لطالما عبَّر مختصون في دراسة الحركات الجهادية الإسلامية عن اندهاشهم من غياب ردود فعل فرنسية عنيفة على سلسلة الهجمات الإرهابية التي وقعت في البلاد، والتي تزامنت بدايتها مع عملية شارلي إبدو في السابع من شهر يناير/كانون الثاني سنة 2015. لكن الشارع الفرنسي لم يكن، في الحقيقة، هادئاً كما يبدو.
ففي نهاية الأسبوع المنقضي، تم اعتقال تسعة رجال وامرأة، (مازالوا رهن الإيقاف) من قبل أجهزة الاستخبارات الداخلية (الإدارة العامة للأمن الداخلي) في منطقة باريس وفي عدة مقاطعات أخرى، على غرار أقاليم شار وكورس دو سود وفيين العليا، وشارنت ماريتيم، بحسب تقرير لصحيفة Le Temps الفرنسية.
« مواطنون- جنود فرنسيون يخوضون القتال »
ويعود سبب الاعتقال إلى تخطيط هؤلاء الأفراد للقيام « بأعمال عنف تستهدف أشخاصاً يتبنون العقيدة الإسلامية ». وكانت هذه المجموعة تعتزم استهداف أئمة وناشطين إسلاميين يخضعون للإقامة الجبرية، بعد أن تم إطلاق سراحهم من السجن فضلاً عن عدد من النساء اللاتي يرتدين الحجاب الشرعي.
ووفقاً لعديد الشهادات التي جمعتها وسائل إعلام فرنسية الإثنين 25 يونيو/ حزيران 2018، كانت المجموعة الصغيرة التي ينتمي إليها الموقوفون محل مراقبة منذ أكثر من سنة. وقد عُرفت مجموعة « قوات العمليات » (AFO) بتباهيها « بتكوين مواطنين-جنود فرنسيين وتدريبهم على القتال على تراب الوطن »، على موقعها الخاص على شبكة الإنترنت.
وتلتف هذه المجموعة حول ضابط شرطة متقاعد، يقطن في شارنت ماريتيم. ويمتلك عدد هام من أعضاء « قوات العمليات »، المشتركين في أندية الرماية، رخصة قانونية لحمل السلاح. وقد تم رصدهم حين كانوا بصدد شراء ذخائر وأسلحة إضافية. كما سهلت علاقاتهم مع متطرفين آخرين من اليمين المتشدد، الذين تم اعتقالهم في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2017 الذين كانوا على استعداد لتنفيذ أعمال عنف، من مهمة التفطن إلى خططهم.
وقد وقع اعتقال عشرة أشخاص في مارسيليا وسين سان دوني يُشتبه في تخطيطهم لاستهداف جان لوك ميلونشون. ومنذ ذلك الحين، طالب زعيم حركة « فرنسا الأبية » والنائب عن مقاطعة مرسيليا فيو بورت، في العديد من المنافسات، بتوفير حراسة أمنية له، بحسب الصحيفة الفرنسية.
حنين إلى منظمة الجيش السري
وعلى الرغم من عدم إثبات وجود شبكة يمين متطرف تتبنى نهجاً عنيفاً في فرنسا تنشط على نطاق واسع، إلا أن هناك ثلاث حقائق مثيرة للقلق لا يُمكن تجاهلها. يتمثل المعطى الأول في وجود شبان دون سن الثلاثين ضمن المعتقلين. ويرغب هؤلاء الشبان في اتباع خطى المتعصب النرويجي أندرس بهرنغ بريفيك، منفذ عملية القتل الجماعي في أوسلو في شهر يوليو/تموز 2011.
أما الحقيقة المحيرة الثانية، فتبرز من خلال إظهار هؤلاء الشبان حنينهم المعلن إلى منظمة الجيش السري، التي أسالت دماء كثيرة خلال حرب الجزائر وحاولت القضاء على الجنرال ديغول، على إثر هجومها على كلامار في تموز/يوليو من سنة 1962.
أما الحقيقة الثالثة، فتكمن في وجود أمنيين وعسكريين سابقين ضمن هذه المجموعة. ووفقاً لما نشره موقع « Médiapart » الفرنسي، من الممكن أن يكون بعض هؤلاء المتشددين، الذين ينشطون عادة داخل « شركات أمنية خاصة »، قد شاركوا في إخلاء جامعات فرنسية مضربة عن طريق استخدام العنف. ففي مونبلييه، على سبيل المثال، اضطر عميد كلية الحقوق في المدينة إلى الاستقالة بعد وقوع أحداث مشابهة.
ومنذ سنة 2015، رصدت أجهزة الاستخبارات 15 خلية يتراوح عدد أعضائها بين أربعة وسبعة أشخاص. وتُرحب هذه الخلايا بانضمام نوع آخر من « العائدين »، وهم الجنود السابقون المنتشرون في كل من أفغانستان ومالي الذين حاربوا ضد تنظيم الدولة أو القاعدة.
تجنباً لأي لبس، سارعت رئيسة التجمع الوطني (الاسم الجديد لحزب الجبهة الوطنية)، مارين لوبان بإدانة جميع أشكال الإرهاب ضد الإسلام. وقد لاحظ المراقبون المهتمون باليمين المتطرف الفرنسي أيضاً أن هؤلاء الناشطين الذين تم تدريبهم على استخدام العنف، قد انتقدوا وبشدة « التوجهات الاجتماعية والانفتاح الثقافي » الذي تتبناه الجبهة الوطنية. وكان فلوريان فيليبو، أبرز قادة هذا الحزب اليميني (إلى جانب لوبان)، العدو الرئيسي لهذه المجموعة، قبل أن تتم الإطاحة به سنة 2017، وإهانته بسبب ميولاته المثلية، بحسب الصحيفة الفرنسية.
رغبة في ممارسة العنف
وأوضح عضو سابق في الاستخبارات الأمنية، كان قد كُلف في الماضي بمراقبة أمنيين معتقلين، لصحيفة Le Temps الفرنسية أن « أفراد هذه المجموعة معروفون بتعصبهم، وهم على شاكلة الإسلاميين المتشددين الذين غالباً ما يعلنون عن رغبتهم في القتال. وعلى غرار المتشددين الإسلاميين، يتبنى الأفراد الذين تم اعتقالهم مؤخراً ‘طقوس العنف' ».
من جهتهم، وفي دراسة أُنجزت بتكليف من وزارة الداخلية، تطرق علماء النفس إلى نقطة مهمة تتمثل في ميل قوات الأمن نحو مزيد ممارسة العنف منذ أن استهدف الإسلاميون ضباط الشرطة.
وفي توضيحها لأسباب حقدها على المسلمين، عادة ما تستشهد هذه الجماعات اليمينية المتطرفة بثلاث هجمات معينة، وهي مقتل شرطيين في مانيافيل (في إقليم واز) في 13 من يونيو/حزيران 2016، واغتيال النقيب إكزافييه جوجلي في شارع الشانزليزيه في 20 أبريل/نيسان سنة 2017 واستهداف العقيد أرنو بلترام في 24 مارس/آذار سنة 2018 في تدريب (في إقليم أود).
وكانت فرنسا قد شهدت محاولة اغتيال سياسي، نُسبت إلى إحدى الحركات المتطرفة واستهدفت جاك شيراك. وكان ذلك بتاريخ 14 يوليو/تموز 2002، على يد المتشدد القومي ماكسيم برونيري.