زواج المؤانسة مساكنة بالحلال أم خلوة محرمّة

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٩ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ايلاف


كتبت مروة كريدية: لا يكاد يمرّ عام دون أن تُثار قضية مستحدثة حول الزواج وألوانه وأشكاله في عالمنا العربي عمومًا والخليجي خصوصًا، فمن زواج المسيار الى زواج الاصطياف وصولا الى زواج المؤانسة، مرورًا بالزواج العرفي والمتعة والفرند...، و غيرها من الأسماء التي إن عكست شيئًا فإنها تعكس الخلل الاجتماعي الفاضح، وانهيار الوعي الانساني الفادح، في مجتمعات تعاني الكبت الجسي ، والقمع السياسي ، وتحترف السريّة والتكتم على موضوعات تمس وجود الكائن وحريته، وتتطرح أسئلة حقيقية حول جدوى تدخل رجال الدين في حريّة الكائن الانساني، واحترام خياراته وطريقة عيشه بالشكل الذي يرضيه او يراه مناسبًا لأوضاعه المادية والنفسية على حدٍّ سواء ، كما تضع مبدأ الاجتهاد الفقهي واحكام النوازل على المحك .



وقد أثيرت مؤخرًا في الدول الخليجية قضية زواج "الوناسة " أو "المؤانسة" ، والذي تتلخص فكرته بزواج رجل مسنّ بإمرأة "صبية" في كامل صحتها ونشاطها بهدف ان تؤنس وحدته وتفك عنه ملله وان تعتني به، شريطة ان تتنازل طوعا عن حقها بالمعاشرة الزوجية، وهي بذلك تتمتع بكامل حقوقها كحقها في المهر والإنفاق والسكن والمفاعيل الاخرى لعقد الزواج.

وفيما يرى البعض ان هذا النوع من الزواج جيّد من الناحية الاجتماعية ومفيد للرجل من الناحية النفسية لانه يؤمن الحنان والراحة ، من خلال ارتباطه بزوجة ارتضت وبملئ ارادتها ان تعيش مع رجل بهدف رعايته ومسايرته ومساكنته وهي تعلم سلفًا انه لن يعاشرها جنسيًّا لأسباب صحية فقبلت ذلك ووافقت عليه ، فإن آخرون يرون في هذا النوع من الزواج احتيال على كبار السن من الرجال بهدف الاستيلاء على الميراث او الاستفادة المادية من مال او الحصول على جنسية، كما انه يتنافى مع هدف الزواج الاول وهو الوطء على حدّ تعبيرهم.

المؤانسة بين التحليل والتحريم !حرام في الامارات حلال في السعودية !

أثارت فتوى صالح السدلان عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية، في الشهر الماضي جدلاً كبيراً في الأوساط السعودية والخليجية ، من خلال فتواه التي أجازت زواج "الوناسة" الذي لا يتضمن الوطء في النكاح، و كانت فتواه قد وردت في معرض رده على سؤال سيدة، حول مدى إمكانية زواج يقوم على التأنيس دون المعاشرة ؛ كما ان الدكتور عبد المحسن العبيكان عضو مجلس الشورى والمستشار في وزارة العدل السعودية قد أفتى في فترة سابقة بإجازة هذا النوع من الزواج أيضًا .
فيما حرّم مفتي إمارة دبي الدكتور أحمد عبدالعزيز الحداد، زواج "المؤانسة" معتبرا انه باطل شرعًا، وان ما ينبني عليه باطل أيضًا، لانه يتنافى مع أهداف الزواج الأساسية وهو الوطء، معتبرًا ان اسقاط المرأة حقها في المعاشرة الزوجية يتعارض مع مقصود النكاح، وقد اعتمد في فتواه على المذهب المالكي الذي يحرم ذلك مطلقاً، والشافعي إذا كان الشرط من جهة المرأة.
وبناءً عليه، فإن المفتي الحداد، يعتبر هذا الزواج باطل ولا تترتب عليه مفاعيل عقد النكاح الصحيح، لذلك فإنه يسقط حق الميراث والنفقة، والخلوة المترتبة عليه محرمّة وغير شرعية .

هدف التحريم سياسي لا فقهي !
ويرى مراقبون اجتماعيون أن اثارته في دول الخليج وتحريمه في دولة كالامارات مثلا، وهي دولة "غنية"، يهدف الى منع حصول المرأة التي تكون في العادة "وافدة" من الحصول على امتيازات الجنسية الاماراتية، أوالاستفادة من متأخرها وميراثها الشرعي عقب وفاة زوجها، اذ أنه في الغالب ما يكون المسن ثريًّا ويحتاج الى الحنان والرعاية، الأمر الذي يُقلق أولاده وعائلته كما يزعج ادارة الجنسية، التي تضيق الخناق على مواطنيها من خلال وضع القيود والشروط وتتخذ إجراءات صارمة بشأن منح الجنسية للزوجة "الوافدة" .

ويتساءل بعض المعنين عن جدوى إثارته في "دول الخليج " دون سواها من الدول العربية الأخرى " الفقيرة" كالمغرب او مصر او الصومال ؟؟؟ إضافة الى ان هذا النوع من الزواج، يعكس تفكك اجتماعي واضح داخل الاسر الخليجية، التي شهدت انهيارًا واضحًا في قيمها الأسرية بعد الانفتاح السريع والمفاجئ الذي أحدث خلالا واضحًا للعيان في بنية الأسر المواطنة ، حيث يجد المسن نفسه وحيدًا بعد وفاة حرمه، فيما ابناؤه منشغلين في حياتهم اليومية.
وبعد ان كانت الاسر تعيش حتى الماضي القريب سوية في بيوت عربية شعبية، حيث الجد والجدة يعيشون وسط ابنائهم واحفادهم ، أصبح لكل فرد فيلا منفردة واصبح الرجل العجوز يقبع داخل بيته وسط "الخادمة والسائق والحارس" !

ايلاف قصدت رجل قانون مدني رفض الكشف عن اسمه، واستشارته حول الموضوع فأجاب:" أعتقد ان ابعاد الموضوع تتجاوز الموضوع الديني او الفقهي او حتى القانوني " المحاكم الشرعية" في الدول العربية تعاني من عدم تحديث في قوانينها التي مازال بعضها يطبق أحكام " المجلة العدلية العثمانية " ، كما أن موضوع الجنسية يقلق الدول الخليجية فعلا، ويثير قضايا تتعلق بحقوق الانسان، ففي الوقت الذي يَحْرُم فيه القانون الاماراتي المواطنة من جنسيتها حال زواجها بغير مواطن، فإنه يضع شروطًا صارمة على منح زوجة المواطن الجنسية، بالرغم ما يتسبب ذلك من زيادة معدلات العنوسة المتفاقمة والخلل الواضح في الحقوق الانسانية والتمييز ...
وهناك تخوف واضح في موضوع التجنيس عند المعنيين، والامر يتطلب جرأة حقيقية واتخاذ اجراءات وقرارات واضحة تحقق العدالة الاجتماعية ...فالهدف من منع هكذا زواج يتضمن أبعاد سياسية تهدف الى حصر الجنسية قدر الامكان بالعائلات "الاماراتية الاصل فعلا " وحصر الكوادر الادارية والمناصب العليا في الدولة بالمواطنين دون سواهم...اما الفتاوي الرسمية في كل العالم العربي فإنها غالبًا ما تكون على هوى المسؤوليين وهو أمر معروف عبر التاريخ"

أخيرا تبقى إشكالية الزواج ومفاعيله وما يترتب عليه مثار جدلٍ وقلق في المجتمعات الاسلامية ، ما لم يتحقق الوعيّ والنضج عند الفرد في ظلّ قوانين مدنية جريئة، تحترم "الانسان" وخياراته وترعى حقوقه "الانسانية " قبل اطلاق الفتاوى "المحرمة" و"المحللة" ، فالشرائع سنت لخدمة الانسان قبل كل شيئ ؛ أليس من حق الانسان ذكرا كان ام انثى ان يعيش مع من يحب بالشكل الذي يرتضيه دون تدخل من أحد ؟!

اجمالي القراءات 2004
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق