كمال غبريال Ýí 2010-05-04
يبدو أن إجابة سؤال العنوان واضحة ولا تحتاج إلى أخذ ورد، فالإجابة الجاهزة والمستقرة، هي أن حاكم مصر هو رئيس الجمهورية والمجموعة التي حوله ومركزها الحزب الوطني. . لكن من يتأمل الأوضاع في مصر ملياً، يمكن أن يكتشف تفصيلات تحدث انقلاباً في فهمنا لحقيقة الحال في مصر، رغم بقاء الانطباع أو الإجابة الأولية سابقة الذكر صحيحة بصورة عامة. . نعم الخطوط العريضة لتوجهات الدولة هي بالدرجة الأولى مسئولية الحاكم الفرد في دولة مثل مصر،
لكن ليس معنى هذا بأي حال Ãilde;نه مطلق الحرية في اتخاذ ما يشاء من قرارات، فهو على صعيد السياسة الخارجية محكوم بالظروف والقوى الإقليمية والعالمية، كما هو محكوم أيضاً بإمكانيات بلاده، سواء من ناحية ما تطيق إمكانياتها، أو ما يرغب فيه شعبه. . فليس من السهل على أي حاكم مهما بلع استبداده، أن يتحرك في اتجاه مضاد لما يريده من يحكمهم.
في المستوى الثاني نجد دور الطغمة المحيطة بالحاكم، من وزراء وشخصيات محورية في الدولة، وهم الأيدي التي يمسك بها بالفعل بزمام الحكم. . هؤلاء بالذات في النظم المستبدة هم الحكام الفعليين للبلاد، وليس شخص الحاكم الديكتاتور، الذي كثيراً ما يكون مجرد واجهة أو راية يرفعونها. . فمن يصدق أن فرداً واحداً يستطيع أن يمسك بزمام أمة؟
في الحالة المصرية بالتحديد، نجد أن المستويين الحاكمين، مستوى الرئيس الطاغية ثم مستوى بطانته، يتحركان في هامش محدود من الحرية، فممارسة الحكم ليست كما قد يبدو للنظرة البسيطة، مجرد إصدار قرارات واجبة أو تلقائية التنفيذ، لمجرد أنها صادرة عن الممسك بزمام الأمور، والذي لا يجرؤ أحد على أن يقول له كلمة لا. . الحكم الفعلي ذو شقين: القرار وتنفيذه، وإذا كنا نرصد جيداً صاحب أو أصحاب القرارات، فإن التنفيذ بيد جهاز الدولة البيروقراطي، ثم بيد الشعب من حيث الاستجابة لتلك القرارات.
قد نستشعر الفخر أو الخزي سيان، إذا قلنا أن بمصر واحداً من أعرق وأضخم الأجهزة البيروقراطية في العالم. . أيضاً قد نستشعر الفخر أو الخزي، إذا زعمنا أن بمصر شعباً هو من أعرق الشعوب وأكثرها خبرة في التحايل على قرارات الحاكم والالتفاف عليها، أو بالأحرى في تحديها وإن تحدياً سلبياً، لكنه تحدياً يفوق في فاعليته في أحيان كثيرة أي تحد إيجابي أو تمرد صريح
الأمثلة على هذا في حياتنا المصرية أكثر من أن تحصى أو تخطئها عين فاحصة، لكن لخطورة النتيجة المترتبة عليها، لا بأس من استعراض بعض الأمثلة.
فلنبدأ من اعتراف عبد الناصر بفشله في إصلاح مستشفى القصر العيني، وكلنا نعرف من كان عبد الناصر، وقوة قبضته على البلاد والعباد، كما نعرف عزمه وعناده، ما جعله يقف في وجه القوى الكبرى، ويخوض معها حروباً مريرة، أي أننا لم نكن أمام قائد ضعيف خائر القوى، بل زعيم جماهيري صلب، لا يتردد ولا يتراجع. . لكننا وجدناه يقف عاجزاً عديم الحيلة (حسب اعترافه) أمام فشل وإهمال وتسيب جزء ضئيل وهين من جهاز دولته البيروقراطي
إذا نظرنا إلى فوضى المرور في مدن الجمهورية الكبرى، وعلى طرقها السريعة، هل يتخيل أحد أن الطغمة الحاكمة غير راغبة في كبح جماح هذه الفوضى، أو أن لها أغراضاً خاصة وخبيثة في استمرارها؟. . مستحيل بالطبع أن نتصور هذا. . الحقيقة هي أن الحكام الحقيقيين للشارع ليس رئيس الجمهورية ووزراؤه، إنما الجهاز البيروقراطي ممثلاً في وزارة الداخلية، والجماهير التي تأبى أن تحيا إلا في ظل عشوائية مريحة
تجريف الأرض الزراعية لبيع الطمي لصناعة الطوب، وتبويرها للبناء فوقها، كم من قرارات وقوانين أعلنت، وأحكام صدرت في حق المخالفين، ومع ذلك فالتجريف والبناء مستمرين، لنجد أنفسنا نسير وفق نفس القاعدة: للحاكم اتخاذ ما يشاء من قرارات، وللشعب والجهاز البيروقراطي أيضاً أن يفعلا ما يريدان؟
ظاهرة الدروس الخصوصية التي تتوجع منها جميع الأسر، مُجَرَّمة من القانون ومن رئيس الجمهورية وصحبه الكبار، لكنها ليست كذلك بالنسبة للجهاز البيروقراطي ممثلاً في وزارة التربية والتعليم، وليست مجرمة أيضاً لدى أولياء الأمور وأبنائهم الطلبة، وبعد أن كانت تقتصر على الشهادات العامة، انسحبت خلفاً إلى الأطفال في الروضة، المحرم التدريس لهم، وتصاعدت إلى الجامعة، المفترض أن الطالب فيها لا يحتاج للتلقين من مدرس، بل لمجرد التوجيه ليسعى الطالب لتحصيل العلم من مصادره في المراجع العلمية
ألا تُنَبِّه وزارة الأوقاف على الأئمة بمراعاة التسامح والسلام الاجتماعي في خطبهم، بل ووزير الأوقاف حالياً رجل مستنير ومتسامح بالفعل؟. . مع ذلك يقوم الأئمة التابعين لقطاع من الجهاز البيروقراطي وهو وزارة الأوقاف بقيادة الغوغاء للقيام بغزوات مقدسة تحرق وتقتل وتدمر الأقباط وكنائسهم، تحت سمع وبصر وربما تشجيع من قطاع آخر من جهاز الدولة البيروقراطي وهو وزارة الداخلية
ألسنا نتهم الحكومة بتزوير انتخابات مجلس الشعب، لتأتي بالنواب الذين تريدهم؟
هل هذا هو الواقع بالفعل، أم أن الواقع غير هذا تماماً، وجهاز الدولة والجماهير هي التي تأتي بمن تريد، لتفرضه على الحاكم؟
ربما كان صحيحاً أن نواب الشعب هم من يأتي بهم الحاكم في العهد الناصري، حين كانت الأبواب بالفعل مغلقة أمام أصوات الجماهير، لكن الآن أغلب فصول مسرحية الانتخابات تتم بمعرفة الجهاز البيروقراطي والجماهير ومراكز القوى المحلية المسيطرة عليها. . ليس فقط جماعة الإخوان المسلمين العتيدة هي التي تفرض رجالها رغماً عن أنف الجميع، بل هنالك أيضاً أصحاب الشركات وكبار العائلات وتجار المخدرات، وأصحاب التأثير على الجهاز البيروقراطي في مناطقهم وقراهم، وقبل هؤلاء البسطاء الذين يبيعون أصواتهم للعصبية أو لقاء عشرين جنيهاً، أو كيس بلاستيكي به أرز ومكرونة وزيت وبعض قطع الصابون. . كل هؤلاء هم من يأتون بهولاء النواب، الذين نشاهدم يطاردون الفنانين والمفكرين، ويتسترون على مذبحة الأقباط في نجع حمادي، ويقمعون زميلة لهم فاض بها الكيل، وتعبت من ممالأة حكومة هزيلة ومتخاذلة. . ثم رأيناهم أخيراً يطالبون بإطلاق الرصاص على شباب مصر
الحزب الوطني الديموقراطي الذي نَصُبَّ عليه الاتهامات ليل نهار، ليس أكثر من تجمع هؤلاء الذين ذكرناهم، والذين فرضناهم نحن، ليفرضوا هم أنفسهم بعد ذلك على الحاكم ليكونوا سنده وبطانته
نقول هذا للذين يتحدثون عن التغيير، ولا يعرفون منه إلا آليات ميسرة لتبادل السلطة. . السلطة التي يقصودنها بالتحديد هي منصب رئاسة الجمهورية، وقد يتبعها تشكيلة الوزراء، لكن ماذا عن أصحاب السلطة الحقيقيين الذي ذكرناهم؟
أي تغيير حقيقي في حياتنا من الممكن أن نشهد، ما لم يتغير أداء كل الحكام الحقيقيين، وليس فقط الجالسين على قمة الهرم، يشاهدون المسرحية تنتج وتخرج وتمثل أسفل السفح؟
هؤلاء لا يمكن استبدالهم لأنهم نحن جميعاً. . لكننا قد نستطيع بصبر ووعي وجهد أن نسعى جميعاً معاً نحو تغيير حقيقي، فهل من له أذنان ليسمع؟
دعوة للتبرع
حوار: هو حوار حول ما يعرف بالقر اءات السبع للقرآ ن ...
الماسونية من تانى: لو كانت الماس ونية مجهول ة الهوي ة او سيئة...
نكاح زوجة الأب: أريد فتوى في هذا الموض وع قر أت في أحد...
مسألة ميراث: أودّ استفس ارك في موضوع الترك ة المال ية، ...
زواج الجرين كارد: هل يجوز شرعيا أن أتزوج أمريك ية بغرض الحصو ل ...
more