سألنا الدكتور أحمد عكاشة: هل يكتئب الرئيس؟:
سألنا الدكتور أحمد عكاشة: هل يكتئب الرئيس؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٩ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


سألنا الدكتور أحمد عكاشة: هل يكتئب الرئيس؟

سألنا الدكتور أحمد عكاشة: هل يكتئب الرئيس؟


قلنا له: تحدثنا كثيرا عن اكتئاب المصريين.. لكننا لم نسأل ابدا عن الاحوال عندما يصاب النظام والرئيس بالاكتئاب..
قال الدكتور عكاشة:".. يجب اولا الاشارة الي ان الاكتئاب هو الشعور بالعجز واليأس.. وعدم القدرة علي الاستمتاع بالحياة.. وهناك رقم مهم جدا نشر هذا الاسبوع في موسوعة عن" الانتحار في العالم".. كتبت انا فيه فصلا عن "الانتحار في الاسلام".. الموسوعة تقول إن هناك مليون شخص ينتحرون في العالم كل عام وأن 70% منهم يعانون من الاكتئاب وهذا معناه أن كل 15 أو20 ثانية ينتحر شخص.. بحسبة اكبر هناك 10 ملايين شخص يحاولون الانتحار ينجح منهم مليون فقط.. وهو عدد اكبر من ضحايا البراكين والزلازل والحروب.. وفي الملاحظات علي هذه الارقام.. اكتشف الباحثون ان الانتحار في البلاد النامية لايكون بسبب امراض خبيثة.. بل بسبب العجز واليأس وانسداد الافق امام الاحتياجات العادية.. في هذه الحالة تكون الآخرة افضل.



سألناه: ولماذا ينتحرون في الدول الغنية رغم انهم يملكون كل شيء..؟

قال الدكتور عكاشة:في البلاد الغنية ينتحرون خوفا من الامراض الخطيرة.. وهنا في البلاد الفقيرة.. السبب الاساسي للانتحار هو اليأس والخوف.. بمعني اخر.. الشعور بعدم القدرة علي حل مشكلة الجوع والمرض وبقية الاحتياجات الاولية.. اي الحياة دون أمل.. وابحاث الانتحار في مصر اثبتت ان 80% من محاولات الانتحار لم تكن بسبب مرض نفسي او عقلي.. لكن كان سببها العجز واليأس وفقدان الامل في المستقبل. ولو فكرنا كيف تعمل اذهان هؤلاء المقدمين علي الانتحار.. سنري انهم يفضلون الذهاب الي الاخرة عن حياة بلا امل ولا قدرة علي تجاوز مشكلات عادية.. وسنلاحظ مثلا ان نسبة انتحار الشباب زادت بنسبة 400% وقبل السنوات الاخيرة كان الانتحار منتشراً في سن ما فوق الـ45 سنة.. الان السن اقل بكثير جدا.. واغلب المنتحرين شباب صغير السن.. النسب غير دقيقة طبعا لان المجتمع مازال محافظا.. والعائلات تخاف من اثبات ان ابنها مات منتحرا.. طبعا في بلاد مثل السعودية تقول بأنها دولة مؤمنة لا توجد فيها حالة انتحار واحدة.

الي اي حد يمكن للصحة النفسية ان تؤثر علي السلوك السياسي..؟ سألنا واجاب الدكتور عكاشة: الصحة النفسية تعني التوازن بين القدرات والطموح اوالتطلعات.. والواضح انه في مصر من لايملك قدرات وكفاءة يستطيع الوصول الي اكبر المناصب. والمصريون مجبرون علي التكيف مع هذه الاوضاع منذ فترة طويلة.. وليس امامهم الا الهروب بالتطرف او الادمان.. اقصد طبعا ادمان المخدرات.

هل الازمة هي صراع علي الفرص.. او فقدان الامل في الصعود..؟

يقول الدكتور عكاشة:".. أول شروط الصحة النفسية ان يتمركز الشخص حول مساعدة الاخر.. اي يحب التفاعل مع الاخرين في المجتمع ومساعدتهم.. لكن علي العكس عندما تتدهور الصحة النفسية يتمركز الشخص حول نفسه ولايشعر بأنه ينتمي الا لغرائزها المحروم منها.. وعندما يزيد الفقر والزحام والبطالة.. وترتفع درجة البطش والقهر وعدم احترام ادمية البشر كما يحدث في مصر الان.. فان الصحة النفسية للشخص تتدهور تدريجيا.. ويختفي معها الانتماء والمواطنة والرغبة في مساعدة الاخرين.. هناك ايضا علاقة بين حرية التعبير والصحة النفسية.. وستلاحظون مثلا ان 22 % فقط من المصريين ذهبوا الي صناديق الانتخابات في الرئاسة اوالبرلمان.. وهذا تعبير عن عدم ثقة الاغلبية ان اصواتهم لن يتم تزويرها.. في حين ان موريتانيا ذهب 73% منهم للانتخاب.. وفي ايران أخيراً كانت نسبة التصويت 72% صوتوا لصالح الاصلاحيين وضد الاصوليين والرئيس الحالي أحمدي نجاد.. نحن في مصر وصلنا الي حالة متدهورة للغاية.. مصر لم يعد لها مثيل في فقدان الثقة في الانتخابات.. ولا في شعور القهر والبطش.. واصدقائي في اوروبا يقولون لي انكم مازلتم تبحثون عن حقوق الانسان.. ونحن اصبحنا نبحث عن حقوق الحيوان والنبات.. اننا مازلنا نعيش عصر القرود.. "

من اين بدأت الازمة..؟ قلنا للدكتور عكاشة ان يجيبنا من منظور الطب النفسي.. قال:".. الأزمة أن الحكومة الغت آدمية الفرد ونجحت في اقناعه بالتخلي عن كل حقوقه السياسية وقالت له: هأكلك واشربك والبسك واشغلك.. وفي المقابل طلبت الحكومة من المواطن عدم التدخل في أي شيء.. ثم اشعرته بعد قليل بأنه بلا قيمة.. وقالت له انا مندوب عنك.. والشعوب مثل الاطفال من الممكن ان تنمو ويمكن أن يتوقف نموها.. ولا يحدث نمو للشعوب الا عندما تتوافر حرية التعبير وحرية الرأي والعزة والكرامة.. ومنذ عبدالناصر وحتي الان الشعب في مصر مازال طفلا وعاجزا عن اتخاذ القرارات المصيرية.. واختيار حكامه.. "

الغريب ان النظام مازال يردد ان الشعب مازال غير ناضج كفاية لتطبيق الديمقراطية.. هذه هي الحجة او المبرر.. .؟

يقول الدكتور عكاشة:".. العكس هو الصحيح وفي كل اعراف الدول المتخلفة والمتقدمة.. لن ينضج شعب الا اذا حصل علي ديمقراطية.. تجعله يحتك بانظمة مختلفة.. ويذوق مرارة اختياره فيغير.. ثم يكتسب مهارة الاختيار الدقيق.. لكننا لن نتقدم اذا استمرت نظرة ان الشعب طفل يجب ضربه عندما يخطيء.. فالعنف يولد عنفاً لا يمكن لاي نظام ان يقضي علي فئة مضادة له بالعنف.. والقهر والسجن والاعتقال يزيد الانسان ارتباطا بعقيدته والحقيقة التي لايريد ان يدركها النظام انه لا يمكن محو رأي بالسجن.. هذا مستحيل.. والدليل ان سيد قطب مازال موجودا.. وأيمن نور رغم كل التحفظات عليه.. فانه لن يخسر بالسجن.. ".




< هل انتقلت عدوي الاكتئاب من الشعب الي النظام..؟

سألنا الدكتور عكاشة وقال:".. المكتئب عندما ينتحر يقتل معه أعز وأحب الناس إليه يقتل زوجته وأولاده ثم ينتحر لأنه لا يريد أن يشعرهم بمرارة الحياة والعجز عن تحقيق الطموحات.. ولأن الاكتئاب أكثر الأمراض الطبية ألما.. واغلب المنتحرين يريدون التخلص من آلام أكبر حتي من السرطان.. وفي مرة كنا نناقش في جلسة عائلية انا وابني هشام احوال البلد.. ضحك ابني وهو يقول لي لماذا لا تكون السلطة في مصر تحب الشعب ولذلك تقتله لتريحه من الالام قبل ان تنتحر.. لكن الخوف ألا تنتحر السلطة.. وتستمر بعد ان تقتل الشعب.. "

نعود الي السؤال الاول: هل يكتئب النظام..؟ هل اصيب الرئيس بالاكتئاب..؟

وقال الدكتور عكاشة:".. قلت من قبل.ان الاكتئاب هو فقدان القدرة علي التمتع بمباهج الحياة ومن ثم يصبح كل شيء سلبياً ويصاب بالعجز واليأس وفقدان الأمل في أي شيء.. والنظام إذا أصيب بالاكتئاب سيكتب عليه الانتحار.. لكن مايعانيه النظام الحالي هو العكس تماما.. هو يعاني من الانكار.. ودلائل هذا انه يشعر بالبهجة والقوة والسلطة ولا يفكر ان شعوره بالامان مصدره الاعتماد المبالغ فيه علي قوة جهاز الامن.. ولا يعلم النظام ان 22 % فقط هم الذين خرجوا من بيوتهم لينتخبوا الرئيس او مجلس الشعب.. هذا يعني ان النظام يحكم بخمس اصوات الشعب فقط.. وهي كارثة.. خاصة إذا كان النظام يصدق المسرحية ويتصور ان الشعب مقتنع بقدراته وفعاليته ومتحمس لاستمراره في الحكم كل هذه السنوات.. هذه كارثة.. واعتقد ان الحزب الوطني لايملك الوعي الكافي الذي يجعله يعرف الفائدة التي ستتحقق مع اتساع مساحة حرية التعبير.. لايتخيل ان المصريين سيتغيرون وتقل نسبة الاكتئاب وترتفع نسبة التفاعل في المجتمع.. بالتأكيد لا يعرف الحزب الوطني كل هذا.. ولايعرف مدي تأثير اسلوبه في الحكم والسيطرة علي تقدم ونمو المجتمع.. نحن في مصر نفتقد الشفافية نحن لا نعلم شيئا عما يحدث في مصر منذ نصف قرن وكل ما يصلنا مجرد شائعات أوكلام نخبة المجتمع لا أحد يعلم ما يحدث لا في قصر الرئاسة ولا حتي في مكتب اصغر وزير.. كل شيء في مصر سري.. وغير قابل للاطلاع عليه من الشعب.. لا يوجد بلد في العالم لاتنشر فيه محاضر للقاءات الرئيس مع حكومته.. او اللقاءات التي يجريها اثناء زياراته الخارجية.. هذه كارثة لاتحدث الا في مصر ولذلك فانه يمكن ان يحدث في مصر عجائب من نوع.. ان وزيرا تدينه كل الصحف وتقدم وثائق علي فساده ثم يفاجأ المجتمع بحصوله عقب خروجه من الوزارة علي أكبر نيشان في البلد.. المواطن العادي عندما يشاهد ذلك يسأل نفسه ويتعجب.. ويفكر في مصيره هو اذا خالف او علي النقيض لم يدخل منظومة الفساد هل يمكن ان يعيش في مصر.. هل من المعقول ان نري رئيس تحرير إحدي الصحف القومية الكبري تنشر مستندات لمخالفاته وتحقق معه النيابة لفترة ثم ينتهي الأمر بدون اعلان الحقيقة كاملة علي الناس.. والادهي انه مستمر في الكتابة.. ماذا يفعل الصحفيون الصغار.. وماذا سيتعلمون..؟ اقول لكم اننا نعيش بدون شفافية.. ولا نعرف اصغر معلومة عن اي شيء.. نحن كل يوم نشاهد البلدوزرات وهي تكسر جراج رمسيس.. ولا نعرف من الذي بناه او وافق علي قرار البناء..؟ ومن الذي يكسره الان.. ولمصلحة من..؟ مثل اخر في مستشفي العباسية تم بناء وحدتين مركزيتين ايام الدكتور اسماعيل سلام.. واعتقد انهما كانتا بتبرع رجل اعمال شهير وقتها.. الان وبعد اقل من 10 سنوات تحولت الوحدتان الي خرابة ايلة للسقوط.. من يحاسب..؟ ومن المسئول..؟ لن نعرف.. ولم تحدث مساءلة.. وكذلك الامر في مستشفي شرم الشيخ الذي تكلف 300 مليون جنيه.. لكنه" فاضي" لا يستخدم.. ولم يسأل الذي قرر البناء من هوالطبيب الجيد الذي سيذهب ويعيش في شرم الشيخ..؟ المسألة كما قالها جودت الملط في مجلس الشعب.. انه لا يوجد موظف حكومي يقوم بدراسة جدوي لمشروع يقيمه.. هذه كارثة.. توشكي التي انفقنا عليها مليارات لم تتم بدراسة جدوي.. وعندما يقول رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ان هناك 8 تقارير تصل اليه من جهات حكومية كل منها يختلف عن الاخر.. فهذه كوارث لا نشعر بمدي تأثيرها علينا وعلي علاقتنا بهذا البلد.. ماذا يمكن ان تقول عن 7 مليارات جنيه خسائر المؤسسات الصحفية الحكومية بينما المؤسسات الصغيرة تبذل مجهودا ضخما لكي تستمر.. انها مصائب كبيرة ودليل يتأكد كل يوم علي ان المحاسبة والمساءلة في مصر للفقير بينما الغني ينعم ويفلت دائما من العقاب مادام هناك ظهر يسنده.




< هل النظام يشعر بالأمان؟

لم ينتظر الدكتور عكاشة طويلا حتي يجيب:".. إطلاقا لا يمكن أن يكون لدي النظام شعور بالأمان وكل كبار الحكم في مصر يعيشون تحت حراسة مشددة.. لم أر في حياتي بلدا يتوقف المرور فيه عندما يمر مسئول كما يحدث هنا في مصر.. ولا توجد دولة في العالم تراقب التليفونات كما يحدث هنا.. هذه كلها مؤشرات كبيرة علي عدم الأمان.. "

< هل الحراسة يمكن ان تصيب كبار النظام بالاكتئاب..؟

سألنا الدكتور عكاشة وقال:".. العكس.. إنهم ينفذون تعليمات الأمن.. فهم يعتقدون بشكل أقرب الي اليقين انهم هبة الله لانقاذ هذا الوطن وأن هناك خونة ينوون التخلص منه وأن بقاءهم هو بقاء لمصر.. انهم ينكرون الحقيقة.. وينكرون الكارثة التي قادونا إليها.

< هل الانكار مرض؟

< الانكار حيل دفاعية لا شعورية من أجل أن يحتفظ الانسان بكرامته.. وهل هناك أعجب مما يحدث لقطاع الصحة في مصر.. يأتون بالأخ العزيز الدكتور حاتم الجبلي ليكون وزيرا للصحة وهو الذي لم يعمل بالعمل العام ولا بالسياسة ابدا.. ولا يعلم اي شيء عن الشخص الفقير.. ولهذا فهو لا يعرف خطورة أن يعلن في الصحف انه علينا الانتظار حتي سنة 2010 لتنفيذ مشروع التأمين الصحي.. أي أن المريض عليه أن يموت حتي يتم تنفيذ مشروع الوزير..؟ هل لكم اقرباء فقراء.. يتعالجون..؟ الفقير في مصر لا يجد علاجا.. وهل من المنطقي ان ينتظر المريض بالسرطان أو الفشل الكلوي.. موافقة الوزير أو رئيس الوزراء.. أو واسطة تسهل العثور علي توقيع احدهما لكي يعالج.. والنتيجة ان الدولة تعالج فقط وعلي نفقتها الكبار.. القادرين علي انفاق الاموال علي صحتهم. ومع الوقت يشعر الفقير في مصر انه لايقدر علي تعليم اولاده اوعلاجهم فإما أن يقتلهم اوينتحر هربا من المصير.

< قلنا للدكتور عكاشة:هذا الوضع اجبر المجتمع علي التغاضي عن الفساد.. وانهارت القيم تدريجيا..

< قال الدكتور عكاشة:"كتبت كتاباً اسمه «ثقوب في الضمير» وأعتقد أن هذه الثقوب تتسع بشكل يفوق، أي لم يكن من الممكن ان يتصل بي زميل لي ويقول لي إن ابنه في امتحان نهائي طب.. كان هذا يعتبر عيبا.. لم يكن من الممكن أن يوصي علي أبي أو خالي لكن هذا يحدث الآن وأقبله.. لانني اعلم ان هذا الطالب غلبان وإن لم يكن له واسطة لن يهتم به.. أحد.. وهذه مسائل تحطم المعنويات.. معنويات الأفراد ومعنويات البلد.. الذي يحتاج الي قدوة حقيقية الآن.. ".

< هل عندما تقهرنا الحكومة نقهر أنفسنا؟

هذا هوعيب المواطن المصري يغرق في عملية جلد الذات كلما زاد القهر والبطش عليه.. والسخرية هي نوع من هذا الجلد للذات.. وهي دلالة علي السلوك السلبي العدواني.. المصري اصبح عدوانه سلبياً وأقصي ما يفعله هو أن يطلق النكتة أو إشاعة لكن إذا طلب منا ان نخرج في مظاهرة اونعتصم في ميدان لمدة ساعة نتراجع.. ونخاف من المواجهة.. وهذه خصائص العدواني السلبي الذي تحولنا اليه.. من طول تاريخ القهر والبطش.

< هل نصنع نحن أساطير الخوف التي تجعلنا مرعوبين وغير قادرين علي الحركة.. نكتفي بالنكتة بديلا عن العمل السياسي هل الاعتراض الصامت هوالمقاومة الوحيدة لشعب طال قهره..؟

< سأروي لكم قصة لها دلالة مهمة.. انتشرت سمعة عن صلاح نصر انه كان وراء القمع والقهر.. أيام عبد الناصر.. رغم ان الحقيقة تقول بأن المسئول عن هذا القهر هو البوليس الحربي.. وليس صلاح نصر.. وأنا شاهد علي بعض التفاصيل أيام توليه مسئولية المخابرات العامة.. فقد كنت مسئولا عن الكشف النفسي علي الضباط قبل قبول تعيينهم في المخابرات.. كان هناك نظام يقضي بعدم دخول أحد إلي المخابرات العامة إلا إذا كانت صحته النفسية سليمة.. كانت القاعدة أيضاً ان لا يعالج احد ضباط المخابرات.. الآن عندما اقابل بعض المحافظين يقولون لي انني كنت السبب في دخولهم المخابرات عندما وافقت علي تعيينهم.. وفي هذه الفترة لم أشاهد أبدا صلاح نصر وهو يعذب.. وشهدت بنفسي قصة شهيرة بطلتها سيدة ألقت الحذاء (البرطوشة) علي موكب عبد الناصر وبومدين.. الحذاء سقط فوق رأس الرئيسين.. وسريعا ما اعتقلت وأخذوها إلي المخابرات ليعرفوا حكايتها.. وطلبوا مني أن اكشف عليها.. ذهبت ورأيتها واكتشفت انها لا تستطيع ان تقول جملة سليمة كاملة.. وكانت تهذي طوال اللقاء معها.. تقول" ميرامار.. ".. " عبد الناصر.. حطم الهرم الاكبر " كانت مريضة تماما.. سألتها أين زوجك؟قالت لي:" أنه صعد إلي السماء ونزل وخلفنا وكان المسيح ومحمد هما الشاهدان علي عقد زواجنا.. ".. سألت فقالوا لي أنها متزوجة من معتقل ضمن تنظيم الإخوان المسلمين.. بعدها أخبرت صلاح نصر انها مريضة عقليا فقال لي ماذا نفعل فقلت له يجب أن تعالج فقال صلاح نصر نعالجها فقلت في أي مستشفي خاص؟ وزوجها مسجون؟ فقال ستعالجها المخابرات علي نفقتها هذا ما حدث بالضبط وذهبت بالفعل وعولجت.. لكن أثناء شهادتي في محكمة الثورة لضباط المخابرات بعد 1967...سألتني المحكمة.. عن النساء التي كانت المخابرات العامة تحتجزهم.. لملذات الضباط.. قلت أنا لا أعرف شيئاً.. فأكمل الضابط الذي سألني: إحدي هؤلاء كانت مريضة نفسية عندك واحتجزتها المخابرات العامة وبدلا من ان يدخلوها المستشفي.. عالجوها علي حساب المخابرات.. فحكيت لهم الحكاية كما حدثت.. وفي الليل جاءني اتصال تليفوني من قادة المحكمة يقولون لي لماذا لم تقل كل شيء.. فقلت لهم أنا قلت كل شيء.. أعرفه"




< هل للسلطة عمر افتراضي..؟

سألنا الدكتور عكاشة وقال:".. هناك أبحاث نفسية في كل بلاد العالم كشفت أن الاستمرار في السلطة.. أزيد من فترة معينة يحدث تغييرا في شخصية صاحب السلطة.. وتحديدا 3 أشياء مهمة جدا أولها التوحد مع المنصب يعني إذا كان رئيس قسم العبري في كلية الآداب وظل يعمل في هذا المنصب 15 عاما سيصبح العبري في مصر هو هذا الرجل.. وهذا الرجل هوالعبري أي يصبح الحاكم هو مصر ومصر هي الحاكم.. ثانيا سيصبح الشخص غير قادر علي التجديد أوالتغيير والأخطر أنه يشك في كل من حوله ويتصور أن الجميع يدبر مؤامرة للخلاص منه ولهذا ادرك العالم عبر تاريخ طويل أنه لايصح أن يجلس رئيساً للأبد.. ولم يعد يحدث هذا إلا في الديكتاتوريات.

< كم عاما يناسب البقاء في الحكم؟

< غالبا 6 سنوات.. والشخص عندما يعرف أنه سيظل فقط هذه المدة.. ويتغير ستصبح له شخصية مختلفة في ممارسة السلطة.. لأنه يعرف انه سيترك الحكم ويصبح مواطناً عادياً.. وبالتأكيد عندما يعرف الرئيس انه سيخرج من الحكم سيحترم الشعب.

< ماذا يصيب صاحب السلطة عندما يستمر فترة طويلة في السلطة؟

< إذا استمر رجل في السلطة فترة طويلة.. فإنه يتحول الي التشكك في كل من حوله.. في آخر سنوات حكم بورقيبة شعر بالشك في ان زوجته تريد قتله.. نفس المشاعر انتابت تيتو في سنواته الأخيرة. والدراسة النفسية لحاكم يستمر اكثر من 20 او25 سنة في الحكم فانه لا يمكن ان يفرط فيها حتي ولو لأقرب الناس إليه.. وقديما كان الملوك يقتلون ابناءهم خوفا من محاولات الانقلاب فالقوة والسلطة اذا اجتمعا يمكن ان يقتلا الضمير.. وسيفعل الحاكم ذلك بحجة الدفاع عن الوطن.ولنتذكر أن ستالين في نهاياته شك أن من حوله في القصر.. يضعون له السم في الطعام.. فقال له الاطباء النفسيان إن هذه شكوك نتيجة طول العمر في السلطة فقرر ستالين فورا إعدامهم وكانوا خمسة.

< هل تأثر الرئيس مبارك بماحدث في العرض العسكري الذي قتل فيه الرئيس الذي عينه نائبا..؟

< بالتأكيد ماحدث جعله في شك مستمر وحرص الدائم من أن يلقي نفس المصير.. وهذا ما يجعله مهتما بالاجراءات الأمنية.

< هل يمكن أن يمثل الهاجس الأمني لدي الرئيس سبباً في أن يسيطر عليه رجال الأمن.. وكنا نسمع أن صلاح نصر كان يتحكم في حركة عبدالناصر من خلال إثارة مخاوفه.. يعني أن يسيطر رجال الأمن علي الرئيس من خلال تحريك هواجسه الأمنية..؟

- لا عبدالناصر لم يكن لديه هواجس أمنية.. وأنا شاهدته أكثر من مرة ولم يكن حوله كل هذا الأمن.. أن يخرج في سيارة مكشوفة.. حتي بعد محاولة قتله في المنشية ألقي كل خطبه وسط الشعب.. السادات أيضا كان لديه نصف هواجس.. والغريب أن الملك فاروق كان الأقل في حكام مصر اهتماما بالحراسة.. وأنا رأيته كثيراً بعيني أثناء طفولتي وكان يخرج في سيارة خاصة يقودها بنفسه.. وكان يذهب إلي السهرات في الأوبرج والكيت كات.. الهواجس الأمنية الآن غير مسبوقة.

< من أين يأتي هذا الرعب الأمني..؟

- من الاحساس بأن المسئول لن يترك مقعده.. فالمسئول عندنا يدخل الوزارة ولا يعرف متي يخرج.. علي عكس ما يحدث في العالم المتقدم. في اليونان لي صديق أصبح وزيرا ودعاني علي العشاء.. فتوقعت أنه سيأتي ومعه الحرس وسيارة الوزارة.. وشعرت بالقلق.. لكنه فاجأني بأنه جاء بسيارته الخاصة وهو الذي يقودها.. وكانت المشكلة هذه المرة.. أنه هو الذي يقود.. وكان فهو في قيادة السيارات.. نصف ماهر.. المهم أنني سألته عن ملاحظتي بأنه بلا هيلمان الوزارة.. قال إنه يعرف جيدا أنها فترة وتمر.. وما سيبقي له هو أصدقاؤه.. ولهذا يحافظ علي الأصدقاء ويتعامل علي أن الكرسي زائل وله عمر تنتهي علاقته به.. هذا لا يحدث عندنا وهذا سر التعلق المرضي بالسلطة.

< تقول تعلق مرضي..سألنا عكاشة؟

- قال :... «استضافني برنامج تليفزيوني اسمه «لوكنت وزيرا»، وسألني تحب تبقي وزير أيه؟ فقلت له وزير داخلية طبعا سألني لماذا..؟ قلت لأكون أول وزير مدني للداخلية، كما كان الحال قبل الثورة.. سالني: وماذا ستفعل؟.. قلت أجعل الناس تحب الشرطة والغي ضرب الناس وامنع اعتقالهم.. كل هذا الكلام تم حذفه.. واتصل بي مخرج البرنامج.. واعتذر مرة أخري ليعتذر فقلت له هل طلب منك أحد أن تفعل ذلك..؟ قال لي: لا أنا الذي حذفته.. سألته: مم تخاف..؟.. قال لي: لا اعرف. المواطن المصري أصبح عاجزا عن تحرير نفسه من الخوف.. أصبحنا مثل حديقة الحيوان البشرية كما كتبها ديزموند موريس.. سلوك الأسد في الغابة له أخلاق لكنه داخل القفص بلا أخلاق.. وهذا هو سبب تحول المصريين الي الأنانية والفهلوة.. هذه أخلاق ناس محبوسة في أقفاص.. وسألوني مرة في هل حكامنا أغبياء أم أذكياء..؟ قلت يومها إن لي صديقاً امريكياً حصل علي جائزة نوبل وهو أستاذ طب نفسي في أمريكا وترك الطب النفسي، ويعمل الآن في الفسيولوجي فقلت له: لماذا لا تستخدم كل ذكائك هذا وترشح نفسك للرئاسة بدلاً من بوش؟ فضحك وقال لي عادة ما يحكم العلماء من هم أقل منهم حيث إن الحاكم لا يحتاج إلي ذكاء وكأنه يحتاج لجاذبية جماهيرية منافقة والعالم يتعامل فقط تعامل الأذكياء.. وانتم تعرفون أن الذكي من يغير رأيه.. والغبي من لا يغير رأيه.. وانتم تعرفون الآن إجابة السؤال..!



اجمالي القراءات 10846
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق