المد السلفي في كردستان العراق.. انتكاسة النساء

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٠ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


المد السلفي في كردستان العراق.. انتكاسة النساء

المد السلفي في كردستان العراق.. انتكاسة النساء

  • يمكن اعتبار النظر السلفي المتشدد إلى المرأة عموما، وإلى المرأة الكردية خاصة، ضربا من ضروب تعامل هذه التيارات مع الآخر الذي يفترض حسب الأدبيات السلفية أن يقصى وأن يؤثم، أولا لأنه آخر وثانيا لأنه آخر مؤنث. مرور التيارات التكفيرية التي تنهل من التراث التكفيري على الأراضي الكردية والإيزيدية، ترك أخاديد غائرة على المرأة ووضعها. السلفیة الكردیة التي يفترض أن تعرف خصوصيات مجتمعها ومنزلة المرأة فيه، حاولت أن تحدث تغييرا عميقا في النمط المجتمعي المنحوت منذ عقود، لذلك كان زمن داعش ومن حالفه من التيارات السلفية الكردية انتكاسة حقيقية لواقع المرأة.

المرأة الكردية هي الآخر المؤنث عند السلفيين

السلفیة الوافدة علی المجتمع الكردي، كمعظم الأيديولوجیات الوافدة، لم تبذل أدنی جهد ممكن للتعرف علی المرأة الكردیة بشكل خاص وعلی عموم المجتمع بشكل عام، لأن عملیة نقل المفاهیم والرؤی اتسمت بالكثیر من السذاجة والحرفیة في النقل، وكأنها ترید تحویل كل العادات والتقالید والموروثات التاریخیة والنفسیة للمجتمع الكردي بین لیلة وضحاها بغمضة عین، دون اعتبار لقوانین وسنن التغییر، التي تتطلب وقتا وجهدا وتدرجا، هذا لو كان هناك ما یستحق التغییر نحو الأحسن، لا نحو التضيیق والتشدد وإحصاء الأنفاس.

لیس من المعقول أن تدعو إلى حجر المرأة في البیوت والفصل الكامل بین الذكور والإناث في مجتمع منفتح تتعامل المرأة والرجل فيه مع بعضهما البعض بكل العفویة والتلقائية، بعیدا عن الریبة والتعقیدات النفسیة التي توجد في العلاقة بین الجنسین في مجتمعات أخری.

ولیس من المعقول أن تبشر بنقاب في مجتمع لا تجد فیه نسبة 1 بالمئة تلبس نقابا. ولیس من المعقول أن تتحدث عن تحریم سیاقة المرأة للسیارة في مجتمع تسوق فیه المرأة السیارة منذ أن دخلت السیارة المنطقة منذ بدايات القرن العشرين.

وهناك أمثلة كثیرة علی هذا التخبط والمیكانیكیة في نقل الخطاب السلفي الوافد من مجتمع آخر، مختلف في عاداته وتقالیده وموروثاته إلى مجتمع آخر على الرغم من اشتراكهما في الدین نفس”.

ویتبین من خلال قراءة ما كتبه الرحالة والمستشرقون والباحثون الأوروبيون والروس، والعلماء الأكراد وغیر الأكراد من العرب والترك والفرس، على الرغم من انتماء الأكراد إلى تراث المنطقة ووجود عادات مشتركة، أن نظرة المجتمع الكردي إلى النساء وتعامل الرجال معها، هي ظاهرة بحد ذاتها.

إذ توصف المرأة الكردیة بأنها تتمتع بقدر كبیر من الحریة، وبثقة أكبر بنفسها خلال تعاملها مع مجتمع الرجال.

ویعتبر الكثیرون أنها تُعامل من قبل الرجال بصورة أفضل بكثیر من تعامل الرجال مع بنات جنسها في المجتمعات الذكوریة المسلمة الأخری.

هل قرأت السلفیة الكردية المیراث القیمي والتاریخي للأكراد، قبل أن تبشر بقیم مناقضة لطبیعة شخصیة الإنسان الكردي

أول ما یجذب الاهتمام في وصفه للكردیات هو تشبیهه إیاهن بنساء أوروبا من حیث التحرر، یقول الباحث الكردي ملا بایزیدي “ولا تتحرز نساء الأكراد من الرجال ولا یتحجبن منهم، فنساؤهم كنساء الشعوب الإفرنجیة متحررات، إذ لا یرقی إلى رجالهم الشك أبدا في خیانة النسوة، ولكن إن وقعت خیانة من امرأة فلا بد من قتلها ولا سبیل آخر لغسل العار”.

ویقول ملا بایزیدي في موضع آخر من رسالته “وإن نساءهم (نساء الأكراد) وبناتهم لا یحتجبن أصلا، ولا یهربن من أجنبي ولا یتحرجن من الكلام مع الغرباء. ومع ذلك فهن ذوات عصمة وأدب وشرف”.

وكان تحرر المرأة الكردیة مبنیا علی الثقة المتبادلة بین الرجل والمرأة، ولیس بسبب افتقار الرجل الكردي إلى الغیرة علی نسائه أو عدم اكتراثه بالأخلاق، خصوصا إذا عرفنا أن الأكراد یوصفون بأنهم شدیدو الغیرة، وهذا جلال الدين السُّيوطي، یقول في معرض حديثه عن خصال الشعوب إن “الله جعل الغَيْرةَ عشرةَ أجزاء، فتسعةٌ منها في الأكراد، وواحدٌ في سائر الناس”.

وحتی في حالات التوتر الشدید والعدوان یحفظ للمرأة مكانتها واحترامها، یقول بایزیدي “وثمة كثیر من الجماعات یعادي بعضها بعضا، وإن تلاقت تلك الجماعات فلا بد من أن یقتل بعضهم بعضا، ولكن النساء محصنات لا یلمسن ولا یعادیهن أحدا بل یحترمونهن بحیث لو توسطت امرأة في أحد الدماء فإنهم یقبلون وساطتها وشفاعتها”.

وهنا لا بد أن نتساءل: هل قرأت السلفیة كل هذا المیراث الأخلاقي والقیمي والتاریخي للأكراد، قبل أن تبشر بقیم مناقضة لطبیعة ونفسیة وشخصیة الإنسان الكردي أو المرأة الكردیة بالأحری؟ لو استعرضنا مفردات الدعوة السلفیة الكردیة، لعرفنا أن هذه الدعوة فصلت في الكثیر من أركانها علی نقیض من الشخصیة الكردیة للمرأة الكردیة وللمجتمع الكردي ككل.

تمر ثلاث سنوات علی هجوم ما یسمی بتنظیم الدولة الإسلامیة (داعش) علی مدینة سنجار في أغسطس 2014، الذي أدی إلى قتل وتشرید الآلاف من الإیزيدیین الأكراد. والأمر في هذه الكارثة كان تعرض النساء الإیزيدیات الكردیات إلى السبي بعد أسرهن علی حین غفلة.

بل قال زعیم السلفیة الدعویة عبداللطيف بن أحمد بن مصطفى في أحـد لقـاءاته: كما أن قتل دعاء جریمـة، كذلـك قتـل الإیزیـدیین جریمة.

وهذا تشف واضح، لأن دعاء كانت فتاة إیزيدیة ارتبطت بعلاقة مع شاب مسلم، وقتلت علی أيدي عدد كبیر من الغوغاء الإيزيدیین، ولم ینس لهم الإسلام السیاسي والسلفیة ذلك، فكنا في بدایة الأزمة نسمع ونقرأ في شبكات التواصل الاجتماعي، یقولون إن الله انتقم من الإیزيدیین بسبي نسائهم بسبب قتلهم لدعاء. علما بأن قتل الشرف في المجتمعات الإسلامیة أكثر بكثیر من المجتمع الإیزيدي.

وعزز هذا الشعور الدیني داعیة سلفي آخر، هو عبدالواحد محمد صالح، عندما هاجم الإیزیدیة وقال “إنهم عبدة الشیطان ومشركون، وإن اسمهم جاء من یزید بن معاویة، أو من یزدان بمعنی الله في الفارسیة، حیث لا صلة لهم بالأكراد. وإنهم نجسون حیث لا یغتسلون”.

هذه النظرة إلى غیر مسلم في بلد تعیش فیه عدة أدیان ومذاهب وقومیات، تضر بالوحدة الوطنیة بین أبناء شعب واحد أو وطن واحد.

اجمالي القراءات 3442
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق