها الآخرون بسبب الفقر، أكثر مما يتعاطفون مع الضرر المترتّب على أولئك الأقلّ ثراءً من غيرهم "وهذا قد يدعم التشريعات المناسبة للتخفيف من وطأة الفقر"، على حدِّ قوله.

لقد أصبح التفاوت الاقتصادي من القضايا الشائكة والدقيقة للغاية، فمنطق "اللامساواة" هذا ما هو إلا نتاج عوامل ثقافيّةٍ وسياسيّةٍ معقّدة حول العالم على مرّ التاريخ، ومهما اختلفت خطّة العمل للتصدّي لعدم المساواة، يشدّد الخبراء أن الحلَّ يكمن في معالجةٍ حقيقيّةٍ لوجود الفقر والظلم، لكون هذا هو الالتزام الأخلاقي الحقيقي، الذي يصفه الباحثون بأنه التعاطف مع إخواننا من البشر.

اجمالي القراءات 2036
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق