حلمى النمنم يكتب: حسن البنا.. التلميذ النجيب فـى المدرسة الوهابية

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٣ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً.


حلمى النمنم يكتب: حسن البنا.. التلميذ النجيب فـى المدرسة الوهابية

حلمى النمنم يكتب: حسن البنا.. التلميذ النجيب فـى المدرسة الوهابية

البنا
 
نشر: 13/3/2013 4:18 ص – تحديث 13/3/2013 4:18 ص

فى ميراث الأستاذ الإمام محمد عبده لم نجد أبدا تعبير «ملاحدة المسلمين»، واتهام الآخرين فى عقائدهم، صحيح أن حسن البنا هنا كان يقوم بالملاسنة على مصطفى كمال أتاتورك ومن معه، وهؤلاء أسقطوا الخلافة، ولكن لم يثبت أنهم كانوا ملاحدة ولا أنهم أعلنوا الإلحاد، لكن حسن البنا عمم الاتهام، ولم يقصره على جماعة أتاتورك بل نقله إلى الواقع المصرى، والقاهرة تحديدا، الإمام محمد عبده الذى وقف بصرامة ضد تكفير المسلم، وهو الذى عمد إلى إحياء مقولة الإمام مالك -رضى الله عنه- لو أن أمرأ حمل على الإيمان من وجهه واحدة، وحمل على الكفر من مئة وجه لحملناه على الإيمان، ولم يقل بما قال به حسن البنا من أن الأمة فقدت رشدها، هكذا ببساطة يتهم الأمة بأكملها، لذا يصعب القول إن حسن البنا تلميذ أو امتداد لمدرسة محمد عبده والأفغانى. ليس فيه شىء منهما بالمرة، هو امتداد لمدرسة محمد بن عبد الوهاب.

وما فات حسن البنا أن الاحتلال الأوروبى للبلاد الإسلامية حدث، واكتمل فى ظل وجود دولة الخلافة، لكن المهم فى هذا، أن المشكلة عنده ليست فى المحتل ولا فى شيوع الاستبداد والمظالم العامة، والقضية عنده لا تبدأ بمواجهة المحتلين والمستعمرين بل أن يواجه بعضنا بعضا، وأن أول خصومنا هم الذين تركوا مظاهر الإسلام!

البنا تعامل مع الإخوان بمنطق «أنا الدعوة.. والدعـــــــــــــوة أنا».. وكتّاب «الوفد» وصفوا البنا بـ«راسبوتين» مصر

ويبدو عنده أن ما قام به الاستعمار فى بلادنا هو عقاب إلهى لنا «إن الله بيده الأمر كله، والأرض له يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، وإن الله قوى قهار لا يعجزه أن ينتزع أرضًا من أيدى أقوى دولة فيستخلف فيها أضعف دولة لينظر كيف يعملون، والتاريخ كفيل بذلك، وشاهد عليه، فبنو إسرائيل ورثوا الأرض التى بارك الله فيها بعد أن كانوا أذل من الذل وأقل من القلة» ثم يقول «وبتأكيد واضح أقسم لكم أيها الإخوان لو علم الله فى المسلمين صالحين أن يكونوا خلفاء الله فى الأرض لأرسل على من يضطهدهم عذابا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم ولبعث عليهم جنودا لم تروها، وما يعلم جنود ربك إلا هو، ولخلّص الأرض من أيديهم وأورثكم إياها» نفس المعنى، وهو أن المسلمين لم يعودوا مسلمين، ثم يقول ولسنا نقصد بذلك القعود عن العمل، وإنما نريد تجديد النفوس وتطهير الأرواح وتقوية العقائد حتى تمتلئ النفوس بالأمل والإيمان، وحتى تندفع إلى العمل بقوة وثبات.. والخلاص عنده فى هذه الجزئية «من واجبنا أن نتعرف إلى الله بما يريده منا، وأن نسير مع أوامره ونواهيه فإذا رضى عنا أعاننا بنصره، وأوضح لنا سبيل الخلاص، وكان معنا على أعدائنا فأخذوا من مأمنهم وزلزلوا فى مساكنهم وذاقوا وبال أمرهم».

ويقدم حسن البنا اقتراحا للخروج من الأزمة موجزه على النحو التالى «من الأحكام الشرعية أن القنوت سنة فى كل الصلوات بعد الركوع الأخير، إذا نزلت نازلة بالمسلمين، وبما أن المسملين فى هذه الأيام يواجهون كل يوم نازلة جديدة وتكسرت النصال على النصال، فيلوح لى جواز تطبيق هذا الحكم فى كل المساجد الإسلامية وفى كل الصلوات، فيتفنن الأئمة فى كل صلاة بالدعاء للمسلمين بالنصر والخلاص وبالدعاء على أعدائهم بالضعف والهزيمة فما رأى سادتنا العلماء فى ذلك»؟!

ويتكرر ذلك الفكر لديه فى الكثير من رسائله وخطبه إلى أعضاء الجماعة تأمل مثلا «هذه سبيلى» والتى يقدم فيها ما يجب للأخ أن يعتقد فيه ومن بينها «أعتقد أن السر فى تأخر المسلمين ابتعادهم عن دينهم، وأن أساس الإصلاح العودة إلى تعاليم الإسلام وأحكامه وأن ذلك ممكن لو عمل له المسلمون».

