المشهد في ميدان التحرير كان رائعا وأعادنا لأيام ثورة 25 يناير المجيدة ، الأعداد مهولة كانت تزيد عن  المليون ، التحرك في الميدان كان بصعوبة من كثرة العدد، شباب ثائر بطريقة سلمية ، البعض من الشباب يبدو عليه التعب والإرهاق من المبيت في الميدان في العراء وفي البرد ومع ذلك يهتف بكل عزم وحيوية لإسقاط المشير ورحيله ومعه المجلس العسكري وتعيين حكومة إنقاذ مدنية  .

وهناك المصابون المرابطون في الميدان يشاركون في التظاهر وفي تنظيم الميدان . الشباب بصدق محترم – كما كان في الثورة الأولى يحافظ على الفتيات وكان يحيطنا كسيدات بكردون دائري ولا يسمح للرجال من المرور إلى السيدات حفاظا علينا .

وهناك حملة (إمسك فلول )أعلنت عن وقف حملتها ومقاطعة الانتخابات لأنها تتم في اطار غير شرعي وتطالب كل القوى الوطنية مقاطعة الانتخابات والانضمام إلى اعتصام التحرير حتى يتم تسليم السلطة .

 أما عن الإخوان المسلمين فلم يشاركوا في تظاهرة التحرير ، وهذا بدوره أيقظ الكثير من المتظاهرين على حقيقة الإخوان وانهم طلاب سلطة وما يهمهم في المقام الأول هو الانتخابات وإرضاء المجلس العسكري ، أما الشعب المصري وثورته فليست من اهتماماتهم ،فكان الدعاء علي الإخوان من السيدات المرابطات في الميدان دعاء بحرقة وينعتونهم بالخونة الذين خانوا الشعب لكي يحصلوا على كراسي في الانتخابات ومنه الوصول للحكم..

أما عن السلفية فلم يكن لهم تواجد هم الآخرين اللهم إلا أفراد قلائل منهم لكي يوزعوا بيان لرؤيتهم للخروج من الأزمة باسم الجبهة السلفية بمصر . وكان الملفت للنظر والمضحك في نفس الوقت هو أن بعض السيدات ألقت بالورقة التي تحمل بيان السلفية على الأرض ودعت عليهم ونظرت لهم باحتقار شديد . صور الشهداء الذين استشهدوا من يوم 18 نوفمبر 2011. تنتشر في الميدان مع هتافات الشباب الحر من الجنسين  للشهداء (ينجيب حقهم ينموت زيهم)  .

وكان هذا أحد بيانات معتصمي 18 نوفمبر من التحرير قالوا فيه .

بيسالونا انتم مين ... احنا يا باشا مصريين..مش حزبيين .. ولا اخوان ولا سلفيين ولا حتى كمان علمانيين أو ليبراليين .. احنا يا سادة الشعب المصري .. احنا أصحاب الثورة الحقيقيين .. حسينا ثورتنا انسرقت منا .. ومحسناش بالتغيير .. طلبنا عيش وحرية وكمان عدالة اجتماعية .. لكن فضلت كل حاجة زي ما هى وزادوا عليها بطالة وبلطجية ...والحرامية أخدوا فلوسنا وقتلوا ولادنا ،وحكمناهم في محاكم مدنية .. أما الثوار والأحرار ضاعوا يا ولداه في شربة ميه.. تلفيق في قضايا ومحاكم عسكرية .. والداخلية هى هى.. زي ما هى.. قلنا خلاص نعمل وقفة احتجاجية في الميدان رمز الحرية .. هجموا علينا أولاد الإيه .. ضربونا وسحلونا وقتلوا أخويا ورموه جنب الزبالة. مقدرتش أمد إيدي وأشيله اصل القنابل كانت فوق راسي زي المطر .. بيرميها ناس صدقوني مش بشر.. بكيت وقلت آه أه يا وطن . بيترمي فيكي الشهيد في صندوق الزبالة.

ولما جاني اخواتي لنجدتي جن جنانهم وطار عقلهم.. قالوا علينا بلطجية وشوية عيال مغرر بيهم ومش فاهمين .. لا يا باشا احنا فهمنا الفولة.. وعرفنا اننا غلطنا لما سبنا الميدان من غير ما نرسم طريق ونوره.. تحدد فيه خطاوينا .. لكن يا باشا ملحوقة .. احنا هنا في الميدان وبنصدر هذا البيان..

نطلب

 * عودة العسكر إلى سكناتهم ومحاسبة المسئولين عن دماء الشهداء

* تشكيل مجلس رئاسة مدني وحكومة انقاذ لقيادة المرحلة المقبلة.

* الغاء كافة الاحكام العسكرية الماضية وتحويلهم الى قاضيهم المدني.

* تطهير الداخلية واعادة هيكلتها من جديد .

الامضاء مواطن مصري .   

الصورة الواضحة المشرفة للشباب المصري الثائر التعامل بكل احترام وكل أدب ، ولا يوجد أي تحرش ولامشاكل تذكر مع كم الأعداد المهولة في الميدان ، وهذا ما دعاني إلى أن أسال بعض المتواجدين بجاني عن السبب ، فأجمعنا جميعا على أن الفلول والبلطجية التابعين لهم مرابطين في العباسية فلا توجد مضايقات لذلك !

والصورة التي تميز الشباب الثائر هى الاصرار على مواصلة الثورة حتى النصر مع الهتافات التي منها( الموت أحسن ليا.. من غيرك يا حرية ) .

ولا يجدون مشكلة في الاعتراف بالخطأ والندم على ترك ميدان التحرير بعد نجاح الثورة الأولى قبل ما تكمل . ولكنهم يؤكدون بأن الوقت لم يفت وأنهم معتصمين حتى اكتمال الثورة وتحقيق مطالبها .

أما عن شارع محمد محمود فقد تم وضع حاجز بشري ودروع بشرية من شباب التحرير لحماية المتظاهرين من غدر الشرطة وبلطجيتها، وتم تغيير اسم الشارع لاسم ( شارع عيون الشهداء) وذلك لفقد كثير من الشهداء والثوار عيونهم في هذا الشارع .

وفي طريقنا مررنا بالعباسية وشاهدنا تظاهرة وكان أعدادهم بالآلاف ، المشاركون فيها يؤيدون المشير وحكم المجلس العسكري  ويبدو علي البعض منهم أنهم مؤجرون ومجبرون على الوقوف لانعدام روح التعاون والمحبة والتسامح التي نجدها بين المتظاهرين في ميدان التحرير ، وكان جميعهم يحملون الأعلام بلا استثناء ويبدو أنه تم توزيع كم مهول من الاعلام المجانية عليهم من المجلس العسكري .

 وهذا المشهد ذكرني بمشهد يوم موقعة الجمل ، نفس السيناريو ونفس دفاعات النظام القديم ، طريقة تفكيرهم واحدة ، ولا جديد لديهم.. استئجار من يدافع عنهم ويؤيدهم وعمل ثورات مضادة وإحداث الفتن بين أفراد الشعب ،وكان بعض من المؤيدين والمدافعين عن المخلوع مبارك  ينصبون مكبرات صوت مع أغنية الراحلة  شادية .

 ولكن هذه المرة في العباسية المغني هوصوت الفنان الراحل عبد الحليم حافظ