رحلتي من الإخوان إلى العلمانية (2)

سامح عسكر Ýí 2015-12-13


 

كثير من تصرفات وسلوكيات الجماعة على المستوى الفكري لم أكن أقتنع بها..ولكنها كانت عندي نموذج للتنوع يحملني على القبول به ضمن إطار، من أمثلة ذلك كانوا يعتمدون نوعين من الخطاب الأول: موجه من القادة للخارج أما الثاني: موجه من القادة للداخل.

كمثال موقفهم من المرأة والتعددية الحزبية، كان خطاب القادة للخارج ترويجي دعائي أكثر ما هو واقعي، كانوا يدعون أن الإخوان يؤمنون بمكانة المرأة ومساواتها بالرجل، لكن على المستوى الداخلي كان القادة يدرسون لنا مكانة وضيعة للمرأة وأن السنة تفرض عليهم عدم ولايتها ومنع الاختلاط والحجاب والنقاب والصوت العورة، فعلى أي أساس تكون المساواة؟!

إن مجرد الإيمان بمساواة المرأة بالرجل يعني حقها في التعليم والعمل وهذا يحملها على الاختلاط والولاية، وكذلك حقها الطبيعي في الملبس والمأكل وهذا يحملها على اختيار زيها وطعامها بنفسها دون تدخل ووصاية الزوج، كذلك فمعنى المساواة يعني حقها في التنزه وزيارة أقاربها دون أي تدخل..بينما خطاب القادة كان مرتبك لا يفسر كم التناقضات الرهيب بين خطابي الداخل والخارج..

كذلك موقفهم من التعددية الحزبية..كانوا يقولون للخارج أن دولة الإسلام هي مدنية ذات مرجعية إسلامية..وفي الداخل كانوا يربطون هذه الدولة بمفهوم الخلافة، وأن الخلافة كنظام حكم هو نظام مدني بالأساس لكنه يستند على مرجعية إسلامية كدولة عبدالناصر التي كانت تستند للمرجعية الاشتراكية..هكذا جعلوا الاشتراكية دين مقدس بجهلهم، وقتها لم أكن مقتنع بمساواة الاشتراكية بالإسلام أو وضعها في نسق واحد أو جعلهما في مقابلة أو حتى نَظم واحد..

خلق هذا التناقض في خطاب القادة كماً رهيباً من العُزلة والضعف في مواجهة الخصوم، وقد كنت أحد ضحايا هذا الضعف في حواري مع أحدهم..انهال عليّ بالشبهات والعلل المستندة على أدلة محكمة عجزت عن تفسيرها بخطاب القادة كونه ضعيف وعاجز عن الإقناع أو حتى المناورة..وحين بحثت في التاريخ لتفسير هذه الشبهات لم أجد في تاريخ الإخوان سوى ما يُعزز صحتها..!

في الحقيقة لم يكن يقلقني هذا التناقض من القادة أكثر من قبول أفراد الإخوان به، وهذا يعني قبولهم.."بالتقية السياسية"..بمعنى أن العضو في الإخوان كان يرى هذا التناقض بوضوح ولا يتكلم أو حتى يعقب بالموافقة، بل يتجاهلونه بالكلية..حتى من يسمون بالنخب والقيادات الفكرية فضلت الصمت عن إثارة هذه المواضيع الحساسة.

هذه المرحلة كانت أوائل عام 2007 أولى بذور المراجعة..والتي اعتمدت فيها منطق البحث والاستقصاء ولكن دون التخلي عن محاذير الإخوان التي كانوا يلقونها علينا أسبوعيا..لا تقرأ لفلان أو لعلان إلا بعد عرض أفكارهم على الأسرة ومناقشة الأخوة في المطروح..

شخصيا أحب القراءة..وهوايتي اصطدمت بمنطق الإخوان المانع لأي اطلاع دون استئذان..بل كانت لي حصة مطالعة أسبوعية أذهب فيها لمكتبتي وقراءة كتب أرنولد توينبي وول ديورانت ومراد وهبة وأدولف إرمان، وقتها عندما أخرج لساحة هؤلاء العظام أعود لعلي لبن وعبدالرحمن البر الذين يرون الديمقراطية كفر بالله ورسوله..!.. حتى عندما حاول القرضاوي التوفيق بين الديمقراطية والإسلام كانت محاولته ناقصة ولكنها مبشرة في وقت كان فيه القرضاوي رمز تنويري داخل الإخوان..وآراءه قمة في التواصل والدعوة للسلام والتعايش بين الأديان..

في هذه الفترة خاض القرضاوي بجرأة في نقد الموروث وانتقد أحاديث مشهورة يجري نشرها بين العامة كحديث الفرقة الناجية وحكم بضعفه..لكن حين اختلف مع المرجع الإيراني آية الله علي التسخيري بوصفه نائبه للاتحاد العالمي لجأ لاستخدام نفس الحديث ضده، وقال أن السنة هي الفرقة الناجية التي بشر بها رسول الله..وهو تناقض مريع وسقطة فاحشة للقرضاوي أن يستخدم حديث حكم بضعفه وكأنه حين رد الحديث في أصل العقائد كان مخمورا أو مسطولا..!

توالت سقطات القرضاوي فبدأ في نشر تصريحات عنصرية ضد الشيعة بعدما كان من رموز التقارب معهم..وهاجم الدكتور سليم العوا واتهمه بالعمالة لإيران، وفي هذه الفترة هاجم سيد قطب واتهامه بأنه من الخوارج..كانت فترة عنف للقرضاوي شهر فيها كل أسلحته الدينية ضد خصومه..انقلب حينها من داعية للسلام وللوحدة إلى رمز تكفيري وداعية للكراهية..كل ذلك لم يؤثر على رؤيتي للإخوان كوني لا أحب اتباع الأشخاص، وأحكم بولائي لأفكارهم طبقا لمعاييري الشخصية وليست لمعاييرهم أياً كانت حلاوتها..

في هذه المرحلة ثارت قضية فكرية رهيبة في الجماعة وحدثت أزمة بين القيادات نتيجة لتصريحات الدكتور.." يوسف ندا".. مسئول التنظيم الدولي التي صرح فيها بأن موقف الإخوان من الشيعة ليس كما طرحه القرضاوي ولكن هو موقف متسامح يشهد لهم بالإيمان والأخوة، وأن إيران دولة إسلامية يجب أن نتواصل معها..وقتها انبرى له عضو مكتب الإرشاد.."محمود غزلان"..ورد على يوسف ندا ردا عنيفا حتى جاوز حدود الأدب، واتهمه بالعمالة لإيران، وأن كلام القرضاوي صحيح وأن موقف الإخوان الرسمي هو عدم التقارب الديني مع الشيعة طالما يسبون صحابة رسول الله وأم المؤمنين عائشة..وكأن الإخوان فوجئوا بسب الشيعة للصحابة الآن ولم يعرف ذلك حسن البنا ولا زينب الغزالي ولا التلمساني الذين مدحوهم –وغيرهم-بأشد العبارات..!

المهم.....كانت أزمة فكرية تعصف بالإخوان انقسم بناءً عليها قطاع كبير من الشباب إلى فريقين، الأول يدعو للتقارب-وقد كنت منهم-والثاني يدعو للمواجهة ..والتحذير من "خطر الشيعة" على الإسلام وعلى العرب..

القضية بالأصل كانت قضية مبادئ واختبار قوي لمنهج الإخوان الوحدوي، أي لم يكن الاتجاه لفرقة معينة تسمى الشيعة أو السنة، ولكنه فرز عنيف لقواعد الإخوان الداعية للعنف والأخرى الداعية للسلام، بحيث بقي كل من كانت لديه روح طائفية ونزعة للكراهية، وخرجت معظم تيارات الإصلاح المعارضة للقطبية ، أما الشباب فهم حائرون وقياداتهم في هذا الانقسام المحزن، وأن التنظيم لم يعد يحوز على الثقة المرجوة، وطعن الكثير من الشباب في توجهات القادة بل وتطاولوا عليهم في سابقة لم تحدث منذ أزمة الستينات ولكن هذه المرة بشكل آخر .

شخصيا كنت أخوض هذه المعركة الفكرية وأنا متسلح بروح التسامح التي اكتسبتها من قراءات مراد وهبة وتوينبي، بل الموضوع له جذور من قراءات جان جاك روسو في المرحلة الإعدادية، ففي الثانية عشر من عمري قرأت مراجع وكتب شقيقتي الكبرى الطالبة بمعهد الخدمة الاجتماعية، واطلعت في هذا السن على أفكار رينيه ديكارت ونيتشه وروسو وشوبنهاور..لكن تعلقت أكثر بروسو وعلى شئ من سبينوزا..مثل هذا الاتجاه عرفني على التسامح قبل أن أقرأ عنه في الإخوان، وقد كانت مصادفة جميلة أفادتني بعد ذلك في تأسيس قاعدة معرفية لها خيال صلب وقادر على الحوار والمناقشة.

وإلى اللقاء في الجزء الثالث من الرحلة

 
اجمالي القراءات 7227

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,613,485
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt