ظاهرة العنوسة في سوريا تفرز ظواهر أخرى أكثر خطراً
أدت ظاهرة العنوسة المتفشية في سوريا إلى بروز ظواهر أخرى قد لاتقل أهمية وخطورة على المجتمع، بدءا من الانتشار الكبير للخطابات التقليديات فضلاً عن الإلكترونيات (عبر المواقع) مروراً بالاضطرار إلى ارتداء الحجاب للظفر بعريس وصولاً إلى اللجوء إلى التدين المفرط وتجنب الاختلاط والتضرع إلى السماء لتجود بنعمها وتبعث بفارس الأحلام "بقدرة قادر".
وتُعرف الأسرة السورية بنمط تربية يتضمن تكريساً لقدسية الرجل وخاصة (الزوج) من هنا تسمع في حكايا الشام وبيوتاتها القديمة وحتى إلى الآن عن افتخار المرأة بتلقيها (صفعة موجعة على وجهها) تقابله بالشكر لزوجها أو كما يقلن (إبن عمها وتاج راسها) وبعضهن يبالغن في الأمر ويقلن عن الزوج (ابن عمي وكسّار راسي).
وعندما يقوم المرء بجولة اعتيادية في أرجاء دمشق بمؤسساتها الحكومية وجامعاتها وفي الباصات والشوارع والحدائق العامة يكتشف أن الكثير من الفتيات والشبان الذين تجاوزت أعمارهم الثلاثين لم يتزوجوا بعد لأسباب كثيرة ومختلفة .
وكل المؤشرات تؤكد أن ظاهرة العنوسة في سورية آخذة بالتزايد. وتبين إحصاءات المسح عن صحة الأسرة في مركز الإحصاء لعام 2002م أن هناك ارتفاعاً في سن الزواج، إذ يعتبر متوسط عمر العزوبة عند الذكور قد بلغ 30، وعند الإناث 26. وقد سجل المسح أن نسبة إجمالي غير متزوجين من الذكور 29.4%، ومن الإناث 25.6%.
وتظهر آخر الإحصائيات أن نسبة العوانس من الإناث في سورية أكثر منها عند الرجال. لذا حتى مظاهر العنوسة وانعكاساتها تظهر بصور أجلى عند الإناث اللواتي يُنظر إليهن في المجتمع حتى الآن نظرة خاصة تحدّ من حركتها ومن نشاطها وحتى من قدرتها على التكيف مع العنوسة كواقع مزري. وفي انعكاسها على الشباب فقد سُجل في الآونة الأخيرة انتشار لافت للجريمة .
وقالت ابتسام (44عاماً) لـ"آفاق": "صحيح أني أبدو أحسن من غيري في مواجهة العنوسة نتيجة لبعض الخصوصيات الايجابية التي تتمتع بها أسرتي إلا أن كثير من الآلام أواجهها في حياتي وخاصة عندما أكون متواجدة بين نسوة تقليديات وحتى شابات" وأضافت "أعتقد أن العادات والتقاليد وأحيانا بعض الموروثات الدينية هي السبب في تضخيم موضوع العنوسة الذي لاتشعر به بهذا الحجم في مجتمعات أخرى".
وحول ظاهرة الخطّابات قالت "هذه ظاهرة قديمة ليست في سوريا فقط بل في معظم الدول العربية وهي تتطور بدل أن تنقرض وهذا يعني أن المجتمع راكد في الأساس ومتطور في الشكليات فقط".
وبدأت ظاهرة الخطابات تنتشر في سوريا حيث تستقطب الخطّابات الشباب ويعرضن عليهم ألبوم من الصور لراغبات في الزواج، وذلك مقابل عمولة مالية إضافة إلى الهدايا وغير ذلك وتزداد العمولة التي تدفعها الشابة الراغبة في عريس مقبول كلما انطبقت المواصفات أو اقتربت من الشاب الذي تستقطبه الخطابة، ويتردد أن الشباب المغتربين في الخليج وأوروبا وأميركا هم الأكثر حظوة لدى الراغبات في الزواج والخروج إلى عالم جديد ومستقبل مشرق .
وبحسب الخطابة (أم توفيق) فإن الفتاة إذا كانت جميلة وحلوة وصغيرة ومحجبة وبنت عالم وناس فالحصول على عريس لها يسهل على الخطابة أكثر من غيرها، مؤكدة أنه حتى الشباب المغتربين يفضلونها على غيرها .
وحول الأجر الذي تتقاضاه لقاء استقطاب عريس قالت أم توفيق "مشكل مافي شي محدد اللي يطلع من خاطرهم" وأضافت "أحياناً بتوقع شي وبيصير شي أحسن وأحيانا عكس".
وأما هدى (39 عاماً) فرأت "أن الشباب صاروا يفضلون الموظفة وبعضهم يستحسن المحجبة وبعضهن بيحجّبها بعد العرس" واستدركت "العامل الاقتصادي صار هو الأساس للطرفين".
وبررت (س .ح) (36 عاماً) لجوءها إلى التدين وقراءة القرآن في الباص وفي مكان العمل وحملها للمسبحة الكترونية وترديد الأذكار الدينية بالقول "لاعلاقة لذلك بالزواج .. الناس هيك بتحكي من عندها" وتابعت "أصلاً شبابنا مو ملتزمين وأخلاقهم سيئة وصار الأهم مو الزواج ولكن الزوج الصالح المؤمن الملتزم".
وقال فادي (36 عاماً) "يصطدم الشاب السوري منذ بداية العشرينات من عمره بعدة مشاكل تبدأ من الخدمة العسكرية وصعوبة متابعة الدراسة والبطالة فيجد نفسه قد نسي حبيبته أو هي نسته فيغرق في مشاكل الحياة المادية والسكن فيمر العمر ويصل إلى مرحلة يصبح خيار الزواج صعب ومعقد وأحياناً تجبره الظروف على خيار سيء".
وأثبتت الإحصاءات أن نسبة الفقر في سورية 60% وما دون، كما أن هناك بطالة لأكثر من مليون شخص من إجمالي قوة العمل السوري. وهي عوامل مؤثرة في موضوع ظاهرة العنوسة بين الفتيات والشبان .
وبالرغم من لجوء الشبان من الجيل الجديد إلى الانهماك في تقنية الإنترنت والتعارف عبر مايسمى بـ"الشات" إلا أن حكومتهم تصدمهم كل يوم بفرض قيود على الإنترنت الأمر الذي وصل إلى مرحلة لجوء الآباء إلى تحذير أبنائهم من الإنترنت نتيجة مايتردد في الإعلام وفي الأوساط السورية من اعتقالات لأسباب إنترنيتية .
اجمالي القراءات
3058