لن نجد فى كل تحليلات حسن البنا حديثا عن التأخر العلمى، خصوصا فى مجالات العلوم الطبيعية والكيمياء وغيرها، وتأخرنا فى مجال الاختراعات العلمية والنهضة الصناعية، فالذين طوروا الأسلحة الأوروبية لم يكن كلهم من المتدينين، فضلا عن أنه لم يكن بينهم مسلم واحد، ولن تجد فى أحاديث البنا ومقالاته شيئا عن الاستبداد والتسلط السياسى الذى مارسه الخلفاء، خصوصا خلفا الدولة العثمانية، فقتلوا باستبدادهم الإحساس بالكبرياء داخل المواطن، واعتزازه بنفسه، ولن يقول حسن البنا كما قال جمال الدين الأفغانى عجبت للفلاح المصرى حين لا يجد قوته مثلا يخرج بفأسه ليشق رأس ظالمه، والواقع أن واقع المسلمين وتأخرهم كان شاغلا رئيسيا لدى الكثير من المصلحين والرواد بدءا من الجبرتى، الذى شاهد التجارب العلمية الحديث التى زارها علماء الحملة الفرنسية إلى الشيخ حسن العطار، ثم رفاعة الطهطاوى وعلى مبارك وغيرهم، وتعددت شخيصاتهم وتحليلاتهم للأزمة، كما تعددت اقتراحاتهم، وتباينت للخروج من الأزمة، لكن لم يكن بينهم من قال بما قال به حسن البنا، وهو أن المسلمين ابتعدوا عن دينهم، وأن الملاحدة زادوا بينهم وأنهم هجروا معنى التوحيد الدينى.

وحين تكون مشكلة المجتمع وقضايا الوطن محصورة فى المواطن ذاته أو الإنسان المسلم الذى لم يعد مسلما بالمعنى الصحيح، يصبح من الطبيعى أن تسعد سلطات الاحتلال بهذا التفسير، فالمشكلة هنا لا تصبح فى الاحتلال ولا فى المحتلين بل فى المواطنين ذاتهم، «المسلمين»، وهذا ما كان يراه لورد كرومر نفسه، ولكن بطريقته هو، ولذا ليس غريبا ما تردد عن مساندة الإنجليز والسلطات البريطانية لحسن البنا وجماعته فى البداية، لا نقول إنهم كانوا عملاء للاحتلال لكن فكرة البنا من الناحية العملية تدعم الاحتلال وتبقى عليه أو على الأقل تصرف الجهد والتفكير عن مقاومته والتصدى له، بل تجعل هذه الفكرة عمليا خصم الاحتلال، ومقاوميه خصوما لها فهى تعتبرهم علمانيين، ومن ثم لا تصبح مقاومة المحتل بطولة ولا فضيلة، وحين تتحدث الوثائق البريطانية عن مساعدة وأموال بريطانية دفعت إلى البنا وجماعته فلا بد أن تصدقها بضمير مستريح.

وحين تكون المشكلة فى المواطن ذاته أنه ابتعد عن دينه، ويجب إعادته إليه فى الاستبداد السياسى ولا فى الظلم الاجتماعى، فإن السلطة المستبدة تسعد بمن يقول ذلك، وتفتح له ذراعيها، ويرحب به رموز القهر الاجتماعى من محتكرين وكبار الملاك، وفى الأغلب فإن من يقول ذلك لن يتخذ موقفا من السلطة أقصد موقفا مناوئا أو معارضا ولا حتى موقف الجدل معها على أرضها، ولذا يجد مساندة من السلطات الحكومية ولعل هذا يفسر لنا أن حسن البنا لم يتخذ موقفا رافضا، ولا حتى ناقدا لأى حكومة حتى اغتياله سنة 1949، كان مؤيدا ومناصرا للجميع لقد توقف الباحثون عند تأييد جماعة البنا لرئيس الوزراء إسماعيل صدقى سنة 1946، وهتاف طلاب الإخوان بالجامعة مرددين الآية القرآنية الكريمة التى تتحدث عن سيدنا إسماعيل ابن أبى الأنبياء إبرهيم، وفى الحقيقة هم لم يؤيدوا صدقى باشا وحده، أيدوا كل رئيس حكومة، سواء كانت حكومة القصر أو حكومة الأقلية أو على ماهر ومصطفى النحاس ومحمد محمود والنقراشى وصدقى، ولا يمنع الأمر من الانقلاب على رئيس الحكومة، بمجرد أن يغادر موقعه لذا ليست مصادفة أن البنا استفاد وكسب من كل رئيس حكومة، وليس غريبا ما تحدث عنه د.محمد حسين هيكل فى مذكراته من أنه وهو وزير المعارف حين نقل حسن البنا من القاهرة إلى قنا، وهو أمر بسيط نقل مدرس ابتدائى من محافظة إلى محافظة، يحدث بيسر وسهولة فى الوزارة كما يقول د.هيكل، لكن فى حالة البنا فوجئ بنواب الأحزاب الدستوريين فى البرلمان الحزب الذى ينتمى إليه د.هيكل يتحدثون إلى وزير المعارف فى ضرورة إعادة المدرس إلى القاهرة ثانية، لم يوضح د.هيكل دوافع هؤلاء الدستوريين، لكن صحف ذلك الزمان تكشف السر، فقد كان أعضاء الجماعة يحتشدون لمساندة هؤلاء النواب فى الانتخابات البرلمانية، كل فى دائرته، إنها حالة من الانتهازية السياسية مغطاة بغلاف من العمل على نصرة الدين، فحين يكون الهدف رد الناس إلى دينهم فإن السلطة ورجالها تنظر بارتياح وعدم قلق إلى من يقول بذلك، والقائل نفسه لن يجد غضاضة فى التصفيق لأى سلطة، وأن يستفيد منها قدر المتاح ولا يدخل فى صدام معها، وهكذا كان حال حسن النبا لذا انتشرت جماعته وأنشأ جيشا مسلحا دون اعتراض من أحد.

وإذا كان الهدف رد الناس إلى صحيح العقيدة الدينية، فلا مجال للحديث عن تعددية سياسية، ولا عن سيادة القانون والدستور ويصبح الحديث عن الحريات العامة فضلا عن الحريات الخاصة ومنها حرية الاعتقاد نوعًا من الهرطقة، يدان المطالب بها، ويدان من يسعى إلى ممارستها، ذلك أن رد الناس إلى العقيدة يقتضى نوعا من الضغط والعنف، ومن ثم لا معنى لحرية التفكير هنا، وحق الاختيار بل الترحيب كل الترحيب بالسلطات التى تمارس القمع على هؤلاء المواطنين، لذا لا غرابة فى أن حسن البنا وجماعته حرصوا حتى اغتيال البنا على تقديم صورة الملك فاروق باعتباره الملك المتدين التقى الورع، الذى يجلس مستمعا فى إنصات وتواضع لقراءة القرآن الكريم، خصوصا فى شهر رمضان.

لهذا كله يصعب مرة ثانية أن نعتبر حسن البنا امتدادا لجمال الدين الأفغانى، ولا هو تجليا من تجليات أفكار الأستاذ محمد عبده، بل هو نقيض كامل لهما، هو امتداد لمدرسة ومنهج محمد بن عبد الوهاب، مع فارق مهم، هو البعد المكانى واللحظة التاريخية، ربما كان المجتمع النجدى فى منتصف القرن الثامن عشر يسمح لابن عبد الوهاب بطرح أفكاره، يتحدث البعض عن مشايخ تقديس بعض الأشجار، وبعض المقابر هناك، ويتحدثون عن أن ظاهرة الغلمان كانت شائعة ومنتشرة فى ذلك المجتمع، على نحو مستفز ومهين لأبسط معانى الإنسانية ناهيك عن البعد الإسلامى، ويقولون إنها كانت تتم بصورة شبه علنية، لكن مكونات المجتمع المصرى فى الربع الثانى من القرن العشرين تختلف كثيرا، مجتمع البادية يختلف تماما عن المجتمع النهرى الزراعى، وعن المجتمع الحضرى والمدنى وحين جاء حسن البنا من المحمودية إلى القاهرة ثم إلى الإسماعيلية، لم يتمكن من استيعاب وفهم المجتمع القاهرى، ولم يكن لديه الاستعداد لذلك، ولم تكن لديه الثقافة الدينية المتعمقة التى تجعله يتريث فى إطلاق الاتهامات، والطعن فى معتقدات الآخرين، كما لم تكن لديه الثقافة الحديثة التى تجعله يهتم بدراسة المجتمع وتعمق مشكلاته، وكان من المعيب فى بلد الأزهر أن يخرج من يتشكك فى مدى إيمان ومعتقدات أهل هذا البلد، لكن هذا ما فعله حسن البنا ومن تبعه.

أنا الدعوة والدعوة أنا

«يجب أن يكون الإيمان بالفكرة وصاحبها معا»

حسن البنا

«من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت»

أبوبكر الصديق

تباينت الآراء فى شخصية حسن البنا تباينا شديدا، حدث ذلك فى حياته وبعد مماته رفعه إخوانه ومريدوه إلى عنان السماء، ومنحوه من الصفات والألقاب ما لم ينل بعضها كبار صحابة رسول الله، نجد كلا من الصحابة حمل صفة عرف بها وميزته أو الراشدين أبوبكر هو «الصديق» وعمر بن الخطاب هو «الفاروق» أما عثمان بن عفان فهو «ذو النورين» وابن عم الرسول على بن أبى طالب هو «الإمام»، هذا ما منحته جماعة المسلمين الأولى لأشخاص لازموا رسول الله، هم رموز الإسلام، أما حسن البنا فهو العالم الربانى.. الرد القرآنى.. الملهم الموهوب.. أستاذ الجميع فى كل شىء.. إمام أنقذ أمة.. وهكذا تتوالى الصفات والألقاب.

أما خصومه فقد منحوه ألقاباً مقابلة منها: الدجال المشعوذ بلا مبدأ يتخالف مع الكل.. وحين انشق عليه أحمد السكرى رفيق دربه لم يتردد فى أن يصفه بـ«الكذاب»، وقال عنه عدد من الكتاب الوفديين، وبينهم كتاب لا يستهان بهم بأنه «راسبوتين» مصر، أما العقاد فقد انهال عليه بطريقته الحادة والعنيفة ليجرده من كل شىء، حتى من جذروه الإسلامية، إذن أين حسن البنا بين هذين الفريقين؟ وكيف نفهمه؟ أقصد نفهم شخصيته وبناءه النفسى والإنسانى، ورؤيته لذاته ويحاول البعض أن يفهم حسن البنا ويحاسبه وفقا لمفاهيم لم يعتنقها حسن البنا نفسه، ولا آمن بها مثل التساؤل أو القول هل كان ديمقراطيا، فلنحاول أن نفهمه فى إطار ظروفه الخاصة وقناعاته التى ارتضاها لنفسه وعمل عليها طوال حياته.

حسن أحمد البنا من أسرة مصرية بسيطة ولد فى مطلع القرن العشرين، وقد روى والده وهو يرثيه أنه دخل البيت مرة حين كان حسن لا يزال طفلا صغيرا ينام بجوار والدته، ووجد حية قريبة من رأسه لعله كان يقصد ثعبانا، وظهور حية على هذا النحو يكشف المدى المتواضع فى البيت، ونال قسطا محدودا من التعليم لم يتمكن من دخول الأزهر لأنه لم يتمكن من حفظ القرآن الكريم، وكان ذلك هو الشرط الوحيد لدخول الجامع والجامعة العريقة، ثم درس فى تجهيزية دار العلوم فى ذلك الوقت كان هناك ثلاثة مستويات للدراسة بدار العلوم، أدناها أو أضعفها علميا كان التجهيزية التى درس بها حسن البنا، وهو كذلك لم يهتم بمتع الحياة العادية من مأكل وملبس ومسكن، يحكى محمود عساف أنه كان عائدا معه ذات مرة من مقر المركز العام، وكان بيت عساف قريبا من بيت المرشد فسارا معا، وما إن اقترب من بيت المرشد حتى قال له إن زوجته وأولاده ذهبوا إلى الإسماعيلية لزيارة خالهم، وأنه يبيت وحده الليلة ودعاه إلى المبيت معه ففوجئ عساف أن المنزل مفروش بالحصير ليس فيه سجاد، وارتدى واحدة من بيجامات المرشد، ولما تهيأ للنوم قال له الأخير إن هناك غرفة بالمنزل فيها سريران، يبدو أنها غرفة الأطفال، وقال له إنها مليئة بالبق، ولذا الأفضل أن ينام إلى جواره فى سريره، وهكذا حياة بسيطة وفقيرة إلى أقصى حد، وكان تحت تصرفه أموال الجماعة التى ازدادت وربت، وكان يدفع رواتب وإعانات ثابتة للبعض مثلا ذكرت مرة السيدة جيهان السادات فى حوار معها أن حسن البنا كان يرسل مبلغا ثابتا كل شهر إلى «إقبال» زوجة السادات الأولى، وقد ذكر السادات نفسه هذه الواقعة بعد قيام ثورة يوليو، وذكر محمود عساف أنه كان يدفع مكافآت ثابتة لعدد من المخبرين الذين كان يزودهم بمعلومات يقدمونها لجهات الأمن، ومع ذلك لم يقترب حسن البنا من هذا المال فى حياته الخاصة، صحيح أن أحمد السكرى تساءل ذات مرة كيف أنفق حسن البنا على ثلاثة بيوت ومن أين له ذلك.. «بيته هو» فضلا عن بيت الوالد والوالدة ثم إخوته.. لكن الواقع أن السكرى قال ذلك تحت الغضب فهناك بعض إشارات إلى أن أسرة زوجته «عائلة الصولى» بالإسماعيلية كانت تسهم ماليا فى بيت ابنتهم زوجة حسن البنا.

وفى إدارته للجماعة كان قابضا على كل شىء، وينشغل بكل كبيرة وصغيرة حين انشق عليه جماعة شباب محمد، وكذلك أحمد السكرى وجهوا إليه اتهامات بأنه لا يعمل بمبدأ الشورى، وأنه يعلن أن الشورى اختيارية للحاكم أو القائد، يعملها أو لا يعملها أى ليست ملزمة له، وأنهم ضجوا من أسلوبه، ولكن يبدو أن الأمر كان أكبر من ذلك، وبمنطق آخر لديه يكشفه محمود عساف فى مذكراته حيث يقول كان الإمام الشهيد إذا وقع اختياره على شخص ما ليكون مساعدا له أو أمينا على سر من أسرار الدعوة، يختبره أولا فى إخلاصه وصدقه ثم يتبين له بالتجربة معه ما إذا كان صالحا أو غير صالح للعمل الذى يوكل إليه، فإذا نجح يختبر مرة أخرى ليتعرف على قدرته على تحمل المسؤولية وعلى الإخلاص والصدق فى النصيحة.

ثم يقدم عساف تفاصيل الاختبار «كان يسأل الشخص المرشح سؤالا هل إذا حدث انقلاب فى الإخوان وأبعد حسن البنا هل تظل تعمل فى الجماعة؟ ثم يقول عساف كان هذا السؤال يلح عليه حين انشق بعض الإخوان من قبل معارضين فكر الجماعة مثل شباب محمد، وغيرهم ويعلق محمود عساف على موقف هؤلاء المنشقين بالقول «لم يحس أمثال هؤلاء بمدى تجسيد الدعوة فى شخص حسن البنا، وما أتم به خلقه الرفيع، وسلوكه السوى المتزن، ومن كان مثلهم فإن يجب بأن الدعوة باقية وحسن البنا زائل ولعل هذا يكون ردا معقولا لصاحب التفكير السطحى، فيقول له الإمام وماذا لو حدث كل هذا فى حياة حسن البنا»؟

والواضح من كلمات محمود عساف أن حسن البنا كان يتخوف من حدوث انقلاب عليه من داخل الجماعة.

ترى هل يمكننا القول إن ذلك التخوف الذى داخله هو ما جعله يبالغ فى سرية التنظيم الخاص، حتى أنه أخفى أدق أموره عن كثيرين داخل الجماعة، بمن فيهم بعض المقربين منه، وأين اختبارات السرية والولاء الشخصى له كان من ورائها الاطمئنان التام لهم، وأنهم يمكن أن ينفذوا ما يأمرهم به ذات يوم حتى ولو كان ضد أقرب المقربين، هل خطر فى بال حسن البنا أنه قد يضطر يوما إلى أن يستعين برجال التنظيم، وعملياته الإرهابية ضد من يمكن أن يتمرد عليه داخل الجماعة وخصم له وأنه لم يستبعد ذلك وأن مهام التنظيم لم تكن تصفية خصوم الداعية والدعوة خارج الجماعة وفى الحياة العامة فقط، بل تصفية الخصوم داخل الجماعة، إذا ظهروا يوما ما.

عموما يبدو أن ذلك التخوف الذى يشير إليه محمود عساف صراحة هو جعل المرشد العام بكل ما لديه من قدرة على التحدى والمراوغة يسلم بكل مطالب جماعة شباب محمد، حين هموا بالانفصال عن الجماعة إذ وافق على إعطائهم «مجلة النذير» كان يريد أن يتخلص منهم سريعا حتى لا يتحولوا إلى عدوى تنتشر داخل الجماعة، خصوصا أن ملاحظتهم عليه كانت مخيفة، ولم يكن بمقدوره الرد عليها كانوا يرون ويعرفون كل ما يقوم به، خصوصا فى تعاملاته وعلاقاته السياسية، ولم يستطع الرد عليهم، أو مواجهتهم كانت الوقائع كاملة لديهم وكانوا شهودا عليها.

غير أن جماعة شباب محمد كانت هناك مشكلة أخرى لهم، أحمد السكرى الذى كان الرجل الثانى فى الجماعة، وكان شخصية قوية وله أنصار داخل الجماعة، ولم يكن موافقا على «العداء الصليبى» الذى يحمله حسن البنا للوفد، وكان يرى أن هذا العداء لصالح أطراف أخرى مثل الملك والإنجليز، وكان رأيه أن يتفرغ البنا للدعوة وللجماعة ويترك له هو المجال السياسى، وهذا ما لم يكن يقبل البنا مجرد التفكير فيه، لذا تربص به البنا فى واقعة عبد الحكيم عابدين كان السكرى على رأس المطالبين بطرد عابدين من الجماعة لكن البنا رد بفصله نهائيا من كل مستويات الجماعة ويبدو أنه قرر أن يجعل الولاء له جزءا من الإيمان والولاء للجماعة ويشرح عساف تجربته فى هذه الجزئية حين قرر حسن البنا أن يختاره معه «أمينا للمعلومات ومطلعا على أسرار النظام الخاص» فطرح عليه السؤال نفسه حول ماذا لو حدث انقلاب على حسن البنا وكانت إجابة عساف إن دعوة الإخوان المسلمين بغير حسن البنا ستكون شيئا آخر غير دعوة الإخوان التى تعلمناها وعرفناها وتربينا فيها».. ولم تكن الإجابة كافية للمرشد لكنها لم تكن سلبية لذا راح يشرح له وجهة نظره أو يقدم نظريته فى ذلك «انظر يا محمود.. إن الإيمان بالإسلام يقوم على شهادتين لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا تصلح الشهادة الأولى وحدها ليصير الشخص مسلما.. ذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم يتجسد الإسلام فى شخصه، ويمكن الإحساس به فى خلقه وسلوكه صلى الله عليه وسلم فإذا آمن الشخص بأن لا إله إلا الله ولم يؤمن بأن محمدا رسول الله فهو كأهل الكتاب، الذين يؤمنون بالله فقط ولا يعترفون برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وما ينطبق على الإسلام ينطبق على الجماعة أو الدعوة، كما كان يسميها وما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم فى الدين يتعلق به هو أيضا فى الجماعة، إذ يقول «يجب أن يكون الإيمان بالفكرة وصاحبها معا، فلسنا جمعية ولا تشكيلا اجتماعيا إن كنا ذلك فلا أهمية للقادة، ويمكن أن يكون أى من أعضاء الجماعة أو الجمعية أو التشكيل، أما ونحن دعوة فلا بد من الإيمان بها والسير على نهج داعيتها والعمل على تطبيق أفكاره حتى ننتفع به عن رضا».

ولعل هذا يفسر لنا إصرار حسن البنا على رفض الحزبية والأحزاب، فللحزب رئيس ينتخب لفترة محددة ثم يعاد انتخابه، وقد يتقدم غيره عليه، وهو معرض لأن يختلف معه الأعضاء، حين تكون المسألة دعوة وداعية فلن يكون خروج عليه دون الكفر، ولذا أطلق على مذكراته «الدعوة والداعية»، وربط بينهما تماما وجعل كلا منهما مكملة للأخرى، فلا دعوة بلا داعية ومن الناحية العملية تصبح الدعوة هى الداعية أو مجسدة فيه، وهذه الفكرة من الناحية الإسلامية تنتمى إلى الفقه والفكر الشيعى فى المقام الأول، وما قاله البنا للصباغ يذكرنا بما كان سائدا فى الحزب الشيوعى السوفيتى زمن ستالين تحديدا، فقد كان الإيمان بزعامة ستالين تساوى الإيمان بالنظرية الماركسية والعكس صحيح.

والواقع أن حسن البنا لم يكن رجل فقه ولا فكر، بل كان رجل عمل وحركة فى المقام الأول، هو فى الميدان دائما وما يقوله عن تجسد الدعوة فى شخص الداعية نكتشفه فى مذكراته حين قرر أن يختار نائبا له فى الإسماعيلية يحل محله إذا ما انتقل إلى القاهرة، وكان الإخوان يلحون عليه فى ذلك يقول «رأيت الفكرة وجيهة فشغلتنى حينا وأخيرا رشحت لهذه المهمة أحدهم، وهو الأخ الشيخ على الجداوى وهو من أفضل الإخوان خلقا ودينا، وعلى قدر مناسب من العلم والمعرفة حسن التلاوة لكتاب الله، جيد المشاركة فى البحث، دائم الدرس والقراءة مع أنه من أسبق الناس استجابة للدعوة ومن أقربهم إلى قلوب الإخوان».

والواضح أن هذه الصفات كلها حدها وقررها البنا نفسه، لكن كان هناك من لم يسترح لهذا الترشيح والاختيار، فالشيخ الجداوى «نجار»، وطلب إلى المرشد أن يترك مهنته ويتفرغ ليكون إماما لمسجد الإخوان، «فيقول المرشد» أؤمن بفائدة التفرغ للعمل «وتقرر أن يمنح مكافأة شهرية تكفيه من «مال الدعوة»..

المرشد يختار ويقرر وحده ويهاجم من يعترض، وكان هناك من أبدى اعتراضا على اختيار المرشد أى على الشيخ الجداوى، وبقوله هو عن ذلك الذى اعترض هو يرى نفسه أكفأ وأعلم وأقدر وأكثر أهلية لهذا المنصب من هذا النجار؟ وأين الشيخ على الجداوى فى علمه وموهبته فى فضيلته، وهو يحمل شهادة العالمية من جهة ويحسن قرض الشعر، ويجيد الخطابة والقول ويعرف كيف ينشر الدعوة ويتصل بالناس.

اعترض هذا الرجل وطعن فى اجتماع الجمعية العمومية ووجد بين أعضاء الجماعة من يناصحه فى موقفه، فاعتبره المرشد متآمرًا وأنه من معه يحدثون فتنة فى الجماعة، والواضح أن الشيخ الجداوى نال ثقة المرشد، بينما الآخر لم يكن يتمتع بهذه الثقة رغم أن الشروط الموضوعية تقول إنه الأصلح وربما الأكفأ ولو أن المرشد لم يكن استبداديا ولا متسلطا ولا يوحد الدعوة فى شخصه، لفتح باب الترشح أمام الجميع ولوضع شروطا للمرشح، لكنه اختار وقرر ثم عرض الأمر على الإخوان ونال موافقتهم وأنه تصرف ديكتاتورى بحت، ولننظر كيف تعامل المرشد مع المعترضين وكيف يتحدث عنهم، يقول «لم أرد أن أؤاخذهم بقسوة أو أعاجلهم بعقوبة أو أباعد بينهم وبين إخوانهم بإقصاء أو فصل ولكنى آثرت التى هى أفضل وأجمل».

سوف نلاحظ أنا «الأنا المنفردة» حاضرة هنا بقوة فهو الذى يقسو ويعاقب وهو صاحب قرار الإقصاء والفصل فلن نجد مجلسا للإدارة أو للشورى يتخذ القرارات أو جمعية عمومية، ولن نسمع منه أن هناك تحقيقا ومحققين يحال إليهم هؤلاء الأعضاء ولا شؤونا قانونية تتولى الأمر، هناك شخص واحد فقط سلطة واحدة قرار واحد يتخذه المرشد حسن البنا.

سوف نجد ما يثبت اقتناع المرشد وحرصه على أن يمسك بكل الأوراق بين يديه فى رسالة من رسائله تعود إلى 3 إبريل 1940 بعث بها إلى «أخى الحبيب أحمد أفندى» ويتحدث إليه باستفاضة على الورق قائلا سألتنى لماذا؟ ولماذا لا أتفرغ للمهمات الأهم وأدع المهمات الصغيرة إلخ! ومثل هذه الأسئلة تثير فى نفسى شجنا كامنا وألما دفينا ليس أحب إلى نفسى من هذا التفرغ، ولكن هذه المهام الصغيرة نفسها هى الآن مشكلة دعوة الإخوان، ودارهم ومحور حركتهم إذا لم ألاحظ المطبعة والجريدة والدار والنظافة والاستقبال وحسن النظام فمن يلاحظ هذا.

ويحاول حسن البنا أن يتوسع فى الإجابة ليقول لأحمد أفندى أنا أعلم جوابك ستقول لى أنا أو مثلًا جميلًا جدا، ثم يواصل الشرح والإضافة أحب أولا أن نتفق على أهمية هذه الشؤون الصغيرة التى نراها نحن فعلا صغيرة، فالآذان ليس إلا جزئية من جزئيات الدين، الهيئة ولكنه يقاتل عليه وإذا لم يجد الإمام مؤذنا فهو المؤذن أليس كذلك؟! ونحن نريدها دارًا يسودها النظام، وعملا تهيمن عليه الدقة ثم يضيف وأحب أن نتفق أيضا على أن الموظف وحده لا يكفى للقيام بهذه الأمور، لأنه يحتاج إلى من يراقبه لأمرين لقلة الاهتمام المركز فى نفوس الناس جميعا، ولقلة الدراية والخبرة والكفاءة وإذن فلا بد من رأس دقيق يشرف على كل هذه الشؤون.

نحن نجد رجلا مشغولا بالتفاصيل، ويرى أنه هو وليس أحد غيره يأباها ويشرف عليها وعنده لا تقل الفروع أهمية عن القضايا الرئيسية، ومظاهر الدعوة لا تنفصل عن جوهرها، ولا بد من رأس يشرف ويتابع كل هذا، والمعنى أنه هو ذلك الرأس والأخطر من ذلك أن المرشد يكشف عدم الثقة بالآخرين، حتى الموظف المعين لعمل ما لا بد من مراقبته ليس شكا فيه لشخصه، لكن لأن الناس جميعا كذلك يتمتعون بقلة اهتمام، وذلك متركز أو مترسب فى نفوس الناس جميعا، وكأنما خلقوا هكذا، وهم أيضا بلا دراية ولا خبرة ولا بد أن يكون هناك شخص وإنسان استثنائى، يختلف عن الناس جميعا، ويتميز عليهم جميعا وهذا الرجل الاستثنائى هنا هو المرد سوف نلاحظ أنه يقطع فى رسالته، أن أحدًا لا يمكنه القيام بتلك المهام، سوى واحد من اثنين المرشد ومن يتحدث إليه، وأتصور أنه ذكر من يتحدث إليه من باب المجاملة أو اللباقة فى الكلام، لكن تفاصيل الرسالة تقول إنه هو وحده الذى يجب أن يجمع كل الأمور بيديه، أمور الدعوة وحتى الإشراف على شؤون مقر الجماعة، إنها مرة ثانية تجسد الفكرة والدعوة كلها وأمور الجماعة فى شخص واحد فقط.

حين وقع الخلاف داخل الجماعة بين المرشد الثانى المستشار حسن الهضيبى وعدد من رجال الإخوان انفصلوا عن الجماعة، وتحديدا قام المرشد الثانى بتوقيع قرار فصلهم فى البداية كانوا أربعة، وكان من بينهم الشيخ محمد الغزالى، الذى كتب منددا بالمرشد الثانى وبطانته، كتب الشيخ الغزالى «قال لى ذات يوم واحد من أقرب رجال المرشد إليه إن الإيمان بالقائد جزء من الإيمان بالدعوة، ألا ترى أن الله ضم الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان بذاته جل شأنه، ذلك لأن المظهر العملى للطاعة والأسوة هو فى اتباع القائد مطلقا»، ويواصل الشيخ الغزالى القول «استدرك محدثى، يقول لا أعنى بهذا أن أسوى بين المرشد والرسول فى حقيقة الطاعة، إنما أقصد دعم مشاعر الولاء نحو الرجل الذى يحمل راية الدعوة فأنا أضرب مثلا فحسب».

ويذكر الشيخ الغزالى واقعة أخرى وقعت فى أحد المساجد من المضحك المبكى أن يخطب الجمعة فى مسجد الروضة عقب فصلنا من المركز العام، من يذكر أن الولاء للقيادة يكفر السيئات، وأن الخروج عن الجماعة يمحق الفضائل وأن الذين نابذوا المرشد العام عادوا إلى الجاهلية الأولى لأنهم خلعوا البيعة.

كان الشيخ الغزالى يذكر هذه الوقائع، من باب التنديد بالمستشار حسن الهضيبى، لكن الواقع أن الهضيبى لم يكن مسؤولا عن هذه الأفكار، ولا هو الذى بثها فى أتباعه، لأن هؤلاء الأتباع تربوا فى الجماعة، وكانوا فيها قبل أن يصبح الهضيبى مرشدا عاما، ولم يكن الهضيبى صاحب كاريزما أخاذة حتى يؤثر فى الأعضاء على هذا النحو خلال عامين فقط، هؤلاء تربوا فى مدرسة حسن البنا وتشربوا آراءه وأفكاره وما ذكره أحد المقربين من الهضيبى للغزالى، وإن لم يذكر اسمه هو نفس الذى سمعه محمود عساف، من حسن البنا قبل ذلك بسنوات، وربما بالحرف وربما بالحرف وبالكلمة والمعنى أن هناك مناخا عاما فى الجماعة خلقه حسن البنا من تفرد المرشد بكل شىء وأكاد أقول تقديسه، أنه السلطة المطلقة حين تلتفح بآراء وبأفكار دينية وتنتهى عمليا أن تتم مساواة المرشد بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإن كان الإسلام لا يصح دون الشهادة بنبوة محمد، وأنه رسول الله فكذلك لا يصح الانتماء إلى الجماعة واعتناق أفكارها إلا بالإيمان بشخصية المرشد العام، وسوف نجد أنهم لا يستعملون للحديث عن الجماعة مصطلح الجماعة، بل يقولون «الدعوة»، رغم أن هذا المصطلح ينسب تاريخيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظلال المعنى تبقى فى النفس حتى وإن استعمل المصطلح فى غير سياقه.

ونعرف من مذكرات د.عبد العزيز كامل أن المرشد الثانى حسن الهضيبى هاله ضعف المستوى الثقافى والفقهى الذى عليه معظم أعضاء الجماعة، وأنه لذلك استعان بالشيخ محمود شاكر ليعلمهم ويثقفهم فلم يوقروه، ولم يحتمل هو جهلهم فتركهم، يائسا منهم متخليا عن المهمة التى أراد منه المستشار القيام بها، هؤلاء كانوا هم من اختارهم ورباهم حسن البنا بنفسه.

والواقع أن نفرًا من المحيطين بحسن البنا تشربوا كلامه عن نفسه، وأوغلوا فى فهمه حتى لم نجد أحدا منهم يوجه كلمة انتقاد واحدة للبنا، لم يشعر أحد منهم أنه ارتكب خطأ ولو صغيرا، يهاجمون عبد الرحمن السندى، وما قام به وينسون أن حسن البنا هو الذى صنع السندى، وأطلق يديه قد يكون ارتكب بعض الشطط لكن البنا هو من وضعه على الطريق، وأطلق له العنان، وإذا كنا وجدنا كتابًا للأطفال عن البنا يحمل عنوان «حسن البنا.. مؤسس الدعوة الإسلامية» فهذا يكشف نظرتهم إليه، ولنتأمل أحد أعضاء التنظيم الخاص، وهو أحمد عادل كامل، وهو يصف حسن البنا يقول «لم يكن رضى الله عنه بالطويل ولا بالقصير وإن كان إلى القصر أقرب ولم يكن بالرفيع ولا بالسمين، وإن كان ممتلئا ربما، ولم يكن أبيض ناصع البياض ولا أسمر بين السمرة ولكن كان سواء بين ذلك».

ثم يقول أحمد عادل كامل «لم يكن فيه أى شىء غير عادى، ولكنه وبكل تأكيد كان فيه سر غير عادى ليس من السهل أن تدرى ما هو».

هذه اللغة وتلك المفردات ليست معاصرة، لكنها تذكرنا بكتاب السيرة فى زمن البعثة النبوية، حين كان يصف بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض الصحابة، لكن عصرنا مختلف لم يعد مقبولًا أن نقول عن أحد إنه ليس بالطويل ولا بالقصير، فلدينا مقاييس الآن تحدد الطول.. أميل إلى القصر وهكذا.. بل الأدق من ذلك كله أن يذكر طول الشخص طبقا للقياس، وهو المتبع فنقول طوله 170 سنتميترا مثلا.. ثم يقول عنه «ليس فى الإسلام واسطة بين العبد وربه وليس فيه كهنوتية وليس عندنا رجال دين يغفرون للمذنبين، ويبيعون فدادين الجنة للصالحين، ولكننا إزاء (إمام) قل نظيره بين أئمة الهدى النادرين فى أرض مات أحياؤها وضل أصحابها» ويصل إلى القول ولقد كان موفقا يوم اختار لنفسه لقب «المرشد العام للإخوان المسلمين».. فقد كان يهدى حقا إلى الرشد، وليت ذلك الأخ تذكر قول الله تعالى لرسوله الكريم «إن الله يهدى من يشاء» لكنه لا يتذكر ولا يتوقف إذ يقول عن حسن البنا كذلك «يصغر الواحد منا فى نفسه كثيرا، ويحس أنه لا شىء أمام عملاق ضخم صنعه إله على عينه، واصطنعه لدعوته فلا يجد أحدنا حرجا ولا غضاضة أن يقر أنه فى حاجة إلى هذا الرجل ليرشده».

هذا مجرد نموذج من الكتابات عن حسن البنا، لا أريد أن أتوسع فيه عند أحمد عادل كامل وعند آخرين من إخوانه، تشعر معها أنك بإزاء حالة من التأليه، وأنهم يريدون تنزيه شيخهم وإمامهم عن كل ما هو إنسانى، والحقيقة أن حسن البنا يتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية عن هذا كله، فكل الذين حاولوا إبداء آراء مخالفة لآرائه أطاح بهم خارج الجماعة بسرعة شديدة، وقسوة بالغة كما فعل مع أحمد السكرى ود.حسن إبرهيم وآخرين، ولم يبق حوله إلا أولئك الدراويش والمريدون والمنبهرون الذين لا يمكلون سوى الانبهار به والتسبيح بفضائله، وكأنه نبى مرسل من نبى الله وليس فردا حاول أن يجتهد فيصيب ويخطئ.

اجمالي القراءات 6377
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق