محمود الزهيري: النظام المصري مسؤول بصفة مباشرة عن كافة الجرائم المرتكبة في حق المصريين
قال الناشط الحقوقي المصري محمود الزهيري إن النظام الحاكم في مصر هو من يجب تحميله المسؤولية ومحاكمته في قضية العبارة المنكوبة "السلام 98" التي راح ضحبتها أكثر من ألف راكب. وأشار الزهيري في حوار خاص لـ"آفاق" إلى أن الحكم ببراءة مالكي العبارة كان متوقعا من قبل لأن النائب العام أحال المتهمين إلى محكمة جنح ولم يحلهما إلى محكمة جنايات.
وأضاف الزهيري "جاء في تقرير النائب العام وتحقيقات النيابة أن العبارة "السلام 98" كانت سليمة وصالحة للاستعمال، وأن شركة السلام ليست هي المسؤولة وأن المسؤولية تقع على طاقم العبارة الذين لقوا حتفهم في الحادث".
وتساءل الزهيري "إذا كان النائب العام هو الذي قدم المتهمين في قضية قتلى العبارة "السلام 98" وهو الذي أعطى الوصف القانوني للاتهام وطالب بالعقاب فلماذا لم يقدم المتهمين بلائحة اتهام تتضمن بداية من التصاريح المزورة التي كانت تسير بها العبارة".
وقال الزهيري "إن النظام المصري هو المسؤول بصفة مباشرة عن كافة الجرائم المرتكبة في حق المصريين".
وانتقد الزهيري تسمية ضحايا الكوارث والحوادث في مصر بـ"الشهداء" واعتبرها "مصطلحات دينية من توظيفات رجال الدين وعلماؤه المنتمين للنظام المصري لتخدير للشعب المصري".
وفيما يلي نص الحوار :
ما تعقيبكم على الحكم الذي أصدرته المحكمة المصرية القاضي بتبرئة مالك العبارة المصرية المنكوبة "السلام 98" والتي راح ضحيتها ما يزيد عن ألف شخص؟؟؟
الأحكام القضائية يتوجب على القضاة حينما تصدر لابد وأن تكون مسببة سواء في القضاء بالبراءة أو بالإدانة على حد سواء، وكان أمر تسبيب الأحكام القضائية وكأنه مرآة للمجتمع ينظر في تلك الأحكام فيرى مدى اتساقها مع صحيح الواقع والقانون من عدمه، والمجتمع في هذه الحالة هو الرقيب والذي يتم نطق الحكم وتصديره باسم المجتمع المكون لشعب من الشعوب وكل الأحكام تصدر بإسم الشعب، وليس بإسم السلطة القضائية أو التشريعية أو التنفيذية، فالأحكام صادرة بإسم الشعب، وفي حكم قضية العبارة "السلام 98" لمالكها ممدوح إسماعيل صدر الحكم بتبرئته بإسم الشعب، المتوجب أن يكون هذا صحيحاً والحكم كتب في صدارته بإسم الشعب، ولكن هل الشعب المصري موافق وفي حالة من حالات الرضا التام أو المنقوص على تبرئة ممدوح إسماعيل من قتل مايزيد عن 1034 مواطن مصري غرقاً ؟!!
أكاد أجزم بأن الشعب المصري غاضب من الحكم بتبرئة ممدوح إسماعيل ورفاقه من دم المصريين القتلي غرقاً. ولكن لابد من الوقوف على بدايات أحداث العبارة التي بدأت مع غيرها من بدايات قضايا الفساد والتربح والرشي للمسؤلين في الجهاز الإداري للدولة المصرية التي أصبحت في حالة من حالات الرخاوة كما وصفها الأستاذ جلال أمين بالدولة الرخوة والتي فقدت مقومات الدولة لتتحول إلى مقومات النظام الحاكم وليس الدولة، فالكائن الآن نظام حاكم لدولة رخوة، والنظام الحاكم يحافظ فقط على بقائه وإستمرارية تواجده في الحكم والسلطة إلى قدر غير معلوم، وبالأحرى إلى قدر مجهول.
لقد نشر الراحل مجدي مهنا في صحيفة "المصري اليوم" مقالة في عموده في الممنوع بتاريخ 26/5/ 2006 جاء به قراءة للواقع وإستشراف للمستقبل وتنبأ ببراءة ممدوح إسماعيل ومما قاله وهو على وجل من محاكمته أيضاً بسبب مقالته قال: أخيراً وبعد طول انتظار، أعلن النائب العام المستشار ماهر عبدالواحد قرار الاتهام في قضية غرق العبارة "السلام 98"، التي راح ضحيتها 1034 مواطناً، وقرر إحالة المتهمين ومن بينهم المتهمان الهاربان ممدوح إسماعيل صاحب شركة السلام مالكة العبارة، ونجله عمرو إليى محكمة جنح سفاجا.
لماذا جنح سفاجا وليس جنايات سفاجا؟ لأن سيادة النائب العام استبعد المسؤولية الجنائية في الحادث عن المتهمين، وقصرها على طاقم العبارة الذي توفي والذي يتحمل وحده على حسب قرار النائب العام، المسؤولية الجنائية عن موت الضحايا. أي أن ممدوح إسماعيل ونجله وباقي المتهمين أبرياء من دماء الضحايا.
وجاء في قرار النائب العام، أن التحقيقات التي أجرتها النيابة كشفت عن أن العبارة "السلام 98" سليمة البدن.. ومتوافر بها كل الأجهزة المطلوبة، وأنها صالحة للاستعمال، كما لا يوجد جهاز فني واحد بها معطل.
أكثر من هذا، قال النائب العام في قرار إحالة المتهمين إلى المحاكمة - حسبما نشرت الصحف اليومية - إن غرق العبارة لا علاقة له بالشركة. وأستطيع أن أفهم - وأرجو ألا يكون فهمي خاطئاً - من قرار النائب العام في الفقرة الأخيرة، أن شركة السلام وصاحبها ممدوح إسماعيل ليست مسؤولة، وليس مسؤولاً عن غرق العبارة، ولا عن موت الضحايا، وأن الرجل بريء من هذا الاتهام. إلا إذا كان قرار النائب العام يمكن تفسيره على نحو آخر، لم أستطع التوصل إليه.
وظل مجدي مهنا يتسائل قبل رحيله عن دنيانا، بنفس التساؤلات التي تدور في عقلية ومخيلة المصريين قائلاً: لماذا أحال النائب العام كلاً من المهندس ممدوح إسماعيل ونجله عمرو، إلى محكمة جنح سفاجا، إذا كانا غير مسؤولين عن غرق العبارة، وأن العبارة "السلام 98" كانت سليمة وصالحة للاستعمال، وأن شركة السلام ليست هي المسؤولة ؟
إن المعنى الصريح لقرار النائب العام - حسبما فهمته - هو أن كلاً من ممدوح إسماعيل ونجله عمرو سيحصلان على البراءة المؤكدة في المحكمة، وهذا يجعلني أطرح السؤال من جديد: لماذا الإحالة إذا كانت البراءة هي النتيجة الحتمية والمتوقعة لهما؟
إنني أتساءل وأرجو من سيادة النائب العام أن يجيب عن تساؤلي، الذي هو بلا أدنى شك يدور في ذهن كل من اطلع على حيثيات قرار سيادته .
رجاء آخر لسيادة النائب العام، ألا يتم استدعائي لمكتبه لمعرفة الغرض من وراء كتابة هذا المقال، وطرح هذا السؤال، فهدفي هو المصلحة العامة ولا شيء غير المصلحة العامة.
وتعقيباً على هذا الكلام، إذا كان النائب العام هو الذي قدم المتهمين في قضية قتلى العبارة "السلام 98" وفي مقدمة الإتهام ممدوح إسماعيل ونجله، وهو الذي أعطي الوصف القانوني للإتهام وطالب بالعقاب بمواد إتهام محددة، وإذا كان قد تنبأ مقدماً بان المتهمين سيحصلون على القضاء بالبراءة من هذه التهمة، فلماذا لم يقدم المتهمين بلائحة إتهام تتضمن بداية من التصاريح المزورة التي كانت تسير بها العبارة، والتصاريح الخاصة بتشغيلها في المياة الإقليمية أو الدولية، بل وأين الجهات المسؤلة عن الإنقاذ، ولماذا ثارت ضجة كبيرة حول الطلب الذي تقدم به عضو مجلس الشعب عن حزب الكرامة تحت التأسيس النائب سعد عبود حول التقصير والإهمال في إنقاذ قتلي العبارة، والذي أثار حفيظة مؤسسة الرئاسة ووزارة الدفاع.
إن الخطأ ليس في نهاية المطاف متعلقاً بالحكم القضائي الصادر بإسم الشعب المصري، وإنما الخطأ في البدايات منذ ولادة العبارة "السلام 98" ووجودها في المياه المصرية وإصدار تراخيصها، والتفتيش على أجهزة السلامة فيها، والخطأ يبدأ مع ولادة الإتهام ذاته بمطالبة الإتهام بمواد قانونية لاتنطبق على واقعة الإتهام فيما يسميه القانونيين في دفاعهم بعدم إنطباق مواد الإتهام علي الواقعة، أو عدم إنطباق القيد والوصف على الواقعة موضوع الإتهام، وكأن هذا هو الشأن الخاص بجريمة قتلى العبارة غرقاً، وهذا الذي تنبأ به الراحل مجدي مهنا.
إن هناك أمور ماكانت لتكون لو كان هناك إستقلال للسلطة القضائية بداية من النيابة العامة التي تقوم بدور سلطة التحقيق وسلطة الإتهام في آن واحد دونما فصل بين السلطتين، فالنيابة العامة هي التي تجري التحقيق وهي التي توجه الإتهام وتضفي الصبغة التي من المفترض أن تكون قانونية ومنطبقة على أي واقعة من الوقائع التي يجرمها القانون، وهذه المسألة غير موجودة إذ كيف تكون النيابة العامة هي صاحبة سلطة التحقيق وصاحبة سلطة الإتهام في ذات الوقت ؟!!
كما أن مسألة إستقلال السلطة القضائية في ظل النظام القانوني المصري تعتبر حبراً على ورق، إذ ما معنى أن يكون رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب الحاكم وهو رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية في نفس الوقت، وما معنى أن يكون وزير العدل هو الحامل لحقيبة وزارية من حقائب حكومة الحزب الوطني الحاكم في مصر، والقضاة في مصر بداية من النيابة العامة يتم تعيينهم، وترقيتهم، وندبهم، وإعارتهم، وصرف المرتبات والبدلات والحوافز لهم بمعرفة وزارة العدل، فإذا كان هذا هو حال القضاة فكيف يتأتي مبدأ استقلال السلطة القضائية ؟!!
ومن ثم فالتعليق على حكم البراءة لممدوح إسماعيل ونجله وباقي المتهمين هو حديث هراء ولا جدوى من الحديث عنه لأنه أمر متعلق بسلطة الحكم وليس بالسلطة القضائية؟!!
ومن هنا فقد يكون من الصواب أن يتم توصيف المجتمع المصري بأنه مجتمع يتشابه في صفته بالعبارة الغارقة، أو التي تكاد تشرف علي الغرق !!
بعض التقارير تفيد بأن العبارة المنكوبة كانت تفتقد إلى معايير الأمان المطلوبة ولو الحد الأدنى منها فمن المسؤول هل هي الجهات الرقابية في الحكومة أم ملاك هذه العبارة ؟؟؟
هذا أمر منطقي وطبيعي جداً أن يحدث في دولة رخوة أصبح الفساد فيها هو الحاكم لكل الأمور بجدارة مطلقة، حيث الدولة المركزية التي يتم إختزال كافة السلطات فيها في شخص الحاكم الذي هو بيده مقادير كل الأمور، والغالبية تلجأ إليه في جميع الأزمات وليس إلى الجهات والمؤسسات التي من المفترض أن يكون لها دور فاعل طبقاً للقانون والدستور، ومن حيث بدأت حالة الزواج العرفي بين السلطة والثروة في مصر فأصبحت من ثم كافة الأمور لايمكن الحكم عليها إلا من خلال منظور الفساد العام الذي أصبح كالسرطان وأصاب جسد المجتمع المصري .
هناك اتفاقيات أمنية بين مصر ولندن لتسليم المطلوبين، ونعلم بأن مالك العبارة المنكوبة ممدوح إسماعيل قد هرب إلى بريطانيا فلماذا لم تطالب السلطات المصرية من لندن تسليم ممدوح إسماعيل ومحاكمته في مصر؟؟؟
ومن المنوط به أن يقوم بتفعيل تلك الاتفاقيات الأمنية؟ أليس النظام الحاكم هو المنوط به ذلك؟ ولكن إذا قام النظام الحاكم بتفعيل تلك الاتفاقيات ضد ممدوح إسماعيل وغيره من الهاربين إلي الخارج، فإنه يكون في حالة من حالات إدانة ذاته ، فالمستحق القبض عليه ومحاكمته أولاً هو النظام المصري، فهو المتهم أولاً، وأي حديث عن توجيه أي إتهام إلى من هم دون النظام المصري يعتبر حديث غير مجدي، لأن النظام المصري هو المسؤول بصفة مباشرة عن كافة الجرائم المرتكبة في حق المصريين، وإلا من حقنا أن نتسائل ماذا فعل النظام المصري مع المجرمين الذين إرتكبوا جرائم خطيرة في حق المصريين، تتوجب بجدارة تقديمهم للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
هل يصح بأن تقوم المحكمة بمحاكمة ممدوح إسماعيل وهو خارج قفص الاتهام في المحكمة ؟؟؟
المسألة ليست خاصة بالمحاكمة وإجراءاتها بداءة، وإنما المسألة تبدأ من حيث صدور قرار بمنع ممدوح إسماعيل من السفر ووضع إسمه علي قوائم الترقب، إلا أنه وبعد صدور القرار بحوالي نصف ساعة تقريباً كان هرب ممدوح إسماعيل خارج مصر !! فمن الذي يسر أمر هروب ممدوح إسماعيل ونجله خارج مصر، ومن له المصلحة في ذلك؟!! أليس المسؤل هو النظام المصري؟!!
أما عن المحاكمة بدون حضور المتهم وهو داخل قفص الإتهام ففي مواد الجنح تتم المحاكمة بدون حضور المتهم وإنابة محامي بوكالة قانونية عن المتهم، وإستثناء من ذلك الجرائم المتعلقة بالسرقات على سبيل المثال، بجانب بعض الجرائم الأخرى.
أهالي ضحايا العبارة المنكوبة قتلوا على مرحلتين الأولى عندما استقبلوا جثث أبنائهم بعد أن مكثت أيام في البحر لتأكلها الأسماك، والثانية عندما ضاع حق أبنائهم بمحاسبة المسؤول عن هذه الكارثة، فإلى أين تتجه هذه الأسر المفجوعة بعد أن خذلهم القضاء المصري ؟؟؟
ليس ضحايا العبارة هم الذين قتلوا، ولا أهالي قتلى العبارة فقط، وإنما المجتمع المصري هو الذي يعيش الآن مرحلة إنتظار القتل سواء كان القتل بغرق العبارة، أو بحريق قطار، أو حريق مسرح، أو القتل بالمبيدات الحشرية شديدة السمية، أو بالهرمونات المسببة لمرض السرطان، والتليف الكبدي، أو القمح المسرطن، أو القتل في طابور للحصول علي رغيف الخبز بالكوبونات فالمصريين في غالبيتهم على قوائم الانتظار الخاصة بالقتل بهذه الأمور، وآخرين منتظرين قتلهم بالأحكام القضائية الطبيعية منها أو العسكرية، وهنا لابد وأن نعتقد بأن القتل واحد، ولكن أساليبه متعددة !!
والحديث عن الإتجاه الذي ستتجه إليه أسر الضحايا، فهو اتجاه مجهول، خاصة بعد أن تحصل القاتل على البراءة بموجب حكم قضائي، ومن ثم فإن المسؤولية الجنائية تجاه ممدوح إسماعيل أصبحت منتفية، وكذلك المسؤولية المدنية أصبحت في حالة القضاء بالبراءة ليس لها محل من الإعراب، لأن الدعوى الجنائية مرتبطة بالدعوى المدنية، ولا يتبقى إلا البحث عن طرق الحصول على التعويض المدني، ولكن ليس من خزائن أموال ممدوح إسماعيل، وإنما من الشركة التي تنعقد لديها المسؤولية المدنية تجاه تلك الحوادث أي الشركة المؤمن لديها على عبارة الموت.
بل والأغرب أنه من حق ممدوح إسماعيل ونجله والمتهمين الذين تحصلوا على أحكام بالبراءة أن يعودوا على أهالي الضحايا بتحريك جريمة البلاغ الكاذب ضدهم، ويطالبوا بحبسهم بجانب التعويض المدني منهم، لأنهم أمام القانون المصري الذي قضي ببراءة ممدوح إسماعيل، قد أبلغوا كذباً عن واقعة لو صحت لاستوجبت حبس ممدوح إسماعيل، أما وأن الواقعة الخاصة بقتلى العبارة "السلام 98" واقعة مكذوبة بحسب القضاء بحكم البراءة، فمن حق ممدوح إسماعيل أن يطالب بحبس أهالي القتلى والتحصل على التعويض المناسب منهم، وهذه قمة المهزلة، أقصد قمة المحزنة !!
هل تكفي خطوة الحكومة المصرية باحتساب ضحايا كوارث الإهمال في مصر بأنهم شهداء، ولعل شهداء مصر على هذه الطريقة سيزدادون يوما بيوم في قضايا الإهمال في القطارات والعبارات ... الخ ؟؟؟
بهذا المفهوم، فإن الشعب المصري في غالبته ينتظر دوره كما قلت في انتظار الشهادة، والحصول على الشهادة بمفهوم النظام المصري متعدد في طرق الحصول عليها، واستخدام مصطلحات دينية في أزمات ومصائب سياسية في أساس وجودها على مسرح المجتمع المصري هو من سبيل توظيفات رجال الدين وعلماؤه المنتمين للنظام المصري في مؤسساته الرسمية، هو من سبيل التخدير للشعب المصري الذي هو مخدر بالفعل بجملة أنواع من المخدرات السياسية والدينية.
وحديث الدين والشهادة هو من أخطر الأحاديث التي تبرر طرائق الفساد والظلم والاستبداد واللامسؤولية تجاه المجتمع المصري، حيث أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وتوظيف هذه العبارات والجمل التي تحمل مضامين دينية متعلقة بالقدرة والمشيئة الإلهية التي توظف فقط للهروب من المسؤولية الدستورية والقانونية المنوطة بالدولة المصرية بمؤسساتها المختزلة في شخص رئيس الدولة، الذي هو يترأس كافة السلطات وهو صاحب الأمر والنهي في كل المسائل بداية من التلميذة آلاء صاحبة موضوع التعبير الذي تم ترسيبها وفصلها من الدراسة ولم تعود إلا بقرار سيادي من الرئيس حسني مبارك شخصياً، والمرشدين والملاحين الجويين في أزمتهم والتي طلبوا منه التدخل لحل هذه الأزمة ، بل وغيرها من الأزمات التي تبين مدى اختزال كافة الهيئات والمؤسسات في شخصه هو فقط، ووصولاً لمصيبة أو كارثة قتلى العبارة "السلام 98"، فهو المسؤول وحده أمام الشعب المصري عن هؤلاء القتلى !!
إلى أي مدى توضح هذه القضية استهتار القضاء المصري بأرواح العشرات من الأبرياء المصريين والذين راحوا ضحية الإهمال وقضايا الفساد في المؤسسات الحكومية والخاصة في مصر ؟؟؟
القضاء المصري ليس مستهتراً، ولا يتوجب أن نصفه بهذه الصفة، لأن الاستهتار يتنافي مع المسؤولية، ولكن أزمة القضاء المصري كامنة في أنه من المفترض أن يكون سلطة مستقلة شأنه في ذلك شأن باقي السلطات، ومادام القضاء المصري لا يمثل سلطة فكيف تنعقد لديه المسؤولية تجاه الوطن، والشعب المصري الذي يصدر أحكامه باسمه أي باسم الشعب، فلا يخلو حكم من أحكام القضاء المصري إلا ويتوسطه كلمتين: بإسم الشعب.
ولكن حينما يتحول وكيل النيابة أو رئيس النيابة، أو القاضي إلى موظف ينتظر الترقية والبدل والحافز والنقل والندب والإعارة للخارج، بل والمحاكمة والعزل، وذلك كله منوط بأمر وزارة العدل التي هي إحدى وزارات حكومة الحزب الحاكم الذي يترأسه رئيس الدولة والذي يترأس المجلس الأعلى للهيئات القضائية في ذات الوقت كما قلت سابقاً، فبماذا يختلف القضاة عن المحضرين في المحاكم، مع الاحترام للجميع، وبماذا يتميز القاضي عن أي موظف إداري في الدولة المصرية ؟!! أعتقد لا فرق ولا تمايز !!
ومن هنا أصحبنا أمام وكيل النيابة الموظف، والقاضي الموظف، والمحضر الموظف، والجميع أصبحوا أمام سلطة الحكم لا فرق بينهم. فأين استقلال السلطة القضائية إذاً؟! الحقيقة والواقع يؤكدان أن القضاء المصري ليس قضاءاً مستقلاً بإعتباره يمثل سلطة، لأن السلطة الممنوحة له، مسلوبة بإرادة القرار السياسي !!
أين دور المعارضة المصرية ومؤسسات المجتمع المدني للوقوف إلى جانب المواطن المصري في محنة؟؟؟
آه ، المعارضة المصرية !! أعتقد وأجزم بأن المعارضة المصرية هي من تحتاج إلى من يقف بجانبها، لأنها هي التي تعيش المحنة الحقيقية، لأنه لو وجدت المعارضة المصرية وكان لها كيان حقيقي وواقعي ما كان للنظام الحاكم أن يتحول بالمجتمع المصري إلى ما يشبه العبارة "السلام 98".
إن المعارضة المصرية هي المأزومة وهي التي تعيش المحنة كاملة، فهي مأزومة في بعض فصائلها التي أصبحت وكأنها تؤكد على ثقافة النباح، وتجميل وجه النظام القمعي، ومأزومة كذلك في ارتماء بعض فصائلها في حضن النظام الحاكم، والمعارضة المصرية تمثل أزمة للمجتمع المصري لأنها معارضة بلا صدى وهي تتشابه مع النظام الحاكم في البقاء على كرسي الحزب حتى الوفاة، وبعض رؤساء الأحزاب قد شاخوا على كراسي الأحزاب كما شاخت السلطة الحاكمة علي كراسي الحكم والسلطة، والمعارضة المصرية ليس لديها إيمان بالديمقراطية وتبادل المسؤولية الحزبية، مثلها في ذلك مثل النظام الحاكم سواء بسواء، بل وان الأحزاب المصرية وكأنها قد تحولت لمقار مكاتب مباحث أمن الدولة، وهي تتعايش من بعض الهبات والعطايا الممنوحة من النظام الحاكم لها في صور متعددة تأخذ أشكال قانونية متعددة لإضفاء المشروعية على أعمال باطلة تقوم بها هذه الأحزاب في حق المواطن المصري، بل ويضاف إلي ذلك أن معظم رؤساء الأحزاب المعارضة، والمسئولين في تلك الأحزاب يمثلوا درجات وظيفية عليا في سلم الإدارة في الدولة المصرية ولهم مصالح ومنافع مع السلطة والنظام الحاكم.
وإذا أرادت الأحزاب السياسية أن يكون لها دور في الحياة السياسية المصرية، فلابد وأن يحدث صدام مستمر بينها وبين النظام الحاكم في صوره القانونية والدستورية، ومن ثم فإنها في هذه الحالة تحتاج حتماً إلى من يقف بجانبها !!
أو إذا أرادت أن تكون تلك الأحزاب على جانب من المسؤولية، فليس هناك من سبيل إلا أن يقوم القائمين على أمر تلك الأحزاب بحلها والتحلل من تلك الالتزامات المكذوبة والتي أصبحت مفضوحة أمام المجتمع المصري، ومن ثم تخرج من مهزلة إدعاء المعارضة والمشاركة السياسية التي لم ترقى إلى مستوى مسرحية هزلية قد يكون لها دور هادف في إضحاك المهمومين والمأزومين، والتي لم تستطع الأحزاب السياسية في جملتها فعل ذلك وعجزت حتى عن القيام بهذا الدور .
أتعتقد أن المجتمع المصري أصبح لا يبالي بما يحدث في الشارع المصري ففي يوم النطق بقرار المحكمة بتبرئة مالك العبارة خرج آلاف المصريين للهتاف والاحتفال بمباراة أقيمت بين المنتخبين المصريين الأهلي والزمالك ؟؟؟
هذا أمر ليس بالغريب أو المستهجن ، لأن الشعب المصري وكأنه إرتضي لنفسه أن يبقى راكباً عبارة العبيد، فلو لم تكن العبودية هي الحاكمة في المسألة هل كان من الممكن أن يتحصل ممدوح إسماعيل على حكم بالبراءة؟!!
إننا كل يوم نساق بالآلاف إلي عبارة العبيد لكي نلقي المصير ذاته الذي لقيه ضحايا العبارة السلام، وكأننا نساق إلي القتل من غير أن تكون لنا إرادة في رفض ذلك، حيث الشعب المصري تم تخديره بالعديد من أنواع المخدرات، وتم استخدام الدين وتوظيفه ليقوم بدور المخدر الكلي أو الموضعي حسب ظروف كل أزمة أو كارثة أو مصيبة تحل بالوطن، والشعب المصري أصبح مخدراً بالخوف من السجن والاعتقال والتعذيب والقتل، والشعب المصري أصبح مخدراً بالفقر والجوع والمرض، والشعب المصري أصبح مخدراً بتجهيله وافتقاده للمعلوماتية، والشعب المصري أصبح في حالة مرضية مزمنة لا يريد الشفاء منها وهي احتياجه للدولة المركزية التي أصبحت تمثل له الأطراف الصناعية، والهروب إلى اللامسؤولية حيث الآخرة، واليأس من أمور الدنيا !!
وأظن أن المشكلة هي في كيفية خروج الدولة المركزية من داخل عقول وأحلام المصريين، والوصول إلي الدولة الديمقراطية المؤمنة بحتمية تداول الحكم والسلطة، وبمبدأ الفصل بين السلطات، والتي تجعل قضية الأمن القومي لها هي في الأساس الأول قضية المواطن المصري المأزوم.
ومن هنا من الممكن أن تتحول الصورة من الإيمان بالخراب والعدم، إلى الإيمان بالبناء والرخاء والتنمية والعدالة الاجتماعية في ظل منظومة سياسية لها أبعاد اجتماعية واقتصادية عبر المنظومة الديمقراطية التي تجرم احتكار الحكم والسلطة، حتى تتضح ملامح المسؤولية أمام المجتمع، ويكون المجتمع هو صاحب السلطة وليست الدولة المركزية.
اجمالي القراءات
3624