فنون الضلال فيما يسمى القتل شبه العمد :
فنون الضلال فيما يسمى القتل شبه العمد

أسامة قفيشة Ýí 2019-02-10


فنون الضلال فيما يسمى القتل شبه العمد

القتل هو من أبشع الجرائم البشرية , و هو منهيٌ عنه في كل الرسالات السماوية , و في كل الأعراف و القوانين المدنية البشرية ,

و لكنه مُجازٌ في حال الصد و الدفاع في وجه من اعتدى بغية القتل ,

و لكن هل التزم البشر بهذا النهي ! و لو أنهم التزموا لكان خيرٌ لهم و لما شاهدنا تلك الحروب و هذا القتل الذي لا يستثني أحداً من البشر , و لكن القتل هو فنٌ من فنون الضلال .

و في البداية علينا بأن نعي بأن النفس عزيزة , لذا ليس من السهل أن يفرط بها صاحبها تحت كل الظروف , و على هذا الأساس فليس من السهل على الجاني بأن يعترف بجنايته أو أن يقر بها و يتحمل جزاؤه و عواقب فعله , لذا فالجاني يحاول دوماً الإفلات من جريمته بعدم الاعتراف أي بالإنكار , أو بالتضليل و إخفاء الأدلة التي تدينه .

القتل نوعان لا ثالث لهما ( قتل عمدٍ و قتلٌ بغير عمد ) :

القتل العمد يحتل المرتبة الأولى , فهو جرمٌ عظيم , ثم يليه القتل غير العمد و هو جرمٌ أيضاً و لكنه بمنزلةٍ أقل من القتل العمد , أي أنه يأتي بالمرتبة الثانية ,

حال البشر بين هذان النوعان يكون بالتدرج كالتالي :

الخطوة الأولى , حيث يمارسون الإنكار و التضليل كي يفرون من العقاب , فإن لم ينجحوا في هذا تحت أي سبب , فإنهم يفرون للخطوة الثانية ,

الخطوة الثانية , يحاولون و تحت وطئ التحقيقات و الأدلة و القرائن بأن يعترفوا بأن هذا القتل كان عن طريق الخطأ , كي يهربوا من المسؤولية المباشرة , فإن لم تفلح الخطوة الأولى و لا الثانية يهربون للخطوة الثالثة ,

الخطوة الثالثة , و هي أعظم فنون الضلال , و هي من وحي الشيطان بأن أوحى لأوليائه و أخترع لهم نوعاً جديداً من أنواع الضلال و أسموه بالقتل شبه العمد ( أو عمد الخطأ أو خطأ العمد ) , و هذا فيه من الظلم ما فيه , و هي الخطوة الثالثة و الأخيرة التي يسعى إليها المجرمون بعد ثبوت الأدلة القاطعة و الشواهد , حيث يستمر الجاني و أعوانه من محاولات التضليل بإيجاد الثغرات المناسبة لإضعاف الحجج و البراهين بأن يصفوا تلك الجريمة بأنها قتلٌ شبه عمد , و هذا من أجل التخفيف في العقوبة و الهرب من تبعاتها , فجعلوا هنا قتلاً ما بين بين , أي ما بين القتل العمد و القتل بغير عمد .

و من أسف فمن الناحية الدينية التشريعية الإسلامية , نلاحظ بأن المشايخ و أتباع الديانات الأرضية و المذاهب البشرية قد أقرت هذا النوع الجديد و الدخيل في باب القتل , تلبيةً لمصالح النافذين و المنتفعين , و حمايةً لهم و لحاشيتهم و لعروشهم , و هذا تعدي على دين الله جل وعلا و الذي لم يقر لنا سوى القتل بنوعيه فقط , إما عمداً و إما بغير عمد ,

بل و وضعوا له التشريعات و المخرجات و ما يترتب عليه , و كل هذا من هوى النفس , و لم يكتفوا عند هذا الحد , بل وضعوا نصوصاً تشريعية تتحدث فيه , و قاموا بنسبتها للنبيّ محمد عليه السلام كي يصبح الأمر نافذاً .

و لا نستغرب هذا عليهم , فهم أهل الضلال و أهل الفتن , فهم ماهرون في فن التوسط في كل الأحكام و التشريعات بما يلبى الرغبات و النزوات , هم عشاق اللون الرمادي الذي يتوسط اللون الأبيض و الأسود - صحتين على قلبهم و نيال إبليس فيهم - .

أما نحن الذين لا نؤمن بغير القرآن حكماً , فنرفض هذا النوع الدخيل و لا نقره أبداً .

لذا نقول بأن القتل نوعان لا ثالث لهما , و نقر بأن معظم القضايا الجنائية و التي تتحول من القتل العمد إلى القتل الذي اخترعوه و أسمه بالقتل شبة العمد من أجل التخفيف و التستر و الهرب من تحمل المسؤولية و التبعات , هو في معظمه قتل عمد , و قل ما ندر بأن يكون قتلٌ غير عمد .

هذه الفتنة ليست بالأمر الجديد على الأمة , و هي كما قلنا ما كانت لتكون سوى لمصلحة و حماية المنتفعين و أصحاب النفوذ , لا أريد في هذا المقال الخوض في نشأتها و الدوافع التي دفعت السابقين و اللاحقين لإقرارها و قبولها , لأن هذا يحتاج لتفصيلات كثيرة و كبيره , و لكن و على عجالة نلخص ما قاله السلف ( الغير صالح ) :

الحنفية و الشافعية و الحنابلة : القتل شبه العمد معتبر شرعاً .

المالكية : أقروه و اعتبروه شرعياً في حاله واحده فقط و هي ( قتل الأب لابنه ) .

الظاهرية : القتل شبه العمد باطلٌ و غير معتبر شرعاً . ( و هذا هو رأينا أيضاً ) .

سبب تلك التناقضات :

هم يعترفون بأن الله جل وعلا لم يقر سوى ( القتل العمد و القتل غير العمد ) , بناءاً لقوله جل وعلا ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) ,

و لكنهم لا يؤمنون بقوله جل وعلا وحده , لذا فهم يعتبرون النوع الثالث بأنه قد جاء في السنة الصحيحة ! فهم يعتبرون سنّتهم تلك بأنها شارحه للقرآن و مبيّنة له و بيانها نافذ و قاضي على نص القرآن الكريم . - أحلى إشي بالموضوع مصطلح السنة الصحيحة , و على فكره سنتهم تلك يصححونها كل فتره و فتره , و كلما دعت الحاجة - .

و من المضحك طريقة أسلوبهم بالكذب و الإقناع , حيث كثيراً ما يرددون ( قول الجمهور ) و ( غالبية العلماء و ترجيح قولهم ) و ( السنّة الصحيحة و التي لا معارض لها ) , كله كلام يثير الضحك و البكاء على حالهم .

و من الأمثلة على هذا التلاعب و أهدافه الخبيثة :

في البداية نقول بأن الأمثلة التي يضربها أصحاب هذا القانون و الذين يقرون به ( القتل شبه العمد ) , هي أمثلة لذر الرماد بالعيون , أما الأمثلة الحقيقية فلا يذكرون شيئاً منها , لأنهم يسعون نحو الباطل فيخفون الحقيقة و يتسترون عليها ,

فعلى سبيل المثال يضربون مثلاً على ذلك بالقضايا التالية :

ضرب الجاني للمجني عليه بعصا أو سوط في غير مقتل فيقتله ,

أن يلكم الجاني المجني عليه أو يصفعه صفعاً فيقتله ,

أن يصيح الجاني بوجه المجني عليه فيرعبه فيموت ,

أن يلقي الجاني بالمجني عليه في ماءٍ ضحل , فيموت غرقاً ,

هنا و بكل بساطه نرى بأن كل تلك القضايا هي في أصلها قتلٌ غير عمد , إن ثبت هذا من خلال التحقيقات , و ببساطه إن ثبت غير هذا فهو قتل عمد ,

هم قد وضعوا هذا القانون و أوجدوه فقط من أجل التلاعب , فعلا سبيل المثال إن كانت تلك القضايا من الأمثلة التي ضربوها و كان المجني عليه من عامة الناس و كان الجاني من طرف الحاشية و المنتفعين و أصحاب النفوذ , يتحول الحكم ببساطه لقتلٍ غير عمد , أما إن كان المجني عليه من الحاشية و المنتفعين و أصحاب النفوذ و كان الجاني من عامة الناس و لا يستطيع هؤلاء من إثبات أن القتل كان متعمداً , يتحول حينها الحكم بأنه قتلٌ شبه عمد تلبيةً لرغباتهم ,

و لكن الأمثلة الحقيقية و التي لم و لن يجرؤوا على ضربها سنذكرها الآن , لأنها هي غاية هذا القانون و من أجلها تم وضعه , و هي :

حالات الإهمال و التقصير من قبل المسئولين و صناع القرار و صناعة الحروب العدوانية و ما يسفر عنها , و في حالات القتل الجماعي من الأمراض بسبب الإهمال الطبّي و سوء الاستعدادات , و في حالات تهميش الكفاءات في التربية و التعليم فيقضى بذلك على الأجيال و يحكم عليهم بالموت و القتل و الضياع , و في حالات التقصير في المنشئات العامة و مرافقها و خدمات الجمهور بشتى أنواعها ,  و التقصير في المصانع التجارية بوسائل الحماية و الأمان , و في حالات معالجة القضايا الطارئة و التعمد بوضع الحلول الغير مناسبة , و لا ننسى أهمية التدين و دور العلماء و مدى تأثير كلامهم على الشارع و ما يدعون إليه من دمار و هلاك , كل تلك القضايا و غيرها الكثير هي قضايا تتعلق بالمنتفعين و أصحاب النفوذ ,

و هذا ببساطه لأنهم يعتبرون أنفسهم عبيداً كقطيع الماشية , فينكرون حقوق الرعية على الراعي , فراعيهم وحده له الحق المطلق , فيحق له أن يفعل الأفاعيل فيهم دون مسائلة و هذا في نظرهم كونه يمتلكهم امتلاكاً مطلقاً دون حقوق و دون منازع , 

لذا تم وضع هذا القانون و هو ما يسمى ( بالقتل شبه العمد ) كي ينجو هؤلاء من القتل العمد بشكلٍ قانوني أمام الناس , فيهربون بذلك من تحمل المسؤولية و تبعاتها , و يستمرون في مناصبهم دون خجل أو وجل أو حتى مسائلة و هذا أضعف الإيمان ,

إذا فالقتل ( شبه العمد ) هو مصطلح بشري من أجل التضليل و ذر الرماد بالعيون , و من أجل إسكات الضحايا تحت طائلة القانون , و يكون في الحالات التي لا يعترف بها الجاني بمسؤوليته و لا يقر بها , و يساعده على ذلك تغيب و غياب الأدلة القاطعة من الشواهد و الشهود بالتضليل و التزوير , بل و يعتبرها في غالب الأحيان بأنها من حقوقه المشروعة ,

لو نظرنا جيداً في حجم الكوارث التي تحدثه تلك القضايا التي فيها الإهمال المتعمد , هي في أصلها ترقى بأن تكون قتل عمد مع سبق الإصرار , لأن نتائجها في القتل حتمية , و لكنهم أحالوا تلك القضايا إلى قضايا قتل شبه عمد في أحسن الظروف ,

بل و في معظم الأحيان يتم إحالة تلك القضايا لقضايا قتل غير عمد و تبرئة الجناة من جرائمهم , و اعتبار تلك الحوادث قضاءٌ و قدر .... أحا ....

حالات الإهمال المؤدية إلى إزهاق الأنفس كثيرة و متعددة , فمن تلك الحالات أيضا كأن يسوق سائق حافلةٍ للركاب بتهور دون مراعاةٍ لظروف الطريق أو قوانين السير , أو بوسائل المواصلات كالطائرات و القطارات التي فيها إهمال و تفتقر للتطوير و الصيانة و المراقبة و شروط السلامة , و غير ذلك من نواحي الحياة اليومية , لذا فحالات الإهمال تلك ترقى للقتل العمد على عاتق المسئولين و المراقبين , لأن النفس هي أغلى ما يملكه الإنسان .

كما أن القتل العشوائي في الحروب هو جريمة قتلٍ متعمدة , لذا تم تحريم كل الأسلحة الفتاكة , كما هو الحال في أسلحة الدمار الشامل , و ما ينطبق على هذا ينطبق على كل القذائف العمياء التي تقتل دون تمييز , فيسقط من جرائها الأبرياء .

القتل هو من أخطر القضايا البشرية و الاجتماعية على الإطلاق , فتحديد القاتل و تجريمه هو من اختصاص أهل القانون فقط , هذا الاختصاص يعتمد على التحقيقات و الملابسات و الدلائل و القرائن , و هو موضوع عالي الحساسية , كل هذه الركائز تستوجب التحقيق بالأمر ( فَتَبَيَّنُوا ) , فلا يمكن إطلاق الحكم دون التحقيق في القضية كي يُعلمَ إن كان القتل عمداً أم بغير عمد ,

الإنسان إن سار خلف هواه تقع الكارثة و يحل الظلم مكان العدل , فتراه إن كان الحق في يده يطالب بأقصى أنواع الضرر على من أضره , و إن كان الحق عليه تراه يحاول الخروج بأدنى أنواع الضرر .

و هنا و في الختام نتطرق لمفهوم التجريم بجريمة ( الشروع بالقتل ) , هذا النوع من التجريم فيه حق , بل هو مطلب من أجل حماية النفوس , و هنا نحن نقر بهذا القانون كونه حق من الحقوق المشروعة , كما نقر بتجريم الجاني و من معاقبته ضمن القانون و الحق العام بإنزال العقوبة الأمثل في حقه و حسب ما شَرَعَ به الجاني من أفعال . 

اجمالي القراءات 5051

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الأحد ١٠ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90382]

العلم فى خدمة العدالة .


تحياتى استاذ اسامة .  النوايا والضمائر لا يعلمها إلا الله جل جلاله . ومع هذا اعتقد انه آن الآوان لإستخدام العلم وأدواته فى تحقيق العدالة ،وألا يقتصر التحقيق  فى القضايا الجنائية وعلى رأسها (القتل بكل صوره ) على مجرد تحقيق شفهى بين ضابط الشرطة وممثل الإدعاء (وكيل النيابة ) مع الجانى ،بالإضافة لتقارير الطب الشرعى ، ولكن اصبح ضرورة من ضروريا تحرى اقصى درجة من درجات تحقيق العدل  إضافة إستخدام ( اجهزة كشف الكذب ) وتحقيقات تُجرى بمعرفة  خبراء أطباء وعلماء علم النفس  لملفات التحقيق وخاصة فى التفرقة بين (القتل العمد ) و(القتل الخطأ ) وفى التأكد من (شخصية الجانى ) وفى تبرأة المتهمين الأبرياء حقيقية . فهذا سيساعد وبشكل كبير فى تحقيق العدل وهذا مبتغى البشرية ،ومقصد من أهم مقاصد التشريع الربانى ..



2   تعليق بواسطة   أسامة قفيشة     في   الإثنين ١١ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90384]

هذا صحيح د عثمان


النوايا و الخبايا لا يعلمها سوى الله جل وعلا فهو علام الغيوب ,



و لكنها سنة الله جل وعلا في الحساب و المحاسبة , هذه السنة تطبق بين البشر على أساس ( فتبينوا ) أي تعتمد على البينات و لا تعتمد على النوايا أو الخبايا لأننا ببساطه لا نعلمها , فنحن أمام تلك الأحكام نسير خلف البينات فقط , و ليس في ذلك حرج علينا في أحكامنا حتى و إن كان فيها بعض الخطأ , لأننا لا نعلم الغيب , 



تلك السنة الإلهية هي سنة الحق جل وعلا و لا مبدل لها , لذا سيعقد الله جل وعلا يوم القيامة محكمته العادلة و التي تتبنى الشهود و الحضور و الدلائل و القرائن , علماً بأنه جل وعلا يعلم غيب الأمور و نوايا البشر و كل صغيره و كبيره ,



علمه سبحانه و تعالى كفيل بأن يدخل أهل النار للنار , و أهل الجنة للجنة دون حساب أو مسائلة أو شهود أو قرائن , و لكنها سنته التي لا تتبدل فكان لا بد من المحاكمة بالطريقة التي يفهمها البشر . 



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-04-09
مقالات منشورة : 196
اجمالي القراءات : 1,518,560
تعليقات له : 223
تعليقات عليه : 421
بلد الميلاد : فلسطين
بلد الاقامة : فلسطين