قيادات مسيحية تطالب بحزمة قوانين لمنع التمييز ضدهم

اضيف الخبر في يوم السبت ١٥ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إيلاف


قيادات مسيحية تطالب بحزمة قوانين لمنع التمييز ضدهم


عادت الفتنة الطائفية في مصر إلى الواجهة بقوة، بعد تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، حيث بدأت القيادات المسيحية تطالب بوقف التمييز ضد الأقباط، وبإصدار القوانين التي تنصفهم كمواطنين مصريين.


أعاد تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية المسألة الطائفية في مصر إلى الواجهة بقوة، وسلط عليها الأضواء بشكل كبير، ونكأ الجرح الذي طالما استخدمت الدولة معه المسكنات المؤقتة، لتلافي آلامه المبرحة، لكنها مطالبة الآن بضرورة إعمال مشرط الجراح، لإستئصال الخلايا السرطانية الطائفية من جسد الوطن، حتى لا تقضي عليه.

حوادث الفتنة عبر تاريخ مصر
لم تعرف مصر أياً من مظاهر الفتنة الطائفية المنتشرة في الوقت الراهن، إلا في مع بداية السبعينيات من القرن الماضي، حيث شهدت البلاد أول عملية استهداف للمسيحيين في العام 1972، عندما حاول بعض المتطرفين إحراق منزل أراد الأقباط تحويله إلى كنيسة في حي الخانكة التابع لمحافظة القليوبية، بعد رفض التصريح لهم ببنائها. وزاد الأمر إشتعالاً، عندما أرسل البابا شنودة وفداً كنسياً لتدشين الكنيسة، مما أثار غضب الرئيس أنور السادات، معتبراً ذلك تحدياً له.

لم تشهد الأعوام التسعة التالية أية مظاهر واضحة للمشكلات الطائفية، إلى أن كان العام 1981، الذي شهد حادثة الزاوية الحمراء، عندما وقعت أعمال عنف واسعة، بسبب محاولة بناء كنيسة أيضاً، مما أدى إلى سقوط نحو 81 قتيلاً معظمهم من المسيحيين، وإحراق محلات تجارية ومنازل مملوكة من قبل مسيحيين. وإحتدمت الأزمة بين الدولة والأقباط، لتبلغ ذروتها بعزل البابا شنودة من البطريركية في سبتمبر من العام نفسه.

كما شهدت ليلة 31 ديسمبر عام 1999، حادثاً آخر، في الكشح في محافظة سوهاج جنوب مصر، الذي راح ضحيته 21 مسيحياً، وأدى لإحراق عشرات المنازل والمتاجر، بسبب خلافات تجارية بين مسلم ومسيحي، إنتهت بقتل الأخير، وتم تغيير إسم القرية إلى دار السلام فيما بعد.

وفي التوقيت نفسه من العام الماضي، شهدت مدينة نجع حمادي في محافظة قنا، حادثاً طائفياً، حيث أقدم أحدث المسجلين الجنائيين لدى وزارة الداخلية على قتل 6 مسيحيين ومسلم أثناء الخروج من قداس عيد الميلاد، ورغم مرور عام كامل على الحادث، إلا أنه لم يصدر حكم في حق الجاني.

وجاء تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، ليعيد المسألة الطائفية في مصر إلى الواجهة من جديد، ويدق بقوة أجراس الخطر. وطوال سنوات من بداية السبعينيات وحتى الآن، وقعت العديد من المشاحنات الطائفية، لكنها لم تكن في حجم الحوادث السابقة، وقدر عددها بنحو 152 حادثاً، غالبيتها بسبب بناء كنائس أو تحول فتيات للإسلام، أو خلافات حياتية عادية، ليست لها علاقة بالطائفية، وقد شهدت جميع تلك الجرائم إدانات حقوقية ودولية واسعة.

أوضاع الأقباط
لا توجد أية إحصائيات رسمية حول تعداد الأقباط في مصر وأماكن تركزهم، لكن وفقاً لإحصائيات غير رسمية تترواح نسبتهم ما بين 6 % و10% من تعداد سكان البلاد البالغ نحو 82 مليون نسمة. ويتركزون في الجنوب وخاصة في محافظات أسيوط وقنا وسوهاج والمنيا إضافة إلى العاصمة القاهرة، حيث يتركز الأقباط فيها في أحياء شبرا والزيتون والمرج. كما يقطنون في الإسكندرية في أحياء محرم بك والعصافرة والمعمورة.

ويفضل المسيحيون في مصر المشروعات التجارية، ويقال أنهم يسطيرون على غالبية الصناعات المهمة مثل الدواء والإتصالات والموجوهرات والأجهزة الكهربائية والسيارات. وتعتبر عائلات غالي وزخاري وعبد النور ومكرم عبيد وغبور ويعقوب وساويرس من أشهر العائلات السياسية والإقتصادية في مصر.

مشكلات وليس إضطهاد
يرفض غالبية المثقفين ورجال السياسة المسيحيين في مصر، القول بأن الأقباط يعانون من إضطهاد منهجي سواء على الصعيدين الرسمي أو المجتمعي، لكنهم يؤكدون أن هناك مشكلات كثيرة تحتاج إلى حل، على رأسها بناء الكنائس، وتولي الوظائف القيادية في الأجهزة السيادية، وحرية العودة للمسيحية بعد إعتناق المسيحي للإسلام، وتحكم قوانين ذات مرجعية إسلامية في أحوالهم الشخصية.

يعتبر الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة أن المسيحيين في مصر لا يشكون من إضطهاد الدولة أو من المجتمع لهم، بل يعانون من عدة مشكلات، منها عدم وجود قانون ينظم عملية بناء دور العبادة، للحد من المشاحنات الطائفية التي تنتج من حين لآخر بسببها. فضلاً على عدم توليهم المناصب القيادية في بعض مؤسسات الدولة. ويضيف:"أما المشكلات الأخرى فهي ناتجة عن إنتشار الفقر والجهل، وتصاعد التيار الديني المتشدد في العالم كله، وليس في مصر فقط، والذي يأتي كرد فعل على ما يسمى العولمة ومحاولة طمس الهويات الثقافية والدينية للشعوب في العالم الثالث، التي تردّ بالعودة إلى الدين، بإعتباره ملاذاً آمناً لهم من الذوبان أو الإنصهار في الغرب الطامع في خيراته". ويشير غالي إلى أن "الحكومة تبذل جهوداً واضحة لمحاولة إيجاد حلول شافية لكل المشاكل، وذلك في عدة إتجاهات منها إصلاح مناهج التعليم وتنقيتها مما يكرس الطائفية، وتولية أقباط وظائف قيادية، فهناك وزيرين في الحكومة ومحافظ وعشرات المسؤولين المسيحيين في مختلف مؤسسات الدولة".

الحل بإصدار قوانين
يعتبر المفكر القبطي ميلاد حنا أن حادث الإسكندرية كشف "ضرورة تصدي الدولة للمتطرفين الذين يحاولون تخريب البلاد وإشاعة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين"، متهماً إياها بـ"التهاون" في التعامل مع الحوادث السابقة، "ومنها حادث نجع حمادي الذي راح ضحيته ستة أقباط، ولم يصدر حكم ضد الجناة حتى الآن، رغم مرور ما يزيد على العام". وأضاف أن "الدولة تأخرت كثيراً في الإعتراف بوجود حالة إحتقان طائفي ومشكلات يعاني منها المسيحيون"، مشيراً إلى "ضرورة الإسراع بإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة، والقانون الموحد للإحوال الشخصية للمسيحيين، والسماح لهم بشغل المناصب المهمة في بعض مؤسسات الدولة السيادية، وإيجاد حل لفتاوى التكفير وفضائيات الفتنة"، مؤكداً أن "التعامل بالمسكنات لم يعد يجدي نفعاً، ولا بد من إيجاد حلول جذرية لكل المشكلات العالقة منذ سنوات طويلة".

من جهته، يرى المستشار نجيب جبرائيل رئيس الإتحاد المصري لحقوق الإنسان أن هناك إضطهاداً للأقباط في مصر، موضحاً تعدد مظاهره "من الحرمان من بناء الكنائس، مروراً بإطلاق يد من يحرضون ضد المسيحيين، ويشككون في عقيدتهم، ويتهمون قداسة البابا شنودة بالتسبب في إشعال الفتنة، والتعامل مع الأقباط في الأحوال الشخصية بقوانين تخالف نصوص الإنجيل المقدس". وشدد على ضرورة "قيام الدولة بحل تلك الأزمات"، وتقديم من وصفهم بـ"المحرضين على الفتنة" للمحاكمة، "فرغم تقديم بلاغات ضدهم للنائب العام، إلا أنه لم يتم تحريك الدعاوى الجنائية.

كما طالب جبرائيل أيضاً "بسرعة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة، والقانون الموحد للأحوال الشخصية للطوائف المسيحية، وإعلاء شأن مبدأ المواطنة، وإنشاء مجلس قومي للمواطنة، وإصدار قانون يمنع التمييز في شغل الوظائف العامة".
       

اجمالي القراءات 3239
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق