آحمد صبحي منصور Ýí 2011-10-08
مقدمة
اللفظ القرآنى ( كتب ) ومشتقاته يلعب دورا أساسيا فى حياتنا . فالله جل وعلا (كتب ) علينا الفرائض من صلاة وصيام وزكاة وحج ،وكتب على (نفسه ) إلتزاما ، وأنزل لنا ( كتبا ) أو ( كتابا ) سماويا ، كما إنه جل وعلا ( كتب ) علينا الحتميات أو القضاء والقدر الذى لا مفرّ منه ، ثم إنه جل وعلا له ملائكة (تكتب ) اقوالنا وأعمالنا. ولا يخلو الأمر من قيام البشر ب ( كتابة ) رسالة أو خطابا أو تحريف فى الكتاب السماوى . جاءت تفصيلات هذا كله فى القرآن الكريم. وفى هذا المبحث نتوقف مع معنى (كتب وكتاب ) فى النسق القرآنى. وفى مبحث ( كتب و كتاب ) بمعنى الكتاب السماوى نتوقف مع القرآن الكريم وهو يصدّق الكتب السماوية السابقة .
كتاب القرآن والكتاب السماوى السابق :
1 ـ كلمة ( كتاب ) قد تأتى فى آية واحدة تعبر عن القرآن مرة وتعبر مرة أخرى عن الكتب السماوية السابقة ، يقول جل وعلا :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِالَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِوَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا )( النساء 136 ). كلمة (الكتاب ) الأولى تعنى القرآن الكريم . وكلمة ( الكتاب ) الثانية جاءت مفردة وتدل على (جميع ) الكتب السماوية قبل القرآن الكريم . وكلمة ( كتبه ) تدل على جميع الكتب السماوية بما فيها القرآن الكريم. .
2 ـ ويقول جل وعلا عن القرآن الكريم مشيرا الى الكتب السماوية السابقة : (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ).( العنكبوت 48 )، أى إنه عليه السلام قبل نزول الكتاب السماوى الخاتم على قلبه لم يكن له علم بالكتب السماوية السابقة ، لم يكن يقرؤها ولم يكن يعرف كيف يكتبها أو ينسخها . أى كانت موجودة وكان بإمكانه أن يقرأها وأن ينسخها أى يكتبها ولكنه لم يفعل ، ثم اصبح يقرأ ويكتب بعد أن نزل الكتاب الخاتم ( القرآن ) على قلبه . ولو كان لديه علم بالتوراة والانجيل وصحف ابراهيم لاتهمه المبطلون بأنه كان ينقل عنها .
بين العرب الأميين وأهل الكتاب :
1 ـ الواقع إنه عليه السلام كان (أميا ) من العرب (الأميين ) . وقد ناقشنا مفهوم ( الأمية ) فى القرآن من قبل فى مبحث يؤكد أن خاتم النبيين هو الذى كتب القرآن بيده وأنه كان يعرف القراءة والكتابة وأن مفهوم (أمّى )و(أمّيين ) لا يعنى الجهل بالقراءة والكتابة ولكن يعنى أن العرب لم يكونوا (أهل كتاب ) ، فالعرب من ذرية اسماعيل ومن ذرية قحطان لم تأتهم رسل ولم تنزل عليهم كتب ، فكانوا (أميين ) مقابل (أهل الكتاب ). لذا يقول جل وعلا لخاتم النبيين عن قومه العرب الأميين : (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ) ( يس 6 )، ويقول عنهم جل وعلا: (وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) ( سبأ 44 ). وهذا التحديد لمفهوم الأميين جاء مرتين فى سورة آل عمران (وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ )(20 ) أى قل (أأسلمتم ) لأهل الكتاب وللعرب الأميين الذين لم ينزل عليهم كتاب سماوى من قبل . ويقول جل وعلا عن بعض أهل الكتاب وتعاملهم مع العرب : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )(75 )،أى إنهم يقولون عن العرب ( ليس علينا فى الأميين سبيل ) أى يستحلون أكل أموالهم .
2 ـ وفى مواجهة أهل الكتاب كان العرب الأميون يتمنون أن ينزل عليهم كتاب سماوى مثل (أهل الكتاب) ، بل كانوا يقسمون بالله جل وعلا جهد أيمانهم لو جاءهم رسول بكتاب سماوى لآمنوا به ، فلما بعث الله جل وعلا لهم خاتم المرسلين أعرضوا عنه، يقول جل وعلا : (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ) (فاطر 42 ).وهذا الموقف إستدعى التنديد بهم ، يقول جل وعلا عن القرآن الكريم : (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ثم يرد عليهم رب العزة يذكرهم بأمنياتهم السابقة بنزول كتاب سماوى عليهم مثلما نزلت التوراة والانجيل ووعدهم بأنهم سيكونون عندئذ أهدى من اليهود والنصارى : ( أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ) ( الانعام 155 : 157 ) .
كل الكتب السماوية يصدق بعضها بعضا ، وكل الرسل أيضا
1 ـ لأنه كتاب سماوى واحد فى الأصل ومن منبع واحد هو (أم الكتاب )فإن القاعدة أن يصدّق كل رسول من جاء قبله من الرسل ومن جاء بعده منهم. بل لقد أخذ الله جل وعلا العهد والميثاق على الرسل بذلك ، يقول جل وعلا ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )( آل عمران 81 ). والواقع إن رب العزة أخذ على البشر عهدا عاما ـ قبل وجودهم فى العالم الحسى ـ أخذه على أنفسهم حين خلقها وقبل أن يخلق آدم . وهو عهد الفطرة التى فطر الله جل وعلا الناس عليها بأنه لا اله إلا الله . يقول تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) ( الأعراف 172 : 173 ). فهناك عهد عند خلق الأنفس يذكّر النفس البشرية قبل أن تتقمص جسدها فى الموعد المحدد لها بأنها ستلقى الله جل وعلا يوم القيامة ، ويحذرها من نسيان ذلك العهد حين تتقمص جسدها فى الدنيا وتنسى لقاء الله ، وتأنى يوم القيامة تعتذر عن النسيان والعصيان بالغفلة واتباع الأسلاف . وفى مقابل هذا العهد العام على البشر جميعا ـ بما فيهم أنفس الأنبياء ـ فهناك عهد خاص بالأنبياء بأن يصدق بعضهم بعضا حيث سيتلقون كتابا سماويا واحدا فى أساساته ، يقول جل وعلا (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ) ( الأحزاب 7 : 8 ). ويوم القيامة سيجمعهم رب العزة ليسائلهم عن مدى الاستجابة للحق من اقوامهم فيردون بأنه لا علم لهم : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ( المائدة 109 ).
2 ـ وعليه فإن التصديق برسالة سماوية يوجب التصديق بكل الرسالات السماوية ، وأن التصديق بكتاب سماوى يستلزم التصديق والايمان بكل الكتب السماوية ايمانا عاما وتصديقا عاما لأننا لا نعرف عددها ولا نعرف لغاتها و حتى لا نعرف كل الأنبياء والرسل. وفى المقابل فإن تكذيب كتاب سماوى يعنى التكذيب والكفر بكل الكتب السماوية وكل رسل الله جل وعلا . نفهم هذا من قوله جل وعلا عن قوم نوح : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ )( الشعراء 105 ) (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ ) (الفرقان 37). المفهوم سطحيا أن قوم نوح لم يكذبوا إلا رسالة نوح فلم يكن لهم علم بالرسالات السماوية اللاحقة التى أتت بعد هلاكهم ، ولم يكونوا يعرفون الأنبياء اللاحقين وما سيحدث فى المستقبل ، ولكنهم حين كذبوا بكتاب نوح ورسالته فقد كذبوا فى الحقيقة وفى الواقع بكل الرسالات السماوية اللاحقة وكفروا بكل الكتب وكل الرسل وليس نوحا فقط .
3 ـ ووصف الله جل وعلا بعض الأنبياء بتصديق الكتب السماوية السابقة أو بكلمة الله ، فقال جل وعلا عن بشلرة الملائكة للنبى زكريا عن ابنه النبى يحيى عليهما السلام :( فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ )(آل عمران 39 )، وجاء عيسى مصدقا بالتوراة، وقد أعلن هو هذا بنفسه : ( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ )(آل عمران 49 : 50 ). وجاء هذا تأكيدا من رب العزة عن عيسى عليه السلام : (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) ( آل عمران 46 ). أى إن عيسى جاء مصدقا للتوراة وأيضا جاء بالانجيل مصدقا للتوراة. بل أعلن عيسى تصديقه بالتوراة من قبله وبشارته بمحمد خاتم المرسلين من بعده ، عليهم جميعا السلام : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )(الصف 6 )
نزول القرآن يصدق ويؤكد ما جاء فى الكتب السماوية السابقة
1 ـ نزل جبريل ـ روح الله ـ بالكتاب على قلب خاتم النبيين ، أو نزل بالقرآن مكتوبا على خاتم النبيين مصدقا لما سبقه من كتب سماوية . يقول رب العزة : ( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( البقرة 97 ). ويقول جل وعلا عن الكتاب الخاتم المصدّق لما سبقه من كتاب سماوى : (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ)(فاطر 31 ). والله جل وعلا أرسل وفدا من الجّنّ استمع للقرآن الكريم ثم رجعوا الى قومهم يدعونهم الى الحق : ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ) ودعوا قومهم للحق (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الاحقاف 29 : 30 )،أى وصفوا القرآن بأنه مصدق لما بين يديه .
2 ـ وتحتل التوراة موقعا هاما فى تتابع وتاريخ الكتب السماوية ، يقول جل وعلا : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ( القصص 43 )،أى نزلت التوراة بعد انتهاء مرحلة فى تاريخ الأنبياء كان يتم فيها إهلاك الأمم المعاندة ، وكان فرعون موسى هو آخر من تعرض مع قومه للاهلاك . وصار إماما للكافرين الذين جاءوا من بعده، وبالتالى نزلت التوراة بعد هلاك فرعون وقومه دليلا على مرحلة جديدة . ومن هنا يأتى الربط بين القرآن والتوراة فى كونه مصدقا للتوراة ، كقوله جل وعلا : ( وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ) ( الاحقاف 12)، فكتاب موسى موصوف بأنه إمام ورحمة وأن القرآن مصدق له.
وحين تطرف بعض بنى إسرائيل وزعموا ـ فى معرض تكذيبهم للقرآن الكريم ـ إن الله جل وعلا لم ينزل كتابا على بشر ردّ عليهم رب العزة فقال إنهم ما قدروا الله جل وعلا حين قالوا ذلك الإفك : ( وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) ثم قال جل وعلا عن القرآن الكريم :(وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)(الانعام 91 : 92 ).
3 ـ وبعد التوراة توالت الكتب السماوية فى بنى اسرائيل ، وجاءت الرسل يقفوا بعضهم بعضا ، وانتهت هذه المرحلة بعيسى عليه وعليهم جميعا السلام : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)( البقرة 87 ). وقلنا إنه كان عيسى والانجيل يصدقان بالتوراة : (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) ( المائدة 46 ). ومن هنا يحتل عيسى موقعا مميزا لآنه الرسول الأخير قبل خاتم النبيين ولأن الانجيل هو آخر كتاب سماوى ( محلى ) لقوم بعينهم هم بنو اسرائيل ، قبل نزول القرآن الكتاب السماوى العالمى والخاتم من وقته الى قيام الساعة ، يقول جل وعلا :(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ )(الحديد 26 : 27 )
4 ـ ولهذا يتردد فى القرآن الكريم تصديقه لما سبقه من كتب سماوية مع الاشادة بالتوراة والانجيل ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ) ( آل عمران 2 : 4 ).
ولكن هل صدّق جميع أهل الكتاب آخر كتاب سماوي نزل يصدّق بالتوراة والانجيل وبشرت به التوراة والانجيل ؟ نلتقى فى الحلقة القادمة ..
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5094 |
اجمالي القراءات | : | 56,252,353 |
تعليقات له | : | 5,426 |
تعليقات عليه | : | 14,784 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الخليل بن أحمد العبقرى العربى مبتدع علمى النحو و العروض
لمجرد التذكير : مقدمة تاريخية عن نشأة علم النحو
دعوة للتبرع
السماء والسماوات: يقول القرآ ن الكري م اذا السما ء انشقت فهل...
سليمان وسبأ من تاتى : يعني حسب مقالة عمر علي محمد "قصة سليما ن" فأن...
أهل الذكر: وَمَا أَرْس َلْنَ ا مِنْ قَبْل ِكَ ...
الناس تغيرت .!!: اصبحت على المعا ش فى المهج ر ، واولا دى راح...
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول ما معنى ( درأ ) فى قوله جل وعلا : (...
more
قرأت في المقال هذا المقطع الذي يتحدث عن معنى " الأمية " :مقابل أهل الكتاب ، وكانوا يتمنون نزول كتاب عليهم ، بل كانوا يقسمون بالله جل وعلا جهد أيمانهم لو جاءهم رسول بكتاب سماوى لآمنوا به ، فلما بعث الله جل وعلا لهم خاتم المرسلين أعرضوا عنه، يقول جل وعلا : (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ) (فاطر 42 فلما أنزل الله سبحانه كتابا عليهم ورسولا من بينهم إذا هم ينكضون وعودهم : : ( أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ) ( الانعام 155 : 157 )
وفي المقابل نجد أهل الكتاب لا يصدقون بالكتاب السماوي ، مع إنه مصدق لما معهم : فقط لأنه نزل خارج منطقتهم :
{وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89
إلا قليل من الذين هداهم الله من الفريقيين ..