ما هي أهداف أمريكا الاستراتيجية في الشرق الأوسط؟ وكيف حددت أمريكا هذه الأهداف باستمرار وكيف سعت لتحقيقها خلال العقود الثلاثة الماضية؟ ما هي مقاييس النجاح؟ هل أمريكا أفضل حالًا اليوم مما كانت عليه قبل 15 أو 20 عامًا؟
- اتقوا الله في مصر .. رفقا بالثوار .. فهم ليسوا ملائكة ..!!
- أوباما في الأمم المتحدة: 2009 تاريخ جديد للإنسانية
- إستعرضنا المسار التركى فى الحلقة الأولى والآن نستعرض المسار الأمريكى
- عام عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط
- الصراع السورى وعودة سياسة المحاور
- كيف نتعامل مع مشروع الشرق الأوسط الكبير ؟
- تحرك دولى لمسيحى الشرق الأوسط
- من الربيع العربى إلى الخراب العربى
- بيان هام وعاجل من منتدى الشرق الأوسط للحريات
كل هذه التساؤلات أثارها الكاتب الصحفي الأمريكي «شون إيلينج» في تقرير نشره موقع Vox (فوكس) الأمريكي.
التقرير الذي نشرته المجلة الأمريكية رصد حوارًا كان قد أجراه الصحفي الأمريكي مع «أندرو باسيفيتش»، وهو جنرال متقاعد بالجيش الأمريكي وأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة بوسطن.
بحسب التقرير، فإنه بالنسبة لـ«باسيفيتش»، تبدو الإجابة على هذه التساؤلات مربكة ومشوشة في أحسن الأحوال، وباعثة على الاكتئاب في أسوأ الأحوال.
قام «باسيفيتش»، وهو من أشد منتقدي السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة، بتأليف عدد من الكتب بما في ذلك «حدود القوة» و«الحرب الممتدة»، التي توثق التدخلات الأمريكية في الخارج. يقدم كتابه الأخير، «حرب أمريكا في الشرق الأوسط الكبير»، نظرة فاحصة لسياسات أمريكا في الشرق الأوسط منذ إدارة الرئيس الأمريكي «جيمي كارتر».
يرى «باسيفيتش» في مقدمة كتابه أن ثمة حدثين في عام 1979 قد وضعا أمريكا على المسار الحالي في الشرق الأوسط، وهما الثورة الإيرانية والغزو السوفييتي لأفغانستان. معًا، عزز هذان الحدثان وجهة النظر بين القادة السياسيين الأمريكيين بأن الوصول إلى نفط الخليج العربي كان لا بد من حمايته.
اقرأ أيضًا: مترجم: 5 خرافات أمريكية عن الشرق الأوسط
وقال التقرير إن «كارتر» الرئيس الذي كان ينظر إليه باعتباره رئيسًا ضعيفًا، حاول إظهار القوة معلنًا أن الخليج العربي هو مصلحة أمنية وطنية حيوية.
وأضاف التقرير أن كل رئيس منذ «كارتر»، وبطريقته الخاصة، قد أيد هذه القناعة. وكان الهدف من سياسات أمريكا اللاحقة في المنطقة الحفاظ على هذا المعقل الاستراتيجي.
كانت رؤية «باسيفيتش» لهذا المشروع الذي امتد عدة عقود، قاسية.
يقول «باسيفيتش» في الصفحة الأولى من كتابه: «باعتباري أمريكيًّا يهتم بشكل كبير بمصير بلاده، أود أن أذكر بوضوح تقييمي الخاص لهذه الحرب التي دخلت العقد الرابع. إننا لم نحقق الفوز في هذه الحرب. كما أننا لا نحقق الفوز الآن. ببساطة، محاولة القيام بشيء آخر أكثر جدية لن تؤدي إلى نتائج مختلفة على الأرجح».
تعكس «الحرب الممتدة»، كما يعرفها «باسيفيتش» في مقدمة كتابه، جهد أمريكا الدائم لفرض إرادتها على منطقة الشرق الأوسط، واستخدام القوة الغاشمة لصياغة النتائج. كان يعتقد أن أمريكا يمكن، إن لم يكن إعادة تشكيل المنطقة تمامًا وفق تصورها، على أقل تقدير تغييرها لتكون أكثر ملاءمة للمصالح الأمريكية.
ذكر التقرير أنه في النهاية، ومع ذلك، ما حصلت عليه الولايات المتحدة كان أمنًا أقل، تدخلات غير مجدية، ومنطقة تعاني باستمرار من حالة الفوضى.
بالنسبة لـ«باسيفيتش»، يغذي النزعة العسكرية الأمريكية افتراض زائف حول مدى فعالية القوة العسكرية. الافتراض هو أن القوة يمكنها تحقيق الأهداف السياسية المرجوة في جميع أنحاء العالم.
ولكن ووفق ما نقل التقرير عنه، فإن هذا اعتقاد خطير يبدو أن القائمين على السياسة الخارجية لا يتخلصون منه.
لماذا لم تفز أمريكا بالحرب
لدى سؤاله من قبل «إيلينج» عن الأسباب وراء عدم تحقيق الولايات المتحدة الفوز في حربها التي شنتها على مدار 35 عامًا في الشرق الأوسط، وعن ماهية فرضية هذه الحرب، قال «باسيفيتش» إنه في البداية، كانت الحرب حربًا من أجل النفط.
وأضاف بقوله إن ما تسبب في اندلاع الحرب في منطقة الشرق الأوسط كان الثورة الإيرانية وتأسيس الجمهورية الإسلامية، التي كانت معادية للولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع الغزو السوفيتي لأفغانستان في ديسمبر (كانون الأول) عام 1979.
بحسب «باسيفيتش»، فقد أوحى هذان الحدثان معًا إلى القادة السياسيين الأمريكيين أن وصول الولايات المتحدة إلى نفط الخليج العربي كان في خطر، وكان هذا في الوقت الذي اعتقد فيه الجميع تقريبًا أن مستقبل رفاهية الولايات المتحدة كان يعتمد اعتمادًا مباشرًا على الوصول إلى نفط الخليج العربي.
وقال «باسيفيتش»: «أعتقد أنه من المهم أن ندرك، مع ذلك، أنه على الرغم من أن هذا المشروع بدأ بوصفه حربًا من أجل النفط، فقد تخطى مع مرور الوقت ما هو أكثر من ذلك بكثير. وعلى الرغم من أننا لم نعد بحاجة لنفط الخليج العربي، فإن مشروع الشرق الأوسط الكبير لا يزال موجودًا، وأعتقد أن التفسير الأكثر أهمية لاستمرار هذه الحرب في الشرق الأوسط الكبير هو أنها أصبحت حربًا لإثبات أننا شعب لا يعترف بالحدود وأمة تستطيع تخطي الصعاب. ولكننا في الواقع لسنا شعبًا لا يعترف بالحدود ولسنا أمة تستطيع تخطي الصعاب.«
وتابع أن فكرة أن أمريكا يمكن أن تفشل في سياستها الخارجية في هذه المنطقة تجلب الشك إلى هذا الاعتقاد.
وأوضح «باسيفيتش» أن حرب أمريكا في الشرق الأوسط باتت عصية على الانتصار لأنها قامت على فرضية خاطئة مضللة، ولأنها قامت للتأكيد على فكرة الاستثنائية الأمريكية، وبالطبع هذا اعتقاد يلتزم به العديد من الأمريكيين وتقريبًا كل شخص في واشنطن بشدة.
فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة
ولدى سؤاله عما إذا كان الحزبان الجمهوري والديمقراطي قد تورطا في هذا الفشل، حيث راهن كل رئيس منذ إدارة الرئيس «كارتر»، بطريقته الخاصة، على هذه الاستراتيجية، قال «باسيفيتش» إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أربعة عقود تقريبًا قد تورطت في هذا الفشل بالفعل، حيث احتضن كل رئيس منذ «كارتر» هذه الاستراتيجية.
وأضاف «باسيفيتش» أن كل رئيس تقريبًا لم ينجح في تحقيق الفوز، ووضع له نهجًا خاصًا به لخوض هذه الحرب.
وتابع بقوله: «لذلك على مدار ثلاثة عقود، حاولنا إحداث «الصدمة والرعب». لقد حاولنا الغزو والاحتلال مع توقعات بإعادة صياغة المجتمعات. حاولنا مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب. حاولنا العمل من خلال الوكلاء. من الصعب أن نرى كيف لم تحقق أي من هذه الأساليب النجاح».
إرث أوباما
وردًا على سؤال بشأن السياسات التي تبناها الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» فيما يتعلق بسجله للسياسة الخارجية، حيث كان «باسيفيتش» قد وصف في مقال نشر مؤخرًا تلك السياسات بأنها كانت «معقدة»، قال الجنرال المتقاعد إن تركة الرئيس «باسيفيتش» مختلطة.
وأشار «باسيفيتش» أنه فيما يتعلق بالحرب من أجل الشرق الأوسط الكبير، التي ورثها من سلفه الرئيس «جورج بوش»، والتي تبقى النقطة المحورية الرئيسية لسياسة الولايات المتحدة، فإنه من الصعب أن نقول إن ما قام به قد تم بشكل جيد للغاية.
وقال«باسيفيتش» إن أداء الرئيس الأمريكي الحالي كان أفضل حالًا من سلفه «بوش»، وكانت التكاليف في عهد «أوباما» أقل من التكاليف التي تكبدتها الولايات المتحدة في عهد «بوش».
ولكن «باسيفيتش» عاد ليقول إنه إذا كان معدل النجاح هو تحقيق أغراض سياسية، فإنه من الصعب أن نرى أن «أوباما» قد فعل شيئًا أفضل من «بوش».
اقرأ أيضًا: «عقيدة أوباما»: نهاية عصر السيطرة الأمريكية على الشرق الأوسط
وللتأكيد على ما ذكره، رصد «باسيفيتش» عددًا من الأمثلة التي ترجح رؤيته.
قال «باسيفيتش»: «ترشح أوباما للرئاسة واعدًا بوضع «نهاية مسؤولة» لحرب العراق وواعدًا بكسب الحرب الأفغانية. والآن سيترك منصبه ولم يفعل أيًا من هذه الوعود. إذا وضعنا ذلك جانبًا ونظرنا في بعض الجوانب الأخرى من نهجه في السياسة الخارجية، أعتقد أنه لن ينتهي مع درجة أعلى من ذلك بكثير. لكن سيتعين علينا أن نرى كيف ستسير الأمور مع مرور الوقت».
اقرأ أيضًا: «واشنطن بوست»: سقوط حلب دليل على فشل أوباما
إلا أنه لم يغفل النجاحات التي خلفها الرئيس الأمريكي فيما يتعلق باتفاق المناخ باريس، وصفقة إيران النووية، وإعادة العلاقات مع كوبا، مشيرًا إلى أن هذه الخطوات يمكن أن تنتج بعض النتائج الإيجابية للغاية في المستقبل.
حرب أوباما على الإرهاب
ولدى سؤاله عن تقييمه لاعتماد الرئيس «أوباما» على القوات الخاصة والطائرات بدون طيار لمواصلة الحرب على الإرهاب، قال «باسيفيتش» إن استراتيجية الرئيس الأمريكي كانت بالتأكيد حكيمة في محاولة للحد من التكاليف، بل وأشاد كذلك بالقوة الجوية المأهولة بجانب الطائرات بدون طيار والقوات الخاصة.
يذكر أن القوات الجوية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الحالي كانت قد أجرت قدرًا كبيرًا من الضربات الجوية في أماكن مثل سوريا والعراق، ولم يكن الأمر يعتمد فقط على الطائرات بدون طيار.
ولكن «باسيفيتش» استدرك بقوله إن ما فشل «أوباما» في القيام به كان الخروج ببديل للسياسة العسكرية الأمريكية غير المجدية في الشرق الأوسط، ذلك الفشل الذي أقر به «أوباما» نفسه.
وردًا على ما ذكره «إيلينج» من أن استعداد «أوباما» للتوصل إلى اتفاق مع إيران يمثل بديلًا للنزعة العسكرية، أقر «باسيفيتش» هذه النقطة التي وصفها بالمهمة.
وقال «باسيفيتش»: «هذا هو السبب في أن اتفاق إيران النووي يبدو واعدًا. في ظاهره كان الاتفاق يهدف إلى منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. ولكن أعتقد أن الغرض الفعلي يتخطى ما وراء ذلك. الغرض الحقيقي هو أن تبدأ عملية إشراك إيران مرة أخرى في المجتمع الدولي والسماح لإيران أن تلعب دورًا مسؤولًا في السياسة الإقليمية إذا اختارت الحكومة الإيرانية القيام بذلك».
غير أن «باسيفيتش» حذر من أننا مرة أخرى، لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت هذه المقامرة ستؤتي ثمارها.
التدخل أو الانعزال
ولدى سؤاله عن سبب توجيهه اللوم للرئيس «أوباما» لعدم إدراكه حدود القوة الأمريكية، رغم أنه أرجع إليه الفضل في التخلي عن الأوهام الطوباوية للمحافظين الجدد، وكيف يمكن لأمريكا أن توازن بين التدخل الخارجي والانعزال، قال «باسيفيتش» إنه يعتقد بأن الولايات المتحدة ليست مجبرة على الاختيار بين حكم العالم أو الانعزال عنه، كما أنها ليست مجبرة على الاختيار بين القوة الغاشمة والقوة الناعمة.
وطالب «باسيفيتش» بالبحث عن الحلول الوسطى، الأمر الذي يعد جزءًا من فن إدارة الدولة، وهو فن صعب بالتأكيد.
ماذا عن ترامب؟
ولدى سؤاله عن أكثر الأمور التي يقلق بشأنها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المنتخب «دونالد ترامب»، وهل هو موقفه المؤيد لروسيا أم نهجه القاسي بشأن الصين، قال «باسيفيتش» إنه من الصعوبة الآن استيعاب موقف الرئيس الأمريكي المنتخب بشأن قضايا السباق النووي وتغير المناخ.
وأضاف أنه من الصعب الآن الحكم على تصريحاته وأخذها على محمل الجد.
وأشار «باسيفيتش» إلى أنه عندما يخوض المرشحون السباق للرئاسة، تصدر عنهم تصريحات حتى تتعزز فرصهم في الفوز بالسباق الانتخابي.
غير أنه ذكر أنه لا يمكن الآن الخروج بآراء واضحة حول تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب، الذي ما زال يطلق تصريحات غريبة ومستهجنة.
الإدارة الأمريكية المقبلة
وحول توقعاته بشأن السياسة الخارجية التي ستتبناها الإدارة الأمريكية المقبلة التي ستتولى مهامها مع تنصيب الرئيس المنتخب «ترامب»، ومن الذي سيحدد هذه السياسة باعتبار أن «ترامب» سياسي هاوٍ لا يحظى برؤية للملفات الجيوسياسية، قال «باسيفيتش» إننا نتابع باهتمام اختيارات الرئيس الأمريكي المنتخب لأعضاء إدارته المقبلة.
اقرأ أيضًا: «فورين بوليسي»: فريق ترامب الرئاسي قد يعيد سياسات «بوش» و9/11 إلى الحياة
وأضاف أن اختيار الجنرال المتقاعد «مايكل فلين» مستشارًا للأمن القومي من قبل «ترامب»، لا يمكن أن ينظر إلى ذلك باعتباره أخبارًا جيدة. فالجنرال «فلين» لديه إسلاموفوبيا ويرى أن العالم عدائي وأن الولايات المتحدة عليها مضاعفة جهودها لمحاربة الأعداء.
قال «باسيفيتش» أيضًا إنه لا يمكن التنبؤ بنوايا الشخصيات المرشحة لتولي مناصب وزارتي الخارجية والدفاع في الإدارة الأمريكية المقبلة، مشيرًا إلى أنه لا يرى الأمر واعدًا لتعيين شخص تولى مهمة الرئيس التنفيذي لشركة نفط عملاقة في منصب وزير الخارجية.